اليمنيون والمخلوع صالح.. حصاد سنوات الدم والدمع (1-2)
- خاص الثلاثاء, 01 أغسطس, 2017 - 11:09 مساءً
اليمنيون والمخلوع صالح.. حصاد سنوات الدم والدمع (1-2)

[ الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح ]

اتسمت سنوات حكم المخلوع علي عبدالله صالح لليمن بالحروب الداخلية التي أشعلها، أو كان سببًا في إشعالها، وشملت الآثار المدمرة لهذه الحروب مختلف أرجاء الوطن، وما من محافظة أو مديرية أو حتى قرية يمنية إلا وسالت فيها دماء ودموع عدد كبير من أبنائها خلال سنوات حكم المخلوع صالح للبلاد، بسبب تلك الحروب، والقرية أو المدينة التي لم تسِل فيها دماء ودموع بسبب الحروب، فبالتأكيد سالت فيها الدموع بسبب الفقر والجوع والمرض.
 
وأمام هذا السجل الأسود لتاريخ حكم علي صالح للبلاد، والذي اختتمه بالحرب التي تسبب بإشعالها مع حلفائه الحوثيين في البلاد منذ عامين ونصف، إلا أن هناك محاولات برزت مؤخرًا لتلميع الرجل، ومحاولة تقديمه للداخل والخارج بأنه هو الوحيد القادر على إنهاء الحرب في البلاد، ولكن بشرط أن يعود للسلطة عبر شخصه أو عبر نجله الأكبر أحمد، وتُبذل في سبيل ذلك جهود كبيرة لتلميعه وطمس سجله الأسود، بل ومحاولة إلصاق هذا السجل بالآخرين، وتزوير التاريخ بشكل فاضح، رغم أن السجل الأسود عايشه مختلف أبناء الشعب، وما زالوا يعايشونه.
 
- اغتيال الحمدي وأحداث الحجرية
 
بدأت المسيرة الدموية للمخلوع علي صالح قبل أن يتسلم السلطة رسميًا في شمال البلاد قبل الوحدة، وذلك عندما كان قائدًا للواء تعز العسكري، وهو المنصب الذي عينه فيه الرئيس إبراهيم الحمدي، ثم كانت حادثة اغتيال الرئيس الحمدي (11 أكتوبر 1977) أول جريمة ضد الوطن شارك فيها المخلوع صالح، وذلك بحسب إفادات شهود عيان بعضهم مقربون من الحمدي، مفادها أن علي صالح كان حاضرًا في "وليمة الغداء" التي دُعي إليها الحمدي، وكانت "مؤامرة" لاغتياله، وشوهد علي صالح أثناء الوليمة وهو يحمل مسدسه الشخصي ويتحرك بشكل غير طبيعي بين ذهاب وإياب في مكان الوليمة.
 
اقرأ أيضا: كيف ساعد المخلوع علي صالح جماعة الحوثي على التمدد والانتشار؟

وبعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، خشيَ الموالون له من غدر الحكام الجدد بهم، وكان من بينهم عضو مجلس قيادة الثورة الأسبق وقائد قوات الصاعقة والمظلات عبدالله عبدالعالم، الذي انسحب بعدد من قواته من صنعاء وتوجه بها إلى مسقط رأسه في منطقة الحجرية، وربما أن سماح سلطات الرئيس الغشمي له بسحب قواته من صنعاء كان الغرض منه تصفيته وتصفية قواته بعد الانتقال إلى الحجرية، بذريعة أنه يقود تمردًا على الدولة، والحقيقة هي أنهم كانوا يخشون أن يقود انقلابًا عسكريًا وانتفاضة شعبية انتقامًا للرئيس الحمدي، الذي اكتسب شعبية كبيرة، وأثارت حادثة اغتياله سخطًا شعبيًا كبيرًا.
 
وبصرف النظر عن الغموض الذي يحيط بأحداث الحجرية (24 أبريل - 20 مايو 1978)، والتي كانت أبرز نتائجها قتل معظم مشائخ تعز، والذين اختلفت الروايات بخصوص المتهم بقتلهم، حيث يتهم البعض عبدالله عبدالعالم بقتلهم، لكن المسؤول عن تلك الأحداث بشكل عام هو المخلوع علي صالح، وذلك للأسباب التالية:
 
- أن تلك الأحداث ما كان لها أن تقع لولا حادثة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي المتهم فيها علي صالح وصديقه الغشمي، وبعد تلك الأحداث تسبب النظام في صنعاء بأزمة مع رجال الحمدي بغرض تصفيتهم.
 
- كان بالإمكان حل أزمة تمرد عبدالله عبدالعالم، والتي تم دفعه إليها، بالحوار والحكمة، أو محاصرته وجنوده في الحجرية حتى الاستسلام أو استهدافهم لوحدهم في أماكن تحصنهم، إن اقتضى الأمر تصفيتهم من قبل علي صالح والغشمي، بدون اللجوء إلى تسيير حملة عسكرية بمختلف الأسلحة، بما فيها الطائرات، والقصف العنيف الذي تعرضت له عدة مناطق بالحجرية.

اقرأ أيضا: عودة المخلوع صالح وعائلته للحكم تثير الجدل.. هل يمكن أن يعود؟
 
- يفهم من سياق الروايات المختلفة والمتناقضة لأحداث الحجرية، أن علي صالح تواصل مع مشائخ تعز الذين كانت تربطهم علاقة بعبدالله عبدالعالم أو من الموالين للرئيس إبراهيم الحمدي، وكان الهدف من ذلك هو أن يجتمع الكل في مكان واحد ثم تصفيتهم دفعة واحدة، للتخلص من كل الموالين للحمدي، لكن الذي حصل أن عبدالعالم اعتقل المشائخ الذين أرسلهم علي صالح كوسطاء بغرض الضغط على نظام صنعاء، فاستغل علي صالح، الذي كان قائدًا للواء تعز حينها، حادثة الاعتقال لتسيير حملة عسكرية إلى الحجرية بذريعة تحرير المشائخ المعتقلين والقضاء على تمرد عبدالعالم، حتى لا يثير حفيظة أبناء تعز، ويكسبهم إلى صفه، لكن ما حدث أنه تم قصف المكان الذي كان يعتقل فيه المشائخ بالطائرات وتصفيتهم جميًعا، واتهام عبدالعالم بتصفيتهم.
 
- ما يزيد من غموض تلك الأحداث، وخاصة ما يتعلق بجريمة قتل مشائخ تعز والمسؤول عنها، أن عبدالله عبدالعالم لم يتحدث عن تلك الأحداث أو حتى يبرئ نفسه من تهمة تصفية المشائخ، ربما بسبب ضغوط تمارس عليه، رغم إقامته خارج الوطن منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، وهناك تصريح منسوب له في بعض مواقع الإنترنت، لا يعرف مدى دقته، مفاده أنه اتهم نظامي صنعاء وعدن بقتل مشائخ تعز.
 
- الرواية المتداولة بخصوص اتهام عبدالله عبدالعالم بقتل مشائخ تعز، تفيد بأن عملية قتلهم قام بها عبدالعالم ومرافقوه في الطريق أثناء هروبهم إلى عدن، وهذا غير معقول، لأنه مع بدء الحملة العسكرية كان عبدالعالم ومرافقوه يتحصنون في مكان بعيد عن المكان الذي سجن فيه مشائخ تعز، ثم اضطروا للفرار صوب عدن، لأنه لا قدرة لهم على مواجهة تلك الحملة التي استخدمت فيها مختلف الأسلحة، ولا يعقل أن عبدالعالم في هذه اللحظات سيذهب مع رفاقه إلى السجن ويأخذ المشائخ معه، وأنهم سيوافقون على الفرار معه إلى عدن، وسيقوم بتصفيتهم في الطريق.
 
اقرأ أيضا: ما هي تداعيات انقسام حزب المؤتمر في اليمن بين الرياض وصنعاء؟

- الشهود الحقيقيون على أحداث الحجرية رفضوا منذ ذلك الحين الحديث عن تفاصيلها وكشف ما يعرفونه من أسرارها، وهذا يفسر تعرضهم لضغوط من نظام علي صالح، الذي قام بتزييف حقيقة تلك الأحداث، وقتل بعدها بعض الشهود، والبعض الآخر أجبرهم على عدم الحديث عنها، وربما يتم كشف أسرارها كاملة في الوقت المناسب، خاصة بعد أن يزول الخطر، ويطمئن الشهود لقول الحقيقة بدون أن يتعرضوا لأي خطر.
 
- الانقلاب الناصري والحرب مع الجنوب
 
استمرت تداعيات حادثة اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي، ثم أحداث الحجرية، حتى تسلم علي صالح للسلطة رسميًا في شمال البلاد، بعد اغتيال سلفه الرئيس الغشمي بواسطة حقيبة مفخخة عن طريق مبعوث جنوبي من قبل حكام عدن، ولاعتقاد الناصريين بأن علي صالح هو من اغتال الحمدي، فقد دبروا ضده محاولة انقلابية بعد أقل من ثلاثة أشهر من تسلمه للسلطة يوم 15 أكتوبر 1978، لكن المحاولة الانقلابية فشلت، وأعدم علي صالح عددًا كبيرًا من الضباط الناصريين المتهمين بها، ثم تواصلت الإعدامات والاعتقالات والإخفاء القسري عدة سنوات بعد تلك المحاولة الانقلابية، وطالت عددًا كبيرًا من الأبرياء الذين ما زالوا مخفيين قسريًا حتى الوقت الحالي.
 
وبما أن تلك المحاولة الانقلابية تزامنت مع إعلان تأسيس الحزب الاشتراكي في الجنوب، فقد اعتقد علي صالح ومعاونوه أنها تمت بتدبير وتخطيط من حكام عدن، مما تسبب بتفاقم الأزمة بين حكام الشطرين، في وقت كانت فيه المناطق الوسطى على صفيح ساخن، وزاد من حدة المواجهات تحالف حركة 13 يونيو الناصرية مع الجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة من الجنوب، مما تسبب بزيادة حدة المواجهات أواخر العام 1978، ومغادرة الناصريين إلى الجنوب بسبب استمرار قمع علي صالح لهم.
 
اقرأ أيضا: حزب المؤتمر في ذكرى تأسيسه الـ35.. من مظلة للجميع إلى عدو للجميع

تسبب تصعيد علي صالح للأزمة مع حكام عدن باتهامهم بدعم الانقلاب ضده، واستمرار قمعه للناصريين، في اندلاع حرب شطرية يومي 23 و24 فبراير 1979، انتصر فيها الجيش الجنوبي، الأمر الذي أثار هلع علي صالح، وجعله يقوم بجولة عربية شملت سوريا والعراق طلبًا للوساطة، وبالفعل، ضغط حكام الدولتين على النظام في عدن بإيقاف الحرب والانسحاب، وأسفرت الوساطة عن توقيع اتفاقية الكويت الوحدوية بين رئيسي الشطرين: علي عبدالله صالح، وعبدالفتاح إسماعيل.
 
إذن، يتضح مما سبق أن المخلوع علي صالح بدأ مسيرته العسكرية والسياسية بحروب واغتيالات وتصفيات جسدية وأحكامًا بالإعدام واعتقالات وإخفاء قسري للمعتقلين والمختطفين، حتى خلا شمال البلاد من أي معارضين أو منافسين له على السلطة، فشهدت البلاد استقرارًا نسبيًا طوال مرحلة الثمانينيات، لأنه لم يعد هناك ما يدفع علي صالح لإشعال الحروب، لأن السلطة أصبحت في مأمن من أي خطر، ثم عادت الحروب مجددًا بعد أن ظهرت أخطار تهدد السلطة، وهو ما سنتناوله في الحلقة الثانية بإذن الله.


التعليقات