"من قتل أسعد المروري"... رواية سياسية بنكهة بوليسية
- رصيف22 الخميس, 25 يناير, 2018 - 06:39 مساءً

يختفي "أسعد المروري"، الأستاذ بجامعة وهران، والناشط الحقوقي، أربعة أيام، وفي اليوم الخامس تعلن الجهات المختصة عثورها على جثته مقتولاً في مقر الحزب الذي ينتمي إليه.
 
هذا هو الخبر الذي تنطلق منه رواية الحبيب السائح الأخيرة "من قتل أسعد المروري"، ليتحول هذا السؤال إلى قلقٍ يقض مضجع الصحافي "رستم معاود" الذي كان صديقاً للمقتول، فيحاول البحث عن جواب من خلال متابعته لحيثيات القضية واستجلاء ملابساتها.
 
"سمعت صوتاً من خلفي. استدرت فأشار إلي، من خلف أحد الموانع، رجل كهل بوجه مشوّش. اقتربت منه فحط يده على طرف شفته العليا، في وضعية همس. (...) نظر يميناً وشمالاً، كمن سيقفز في هروب. وهمس لي أن سيارة غريبة عن الحي بأربعة أشخاص كانت تتوقف لأيام مقابل باب الحركة. ثم اختفت باختفاء الأستاذ يوم الثلاثاء الماضي".
 
هكذا، يجد "رستم" نفسه عالقاً في ألغاز ومتاهات لا تنتهي وهو يبحث عن الحقيقة، خاصة أن الشرطة تتكتم على بعض المعلومات، لكنه بمساعدة صهره الذي يعمل مفتشاً في الشرطة القضائية، وبمساعدة "لطيفة" حبيبته التي تعمل طبيبة شرعية وتكون هي من يكشف على الجثة ويشرّحها، يتمكن من الوصول إلى الكثير من الحقائق التي تحاول الجهات الأمنية التكتم عليها، وربما طمسها ومحاولة تزييفها.
 
يفتت "الحبيب السائح" الزمن الحكائي، يرجعنا إلى الخلف بتقنية "الفلاش باك" ليحكي عن اللقاء الأول الذي جمع الراوي "رستم" بالطبيبة الشرعية "لطيفة"، كما يُدخل مشهداً مسرحياً ضمن الحبكة، هو مقتطف من مسرحية كان يمثّل فيها "المروري" وكان قد كتبها الصحافي نفسه وحضر بروفاتها برفقة عشيقته.
 
في هذا المشهد المسرحي هناك الكثير من الإشارات إلى الفساد والرشا والغش الذي يشوب الدولة بكل مؤسساتها، وهي نفسها الأفكار التي كان المقتول يناضل ضدها، وهذا ما جعل الأحزاب والمنظمات الحقوقية والمدنية تعتبر أن قتله ليس مجرد حادثة عادية بل هو اغتيال مدبّر بسبب الأفكار التي يحملها، خاصة أن هذه الجريمة تمت بعد أن قابل الضحية مندوب الأمم المتحدة وتحدث في مؤتمر عن حرية التعبير، وقمع الشرطة السياسية.
 
أقوال جاهزة
 
ما هي حقيقة ما حصل فعلاً؟ وهل مقتل "أسعد المروري" كان سببه علاقة مثلية مع طالبه، أم أنه اغتيال سياسي؟
 
تقدم رواية "من قتل أسعد المروري" صورة عن الواقع السياسي في الجزائر، دون أن تغامر بخسارة قارئها بسبب الأفكار الثقيلة التي تطرحها، إذ تنجح في إبقائه مشدوداً بحبكتها المشوقة، وحيوية علاقات الحب التي تزهر داخلها
 
"كان السيد رانك يتحدث لقناة أوروبية، بوجه ممتلئ، حليق، واثق، مطمئن تنبعث منه نظرات علية: كنت أكدت على حريتي المطلقة لكي أستطيع إجراء أي لقاء أقدّر أنه ضروري. وطلبت حماية شاملة من الدولة لكل النساء والرجال الذين قابلتهم أثناء زيارتي، وخاصة بعد انتهائها. وعليه، فأنا مصدوم جداً وحزين لهذا الحادث".
 
تتناول الرواية إذاً مسألة سياسية، هي الحركة اليسارية في الجزائر، والتحديات التي تواجهها، وغياب العدالة، في ظل سيطرة أجهزة الأمن والاستعلامات، ورغم أن هذا الموضوع ثقيلٌ على عملٍ أدبي، لكن الكاتب اختار حبكة بوليسية ليقدم من خلالها هذه الأفكار، وضفرها بعلاقات إنسانية مشرقة، وجمع ذلك كله بلغةٍ أدبية عالية، فخرج من فخ المباشرة أولاً، ومن فخ التوثيق ثانياً خاصة أنه اعتمد على حادثة حقيقية لكنه ألبسها لبوس الخيال، خالقاً علاقات شخصية بين الأطراف ذات الصلة بالقضية، ليعبّر من خلالها عن خطاب المؤسسات التي تنتمي إليها كالإعلام والأجهزة الأمنية...
 
تكون المفاجأة التي يفجرها السرد اتهام شاب مثلي كان على علاقة جنسية مع "المروري" بجريمة القتل، فيقبض عليه ويتم التحقيق معه.
 
في هذه الأثناء يقابل الصحافي رستم مجموعة من الناس المحيطين بالشخصيتين: والد المتهم، واحدٌ من أصدقائه المثليي الجنس، ضابط مخابرات، زوجة المقتول... محاولاً جمع معلومات قد تكون مفيدة ليصل هو إلى قناعة خاصة به بعيداً عما تحاول المحكمة الإيحاء به أن وراء القتل أسباباً عاطفية.
 
"كان الرئيس طلب إلى المتهم، بعد سماع اعترافاته، أن يؤكدها أو ينفيها. "هي أقوالي فعلاً. لكنها انتزعت مني قسراً في مقر محافظة الشرطة. لقد أساءوا معاملتي ومنعوا النوم عني، وجوّعوني". قال، غارق الرأس في ما خلته دلواً من الصمغ. ثم رفع رأسه نحو المنصة: "خلال استنطاقي كنت أجيب عن كل ما يطلب إليّ تحت الإكراه". وبتشفع: "لكني اليوم أقول إني بريء مما نسب إلي".
 
تترافق محاولات الراوي للبحث عن أسباب القتل مع اكتشافات جديدة في الصور التي حصل عليها بطرق مختلفة. يحاول تحليل كل ما أصبح بين يديه للإجابة عن سؤال: ما هي حقيقة ما حصل فعلاً؟ وهل مقتل "أسعد المروري" كان سببه علاقة مثلية مع طالبه، أم أنه اغتيال سياسي؟
 
تقدم الرواية صورة عن واقع الأحزاب السياسية في الجزائر، وعن تعثر عملية الوصول إلى مجتمع ديمقراطي يتمتع أفراده بحرية التعبير، وعن غياب العدالة في المجتمع، دون أن تغامر بخسارة قارئها مقابل الأفكار الثقيلة التي تطرحها، إذ تنجح في إبقائه مشدوداً بحبكتها المشوقة، وحيوية علاقات الحب التي تزهر داخلها.
 
الحبيب السائح، كاتب وروائي جزائري. له عدة مجموعات قصصية، وتسع روايات، من أبرزها: "زمن النمرود"، "تلك المحبة"، "الموت في وهران"، "كولونيل الزبربر". ترجمت معظم رواياته إلى اللغة الفرنسية. هو حائز على جائزة الرواية الجزائرية سنة 2003، وينشر في العديد من الصحف العربية.
 


التعليقات