نيويورك تايمز: هكذا استغلت إيران الأوضاع في سوريا لتطويق إسرائيل.. والكل متخوف من الحرب
- وكالات الاربعاء, 21 فبراير, 2018 - 11:19 صباحاً
نيويورك تايمز: هكذا استغلت إيران الأوضاع في سوريا لتطويق إسرائيل.. والكل متخوف من الحرب

نجحت إيران، في السنوات القليلة الماضية، ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، في فرض أجندتها بسوريا، ودعم حليفها بشار الأسد حتى لا يسقط، وكذلك زرع ميليشيات لها تُطوِّق إسرائيل من الأراضي السورية، مما أثار مخاوف تل أبيب بشكل كبير.
 
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الإثنين 19 فبراير/شباط 2018، إن تدمير الطائرة الإيرانية من دون طيار فوق إسرائيل وإسقاط مقاتلة إسرائيلية بعد قصف مواقع داخل سوريا- لفتا الأنظار إلى مدى العمق الذي رسَّخت به إيران نفسها في سوريا، ما يعيد رسم الخريطة الاستراتيجية للمنطقة.
 
وينتشر مستشارون تكتيكيون من الحرس الثوري الإيراني في قواعد عسكرية بمختلف أنحاء سوريا. ويظهر قادته بانتظام على خطوط الجبهات لقيادة المعارك. وأنشأت إيران، وما زالت تدعم، ميليشيات قوية لديها الآلاف من المقاتلين الذين درَّبتهم في سوريا. وجلبت معها تقنيات جديدة، مثل الطائرات من دون طيار؛ للتجسس على الأعداء وربما مهاجمتهم من السماء.
 
 
صراع جديد بين إيران وإسرائيل
 
ويقول المسؤولون الإسرائيليون وأعداء إسرائيل، على حدٍ سواء، للصحيفة الأميركية، إنَّ أي صراعٍ جديد بين إسرائيل وإيران، أو أيٍ من حلفائها، قد يحشد شبكة إيران الواسعة من الميليشيات الوكيلة في بلدان عدة، وهو ما تشير إيران إليه باسم "محور المقاومة".
 
قال كامل الوزني، مؤسِّس مركز الدراسات الاستراتيجية الأميركية، في بيروت: "إن وقعت حربٌ فستكون إقليمية. وأي مواجهة ستكون بين جبهة المقاومة كاملةً ضد إسرائيل وداعميها".
 
وتدخَّلت إيران وحلفاؤها في سوريا بداية الأمر؛ للدفاع عن حكم بشار الأسد ضد المعارضة السورية، بعد اندلاع الحرب الأهلية في 2011، وساعدوا لاحقاً قواته ضد جهاديي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
 
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإنه مع خسارة المعارَضة الأرض وعدم وجود تهديدٍ حقيقي واضح لحكم الأسد، بقيت إيران وحلفاؤها، وحوَّلوا تركيزهم إلى إقامة بنْية تحتية تهدد إسرائيل، مثلما يقول المحللون.
 
فقال أمير توماج، وهو باحث يدرس إيران بمركز الدفاع عن الديمقراطيات: "في حالة نشوب حربٍ أخرى، فسيكون الهدف النهائي هو جعل سوريا جبهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله وإيران. وهم لا يجعلون ذلك هدفاً فحسب؛ بل وواقعاً كذلك".
 
 
بناء "محور المقاومة"
 
وبحسب الصحيفة الأميركية، يتحدث القادة الإيرانيون علانيةً عن عملهم لبناء محور المقاومة هذا ضد النفوذ الأميركي والإسرائيلي. ويقول المحللون والمسؤولون إنَّ أحد الأمور الرئيسية للاستراتيجية الإيرانية هي الاعتماد، ليس على القوة العسكرية التقليدية أو السيطرة على الأرض، وهو ما يمكن لإسرائيل قصفه بسهولة؛ بل على بناء علاقات مع القوى المحلية التي تشارك إيران أهدافها وتستفيد من دعمها وخبرتها.
 
ومكَّن هذا النهج إيران من تعزيز قوتها في العالم العربي وتقليص التهديد المحيط بقواتها وأرضها. وخلقت أيضاً مشكلةً لبلدان، بينها الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، والتي تخشى نفوذ إيران المتنامي وعانت من أجل التوصل إلى سبلٍ لإيقافه، بحسب الصحيفة الأميركية.
 
وبحسب "نيويورك تايمز"، بدأ البعض في إسرائيل يشيرون إلى "حرب شمالية أولى" محتملة، ويعنون بذلك أنَّ إسرائيل سيتعين عليها أن تقاتل عبر الحدود مع كلٍ من سوريا ولبنان. ويقول الكثير من الإسرائيليين إنَّ الخطر لا يأتي من الميليشيات الجديدة المدعومة إيرانياً فقط؛ بل أيضاً من الجهود الإيرانية لمنح أسلحة متطورة عالية الدقة قادرة على ضرب البنى التحتية الحساسة، لحزب الله، أقوى قوة خارجية حليفة لإيران وأكثرها خبرة.
 
 
ممر أرضي من إيران إلى العراق
 
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنَّ إيران وحلفاءها يسعون لإقامة ممرٍ أرضي من إيران إلى البحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان؛ من أجل تسهيل نقل هذه الأسلحة وبناء مصانع تحت الأرض لتصنيعها في لبنان وسوريا. وقصفت إسرائيل قوافل في سوريا، يُعتَقَد أنَّها تحمل أسلحة متطورة إلى حزب الله، لكنَّ طبيعة الحزب السرية تجعل من الصعوبة تحديد أي الأسلحة أفلتت وإذا ما كانت مصانع الأسلحة التابعة له تعمل أم لا.
 
وقد تسحق تلك الأسلحة، مقرونةً بالأغطية النارية الكثيفة الآتية من أكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة لا تتمتَّع بقدرات إصابة عالية الدقة وتقول إسرائيل إنَّ حزب الله يمتلكها- الدفاعات الإسرائيلية.
 
وقال ياكوف أميدرور، المستشار السابق للأمن القومي في إسرائيل: "لن تواجه إسرائيل كمّ (الصواريخ) فحسب؛ بل وكذلك التهديد الذي يواجه المواقع الاستراتيجية الضعيفة". وأضاف: "كل واحدٍ منهما يُمثِّل إشكالية؛ ومعاً، سيكونان مُدمِّرَين"، مشيراً بذلك إلى الجمع بين كلٍ من الأسلحة الأكثر دقة والجبهة الجديدة.
 
وأثارت التحركات الإيرانية بالمنطقة قلق الولايات المتحدة. فقال الجنرال هربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، في مؤتمر ميونيخ للأمن: "الأمر المثير للقلق على نحوٍ خاص، هو أنَّ هذه الشبكة من الوكلاء تصبح قوية أكثر فأكثر في ظل تقديم إيران المزيد والمزيد من الدعم. لذا، نعتقد أنَّ الوقت حان للتحرك ضد إيران"، بحسب الصحيفة الأميركية.
 
 
توسيع النفوذ الإيراني
 
وفي أثناء توسيعها نفوذها بسوريا في السنوات الأخيرة، اتبعت إيران نموذجاً قياسياً. ففي لبنان بالثمانينيات، ساعدت على تأسيس حزب الله، الذي تطور منذ ذلك الحين ليصبح القوة العسكرية المهيمنة بالبلاد ويصير بحد ذاته قوة إقليمية تشارك في الحروب بسوريا والعراق واليمن. وبالعراق، رعت إيران مجموعة من الميليشيات، في حين طوَّرت ارتباطات عميقة بالاقتصاد والنظام السياسي العراقي.
 
ومنحت الحرب في سوريا إيران فرصةً لدفع ذلك المشروع، عن طريق ربط حلفائها بأنحاء الشام معاً.
 
وطرد مقاتلون من حزب الله المعارَضة السورية قرب الحدود اللبنانية، وأرسلت إيران مستشارين لمساعدة قوات الأسد المحاصَرة في السنوات الأولى من الحرب.
 
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإنه بحلول عام 2013، كانت قوات الأسد على حافة الانهيار، وتدخَّلت إيران بصورة أكثر قوة، واضطلعت بعمليةٍ إقليمية واسعة للتدريب والتسليح ونقل الآلاف من رجال الميليشيات الشيعة من الخارج إلى سوريا؛ لقتال المعارضة وجهاديي داعش.
 
تتراوح تقديرات أعداد العسكريين الإيرانيين في سوريا اليوم بين 1000 وبضعة آلاف قليلة. وفي حين يشارك البعض في القتال بصورة مباشرة، فإنَّ معظمهم مدرِّبون وقادة وخبراء يُقدِّمون المشورة للجيش السوري ويشرفون على الميليشيات. وتُعَد الميليشيات، التي قد يبلغ عدد مقاتليها 200 ألف، هي ما تمنح إيران قوتها الحقيقية، بحسب الصحيفة الأميركية.
 
ويضم هؤلاء المقاتلون نحو 6 آلاف من حزب الله. ومعظم أفراد الميليشيات الآخرين -الذين يأتون من أفغانستان والعراق ولبنان وباكستان ومناطق أخرى- جاءوا للقتال في سوريا بعد إغرائهم بالمال واستحثاث إيمانهم الشيعي. وبالفعل، يرى معظمهم الحرب في سوريا من منظورٍ ديني، باعتبارها جهاداً ضد أعداء دينهم.
 
قال علي ألفونه، الباحث بالمجلس الأطلسي والذي يتتبع التقارير حول المقاتلين الأجانب الذين يُقتلون بسوريا، إنَّ عدد القتلى المُبلَّغ عنهم تراجع بصورة كبيرة بعد حصول أولئك الذين يقاتلون لصالح الأسد على اليد الطولى في الحرب. لكن بدلاً من ترك البلاد، بدا أنَّ الميليشيات تنقل أنظارها صوب إسرائيل، بحسب الصحيفة الأميركية.
 
وأضاف ألفونه: "أدركت إيران أنَّه من الممكن فعلاً أن تُبقي على جبهةٍ ضد إسرائيل، لا يوجد فيها حربٌ ولا سلام كذلك".
 
وفي بحثه، قال ألفونه إنَّه حدَّد 3 قواعد إيرانية تشرف على العمليات بمناطق كبيرة من سوريا: واحدة بالقرب من حلب في الشمال، واثنتان بجنوب العاصمة دمشق، بالإضافة إلى سبع قواعد تكتيكية صغيرة قرب خطوط الجبهات النشطة، حيث يوجد لإيران ووكلائها حضور.
 
 
إسرائيل قلقة
 
وبحسب الصحيفة الأميركية، تثير فكرة الوجود الإيراني الدائم بسوريا قلق إسرائيل، التي تخشى أن تواجه هناك تهديداً مماثلاً لذلك الذي يشكِّله حزب الله في لبنان. ويقول المحللون القريبون من إيران ووكلائها، إنَّ تلك بالضبط هي الفكرة.
 
وقال علي رزق، وهو محلل لبناني يكتب لصالح موقع "المونيتور"، وهو موقع إخباري يركز على الشرق الأوسط: "الأمر أشبه باستنساخ نموذج حزب الله". وقال إنَّ إيران بالفعل تُدرِّب مقاتلين في جنوب سوريا؛ حتى يترك حزب الله وراءه نموذجاً سوريّاً إذا ما قلَّص وجوده في سوريا مثلما تعهَّد قادته.
 
وفي الشهور الأخيرة، زار اثنان -على الأقل- من قادة الميليشيات العراقية الحدود اللبنانية-الإسرائيلية إلى جانب حزب الله، ويقول أعضاء الميليشيا إنَّ الويارات تضمَّنت تطوير خطط حول الكيفية التي قد يتعاونون بها في أي صراعٍ مستقبلي.
 
عادت الحياة إلى طبيعتها في مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل منذ يوم المعركة في 10 فبراير/شباط 2018، ويعمل منتجع التزلج فوق جبل الشيخ كالمعتاد. ولم يكن هناك أي شعور بين الإسرائيليين بأنَّ هناك استعدادات للحرب.
 
لكنَّ الإسرائيليين وكثيراً من اللبنانيين قلقون منذ وقتٍ طويل حول أنَّ حرباً أخرى بين حدوديهما حتمية. وصعَّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خطابه يوم الأحد 18 فبراير/شباط 2018، في مؤتمر ميونيخ للأمن، وحذَّر قادة إيران من أنَّ إسرائيل ستتحرك، "ليس فقط ضد وكلاء إيران الذين يهاجموننا؛ بل وضد إيران نفسها"، إذا ما اضطُرت إسرائيل، بحسب الصحيفة الأميركية.
 
 
الخوف من الدمار
 
وبحسب الصحيفة الأميركية، يقول كلا الجانبين إنَّهما لا يريدان الحرب، ومنعَ الخوفُ من الدمار الواسع والقتلى المدنيين نشوب أعمال عدائية جديدة منذ الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله في 2016. لكن، كلما زاد ترسُّخ حلفاء إيران، زاد الضغط الذي قد يواجهه القادة الإسرائيليون لشن ضربة، وزادت فرص ارتكاب أي من الطرفين حساباتٍ خاطئة أو خطأ قد يشعل أعمالاً عدائية جديدة.
 
عبَّر بعض المحللين عن آمالهم في أنَّ تعمل روسيا، التي تدخَّلت هي الأخرى بسوريا نيابةً عن الأسد، ككابحة للطموحات الإيرانية. وتعاونت روسيا مع إيران في الحرب، لكنَّها تسعى أيضاً للحفاظ على علاقاتٍ جيدة مع إسرائيل.
 
ومن الجدير بالملاحظة أنَّ روسيا لم تحتجَّ علناً حين قصفت إسرائيل قوافل يُعتَقَد أنَّها مرتبطة بحزب الله. ويتساءل آخرون: إلى أي مدى قد يقبل الشعب السوري المشروع الأيديولوجي الإيراني؟ لافتين إلى أنَّ جزءاً صغيراً فقط من السكان يشاركون إيران مذهبها الشيعي.
 
ويبقى الكثير حول نوايا إيران غير واضح. فبعد أيام من تدمير إسرائيل الطائرة من دون طيار، قال مسؤولو الجيش الإسرائيلي إنَّهم لا يزالون غير متأكدين مما إذا كانت مُسلَّحة أو أنها أُرسِلت في مهمة مراقبة أو كانت مجرد اختبار للدفاعات الإسرائيلية.
 
وقال العميد تومر بار، رئيس أركان سلاح الجو الإسرائيلي، للصحفيين: "من المهم للغاية لنا، فهم هذه المهمة. علينا أن نفهمها وسنُحقِّق فيها حتى النهاية".


التعليقات