الخدع الجديدة للأدوية
- صح الجمعة, 13 أبريل, 2018 - 08:19 مساءً
الخدع الجديدة للأدوية

[ الخدع الجديدة للأدوية ]

إن إنتاج أدوية فعالة يتطلب استثمارات ضخمة من الوقت والمال، حيث يمضي متوسط الدواء في السوق اليوم عقدًا من الزمان في المختبر وفي التجارب السريرية، ويكلف أكثر من ملياري دولار لتطويره.
 
ولسوء الحظ، يتم تسويق معظم الأدوية الموصوفة طبيا لمرض واحد، بدلا من مجموعة من الأمراض التي يمكن أن تكون آمنة وفعالة. هذا يزيد من تكاليف التطوير، ويعقّد اكتشاف تطبيقات جديدة للأدوية.
 
ولحسن الحظ، هناك نهج أفضل -ناهيك عن صناعة الأدوية وأنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم- بالنسبة لجميع المرضى. على غرار إعادة تدوير السلع المنزلية، تسعى "إعادة تنظيم العقاقير بشكل منهجي" إلى تطوير الأدوية لمرض واحد لتصبح قادرة على علاج مرض آخر.
 
هذه هي قصة الثاليدوميد (دواء مسكن يسبب تشوه الأجنة) التي كانت تستخدم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من قبل الحوامل للتخفيف من غثيان الصباح، ولكن تم حظرها بعد أن ثبت أنها تسبب عيوبًا خلقية شديدة للجنين. لكن بعد دراسة طويلة، قام العلماء بتعديل البنية الجزيئية للأدوية لتغيير طريقة عملها. واليوم، يصف الأطباء مجموعة أدوية الثاليدوميد لأورام النقوي المتعددة، وأورام الغدد الليمفاوية، وبعض الأمراض الجلدية، وكذلك بعض أمراض فقر الدم.
 
وتتمثل أهمية الثاليدوميد في ظهور علاج جديد من رماد الفشل. ويستفيد العديد من المرضى اليوم، وذلك لقيام بعض العلماء ومموليهم بإعادة النظر في عقار فاشل.
 
التصلب المتعدد
 
ومن اللافت للنظر أيضا تاريخ علاج مرض التصلب المتعدد الجديد والذي يحتوي على مادة دايميثيل فيوماريت، وتحت اسم العلامة التجارية "تيكفيديرا" يحصد هذا المركب عائدات سنوية تبلغ ثلاثة مليارات دولار، وقد ساعد العديد من المرضى على مقاومة هذا المرض المدمر.
 
 ومع ذلك، فقد تم صنعه لأول مرة منذ ما يقرب من مئتي عام من قبل كيميائي فرنسي كمثبط للعفن للأرائك والملابس الجلدية. وقد تم استخدامه في وقت لاحق لعلاج الصدفية. ومع حقيقة ارتباط الأخيرة بنقص المناعة الذاتية، فقد تم اختباره نهاية المطاف على اضطرابات ذاتية أخرى، بما في ذلك مرض التصلب المتعدد.
 
لقد حدثت معظم نجاحات إعادة تنظيم الأدوية عن طريق الصدفة، كما كان الحال مع الثاليدوميد ودايميثيل فيوماريت. لكن ماذا سيحدث إذا تعاون الباحثون وشركات الأدوية للبحث بشكل منهجي عن الاستخدامات الجديدة للأدوية الموجودة؟ ومن الناحية الطبية، يمكن أن تكون الأرباح ضخمة مما يجلب فوائد هائلة للمجتمع على حد سواء.
 
وتعمل الأدوية عن طريق استهداف جزيئات محددة بالجسم. وفي بعض الحالات، يكون للأمراض المختلفة نفس "الهدف". فمثلا، يستهدف دواء أرزيرا -الذي تم تطويره لعلاج سرطان الدم الليمفاوي المزمن- بروتين CD20. لكن هذا الأخير مرتبط أيضًا بمرض التصلب المتعدد، كما وجد الباحثون أثناء الاختبار أن أوفاتوموماب (المكون النشط في الدواء) يمكن أن يكون مفيدًا للتصلب المتعدد وغيره من أمراض المناعة الذاتية.
 
ونظرا لإمكانية استعمال الدواء بعلاج السرطان، فقد قامت شركة غلاكسو سميث كلاين -التي تقوم بتسويق دواء أرزيرا- بترخيص الحق في استخدامه كعقار للسرطان لشركة عملاقة أخرى تدعى نوفارتيس. بعد ذلك، وفي صفقة لاحقة ومنفصلة، رخصت الشركة حقوقًا إضافية لشركة نوفارتيس لإعادة استخدامه في معالجة التصلب المتعدد.
 
بالنسبة لصناعة الأدوية، كان هذا النهج ثوريًا. ويتمثل هدف نموذج العمل النموذجي في ترخيص جميع الاستخدامات الحالية والمستقبلية للعقار، حتى لو كانت إمكانيته غير معروفة في ذلك الوقت. وبالنسبة لدواء أرزيرا، تم إنشاء فرصة عمل جديدة عن طريق تقسيم الدواء إلى اثنين من الأصول المدرة للدخل.
 
ولا تتم إعادة تنظيم الأدوية عادة بشكل سلس. فالتجارب السريرية بطيئة ومرهقة ومكلفة، والعديد من الأدوية لا تتغلب على العقبات المالية. علاوة على ذلك، تعرض "الوصفات غير المصنفة" تحديات التسويق. ومع وجود المرضى الذين لا يستجيبون لدورات العلاج المعتادة، قد يرغب الأطباء في توزيع دواء معدل، ولكن غالبًا لا تتوفر لديهم بيانات كافية لاتخاذ القرار الصائب.
 
وتعمل شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية مثل شركتنا على تسهيل هذه العملية. نحن نركز على إيجاد استخدامات جديدة للعقاقير الموجودة بطريقة منهجية، من خلال الجمع بين الذكاء المعزز والاصطناعي للقيام بذلك. وهدفنا هو المستقبل حيث تتوفر أدوية لجميع الأمراض المعروفة، بغض النظر عن كيفية صنع هذا الدواء. إن هذا ليس ضروريا لتحسين صحة المريض فحسب بل مهم أيضا من الناحية المالية، نظرا إلى أن إعادة التنظيم يمكن أن تقلل من الوقت وتكاليف تطوير الأدوية إلى النصف.
 
مراجعة
ومن خلال التعاون مع أصحاب المصلحة الآخرين، تقوم مجموعة أعضاء البرلمان الأوروبي لمكافحة السرطان -على سبيل المثال، فضلا عن مجموعة من المؤسسات غير الهادفة للربح وبعض القادة السياسيين- بمراجعة المسار التنظيمي الحالي في القارة العجوز، كما تدعو إلى طرق جديدة لتطوير الأدوية والتي تكمل الطرق القائمة.
 
وفي المستقبل القريب، قد يتم تغيير نظام الأدوية مع مراعاة الاحتياجات الفريدة لكل مريض. ويمكن أن تساعد التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز الأطباء في العثور على علاجات بديلة لمن يعانون من أمراض يصعب علاجها أو أمراض مزمنة معقدة.
 
وتحقيقا لهذا المستقبل، يجب دمج عملية إعادة التنظيم بشكل منهجي في جميع نماذج الأعمال الخاصة بشركات الأدوية. ولحسن الحظ، هناك حوافز اقتصادية قوية تساعد الشركات على القيام بذلك. هنا فقد نجد أنفسنا على طريق اكتشاف آخر: فالاستفادة من الترابط البيولوجي لإعادة تنظيم الأدوية القديمة والجديدة بشكل منهجي أفضل طريقة لتحسين الصحة وتخفيض تكاليف الرعاية الصحية بجميع أنحاء العالم.

 


التعليقات