إلى متى يظل العالم رهينة للدولار؟
- الجزيرة نت الاربعاء, 12 سبتمبر, 2018 - 08:02 مساءً
إلى متى يظل العالم رهينة للدولار؟

[  الدولار يشكل أكثر من نصف الاحتياطات الدولية والتمويلات عبر الحدود (رويترز) ]

هل قدرُ العالم أن يعيش رهينة للولايات المتحدة واقتصادها وسطوة عملتها الدولار؟ ماذا لو باعت الدول "العدوة" وعلى رأسها الصين وروسيا كامل أوراق الدين الأميركية؟ وما الذي سيجنيه الرئيس دونالد ترامب من حربه التجارية على الشركاء والأعداء؟
 
تقدر الديون الأميركية (الداخلية والخارجية) بنحو عشرين تريليون دولار مما يجعلها البلد الأكثر مديونية رغم كونها اقتصادها الأكبر في الوقت الحالي، وبمسافة طويلة عن أقرب منافسيها الاتحاد الأوروبي والصين.
 
وهو ما جعل بعض المحللين يعتقدون بأن أميركا تعيش "عالة على العالم" بينما يؤكد آخرون أن واشنطن لا تخشى هذه الديون لأن الاقتصاد والتجارة العالميين مرتهنان للدولار.
 
يقول الخبير الاقتصادي والباحث بالسياسات العمومية نوفل الناصري للجزيرة نت "رغم الأداء الجيد للاقتصاد الأميركي حيث نما الناتج المحلي بـ 4.1% بالربع الثاني من 2018 مقابل انخفاض معدل البطالة إلى 3.8% بمايو/أيار وهو أدنى مستوى له منذ 2000، فإنه لا يمكن أن يخفي حقيقة أن أميركا هي البلد الأكثر مديونية".
 
وقد وصل حجم الدين الأميركي -يضيف الناصري- لما يزيد على عشرين تريليون دولار، وهذا الرقم شهد حالة صعود متواصل خاصة مع مجيء ترامب، في وقت تتوقع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية زيادة نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 105.4% عام 2017 إلى 107.1% عام 2018، بجانب مئات مليارات الدولارات التي تدفعها الحكومة فوائد على هذه الديون.
 
تهديد
 
وحسب الناصري فإن هذه الديون الكبيرة تجعل كل مواطن أميركي مدينا بأكثر من خمسين ألف دولار، مما يشكل تهديدا حقيقيا للاستقرار المالي والأمن الاجتماعي الأميركيين.
 
بالمقابل، يؤكد د. ليو تشن من جامعة بكين للدراسات أن الهدف من هذه الديون هو إنعاش الاقتصاد بالداخل الأميركي.
 
ويعتقد ليو تشن -بحديث للجزيرة نت- أن الولايات المتحدة لا تخشى هذه الديون لأنها تمتلك أكبر رأسمال في العالم، كما أنها تتمتع بأكبر قدرة على التمويل، فضلا عن أن كل هذه الديون يتم تصفيتها بالدولار.
 
ويقول "النظام التجاري والاقتصادي بالعالم يقوم على التعامل بالدولار الأميركي، لذلك يمكن القول إن الولايات المتحدة تمتلك أكبر نفوذ أو تأثير بالتجارة العالمية".
 
ألكسي كلاشوف كبير محللي مؤسسة فينام للاستثمار والأوراق المالية يعتقد أن الولايات المتحدة -رغم مديونيها الكبيرة- يتصدر اقتصادها اقتصاديات العالم.
 
ويذهب -في حديث للجزيرة نت- إلى أن قوة الاقتصاد الأميركي تشكل عامل جذب للاستثمارات الخارجية، فالصين تستثمر 1.17 تريليون دولار عبر امتلاكها لسندات الخزينة الأميركية وتحتل المركز الأول كمستثمر أجنبي بهذه السندات، إلى جانب اليابان وروسيا ودول الخليج العربي.
 
ويخلص إلى أن الاقتصاد -المستند إلى الثروات الهائلة (مصادر الطاقة من نفط وغاز ومعادن) وتطور القطاع الصناعي واعتماده على التكنولوجيا الحديثة وقوة القطاع الزراعي عند التصدير وتمدد القطاع المصرفي عبر العالم- يجعل الولايات المتحدة "ليست عالة على العالم".
 
أوراق الدين
 
ولإن كان البعض يعتقد بأن مساعي الصين وروسيا ودول أخرى تقليص حيازتها للسندات الأميركية بشكل كبير قد يشكل تهديدا لاقتصاد الولايات المتحدة المعتمد على الديون ويربك أسواق المال العالمية، فإن آخرين لا يرون إلا تأثيرا محدودا لمثل هذه المساعي.
 
يقول كلاشوف إن ما تملكه الدول الأجنبية مجتمعة لا يشكل أكثر من 31% من حجم الدين الأميركي العام، في حين يمتلك أفراد ومؤسسات أميركية ما يقارب الـ 70% من حجم السندات، لذلك يرى كبير المحللين أن تأثير تقليص حيازة الصين وروسيا لأوراق الدين الأميركية "محدود جدا".

وفي السياق، يعتقد الباحث من جامعة بكين للدراسات أن شراء الديون الأميركية يعتبر حلقة مهمة في مسيرة تنويع احتياط العملات الأجنبية بالصين.
 
ويحذر د. ليو تشن من أنه إذا أقدمت بكين على بيع هذه الديون فإن ذلك سيؤثر على سعر صرف الدولار الأميركي، الأمر الذي سيحدث حالة خوف كبير بالأسواق العالمية.
 
ويقول "لكن في الوقت الحالي لا تستطيع الصين تغيير هذا النظام الذي يهمين فيه الدولار الأميركي على التجارة العالمية".
 
ويضيف الباحث "لذلك يمكن القول إن شراء الديون الأميركية أفضل الخيارات السيئة بالنسبة للصين".
 
بالمقابل، يؤكد الناصري أن بيع الصين -أكبر مالك لأوراق الدين الأميركية- لهذه السندات يشكل تهديدا حقيقيا وضربة قاضية للاقتصاد الأميركي، وبداية انهيار الاقتصاد العالمي، بسبب الترابط الهيكلي بينهما، ونظرا لفخ الارتهان العالمي للدولار الذي تُسعر به جميع المواد الأساسية ابتداء من النفط، بجانب أن العملة الأميركية لا ترتبط باحتياطات ذهبية كافية.
 
لكن الخبير الاقتصادي يلفت إلى أنه تفاديا لهذه التداعيات لا تستطيع الصين بيع السندات الأميركية، وهذا دليل آخر ومعطى حقيقي يُثبت بجلاء كيف تعيش الولايات المتحدة عالة على العالم الذي يمول خزينتها ويستثمر في سنداتها ولا يستطيع استغلالها.
 
وبسبب العقوبات والخلافات التجارية والدبلوماسية، عمدت دول مثل روسيا وتركيا -وخاصة الصين- إلى تقليص حيازتها للسندات الأميركية.
 
وتراجعت حيازة الصين من أدوات الدين الحكومي إلى 1.179 تريليون دولار في يونيو/حزيران الماضي، بعدما كانت بحدود 1.183 تريليون، في حين خفضت اليابان حيازاتها إلى 1.030 تريليون بالشهر ذاته، وهو أدنى مستوى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2011. والصين واليابان هما أكبر مالكي أدوات الدين الحكومي الأميركي.
 
وباعت روسيا نحو 85% من السندات الأميركية خلال الثماني سنوات الماضية، حيث نزلت قيمتها إلى نحو 48 مليار دولار، بعدما كانت حوالي 176 مليار دولار.
 
الحرب التجارية
 
ويعتقد ليو تشن أن الحرب التجارية التي يخوضها ترامب تهدف لإنعاش الاقتصاد الداخلي، لكنه حذر من أن هذه الحرب ليس "أمرا جيدا".
 
ويقول إن الاقتصاد الأميركي يعتمد بشكل كبير على العولمة الاقتصادية والتجارية الحرة، وبالتالي ليس من صالح واشنطن فرض المزيد من السياسات والإجراءات الحمائية.
 
كلاشوف من جانبه يرى بأن ترامب لم يفشل في حربه التجارية مع الصين أو الاتحاد الأوروبي، فكل المؤشرات تؤكد ذلك وستسعى الدول إلى التوصل بشكل من الأشكال لتسوية بما يتوافق مع المصلحة الأميركية.
 
ويقول أيضا "سيبقى الدولار الوحدة النقدية المتداولة عالميا بين الدول، فلا الروبل مؤهل لذلك ولا اليوان ولا الليرة".
 
لكن جيفري دي ساكس -وهو أكاديمي ومدير مركز كولومبيا للتنمية المستدامة وشبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة- أكد في مقال قبل أيام أنه في غضون بضع سنوات ستتسبب سياسات ترامب المالية "المسرفة" وسياساته التجارية والعقابية "المتهورة" في تقويض اقتصاد بلاده والدور الذي يلعبه الدولار بالتمويل العالمي.
 
ويعتقد الأكاديمي الأميركي أن الدولار يؤدي وظيفة أعلى كثيرا من وزن الولايات المتحدة بالاقتصاد العالمي، التي تنتج حاليا نحو 22% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي قياسا على أسعار السوق، ونحو 15% قياسا على تعادل القوة الشرائية، ومع ذلك يمثل الدولار نصف -أو أكثر- من الفواتير والاحتياطيات والتسويات والسيولة والتمويل عبر الحدود.
 
وتساءل "تُرى إلى متى تستمر هذه الحال قبل أن تلجأ شركات العالم والحكومات إلى شنغهاي بدلا من وول ستريت لتعويم حيازاتها من سندات الرنمينبي (اليوان)؟
 
 


التعليقات