الدول والأخلاق السياسية
الأحد, 14 يناير, 2018 - 10:14 صباحاً

يؤثر سؤال الأخلاق السياسية في الشعوب عندما تواجه الظلم، فالصراع بين تيار الظلم من جهة وتيار العدالة والحرية من جهة أخرى لم يتوقف عبر التاريخ الإنساني، وقد نجح كل سياسي سعى للتغيير في اكتشاف ذلك الجانب من الظلم الذي يحرك الناس ويحشد قواها في معركة للتحرر والتغير. فثورة العبيد وثورة الزنج والثورة الفرنسية والإيرانية والروسية وثورات أوروبا الشرقية وثورات الربيع العربي، انطلقت في معظم الحالات في ظل ظروف ساد عبرها الظلم والتعدي. وبإمكان الدول والأنظمة السياسية أن تسقط أخلاقيا وقيميا قبل أن تسقطها ثورة شعبية أو انتفاضة كبرى.
 
الأخلاق السياسية هي مجموعة القيم التي تتحكم في الحياة العامة في المجتمع، فالأخلاق السياسية المهيمنة على نظام هي تلك المواقف التي تتحكم بسياسة الإنجاز والعدالة وما هو صائب وخاطئ في كل من الإدارة والسياسة. وبما أن العدالة والإنصاف وحسن المعاملة هي قيم أساسية في منظومة الأخلاق لدى المجتمعات فإن فقدان الأنظمة للبوصلة القيمية حول العدالة والإنصاف والمعاملة مدعاة لفقدانها للشرعية، وبالتالي التوجه لآفاق سقوطها وانتهاء دورها.
 
وفي كل أمة أو مجموعة من الناس حالة من التحزب والتجمع في جماعة سياسية أو قبلية أو فئة حاكمة أو محكومة، لكن الاختلاف يتموضع حول مدى الإنجاز وعمق العدالة وحقوق المشاركة والتبادل ضمن كل فئة وبين الفئات المختلفة. لهذا فإن التحزب المنغلق الذي تمارسه الكثير من الأنظمة غير الديمقراطية والذي ترافقه أحكام قاسية بحق أفراد عبروا عن الاختلاف في الرأي في شأن يعتبرونه غير منصف وغبر عادل يزرع بذور اهتزاز الأنظمة. لهذا فعندما يتم اجتثاث مجموعات سياسية أو مجموعات رأي ضمن المجتمع ( كما يقع في العالم العربي على سبيل المثال) فإن التآكل نتاج طبيعي لهذه الحالة من الاستثناء والعزل.
 
إن تردي الأخلاق السياسية سمة من سمات الأنظمة التي تخلق الأوضاع التي تسمح للكبير بالسيطرة على حصة الصغير، وتسمح للدولة الأكبر حجما بتدمير حقوق الدولة الاصغر، كما وتدفع الدولة المسيطرة على القانون وكل الصلاحيات والمؤسسات بأخذ أموال الآخرين بلا سند قانوني وبلا قضاء مستقل. فإن الدول التي تحكم بلا مرجعية أخلاقية قيمية ودستورية عادلة تجاه مكونات المجتمع، تنتهي، مع الوقت، لخلق حالة من التفكك المزمن وحالة من السقوط لكل أنواع التضامن ضمن المجتمع وبين الدولة والرأي العام. في أنظمة الانهيار الأخلاقي يتهم الناس بلا أساس ويحاكموا على أمور لم يرتكبوها ويؤخذ الابن والأب والأخ والأخت بجريرة ما قام به غيرهم. في الأخلاقيات السياسية وأخلاقيات الاستبداد التي أصابها العمى والضحالة يصبح الشك وسيلة للإدانه بينما يتحول الفساد لمرجع رئيسي للتجارة وأساس المعاملات والصفقات.
 
لا يقتصر الانهيار الاخلاقي على الشرق دون الغرب، فإسرائيل تمثل أحد أخطر صور العدمية الأخلاقية المعبرة عن نفسها من خلال تهجير وطرد سكان البلاد الاصليين. إن الأنظمة التي تشرع مذلة الآخرين وتتمتع بمطاردتهم عبر الصحاري والجبال وتسمح بانتهاك الكرامة الإنسانية تلاحقها لعنة المظلومين والضعفاء وتغزوها مشاعر الخوف وعقد الأمن، وهذا يدفعها للعيش بعزلة وراء جدران وبروج عاجية تسهم في زوال دورها وتعاظم تآكلها التاريخي.
 
ورغم هبوط القيم الخاصة بالانسان والعدالة في البلدان العربية تنمو مدارس تتحدى الظلم وتتواجه معه في ظل سعي لواقع يحترم الحقوق ويثمن العدالة. المدارس العربية الباحثة عن الجديد ساعية لإعلاء الحقوق والعدالة مقابل الاستبداد، وتمكين المعرفة مقابل الجهل، وممارسة الجرأة مقابل الجبن والمشاركة مقابل السلبية. المدارس العربية الكامنة تحت طبقات من القمع ستخلق ثغرات في الأسوار التي تحمي أخلاقيات الفساد والاستبداد.

*الوطن القطرية

التعليقات