المنطقة الملتهبة وحتمية التغيير في العالم العربي
الثلاثاء, 14 نوفمبر, 2017 - 09:16 صباحاً

ثلاث حروب على الأقل مرشحة بالاندلاع في المنطقة العربية الصغيرة والملتهبة أصلاً، التي لم تهدأ فيها التوترات طوال السنوات العشر الأخيرة، وهذه الحروب الثلاث المرتقبة، سواء اندلعت واحدة منها أو أكثر فسوف تنضم إلى جملة الصراعات التي تشهدها المنطقة، والتي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً رغم سرعة التحولات ورغم تبدل الأولويات التي لدى الأنظمة بشكل سريع.
 
المنطقة العربية يُعاد تشكيلها حالياً بفعل عوامل التغير الطبيعي والحتمي، والرغبة الجامحة لدى الشعوب العربية بالتغيير، وهي الرغبة التي ظهرت في بدايات عام 2011، فيما تحاول بعض القوى والأنظمة في العالم العربي أن تستفيد من حراك التغيير، وتظن نفسها تعمل على توجيهه وتتحكم فيه، وحقيقة الأمر أن هذه القوى وإن استطاعت الاستفادة من هذا التغيير وتوجيهه إلا أنها لن تتمكن من التحكم به بشكل كامل، ولا يمكن أن تبقى الماسك بزمامه حتى النهاية.
 
في المنطقة العربية يوجد اليوم تحالف إقليمي قوي استطاع في عام 2013 أن يحدد مسار الأحداث في مصر ونجح في ذلك بدون شك، لكن هذا التحالف وسّع نشاطه لاحقاً من أجل التحكم بمسار العالم العربي بأكمله، وتحديد مصير المنطقة بأكملها، وهذا ما نستطيع القول إنه من المستحيل أن ينجح.
 
التحالف العربي والإقليمي الذي أطاح بنظام ما بعد الثورة في مصر ونجح في توجيه البلاد والعباد فيها لمصلحته، فشل لاحقاً في أغلب مشاريعه بالمنطقة، فلا استطاع تغيير النظام في تركيا ولا حسم المسار في سوريا واليمن وليبيا، ولا نجح – حتى الآن على الأقل – في أن يدفع أو يدعم قيام دولة كردية في شمال العراق، تُؤدي الى زعزعة النفوذ التركي والإيراني في المنطقة.. وهذا كله يعني في النهاية أن التحكم في مسار الأحداث السياسية والعسكرية، لا يمكن أن ينجح بشكل كامل، ولو نجح مرحلياً فلا يمكن أن يستمر إلى الأبد.
 
في المنطقة العربية حالة من الترقب حالياً، بسبب التطورات والتوترات السياسية التي يمكن أن تتحول في أي لحظة الى مواجهات عسكرية، وهي مواجهات لا يعلم أحد الى أين يمكن أن تؤدي في المنطقة، إلا أن المؤكد أمامنا هو أن المنطقة تتغير ويُعاد تشكيلها من جديد، بل إن الأنظمة القائمة أيضاً تتغير من الداخل، وتتم إعادة تشكيلها وهو ما يجري حالياً في السعودية، التي يتم تأسيس «مملكة جديدة» فيها وتشهد عملية تغيير جذري داخلي، أطاحت بكافة القوى التقليدية داخل النظام وامتدت من السياسة الى الاقتصاد والاعلام. وهذه التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية لا تبعث على القلق الكبير لسبب بسيط، وهو أن الوضع العربي كان وما يزال متردياً، إلى درجة لا تدفع الى الاعتقاد بأنه يوجد أعمق من هذه الهاوية التي تعيش فيها الأمة منذ سنوات وعقود، إذ أن أي تغيير مهما كان غير ملبٍ لطموح العرب وآمالهم فإنه أيضاً لن يؤدي إلى أسوأ مما هم فيه الآن، ولذلك فإن المغامرة ليست كبيرة والمخاطرة محدودة.
 
ما يحدث اليوم في العالم العربي هو تغيير حتمي وطبيعي سببه أن الأنظمة في هذه المنطقة تشكلت بطريقة مشوهة، ولم تكن يوم نشوئها نتيجة طبيعية ومنطقية لمسار الأحداث، وإنما نشأ بعضها بموجب خطوط «سايكس بيكو» واستمدت بعض الأنظمة شرعيتها من الخارج وليس الداخل، وتحالفت أخرى مع المحتل الأجنبي، بينما بالغت أنظمة ثانية في القمع والاستبداد والفساد، حتى أصبحت عبئاً على السكان والمنطقة. وهكذا ظلت التشوهات تتراكم حتى انتهينا الى مرحلة التغيير التي بدأت مطلع العقد الحالي ونتوقع لها الاستمرار لسنوات مقبلة.
 
أما الخلاصة في هذا كله، فهو أنه لا يوجد قوة أو تحالف في المنطقة العربية يستطيع التحكم في مسار الأحداث الحالية بشكل كامل، إذ ربما تنجح دولة أو نظام أو جهة في شيء ما، أو توجيه ما لكنها لن تنجح في كل شيء ولا في كل الدول، ودليل ذلك واضح وضوح الشمس، ويتجلى في فشل الانقلاب العسكري التركي، وفشل الحسم العسكري في ليبيا، واستمرار الحرب في سوريا واليمن، مع عدم قدرة أي طرف على الحسم.. وفي النهاية فإن التغيير في المنطقة حاصل لا محالة، وما علينا سوى الانتظار لبضع سنوات حتى نرى.

*نقلا عن القدس العربي

كاتب فلسطيني
 

التعليقات