الفوضى تستمر.. هكذا راهن "ابن سلمان" على أحصنته الخاسرة
- شبكة الجزيرة الأحد, 23 سبتمبر, 2018 - 03:51 مساءً
الفوضى تستمر.. هكذا راهن

[ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ]

يتدهور وضع ولي العهد السعودي -محمد بن سلمان- يوماً بعد يوم؛ فتصاميمه الكبرى تتلاشى في الصحراء، وترافقها ادعاءاته الطموحة التي قدمها لإصلاح عقود من الفساد، ومحاولة تنويع اقتصاد ارتكز طيلة سنين مضت على النفط، وبروزه كرجل دونالد ترامب في الشرق الأوسط.
 
بعيداً عن الأخبار والمبالغات، ستجد أميراً يبلغ من العمر اثنان وثلاثون عاماً، وعائلة مالكة حانقة مصممة على الانتقام من الإهانات التي تعرضوا لها على يديه، واقتصاد يرتكز بشكل كبير على النفط محاولاً القضاء على هجرة رؤوس الأموال [1]. بالطبع فإن كل ذلك لا يشكل طريقة لحفظ الاستقرار، ناهيك عن الإصلاح.
 
عامل الفوضى
 
في الأسابيع الماضية، انهار حجر الأساس في رؤاه، والذي انطوى على خطط إدراج شركة أرامكو السعودية في البورصة وجمع مئة مليار دولار من خلال بيع 5%. وأفادت وكالة رويترز بأن المستشارين الماليين العاملين على القائمة المخططة جرى تسريحهم وتم إلغاء الإدراج. ونقل التقرير عن أحد المصادر الأربعة قوله إنه حتى العوامة المحلية في بورصة "تداول" قد تم تعليقها.
 
نفى وزير الطاقة السعودي التقرير، مدعياً أن الحكومة لا تزال ملتزمة بالاكتتاب العام الأولي (IPO) "وفقا للظروف المناسبة والوقت المناسب"، لكن لا يمكنه خداع أحد بذلك. وقد واجه الاكتتاب مخاوف بشأن الإجراءات القانونية التي سيقوم بها عائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وعدم القدرة على الحصول على تقييم بقيمة تريليونيْ دولار التي يتطلع إليها ولي العهد، إضافة إلى المخاوف من أن المستثمرين الأجانب سيطالبون بالشفافية ويكشفون إلى أي مدى نهبت العائلة المالكة أموال أرامكو.
 
أدى ذلك إلى لجوء صندوق الثروة السيادية السعودي (صندوق الاستثمارات العامة)[2] إلى البنوك الدولية للحصول على قرض بقيمة 11 مليار دولار. ويتعيّن على المصرفيين الغربيين الآن إعادة ضبط نظرتهم على عمليات بيع ضخمة أصغر حجماً مثل حصة 70 مليار دولار في سابك (الشركة السعودية للصناعات الأساسية) وهي شركة عالمية رائدة في صناعة الكيماويات.
 
يزيد تعقيد عامل الفوضى -الذي يشغل حيزاً كبيراً في أي شيء يضع بن سلمان يديه عليه- هجرة رؤوس الأموال. حتى قبل أن يُحدِث ولي العهد تغييراً جذرياً في الهيكلية محتجزاً أبناء عمومته في فندق ريتز كارلتون، غادر 64 مليار دولار من رأس المال الأساسي للسعودية في عام 2017، بزيادة عن 55 مليار دولار في العام السابق، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.
 
حملة قمع الفساد لن تكون قادرة على وقف الاستنزاف، بل ربما تكون قد زادت منه. وتمثل الطاقة والمنتجات ذات الصلة 87 في المائة من ميزانية الحكومة، وهو رقم يبيّن كيف أن إيرادات الحكومة تعتمد على سوق الطاقة الدولي.
 
ولي العهد الهش
 
تستمر الاعتقالات والقمع الداخلي، وكان آخرها اعتقال أحد أئمة المسجد الحرام، الشيخ الدكتور صالح آل طالب. هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إلقاء القبض على إمام وقاضي من مكة. لم تتضمن خطبة طالب أو خطبة الجمعة أي انتقاد مباشر للعائلة المالكة السعودية، كانت خطبته مبطنة عمداً حيث تحدث فيها عن واجب الإسلام إنكار المجاهرة بالمعاصي في الأماكن العامة. لكن اعتقاله يُظهر مدى شعور بن سلمان بالضعف.
 
أما المشروع الآخر الذي يحاول تصوير بن سلمان كمدافع عن حقوق المرأة وحقها في القيادة آخذ في التلاشي أيضاً. شنت منظمة العفو الدولية هجوماً شاملاً على استمرار احتجاز ثمانية نساء وأربعة رجال دون توجيه اتهامات ضدهم، وقد تم رفع الحظر على المدافعين عن حقوق الإنسان الذي بدأ قبل فترة وجيزة من رفع الحظر عن قيادة النساء في يونيو حزيران.
 
وحدثت سابقة مروعة أخرى عندما سعى ممثلو الادعاء إلى الحكم بالإعدام على إسراء الغمغام، وهي أول امرأة تواجه الإعدام إلى جانب زوجها موسى الهاشم وثلاثة رجال آخرين. كانت "جريمة" غمغام هي الانضمام إلى الاحتجاجات الجماهيرية السلمية من أجل حقوق الشيعة وتوثيقها عن طريق تصويرها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. 
 
وقد تناول رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قضية غمغام. قبل أسبوعين، نشر الحساب الرسمي للسفارة الكندية تغريدة تم ترجمتها إلى اللغة العربية، داعيةً إلى إطلاق سراح سمر بدوي الناشطة في حقوق المرأة، مما أثار شرخاً دبلوماسياً كبيراً مع المملكة العربية السعودية حيث جمدت المملكة كل التجارة والاستثمار وأصدرت استدعاء فوري لجميع طلابها المشاركين في البرامج الطبية في كندا. فجاء رد فعل ترودو في مضاعفة انتقاده.
 
يعتبر قرار وقف تدريب الأطباء السعوديين في كندا خطوة أخرى تتسبب بضرر أكبر للمستشفيات السعودية منه للمستشفيات الكندية، على الرغم من أن برنامج تدريب التأشيرة (برنامج تاشيرة للمتدربين لاكتساب خبرة العمل) كان مصدراً هاما للإيرادات الأجنبية. وذكرت مجلة "ذا لانسيت" الطبية أن السعودية أرسلت 1,658 من حاملي تأشيرات التدريب إلى كندا للتدرب في التخصصات الطبية والجراحية.
 
لقد تم تحطيم سنوات من التدريب الذي بنت الأساسات عليه دفعة واحدة، ولا يزال من غير الواضح ما هي المدارس التي سيتمكنون من الانتقال إليها لإكمال تدريبهم. كن من الرائج التدريب في كندا لأن برامج تدريب التأشيرات كانت كريمة ولا تتطلب من الأطباء إعادة التسجيل؛ إنها قطعة واحدة من الفسيفساء ككل، ولكنها قطعة ذات دلالة.
 
المشكلة الكبرى
 
على الجانب الآخر، يواجه دونالد ترامب -الراعي الرئيسي لبن سلمان- مشكلة أيضاً. ويؤثر ذلك على ولي العهد السعودي بطريقتين: أولاً، ابتعاد وانسلاخ المطّلعين الذين كان يتم الوصول إلى ترامب من خلالهم.
 
كان آخر الحاصلين على صفقة حصانة مع المدعين العامين هو ديفيد بيكر -رئيس شركة أميريكان ميديا- وهو صديق مقرب من ترامب وشاهد رئيسي على التحقيق في المدفوعات التي تمت خلال حملة الرئاسة لإسكات امرأتين كانت لهما علاقات مع ترامب.
 
نشر أخبار الصفقة موقع "ذا هايف" (The Hive) التابع لمجلة "فانيتي فير" الذي نقل عن صديق ترامب قوله: "سحقاً، اعتقدت أن بيكر سيكون آخر من يدير لي ظهره". وبذلك ينضم بيكر إلى مايكل كوهين -المحامي السابق لترامب- بالإضافة إلى مستشار البيت الأبيض دونالد مكغان في تغيير مواقفهم وتزويد المدعين الاتحاديين بمعلومات تجريم ترامب؛ ولديهم كل دافع للقيام بذلك.
 
نشرت شركة بيكر مجلة لامعة ظهرت بشكل غامض خلال آخر رحلة قام بها محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة معلنةً: "لقاء مع الملك التالي"، "أقرب حليف لنا في الشرق الأوسط يدمر الإرهاب"، "السيطرة على ثروة تجارية قيمتها 4 تريليون دولار"، "مبنى مدينة مستقبلية خيالية بقيمة 640 مليار دولار"، "تحسين حياة شعبه وآمال السلام".
 
لكن المشكلة الأكبر لولي العهد هي ترامب نفسه؛ وضع بن سلمان رهاناً على ترامب مبكراً في الحملة الرئاسية ودعمه بإبرام عقود توريد أسلحة التي كلفت أضعاف مضاعفة للمبلغ الذي يحتاجه الآن لحملة الخصخصة.
 
لا يعتبر ذلك مشكلة بالنسبة لأمير تقلّد ولاية العهد منذ نهاية أبريل/نيسان 2015؛ فهذه هي الطريقة التي كانت تتم بها الأعمال دائماً في الخليج. ولكن بالنسبة إلى الأمير الذي يبدو أن مشاريعه آخذة في الفشل، والذي أرسل عمالاً أجانب إلى وطنهم، والذي يتعيّن عليه الآن إعادة تفعيل تدابير التقشف مرة أخرى في المملكة السعودية، فإن انخفاض ثروات  ترامب وفقدانه للسلطة يمثلان مشكلة كبيرة. بدأت الحقيقة حول بن سلمان تنبلج؛ إنه الذي يراهن ويخسر الرهان


التعليقات