"شهوة السيطرة".. لماذا حاول السعوديون احتلال عُمان؟
- شبكة الجزيرة الثلاثاء, 25 سبتمبر, 2018 - 03:03 مساءً

[ "شهوة السيطرة".. لماذا حاول السعوديون احتلال عُمان؟ ]

تقديم
بموقعها الإستراتيجي المطل على مضيق هرمز، دائما ما كانت عمان وجهة للمستعمرين الذي يسعون للسيطرة عليها، إلا أن الاستعمار في الشرق الأوسط لم يكن هذه المرة مرتبطا بالصورة الذهنية المتشكلة لدينا حول شكل الاستعمار المتمثل في صيغة الرجل الأوربي، ليكون المستعمر هذه المرة من قلب الشرق الأوسط، من السعودية تحديدا، هذا التقرير يستعرض قصة احتلال السعوديين لعمان في بدايات القرن السابع عشر، ومن ثم دحر احتلالهم من قبل العمانيين. ولأن التاريخ يعطي ملامحا لتشكل الواقع، فالخلافات العمانية السعودية التي تظهر في عصرنا الحالي، لها العديد من النماذج التاريخية وإن بصيغ مختلفة، والتي تبرز ذلك التوتر في العلاقات.
 
نص التقرير
 
مما يُروى عن المصائب التي حلّت بأرض عُمان على يد القائد العسكري الذي أرسله السعوديون إلى هنالك، مطلق بن محـمد المُطيري في فاتحة القرن التاسع عشر، ما ذكره مؤرخ عُمان عبد الله بن حميد السالمي أنه قال في حقه: "كان قدومه على عُمان عذابا واصبا، وبلاء وبيلا، وتردّد على عُمان ثلاث سنين، يسير عنها ويرجع إليها، وأعدّ له السلطان سعيد الرجال للقتال فما أغنوا شيئا، وجاء له بالعجم والعرب فهزمهم بأزكى، وسار إلى مطْرحَ ونهبها، وأدى إليه السلطان الخراج ليدافع عن البلاد حين لم تُغنِ الرجال شيئا، واتخذ توام وهي البريمي معقلا".
 
السالمي في تاريخه "تُحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان"
 
كانت ولا تزال عُمان في موقعها الإستراتيجي الواقع في جنوب شرق الجزيرة العربية، والمطل على مضيق هرمز، مطمعا للقوى الأوروبية والإقليمية بل والجيران على السواء، هكذا يخبرنا التاريخ باستعمارها من قِبل البرتغاليين ثم البريطانيين ثم الفرنسيين ثم الإيرانيين ثم السعوديين، ولنا معهم وقفة في هذا التقرير، فقد كان لظهورهم ودخولهم عُمان تاريخ وحكاية بعض فصولها مؤلمة مخضّبة بالدماء.
 
الخلاف سبب الشقاء!
 
 قطنت عُمان مجموعة من القبائل الكبيرة أهمها بنو كعب، وبنوياس، وبنوقتب، والمناصير، والعوامر، والنعيم، والعجمان، والدروع، وآل وهيب، وبنو مهير، والمهاريش، وغيرها، وقد انقسمت هذه القبائل إلى مجموعتين هما: القبائل الهناوية وهي ذات المذهب الإباضي، والقبائل الغفارية أو الغافرية ذات المذهب السني.
 
تعج مصادر تاريخ عُمان بأخبار هاتين الكتلتين ومجريات الأمور بينهما بشكل واضح أو خافت، حتى إذ حل العام 1624م ظهرت هنالك الدولة اليعربية، وهي الدولة التي تمكنت من إزاحة النفوذ البرتغالي الذي جثم على صدر عُمان لمئة عام، وكان الخلاف السياسي والديني قد خفّ بينهما آنذاك، لكنه تجدّد سنة 1720م حول قضية الوصاية على عرش الإمام الصبي سيف بن سلطان الثاني، فاقتتل الفريقان، وانقسم العمانيون إلى مؤيد للزعيم الغافري، وآخر مؤيد للفريق الهنائي فصاروا هنائية[1].
 
تطور الخلاف بين الفريقين، وحين قامت دولة بوسعيد سنة 1750م، والباقية حتى اليوم على أنقاض دولة اليعاربة، لم يقتصر الخلاف القبلي السياسي على الوضع في عُمان فقط، بل شمل معه أيضا القبائل التي تقطن في ساحل عُمان "الإمارات اليوم"، فظهرت أسماء قبائل بني ياس والقواسم والنعيم وغيرهم ممن شاركوا في تلك الأحداث، واستقر الأمر بدخول القواسم والنعيم في التكتل الغافري السني، فيما دخل بنو ياس في التكتل الهنائي الإباضي.
 
إستراتيجية السعوديين
 
حين ظهرت الدولة السعودية الأولى منذ العام 1744م وأخذت تتوسع شيئا فشيئا في الاتجاهات الأربعة من الجزيرة العربية، وبالتحديد حين سيطرت على الأحساء في شرق الجزيرة العربية، أصبح الطريق مفتوحا للتعمق في الجنوب الشرقي في عُمان وساحل عُمان، فأمر عبد العزيز بن محمد بن سعود قائده مُطلق المطيري بغزو ساحل عمان حيث تسكن قبائل بني ياس، لكن مطلق لم يفلح في حملته بادئ الأمر، لذا أولى عبد العزيز الأمر إلى قائد آخر هو إبراهيم بن عفيصان الذي لعب دورا بارزا في دخول المنطقة الشرقية، فقاد إبراهيم حملته إلى الصير ضد بني ياس منذ سنة 1795م ، وقد نجح في إرغامهم على الخضوع للسيادة السعودية، ثم سرعان ما لحقت بهم قبائل النعيم الذين كانوا يسكنون واحات البريمي، تلك الواحة التي أضحت بمرور الوقت قلعة السعوديين الحصينة لفرض سيادتهم على ساحل عُمان (الإمارات) وعُمان الداخلي ومسقط[2].
 
كان الهدف من الوجود السعودي في تلك المنطقة نشر الأيديولوجية الوهابية، وتبعية تلك المناطق للدولة السعودية؛ لذا لم تكتفِ الدرعية بإرسال الحملات العسكرية دون إرفاقها "بعلماء الدعوة"، الذين بدأوا بالفعل في تدريس مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب مثل كتاب التوحيد وغيره، ومنذ عام 1795م بدأت قبائل بني ياس في دفع الزكاة إلى السعوديين، ثم لحقها قبائل النعيم، وهما القبيلتان اللتان كانتا تنتميان إلى التحالف الغافري السني، وربما أرادت من وراء خضوعها للسعوديين تقوية مركزها ضد حلف القبائل الهنائي الإباضي.
 
أيضا كان تمركز السعوديين في البريمي وإخضاعهم لأهم قبائل المنطقة، وعلى رأسهم حاكم رأس الخيمة صقر بن راشد القاسمي زعيم القواسم، كان يعني أن الهدف القادم والمباشر للحامية السعودية مواجهة سلطنة مسقط، وكان الحاكم آنذاك سلطان بن أحمد بوسعيد، الذي خرج في العام 1800م على رأس حملة بحرية إلى البصرة في العراق للاتصال بالسلطات العثمانية وتفاوض معهم لدفع الخطر الوهابي، وهو الحاكم الذي كان يقود القبائل الهنائية المؤيد للمذهب الإباضي، ثم اتجه إلى الحج سنة 1803م للتفاوض مع الأشراف حكام الحجاز لكيفية التخلص من النفوذ الوهابي المتنامي[3].
 
من الملاحظ أن أهداف السعوديين كانت تتسم بالتكتيكية، كل مرحلة تُسلم التي تليها، فقد كان هدفهم الأساسي إخضاع إمارات الساحل العماني (الإمارات العربية المتحدة اليوم) لنفوذهم، تارة بالقوة الناعمة عن طريق دُعاتهم إلى الوهابية، وأخرى عن طريق "الغزوات" العسكرية، فعلى سبيل المثال كان أمير القواسم سلطان بن صقر قد رفض الانضواء تحت السيادة السعودية في بادئ الأمر، لكنه عاد وقَبِل نظرا لقوة السعوديين المتنامية التي أجبرتهم على ذلك. وهذا ما يؤيده مؤرخو الدولة السعودية الأولى مثل الريكي في "لمع الشهاب" الذي يقول: "وأما أطراف قواسم رأس الخيمة مثل زعاب وأهل الجزيرة الحمراء فلم يؤدوا الطاعة لمطلق (قائد السعوديين في تلك المناطق)، وكذا طنيج أهل الرمس، فإنهم حاربوا آل سعود بعد إطاعة القواسم بأربع سنين، ثم أطاعوا بعد ذلك"[4].
 
لم يعتمد السعوديون على قبائل إمارات الساحل وإنما امتد نفوذهم إلى نشر الوهابية بين القبائل العُمانية ذاتها، لا سيما في سمائل بين الجبور قرب مسقط، وبين الجعلان في جنوب الشرقية بعُمان، وقد تولى الشيخ سالم بن علي بن سلطان آل حمود زمام الأمر، وكان قد توجه إلى الدرعية فدرس تعاليم الشيخ محـمد بن عبد الوهاب وتأثر بها، وعاد إلى بلاده عازما على التأثير في قومه الجعلان، وقد نجح في ذلك بالفعل[5]، وكانوا عونا فيما بعد للقوات السعودية حين دخلت عُمان، لذا عمدت الإستراتيجية السعودية إلى اللعب بورقتي الدعوة الوهابية والقوة العسكرية في استمالة وإخضاع عُمان والإمارات على السواء.
 
السعوديون في مسقط
 
حين ضمن السعوديون تحالف القواسم وغيرهم من قبائل ساحل عُمان، والجبور في سمائل والجعلان في الداخل العُماني، أرسل الأمير عبد العزيز بن محمـد آل سعود رسائله إلى القواسم في رأس الخيمة والعتوب في البحرين والكويت للانضمام إلى حملته الجديدة على عُمان، وقد قَبِل هؤلاء الانضمام إلى الحلف السعودي على مضض بسبب انشغالهم بموسم صيد اللؤلؤ، ووقف سلطان بن أحمد البوسعيدي أمام هذا التحالف الجديد وحيدا، رغم هزيمته للعتوب، ووجد نفسه أعجز من أن يقوم بعمل هجومي وأن يحمي شواطئه من الهجوم البحري في الوقت نفسه، واستطاعت فرقة من السعوديين وحلفائهم النزول في جزيرة قشم التي كانت تابعة ذلك الوقت لعُمان، وكان هذا الخبر من أهم أحداث الحرب البحرية بين الفريقين[6].
 
لم يجد سلطان عُمان بُدًّا سوى الرضوخ للسعوديين، وأرسل في طلب الصلح، وتم الاتفاق بين الجانبين على هدنة مدتها ثلاث سنوات مقابل أن تدفع عُمان جزية سنوية قدرها 12 ألف روبية، وأن يسمح لممثل سياسي عن السعوديين والوهابيين بالإقامة في مسقط، ونظرا للعداء القديم بين القواسم وبين سلطان فقد كمنوا عند عودته من البصرة، فقتلوه في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1804م، فتولى الحكم بعده ابن أخيه بدر بن سيف بالنيابة عن ولي العهد سعيد بن سلطان[7].
 
كان بدر بن سيف البوسعيدي مؤيدا للسعوديين، وبسبب ذلك ثارت عليه الأسرة البوسيعيدية، وقتلوه سنة 1806م، وتولى أمر عُمان من بعده سعيد بن سلطان، يقول صاحب "لمع الشهاب في سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" عن تأييد بدر للسعوديين: "أرسل بدر رسلا إلى سعود عن طريق القطيف، وأرسل معهم تحفا وهدايا كثيرة، وكتب له كتابا جاء فيه: إني أُعاهدك على هذا الدين ومُطيعا له. هذا كل ما تأمرني به من الأوامر والجهاد أفعل لا محالة"[8].
 
بعد مقتل بدر قرر العُمانيون التخلص من الاستبداد السعودي، واجتمعت أسرة آل بوسعيد على قلب رجل واحد، وتحارب الحاكم الجديد السيد سعيد بن سلطان مع السعوديين واتحد معه ابن عمه قيس بن أحمد، وكان هم سعيد أن يُخرج القوات السعودية من عُمان، وأن لا يدفع الزكاة للدولة السعودية، لكن القوات السعودية كانت أقوى بفضل تحالفها مع إمارات الساحل العماني (الإمارات العربية)، وانهزمت القوات العُمانية في موقعة خورفكان، وقُتل أحد كبار أسرة آل بوسعيد قيس بن أحمد البوسعيدي في هذه الموقعة.
 
أحسّ القواسم بتغير معاملة السعوديين لهم وبعض التهميش، ويؤكد مؤرخ تلك الحقبة ابن رزيق أن القواسم قرروا الخروج عن حلفهم مع السعوديين بعد مساعدتهم على احتلال عُمان، مما جعل سلطان بن صقر أمير القواسم يدخل في حلف جديد مع سلطان مسقط سعيد بن سلطان البوسعيدي، الأمر الذي جعل رجل السعوديين مُطلق المطيري "يحشد أقواما كثيرة، وكتب لأعوانه أن يأتوه في صُحار"[9] في الداخل العماني، لتبدأ المواجهة التي انتهت بهزيمة العمانيين والقواسم الثقيلة أمام السعوديين.
 
وبسبب هذه الهزيمة المفجعة توغّلت القوات السعودية بقيادة مُطلق في عُمان، فتقدم إلى منقطة مَطْرح التي استولى عليها ومنها استطاع الوصول على العاصمة مسقط فاحتلّها، ومن ثم فإن مدن عُمان سرعان ما خضعت للسيادة السعودية، ولم يجد سلطان البوسعيدي بُدًّا سوى اللجوء إلى الإنجليز الذين نزلت بعض قواتهم على ساحلها للتمشيط، لكنّ نفوذ السعوديين كان كبيرا في عمان، خصوصا عند الغافريين السُّنة في منطقتي الظافرة وجعلان، وكان كبيرهم حميد بن ناصر الغافري ومعه محمد بن ناصر الجبري من كبار المؤيدين للتدخل السعودي الوهابي في عُمان[10].
 
على أي حال، رضخ سعيد بن سلطان، سلطان عُمان، لمطلق المطيري الأمير السعودي الذي أخضع عمان وساحل عمان (الإمارات العربية اليوم) للنفوذ السعودي في نهايات القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر انطلاقا من واحات البريمي الإستراتيجية التي كانت قوات السعوديين قادرة من خلالها على مد أيديها إلى عُمان والإمارات على السواء، والعودة إلى نجد بسهولة إذا لزم الأمر، وذلك بالطبع بمساعدة مهمة وقوية من حلفائهم القواسم في رأس الخيمة والشارقة بزعامة سلطان بن صقر القاسمي.
 
 التقى سعيد بن سلطان مع مطلق المطيري في منطقة المصنعة قرب مسقط على شاطئ بحر العرب، وطلب منه الصلح ودفع كما تشير بعض المصادر العُمانية مبلغا ضخما قُدّر بأربعين ألف ريال، فانسحب مطلق من الباطنة وهي منطقة صحار الآن، واتجه منها إلى عاصمة السعوديين في الدرعية، وقد ثبت فيما بعد أن هذه المفاوضات كانت بنصيحة من القنصل الفرنسي في عُمان[11].
 
مطلق المطيري.. التخلص من الكابوس!
 
كان مطلق بن محمـد المطيري بمنزلة الكابوس، اليد السعودية الباطشة والقاسية التي هددت عُمان لا سيما مسقط ومناطقها القريبة في تلك السنوات الصعاب، يقول السالمي في تاريخه "تحفة الأعيان بتاريخ أهل عُمان" عن مطلق والجيش السعودي: "كان قدومه على عُمان عذابا واصبا، وبلاء وبيلا، وتردّد على عُمان ثلاث سنين، يسير عنها ويرجع إليها، وأعدّ له السلطان سعيد الرجال للقتال فما أغنوا شيئا، وجاء له بالعجم والعرب فهزمهم بأزكى، وسار إلى مطْرحَ ونهبها، وأدى إليه السلطان الخراج ليدافع عن البلاد حين لم تُغنِ الرجال شيئا، واتخذ توام وهي البريمي معقلا"[12].
 
حين عاد مطلق والجيش السعودي أدراجه إلى الدرعية في نجد، كان سعيد بن سلطان آل بوسعيد يتحرق شوقا للانتقام من القواسم الذين دعموا السعوديين وساعدوهم على دخول وفرض سيادتهم على بلاده عُمان، وكان قد أرسل للإنجليز يطلب عونهم ومساعدتهم، وبالفعل جاء الإنجليز في 1809م في حملة بحرية عسكرية قوية للغاية، وانطلقت إلى خاصرة القواسم الأضعف والقريبة من عُمان مدينة رأس الخيمة، لا سيما أن صُحار المدينة القريبة من رأس الخيمة والتي كان قد أخضعها سلطان عمان بعد خلاف عائلي مع ابن عمه أصبحت هادئة.
 
وبالفعل انطلقت الحملة البريطانية على رأس الخيمة التي كان يحكمها حسن بن رحمه ابن عم سلطان بن صقر القاسمي، وهناك أنزلت القوات البريطانية ضرباتها القاصمة على رأس الخيمة، "وقابلوا البلد فاشتعلت النار فيها، وكان أكثر بيوتها صرائف من عسبان النخل، فدخلوها واستباحوها ونهبوا ما فيها وأشعلوا فيها النيران ودمروها وهرب سلطان بن صقر وغالب أهل البلد" كما يشير عثمان بن بشر في تاريخه "عنوان المجد"[13].
 
قُبيل ذلك أرسل أمير الوهابيين آنذاك سعود بن عبد العزيز بن محـمد آل سعود، رجلا آخر غير ابن مطلق وهو عبد العزيز بن غردقه صاحب الأحساء ليكون في البريمي، لكن هذا الرجل قتله بنو ياس حُكام أبوظبي ودبي الآن، ولم يسمحوا له بدخول البريمي، فطالما تحرقت أبوظبي من السيطرة السعودية على البريمي، لذا أرسل ابن سعود قائده المفضل مُطلق المطيري مرة أخرى واستطاع بالفعل استمالة قبائل الإمارات من جديد، كما أراد تأكيد سيادة السعوديين على عُمان مرة أخرى لا سيما بعد طلبهم لنجدة البريطانيين وما قاموا به من تدمير لحلفائه في رأس الخيمة.
 
في ديسمبر/كانون الأول 1811م وأوائل 1812م أراد سعيد بن سلطان البوسعيدي الانتقام من العُمانيين الموالين للسعوديين في عُمان، لا سيما بعد تدمير الإنجليز لرأس الخيمة، وفي سعيه لذلك استعان بشاه إيران الذي أمده بثلاثة آلاف جندي فارسي، كما استغل سلطان عُمان ضعف القواسم، وكان هدف سلطان عُمان الاستيلاء على بلاد الجبري الموالي للسعوديين في سمايل شمال مسقط، وبالفعل استولى على المنطقة، وما إن سمع مطلق المطيري الخبر إلا وخرج لمواجهة سلطان عُمان.
 
يقول المؤرخ ابن المطوع -أحد المؤرخين الموالين للتدخل السعودي في عُمان آنذاك- بحماسة بالغة: "سار مطلق المطيري بشوكة المسلمين (لاحظ استخدام المؤرخ لفظ المسلمين على السعوديين وحلفائهم فقط) الذين معه من أهل عُمان ونجد وغيرهم، فجمع الله بينهم وبين عساكر صاحب مسقط، وركب المسلمون أكتافهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأخذوا خيامهم وغالب متاعهم ومدافعهم وهي أكثر من عشرة مدافع، ورجع بقيتهم إلى مسقط وسمائل، وقبض الأخماس عمال سعود وبعثوا بها إلى الدرعية"[14].
 
 وفي سعيه لتأكيد سيادة السعوديين على هذه المناطق أعاد مطلق المطيري الكرّة بدخوله في العُمق العماني وفرّق جيشه على المنطقة الشرقية منها، وهي المنطقة القريبة من مسقط وشمالها الشرقي، لكن سُكان هذه المناطق من قبائل الحجريين صدوه وواجهوه بقوة وثبات، بل تمكّنوا من قتله.
 
يقول المؤرخ العماني السالمي في تاريخه "تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان" عن مشهد مقتل القائد العسكري السعودي مطلق المطيري على يد الحجريين سكان الشرقية في عُمان نقلا عن أحد شهود العيان: "وقتله في الشرقية كهول قليلون وهو في جيش كبير... وهؤلاء القاتلون هم رجال الحجريين جاءوا على حين غفلة فسلّطهم الله عليه بعد أن قتل من رجالهم سبعة بيده؛ لأنه كان فارسا عنيدا، فأراد أن يجعل الدرع على نفسه فلم يمكنه لضيق الحال، فاستوى على فرسه، وكان يطعن بشلفة في يده فسقطوا عليه على غير مبالاة بالموت فمكّنهم الله منه وانهزم قومه بعد قتله، وقُتل منهم مقتلة عظيمة وذهبوا هائمين على وجوههم"[15].
 
سقوط السعوديين.. وترقب العُمانيين

تفرّق الجيش السعودي مهزوما في الصحاري لأول مرة أمام العُمانيين في أواخر سنة 1812م، وما إن علم الأمير السعودي سعود بن عبد العزيز آل سعود هذا الخبر وهو في الدرعية آنذاك يواجه أياما عصيبة نتيجة الحملة المصرية التي كانت تقترب بقيادة إبراهيم باشا بن محمـد علي والي مصر، إلا وجمع جيشا ضخما للانتقام من العُمانيين وجعل على رأسه أحد كبار رجاله ويُسمى عبد الله بن مزروع وأرسله لتأديب وإخضاع عُمان[16].
 
وصل عبد الله بن مزروع إلى البريمي بالفعل، وجمع جيشا كبيرا من السعوديين وحلفائهم، وسار إلى الشرقية في الداخل العُماني لينتقم من قتلة مطلق المطيري من قبائل الحجريين، وعند ذلك تدخل سلطان عُمان سعيد بن سلطان فذهب إلى الشرقية ومعه آل وهيبة والحجريين والحبوس، لكن استجدّ قتال داخلي في عائلة آل بوسعيد التي كانت منقسمة على نفسها بين مسقط وصحار، فقد توفي عزّان بن قيس ابن عم سلطان مسقط سعيد بن سلطان، فاتجه مسرعا إلى صحار للاستيلاء عليها، وترك المنطقة الشرقية تواجه انتقاما مروّعا من الجيش السعودي بقيادة ابن مزروع، وبعد صمود قوي من "عرب الشرقية الأشاوس كانوا أهلا لحماية بلادهم، فكبحوا عدوان ابن مزروع وصدوه عن بلادهم بل منعوا تقدمه في داخل عُمان، فعاد إلى المدينة العمانية مدخل عمان الصحراوي، وعاد إلى البريمي ومنها ذهب إلى الرياض وأبقى بتّال المطيري"[17] نائبا عن السعوديين في المنطقة.
 
حين خرج الجيش السعودي من عُمان أدار سعيد بن سلطان وجهه ناحية بعض العمانيين الذين أيدوا الجيش السعودي، وعلى رأسهم الجعلان من بني علي، حتى إن سلطان عُمان استعان بالإنجليز لتأديب هذه القبائل التي بلغت درجة كبيرة من القوة العددية والعُددية، وبالفعل تمكّن الإنجليز من هزيمتهم بعد عدة معارك، وسارت الأمور إلى الهدوء حتى جاءت الأخبار بسقوط الدرعية والدولة السعودية على يد الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا ابن محمـد علي في شهور سنة 1818م، فاستعاد العُمانيون واحة البريمي التي كانت سبب الشقاء والبلاء الذي أصابهم على مدار خمسة عشر عاما متواصلة؛ حيث اتخذها السعوديون قلعة وحامية، لكن ظهور الدولة السعودية الثانية بدّد هذه الآمال، وجعل من البريمي قنبلة قابلة للاشتعال من جديد!
 
 


التعليقات