حقيقة صراع القوة بين السعودية وإيران ومحاولات المصالحة
- هاف بوست عربي السبت, 09 ديسمبر, 2017 - 07:11 مساءً
حقيقة صراع القوة بين السعودية وإيران ومحاولات المصالحة

قبل ما يزيد عن الشهر بقليل، أسَّست إيران ما يُشبه حضوراً دبلوماسياً في السعودية للمرة الأولى منذ ما يقارب عامين. ومن جانبهم حصل السعوديون في إيران على شيءٍ مشابه لا يُعَد سفارةً بالمعنى الكامل.
 
وفجأةً، بدا أنَّ مركزي القوة الإقليميين اللذين تسبَّب تنافسهما في مئات الآلاف من القتلى وانعدام استقرارٍ عالمي لا يُوصَف قد أصبحا أقرب قليلاً إلى السلام، وذلك بفضل سويسرا، التي أعلنت في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنَّها ستُمثِّل المصالح السعودية في إيران والعكس.
 
وتُعَد الوساطة السويسرية محدودة. فهي تغطي فقط الخدمات القنصلية حسبما أوضح أحد المسؤولين السويسريين لموقع هاف بوست. وقال المسؤول إنَّ وزارة الخارجية ليس لديها تعليقات أخرى بشأن تلك السياسة.
 
لكن حين يتعلَّق الأمر باحتمالية حدوث تقارب بين إيران والسعودية، فإنَّه حتى الخطوات الصغيرة تصبح مهمة. وعلى الرغم من الصخب حول الانقلاب الذي أحدثه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية هذا الأسبوع، فإنَّ المشكلة الحاسمة في الشرق الأوسط اليوم ليست بين مؤيدي فلسطين ومؤيدي إسرائيل. ولكن المعركة التي ستُقرِّر مستقبل الشرق الأوسط هي بين إيران وخصومها العديدين، وأهمهم السعودية.
 
تقول رندا سليم، إحدى خبراء جهود السلام البارزين في معهد الشرق الأوسط: "إنَّهما (السعودية وإيران) عالقتان في صراعٍ صفري على القوة. فإيران تقول إنَّها لن تترك الشرق الأوسط أبداً" – أي لن تقبل بلعب دورٍ هامشي في الشؤون الإقليمية – "بما في ذلك المنطقة العربية؛ لأنَّها تنتمي لتلك المنطقة. بينما تقول السعودية إنَّ إيران لا دور لها لتلعبه في المنطقة العربية لأنَّها ليست دولة عربية. وهذا المستوى من التوتُّرات الموجود اليوم بين الدولتين يُعَد واحداً من أعلى المستويات التي شهدتها".
 
ويعتمد السلام في المنطقة على وجود دبلوماسيةٍ فعالة بين الرياض وطهران. إذ لم تؤدِ سنواتٌ من محاولات تحقيق ذلك الهدف سوى إلى إحراز القليل من التقدُّم وكثيرٍ من الإحباط، لكنَّ الخبراء يقولون إنَّه بالنظر إلى الاضطرابات الإقليمية ومستقبل البلدين المتشابكين لا محالة، فإنَّ حتى النجاح الذي تبدو احتمالية تحقيقه محدودةً يُظهِر أنَّه يستحق المحاولة.
 
 
لقاءات سعودية - إيرانية منتظمة
 
الخبر الجيد هو أنَّ تلك الوساطة السويسرية هي واحدة فقط من بين محاولاتٍ عديدة. فمنذ خريف عام 2015، أولى المسؤولون الغربيون اهتماماً متزايداً لجهدٍ أوروبي يهدف للجمع بين مجموعةٍ من السعوديين والإيرانيين النافذين معاً مرتين سنوياً وبصورةٍ منتظمة تقريباً.
 
ويوضح عدنان طباطبائي، مدير مركز الأبحاث التطبيقية والشراكة مع الشرق في مدينة بون بألمانيا: "بصرف النظر عن التوتُّرات السياسية، هناك دوماً تيارٌ نافذ في البلدين – في المجال الأكاديمي وأيضاً المراكز البحثية وفي المؤسسات الأمنية – مهتمة بوجود بعض أشكال التواصل".
 
هذا المسار، المعروف باسم حوار "المسار الثاني"؛ لأنَّه لا يتضمَّن شخصياتٍ حكومية من أي البلدين (المسار الأول)، يمثل شراكةً بدعمٍ من الحكومة الألمانية بين مركز الأبحاث التطبيقية والشراكة مع الشرق ومعهد إيست ويست، وهو مركزٌ بحثي أميركي لا حزبي.
 
والعملية حساسة للغاية. فلا يكشف مُنظِّمو الحوار عن أسماء الحضور السعوديين أو الإيرانيين أو غيرهم (ممن يكونون عادةً خبراءَ أوروبيين في شؤون منطقة الشرق الأوسط). ولا يكشفون كذلك عن مكان عقد تلك اللقاءات.
 
وقال طبطبائي إنَّه من المفهوم أنَّ يتشارك المشاركون المعلومات والتحليلات مع صانعي السياسة، لكن لم تكن هناك أي متابعاتٍ رسمية من أيٍّ من الطرفين. وتتمثل الأولوية في الحفاظ على الثقة والسرية وحسن النية، وهو ما يتضمَّن تطلُّعاتٍ مثل تلك القاعدة التي يتبعها معهد تشاتام هاوس، وتتعلَّق بإمكانية تشارك الرؤى المتداولة في المحادثات على الصعيد الداخلي، لكن فقط إن كانت خالية من أي معلومات من شأنها تحديد الشخص أو الجهة التي صدرت عنها تلك الرؤى.
 
وأضاف: "يكون النجاح حقيقياً إن كانت لديك قناة مستمرة يلتقي فيها أشخاصٌ مُطَّلِعون من كلا الجانبين ويناقشون التطورات الجارية، ويفعلون ذلك بأسلوبٍ مُتحضِّر تكون فيه المناقشات صريحة لكن تتسم بالاحترام، وحيث يمكنك أيضاً أن تحصل خلالها على استراحات قهوة وغداء وعشاء يمكن لهؤلاء الأشخاص فيها ببساطة أن يختلطوا ويقيموا علاقاتٍ شخصية وإنسانية مع بعضهم بعضاً. ما نعتبره نجاحاً هو أنَّنا تمكَّنا طيلة السنتين ونصف السابقة من جمع المشاركين من كلا البلدين معاً 6 مرات، وقمنا بمحادثاتٍ مستمرة تَبني على ما سبقها من جولات".
 
وبعد 4 جولات، أصدر المُنظِّمون تقاريرَ موجزة من أجل تشارك وجهات النظر والمخاوف التي ساقها السعوديون والإيرانيون. وعقدوا كذلك اجتماعاتٍ في عواصم بمختلف أنحاء العالم.
 
يرى المسؤولون الحوار مفيداً لأنَّه يحافظ على العلاقات بين مجموعاتٍ متسقة بشكلٍ كبير، ويغطي بشكلٍ متعمد عدداً من المسائل. من بين هذه المسائل حتى الآن أزمة اللاجئين، والمخاوف البيئية والتهديدات التي يشكّلها مسلحو داعش، وخطط تقليل اعتماد البلدين على عائدات النفط.
 
وبحسب ريتشارد نفيو، أحد كبار مسؤولي وزارة الخارجية السابقين الذي شارك في أوسع محادثاتٍ أميركية مع إيران على مدى عقود بصفتها جزءاً من الدبلوماسية النووية لإدارة أوباما، فإنَّ مجرد الالتقاء وجهاً لوجه بشكلٍ منتظم والتعرف على طرق الفريقين من الممكن أن يسهل على كلا الطرفين الاتسام بالنزاهة. وتذكر نفيو شيئاً مشابهاً حدث خلال هذه المفاوضات، فقال لموقع هافت بوست: "في هذه المحادثات الأولية، كانت أبعاد ما يمكن أن تقوله وما يمكن مناقشته مختلفةً إلى حدٍ بعيد عن تلك الأبعاد بعد عامٍ ونصف من المحادثات".
 
والالتزام بالحوار حتى مع قطع السعودية وإيران علاقاتهما رسمياً وتصعيد حدة خطاباتهما يرسل إشارةً مهمة مفادها أنَّ كلا الطرفين يتعاملان مع المحادثات بجدية، وأنَّ بعض الثقة الحقيقية قد تطورت.
 
وقال أحد المسؤولين الحكوميين الغربيين لهاف بوست: "من المثير للإعجاب حقاً كيف أنَّ طباطبائي وفريقه قد حافظا على هذه المراسلات حتى بعد كل الأحداث الرهيبة التي وقعت خلال السنوات الثلاث الماضية".
 
تعريف طباطبائي للفشل هو موقفٌ لا يكون فيه أي شخصٍ قادراً حتى على فتح حوارٍ مع الآخر. وقد كانت هذه الاحتمالية أرجح في العام الذي سمى فيه ولي العهد السعودي المرشد الأعلى الإيراني "هتلر الجديد"، ونجح المتمردون المتحالفون مع إيران تقريباً في تدمير المطار السعودي الأساسي في اليمن.
 
وجاء في التقرير حول ورشة العمل الأخيرة التي أقيمت في أبريل/نيسان الماضي، أنَّ تأمين مشاركةٍ متوازنة على كلا الجانبين كان أصعب بكثير من أي وقتٍ مضى.
المعضلة الأساسية
 
المشكلة الأساسية تتمثل في الموقف السعودي الذي يزداد تشدداً، والذي تقول المملكة إنَّه رد ملائم للعدوانية الإيرانية بعد مكاسبها من الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
 
تقول رندا التي تدير حوارها الإقليمي الخاص في "المسار 1.5" شبه الرسمي: "لقد قرر المسؤولون السعوديون أن يستخدموا كل أسلحتهم في مواجهتهم للنفوذ الإيراني في باحتهم الخلفية. ولن يتخلوا عن هذه الاستراتيجية في أي وقت قريب". وقالت رندا إنَّه حتى في الأوقات الأقل عدوانية، كان السعوديون قلقين من المشاركة عبر قنواتٍ غير رسمية.
 
ويؤكد سيد حسين موسوي، وهو دبلوماسي إيراني سابق عمل على التعاون مع السعوديين: "لطالما كان الإيرانيون مستعدين. خلال فترة الملك الراحل عبدالله، كانت الرياض مستعدةً لسماع وجهة نظر الإيرانيين، لكنَّ الأمر لم يعد كذلك في حقبة الملك سلمان الحالية".
 
موسوي الذي يعمل الآن باحثاً بجامعة برينستون يرى الإحجام السعودي جزءاً من القلق حول الصفقة النووية وتواصل إيران مع الغرب. وكانت السعودية قد سعت لسنوات أن تجعل حليفها الأميركي يعمل بصفته قوة موازنة في المنطقة، في الوقت الذي دفعت فيه إيران المتشككة في نوايا واشنطن والأكثر ثقة بقدراتها إلى تشكيل الشرق الأوسط على أساسٍ ثنائي، وذلك بحسب دراسةٍ لمركز أبحاث راند أجريت عام 2009.
 
حالة الوئام التي تجمع إدارة ترامب والسعوديين، وإصرارها على التصدي لإيران، يعنيان أنَّ لا ضغط أميركياً يُذكر على الجانبين لإحداث توافق بينهما، مع الإقرار بأنَّ التوافق أمرٌ لازم الحدوث على المدى الطويل. وقال موظف بوزارة الخارجية الأميركية حين سُئل عن القرار السويسري الجديد: "لقد اطَّلعنا على هذه التقارير. سنظل نحث القادة في المنطقة على اتخاذ خطوات إيجابية لتهدئة التوترات".
 
ويرى بعض المراقبين أنَّ الولايات المتحدة يمكنها أن تفعل المزيد، حتى لو لم ترغب الإدارة في هذا. ويقول مساعد كبير في الكونغرس يعمل على تعظيم جهود الإدارة الأميركية في تعزيز الحوار السعودي الإيراني لهاف بوست إنَّ ثمة إحباطاً في الدوائر التقدمية من أنَّ مساعدي أوباما السابقين لم يكونوا أكثر صراحةً، خاصةً أنَّ تجربتهم تشير إلى استعداد إيران للتواصل مع خصومها.
 
لكن ليس هناك من دليل على أنَّ المواقف قد تخفّ حدتها من تلقاء نفسها.
 
ويعتقد بعض المحللين أنَّ ولي العهد السعودي حين يعتقد أنَّه قد بسط سيطرته وعزَّز مكانة المملكة في الخارج، حينها فقط قد يُعدِّل خطابه ويحاول التوصل إلى توافق (مع إيران).
 
ويقول الخبراء إنَّ الرياض وطهران حافظتا عملياً على استعداد حكومتيهما للدخول في تواصلٍ من هذا النوع وقتٍ قصيرٍ نسبياً.
 
وقال المسؤول الغربي: "ثمة عدد من السعوديين المُطلعين الذين يعرفون نظراءهم في إيران جيداً، وليس من خلال الأشياء التي يقوم بها عدنان طباطبائي وليس من خلال السويسريين".
 
وأشار سليم إلى أنَّ الحكومتين كانتا على تواصلٍ على مدى سنوات من خلال مسؤولين أميركيين وسويسريين وعراقيين وإماراتيين وكويتيين، كان آخرها في وساطة كويتية "وصلت إلى مرحلة متقدمة"، لكنها "تبقى مُعلقة إذا لم تنته".
 
ورغم الانطباعات بأنَّ الخلافات الطائفية قد تحول دون تواصلٍ مفتوحٍ بين الجانبين، إذ إنَّ معظم السعوديين من السُنَّة ومعظم الإيرانيين من الشيعة، يقول المحللون إنَّ الخلافات الدينية ليست هي العامل الحاسم، وقد تكون الاختلافات في النظم السياسية ذات أهمية أكبر، إذ تدعم إيران فكرة الثيوقراطية شبه الديمقراطية وتُصدِّرها إلى خارج إيران، وهي فكرة يعدُّها السعوديون تهديداً للمَلَكيات المُطلقة كمَلَكيَّتهم.
 
وقال "موسويان" و"نفيو" لهاف بوست إنَّ مفتاح إجراء محادثات ناجحة هو اهتمام القيادات العليا (في البلدين) بها.
 
وفي التسعينيات من القرن الماضي، تمكَّن الرئيس الإيراني الإصلاحي علي أكبر هاشمي رفسنجاني وولي العهد السعودي الأمير عبدالله في التسعينيات من نزع فتيل التوتر بين الشرطة السعودية والإيرانيين أثناء شعائر الحج عام 1987، وفي الحرب الأهلية اللبنانية وقضايا أخرى. وقد أرسل رفسنجاني موسويان إلى المملكة مبعوثاً خاصاً في صيف عام 1996.
 
وقال موسويان: "لقد بحثنا المخاوف الأمنية، والتدخلات، بصراحة وشفافية ووضوح. تحدثنا عن الأقليات (الأقلية الشيعية في السعودية والأقلية السنية في إيران) والشكوك المتبادلة حول التدخل في شؤوننا الداخلية. في النهاية، كانت صفقتنا حزمة شاملة أدت إلى علاقات جيدة بين السعودية وإيران استمرت عقداً تقريباً".
 
وأضاف أنَّ "كلا الزعيمين كانا إيجابيين جداً. كنا نطرح كل المخاوف ولم نكن نتعارك. كنا نقول: (إذا كانت هذه هي مشكلتك، فما الحل؟)".
 
وقال "نفيو": "كانت العقبة الحقيقية الأولى التي كان علينا التغلب عليها (في المحادثات النووية الإيرانية) هي التأكد من أنهم يتحدثون باسم حكومتهم. وإلا فإنَّ الحوار قد يكون عديم الفائدة، حتى مع حسن النوايا. ذِكر مصطلح الحوار الإقليمي صار روتيناً معتاداً عند الجلوس إلى مائدة الحوار".
 
بالنسبة إلى طباطبائي، الذي أشار حديثه إلى عدة مشكلات سيجب على السعوديين والإيرانيين التعاون في حلها في وقتٍ ما في المستقبل، الأمر كله يتعلق بالانتظار حتى اللحظة المناسبة.
 
يعتقد طباطبائي بأنَّ المصالحة السياسية على المستويات العليا ستحدث عاجلاً أم آجلاً، وعندما تحدث، على حد قوله، فإنَّ مشروعه يسعى إلى ضمان ضرب جذوره عميقاً في كلا المجتمعين "لمواصلة مناقشات الخبراء تلك على المستوى الاجتماعي".


التعليقات