عن وسائل الإعلام وحجم تأثيرها
الأحد, 24 سبتمبر, 2017 - 10:38 صباحاً

في ظل الجدل الدائر حول بعض وسائل الإعلام، كجزء من أزمة عربية ناشبة، ينهض سؤال مهم، سبق وطرحناه هنا، وطُرح مراراً وتكراراً، يتعلق بقدرة وسائل الإعلام على التأثير في الرأي العام، وأيها الأكثر تأثيراً من بين وسائل الإعلام المتوفرة؟

قبل زمن الفضائيات، ومن أجل فهمٍ أشمل للقضية، كانت أكثر وسائل الإعلام حكراً على الأنظمة، باستثناء وسائل إعلام دولية تنطق بالعربية، وهذه لها طريقتها في التغطية الإخبارية، تضمن بقاء مراسليها في العواصم، أي أنها تغطية منضبطة لا تصطدم بالأجهزة الرسمية، وإن تفوقت من حيث القدرة المهنية على المحلية أو بعضها.

هنا يمكن القول ببساطة، إنه لو كانت وسائل الإعلام بتلك القدرة الرهيبة على التأثير كما يصورها كثيرون، لكانت الأنظمة مقدسة في وعي الجماهير، وهو ما لم يكن صحيحاً، على تفاوت في نظرة كل شعب لنظامه السياسي، والقائمين عليه، وهي النظرة التي لم تكن نتاج أدائه الإعلامي، بقدر ما هي نتاج أدائه السياسي والاجتماعي والاقتصادي الداخلي، وسياساته الخارجية بطبيعة الحال.

هل يعني ذلك أن وسائل الإعلام غير مؤثرة؟ كلا بالطبع، فهي مؤثرة بكل تأكيد، لكنه تأثير لا يصل إلى المستوى الذي يتحدث عنه كثيرون، والسبب أن مخزون الوعي القيمي في جماهير هذه الأمة ليس في مهب الريح، بل هو راسخ بنماذج كثيرة على مدار القرون للعدل والصدق والنزاهة، ولا يمكن لأية وسيلة إعلام أن تحول راقصة إلى نموذج في وعي الناس، حتى لو أحبوا مشاهدتها، وينطبق ذلك على رجل أعمال أرعن مثل ترمب مثلاً، بينما يمكن أن يحدث شيء من ذلك في الغرب مع حملة إعلامية كبيرة.

في وعي جماهيرنا، تغدو وسيلة الإعلام أكثر تأثيراً كلما اقتربت من وعي الناس وضميرهم، لكن الانتشار شيء آخر، إذ عليها أن تضيف إلى الاقتراب من ضميرهم مستوى عالياً من القدرات المهنية، وهذا بالضبط هو سر نجاح قناة الجزيرة.

في ذات السياق، ستجد وسائل إعلام مكروهة، لكنها مشاهدة، وذلك بسبب قدراتها المهنية، أو قدرتها على صناعة الترفيه الذي يحبه الناس كحال «إم بي سي» مثلاً، والخلاصة أننا إزاء معادلة ذات شقين، الأول هو الانتشار، فيما الثاني يتعلق بالتأثير، وهنا قد تحصد وسيلة إعلامية انتشاراً كبيراً، وذلك بسبب قدراتها المهنية من جهة، أو قربها من الأوساط الرسمية، ومشاهدة الناس لها لمعرفة رأي تلك الأوساط، ومع ذلك، تبقى محدودة التأثير في وعي الناس «العربية مثالاً»، لكن وسيلة إعلام أخرى تكون مهنية ومشاهدة ومعبرة عن ضمير الناس، وهذه تكون أكثر تأثيراً «الجزيرة مثالاً»، من دون أن تكون قادرة على صناعة التغيير وحدها، كما يتوهم كثيرون، وما تفعله هو توصيل صوت الناس العازمين على التغيير.

من هنا، كانت كثير من الأوساط الرسمية العربية تعيش وهم تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام، لكن الوقائع ما زالت تؤكد غير ذلك، إذ أن حجم تأثيرها لا يزال أقل بكثير من الاعتقاد السائد، ومن يتأثرون بأكاذيبها لا يمثلون سوى نسبة قليلة، بينما تملك الغالبية حصانة ضد ذلك للأسباب التي سبق ذكرها.

كل ذلك، ونحن نتحدث عن زمن آخر غير زمننا الذي تنقل فيه مواقع التواصل الأخبار لحظة بلحظة، وبوسع الإنسان أن يتابع أية وسيلة إعلام من خلال «هاتفه»، والنتيجة أنه لم يعد بوسع أي نظام حجب الحقائق عن الناس، مهما فعل، ومهما أنتج من وسائل إعلام، أو أسكت من أخرى، ومن أراد أن يكسب الناس، فليس أمامه سوى الانسجام مع ضميرهم، وتلبية مطالبهم المشروعة التي يعرفها الجميع حق المعرفة.;

التعليقات