كيف نبدع دخولا أدبيا عربيًا صحيحًا؟
الاربعاء, 18 أكتوبر, 2017 - 09:27 صباحاً

كل دخول أدبي في فرنسا، وفي العالم المتقدم أيضًا، هو بالضرورة حدث ثقافي مميز، يحدث مرة في السنة، حيث يجد النص الجديد الطريق نحو قارئه المنتظِر. هناك أفق انتظار تتحكم فيه رغبة اللقاء الجميل بين الكتّاب وجماهيرهم، والمؤسسة الإعلامية التي تروج للنصوص التي ظهرت وأحدثت صدى إعلاميا مميزا.
 
للأسف، في العالم العربي يكاد هذا التقليد ينتفي، ويكاد يكون الدخول الأدبي لا حدث، لأن المكينة الإعلامية معطلة من الجهة الثقافية، فيغلب الدخول الاجتماعي على الدخول الأدبي ويمحوه، نظرا للأوضاع العربية الاقتصادية والأمنية الهشة جدا. لكن مع جهد صغير يمكن استرجاع هذا الحدث وتحويله إلى مدخل للرفع من شأن الكتاب.
 
الجوائز التي قدمت خدمات كبيرة للأدب العربي كجائزة سلطان العويس، الشيخ زايد، البوكر، كتارا، الإبداع العربـي وغيرها، إذ جعلته مرئيا وفي متناول الجمهور من خلال خياراتها الناجحة، واستتباب الثقة بينها كمؤسسات مانحة، والقارئ المنتظر.
 
تحتاج هذه الجوائز إلى تطوير أدواتها الإعلامية حتى تواكب بداية السنة على وجه الخصوص. فبعد العطلة والراحة، يعود المواطن وهو يبحث عمن يوجهه نحو النصوص الجيدة لقراءتها وتكوين وجهة نظر حولها. لإعطاء ميزة وخصوصية أدبية للدخول الأدبية تحتاج الجوائز العربية، ووفق برنامج تنسيقي، أن تعلن على الأقل، عن قوائمها الطويلة بنهاية شهر سبتمبر/أيلول أو بداية أكتوبر/تشرين الأول ، لتسمح للقراء الاطلاع على النصوص المرئية، ولا يضيع القارئ في أدغال ما ينتج روائيا. قبل بدء موسم المعارض التي تشكل سوقا حقيقية: معرض عمان، في نهاية سبتمبر، بعده معرض الجزائر، في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول، صالون الشارقة بداية نوفمبر،معرض بيروت بداية ديسمبر/كانون الأول،الدوحة بعده مباشرة، وغيرها من المعارض العربية التي تأتي متلاحقة على مدار السنة.
 
فقد تم تثبيت تواريخ أغلبها. هذه الأسواق الواسعة للكتاب، مساحة للقارئ وخياراته،الذي يحتاج إلى موجه مسبق، وربما كانت الجوائز إحدى هذه الموجهات وليست الوحيدة طبعا. وهذا جد مهم في عالم عربي يشكو من تسويق الكتاب. الإعلان عن القوائم الطويلة مثلا في شهر سبتمبر أو أكتوبر، مهم جدا، ويساعد القارئ على خياراته القرائية.
 
مثلما يحصل في الكثير من بلدان العالم ومنها فرنسا حينما يتم الإعلان عن القوائم الطويلة بين سبتمبر وأكتوبر، للغونكور، رونودو، فمينا، الأكاديمية الفرنسية، وغيرها من الجوائز الوطنية الكبرى. حتى نوبل لا تخرج عن هذا النظام إذ رُبطت هي أيضا بهذه الفترة المصاحبة لما بعد عطلة الصيف، فتظهر الحملات الأولى والافتراضات المختلفة، والأسماء المتكررة والجديدة، قبل أن يتم الاستقرار على اسم مع النصف الأول من شهرأكتوبر.
 
أعتقد أن هذه الخيارات تفرض نفسها بقوة كحاجة ماسة مرتبطة بتوزيع الكتاب وتوفيره. فقد اكتسبت الكثير من الجوائز العربية، مصداقية كبيرة تساعد القارئ على أن يجد نفسه في غابة من الروايات تصل حتى 500 رواية وربما تتجاوز هذا العدد حتى الألف إذا صدقنا ما تعلن عنه الجوائز من ترشيح ومشاركات، بغض النظر عن القيمة الفنية والأدبية.
 
طبعا، قانون الأدب قاس، إذ أن الكثير من النصوص سيصيبها الإهمال، نظرا لنظام أدبي لا يرحم، لا يحتفظ إلا بعدد قليل لوضعه تحت الشمس، ولا تظهر في الأسواق العربية إلا روايات معدودات.
 
المشكلة الكبيرة هي أننا لا نعرف النصوص مثلا المرشحة للجوائز، لأن أغلب دور النشر تحتفظ بأسرارها، بهدف عدم إحراج المرشحين؟ ولا أعرف إلى اليوم ما مصدر الإحراج؟ ما دام الترشيح للجوائز هو من خيارات دور النشر وليس الكاتب. ندرك أنّ للناشر لغته وخياراته. فهو يخاف من تحمل المسؤولية أمام كُتّابه لأنه لا يرشح إلا النصوص التي تملك بعض الحظ في الفوز بالجائزة، بينما ينتظر كل كتاب أن يحصل على الأولوية في الترشيح.
 
الجائزة التي ترفع من قيمة الكاتب، ترفع بالضرورة من اسهم الناشر. قيمة دور النشر في أوروبا ومكانتها ومراكزها، تقاس أيضا بمدى حصولهاعلى الجوائز الكبرى، وعلى رأسها نوبل طبعا. وما دامت الجوائز العربية الكبيرة ليست محلية، ولكنها عربية، تحتاج إلى بعض التنسيق لتلعب دورا حيويا للترويج للكتاب الجيد، أو ذاك الذي اختارته لجانها ليفوز بجائزتها الكبرى. تحتاج أن تفكر عربيا في إعلان القوائم الطويلة والقصيرة، قبل افتتاح موسم معارض الكتب العربية بقليل،حتى يتمكن القارئ من الدخول إلى هذه المعارض بزاد أولي. إذ على الجوائز مسؤولية لعب دور مهم في تهيئة القارئ للذهاب نحو الروايات الفائزة مثلا أو تلك التي أخرجتها الصحافة الوطنية والعربية، من الظلمات.
 
وحتى القصة القصيرة والشعر لهما حق الاستفادة من هذا المجال الإعلامي والدعائي، ما دامت هناك جوائز تخص هذين النوعين، وإن ظلت الرواية هي سيدة الأجناس الأدبية عربيا وعالميا. تأخير إعلان الجوائز حتى شهر فبراير أو غيره، يجعلنا نخسر قارئا محتملا، مستعدا لمرافقة كاتبه في كل مراحل الجائزة.
 
من أجل هذه العلاقة مع القارئ، تحتاج الجوائز إلى حد أدنى من التنسيق الفعلي، وتقديم تواريخها قليلا لتعطي للدخول الأدبي معنى، إذ سنتعامل وقتها مع نصوص تميزت عن غيرها من النصوص الأخرى التي دخلت مختلف المسابقات ومختلف الجوائز ومختلف القوائم. هذا التنسيق يساعد حتما في أداء مهمة القراءة على أفضل وجه، ودفع القارئ نحو الكتب المؤهلة أو الفائزة، على أكمل وجه. وتصبح الجائزة مساهما حقيقيا في عملية التحول تُجاه فاعلية قرائية تتجاوز تكريم الكاتب بوضع مؤلفه في متناول قارئه. سينشئ هذا حتما علاقات أخرى أكثر جدارة وجدوى على ما هي عليه اليوم سوق الكتاب.
 
تخرج الجائزة عن كونها مجرد قيمة مالية مهما كانت قيمتها، وتصبح فعلا ثقافيا حقيقيا، إذ تظل القيمة الثقافية أهم رهانات الجوائز. طبعا الأوضاع العربية المعقدة، لا تسهل هذه المهمة، لكن التفكير فيها يستحق كل الاهتمام. يمكن غدا أن تستقيم الأمور، فالخلافات العربية – العربية قاسية، لكنها ليست قدرا، ونصل إلى درجة من الوعي، تُخرِج الثقافة من دائرة التبعية للسياسي، المؤقت والمرحلي.

*نقلا عن القدس العربي 

التعليقات