إلى أين يساق الخليج العربي
الثلاثاء, 03 أكتوبر, 2017 - 08:32 صباحاً

إذا لم تتضافر جهود المخلصين من أبناء الخليج العربي على كل الصعد شعبا وقيادة لإنقاذ الخليج من حاله الراهن وقبل فوات الأوان، فإنه لا جدال يساق إلى الهاوية التي لا قاع لها، ولا يظن الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) أنهم في مأمن من مستقبل مظلم مدلهم.

(2)

يعتصر الخليج العربي اليوم أزمة سياسية بالغة الخطورة لعل فاعليها لا يدركون أبعاد ما يفعلون، أو لعلهم يمنون أنفسهم بأنهم سيحققون نصرا من دون خسائر قاتلة لهم، وأذكرهم بأن انتصارهم على العراق عام 1991 لم يكن نصرا لهم، وإنما كان هزيمة كبرى، وما يعانيه الخليج العربي اليوم هو نتاج لذلك النصر المزعوم، وأقول دون تحفظ خسرنا كلنا من ذلك النصر المزعوم، وكان بإمكاننا أن نحقق نصرا مؤزرا لو أُعمل العقل العربي ولم نستسلم للانفعالات وفقدان البصيرة وتعالينا عن الأحقاد والكراهية وابتعدنا عن تحريض الطامعين فينا وفي ثرواتنا القومية.

أعتقد أن الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت هو الوحيد بين قيادات مجلس التعاون الخليجي، يدرك أبعاد الأزمة الراهنة، وفي تحركه السريع بين قيادات مجلس التعاون لإيجاد حل لهذه الأزمة "حصار قطر" غير المبررة والمبنية على فرضيات خاطئة ينطلق من تجربة عصفت بأمن واستقرار الخليج العربي في حقبة التسعينيات وما برحت آثارها تتوالد على المنطقة.

مرة أخرى ينقسم اليوم، ما يسمى "مثقفي الخليج العربي"، ونخبة الفكرية والمشتغلين بالسياسة، كما انقسموا في أزمة الخليج الثانية (غزو العراق للكويت) إلى فرقتين، فرقة مناصرة لكل ما فعلته وتفعله قيادات الدول الخليجية "الثلاث" تجاه دولة قطر، بل ذهبوا مع الأسف إلى تعميق الخلاف بين القيادات السياسية عن طريق تبرير كل ما يفعله "الثلاثة" وما يقولون به أؤلئك الحكام. وما برح كتاب الأزمة الخليجية، يرددون القول بأن قطر ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل وأن ذلك الفعل يعتبر تغريدا خارج السرب، وما انفكوا يرددون القول بالعلاقات القطرية الإيرانية. في المسألة الأولى خانتهم الذاكرة بأن قطر قطعت علاقاتها مع إسرائيل منذ عام 2009 على إثر العدوان على غزة. أما الثانية وأعني إيران فإنهم يتجاهلون بأن الإمارات والكويت وعمان تربطهم علاقات مع إيران لعلها أكثر من علاقة قطر بإيران قبل محاصرة دولة قطر، وأن سفارات الدول الثلاث في طهران ما برحت مفتوحة الأبواب وإعلام تلك الدول ترفرف في سما طهران على مقار بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية.

الفرقة الثانية من النخب الخليجية، فقد انحرفت نحو السلبية والجمود خشية أن تُغضب حاكما أو بطانته، وفي الحالتين ارتكبت تلك النخب خيانة عظمى لكل قيم الفكر وأمانة القلم الذي قدسه الله بسورة كاملة في القرآن وأقسم به وبما يسطرون. واستدعى رجال الدين الموظفين ليساندوا الحاكم بفتاوى دينية تبرر ما يصنعون كما فعلوا في حرب الخليج الثانية.

(3)

يتسابق بعض حكام مجلس التعاون الخليجي نحو إسرائيل اعتقادا منهم أن الوصول إلى ذلك الكيان يعزز مواقعهم عند الإدارة الأمريكية (ترامب)، وبالتالي يحقق أهدافهم السياسية خاصة فيما يتعلق بالخلاف مع دولة قطر.

في 27 /9 الماضي شارك ولي عهد مملكة البحرين ناصر بن حمد آل خليفة في احتفال في لوس أنجلوس نظمه مركز يهودي لإحياء ذكرى الهولو كوست (المحرقة)، ووقف جنبا إلى جنب مع الحاخام إبراهام كوبر رئيس مركز (شيمون فيزنتال) عندما عزفت الفرقة الموسيقية البحرينية النشيد "الوطني" الإسرائيلي. ونقل الحاخام كوبر عن الملك حمد بن عيسى أن جلالته "يشجب مقاطعة الدول العربية لإسرائيل وأنه سيسمح لشعب البحرين بزيارة إسرائيل. كتب الصحفي الإسرائيلي (أنا آهرو نحيم) في جريدة جيروزاليم بوست نقلا عن راديو "صوت إسرائيل" الخميس 7 سبتمبر الماضي أن أميرا سعوديا قام بزيارة سرية إلى إسرائيل، وتناقلت الصحافة العربية والأمريكية نقلا عن حوار تلفزيوني مع قناة 24 الإخبارية الإسرائيلية قول اللواء المتقاعد أنور عشقي الذي زار إسرائيل عدة مرات سرا وعلانية أن السعودية تعتزم فتح سفارة في مدينة القدس، وأنه يمني نفسه أن يكون أول سفيرا لبلاده في إسرائيل.

لم تكن علاقة إسرائيل ودولة الإمارات وليدة حصار قطر في الخامس من شهر يونيو من العام الجاري، وإنما تعود لسنوات خلت كان أهمها اللقاء الذي عقد لأول مرة بين الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية الإمارات ونتنياهو رئيس وزراء إسرائيل 28 / 9 / 2012 على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وكان برفقته سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة. كما أن الشيخ عبد الله آل نهيان التقى بوزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني في نيويورك في سبتمبر 2016على حفلة غداء على شرفه.. وأشار الوزير بن زايد إلى أن الإمارات ودول خليجية أخرى معنية بتطوير علاقاتها مع إسرائيل. ما دفعني لذكر علاقات الدول الخليجية الثلاث بإسرائيل كثرة ترديد نخبه السياسية والفكرية" إدانة وانتقاداتهم المستمرة لدولة قطر لعلاقاتها مع إسرائيل رغم علمهم الأكيد بأن تلك العلاقة قد قطعت منذ العدوان على قطاع غزة عام 2009. إلا أنهم لم يتجرأوا على انتقاد علاقات الدول الثلاث آنفة الذكر اليوم.

(4)

تظن بعض قيادات الدول الخليجية الثلاث أنه بتقربهم إلى إسرائيل ووعودهم بالانفتاح مع الأخيرة، وإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية علانية معها في الأجل المنظور يجعلهم أكثر قربا من الإدارة الأمريكية وأكثر استجابة لمطالبهم (ترامب) بوسيط إسرائيلي يتحقق لهم النيل من قطر. أنبه إلى أن التكلفة ستكون غالية الثمن على الكل، دما، وموارد، وبنية اقتصادية، ولن يقوم لهذه المنطقة قائمة، وسوف يكون الرابح الأكبر إيران وإسرائيل على حد سواء. فلا تخربون ما تم إنجازه في أوطانكم بأيديكم وأيدي من لا يريد بأمتنا العربية خيرا.

آخر القول: يا قادتنا الميامين اتقوا الله في أهل الخليج العربي، وسووا ذات بينكم بالتي هي أحسن، ولا تنازعوا فتفشلوا. واعلموا أنكم مستهدفين من كل القوى. القيادة القطرية تدعوكم إلى حوار صادق وأمين بعيدا عن التعالي على بعضكم بعض، واعلموا حق اليقين بأنكم من آدم عليه السلام وآدم من تراب.

التعليقات