الشاعر عامر السعيدي في حوار مع الموقع بوست: المرأة ليست نقيضا للحرية
- وئام عبدالملك الإثنين, 16 أكتوبر, 2017 - 11:22 مساءً
الشاعر عامر السعيدي في حوار مع الموقع بوست: المرأة ليست نقيضا للحرية

[ الشاعر عامر السعيدي ]

من" كشر" بحجة، جاء كمن سمع النداء "حي على صنعاء"، فإن بها عصبة من شباب يهتفون للدولة ويسقطون اللادولة، قائلا في رائعته "عطر أبي":

وأتيتُ كلي دهشةٌ وضياءُ
وعرائسٌ سبئيةٌ وغناءُ
النحل أولادي وبيتي غيمةٌ
شفافةٌ والأغنيات نساءُ
والحب أول ليلةٍ مجنونةٍ
وفم الحبيبة خمرةٌ وإناءُ

على قدمين مشققتين من برد الجبل البعيد، وثوب لفحه غبار الطريق، وسحنة سمراء، وبيده عود ثقاب أطفأه توا بعد أن أشعل به أول حبة سيجارة، بعد أن غادر القرية ولم يعد ينوي الرجوع، هذه صنعاء من يتركها ويعود إلى كشر؟

لم يكن الطريق سهلا ولا مفروشا بالورود، إلا أنه شعر بالنشوة عندما سمع هتافات ساحة التغيير، ورأى كل هؤلاء الشباب والشابات من مختلف أنحاء اليمن يعملون كخلايا نحل ينسجون الوعي والثورة، ويكللون المستقبل بتيجان من سِلم وأمل، لكن سرعان ما انهالت رصاصات الغدر في جمعة الكرامة، فبكى حال البلاد  والشهداء وأخذته حماسة الشباب فقال:

ولسوف أكبر بالبلاد وبي أنا 
فأنا.. أنا الأحلام والشهداءُ
مولاي أنت معي ترى ما لا يرى
أحدٌ، فتضحك والزمان بكاءُ

 لم يكد الشاب العشريني يبكي بعد أهله ورفاقه في القرية، فإذا به يبكي شهداء أحبهم وعقدت روحه عليهم الآمال، منذ أن التقاهم في فضاء الحرية الذي ضم بين دفتيه اليمن، وكان كما قال الجواهري: "قد يقتل الحزن من أحبابه بعدوا عنه فكيف بمن أحبابه فقدوا؟".

ارتسام الحزن على وجهه قاده للشعر، فهذه القرى الحضارية التي بنيت على سقوف مدن أندرست منذ آلاف السنين تخرج المعجزات التي تمشي على الأرض، والحزن مرادف الكرب وهذه أرض المكاربة، وهي بنت كرب، فالحزن جزء من شخصية إنسانها "عامر السعيدي"، مثل بلده اليمن السعيد، والذي لا يبدو عليه إلا آثار حزن ظاهرة، هو ابن هذه البيئة، سهولها وجبالها ووهادها والهضاب، تحن أبياته إلى كل ذرات ترابها، في قصيدته "عطر أبي" لم نسأله عن كنه أبيه، هل هو والده أم التبع اليماني، فالمعنى في بطن الشاعر، وليظل هناك ولنا العبرة من بعض أبيات قصيدة العطر، والتي  نقتبس منها ما يحكي حال صنعاء:

صنعاء ضاقتْ بي وأغلق صمتها 
باب السلام ليدخل الغرباءُ
والخوف يمشي في المدينة مثلما
يمشي الغرور وتضحك الأخطاءُ
يا "راهب الفنّ" الذي في حزنهِ
شعبٌ وفوق لسانهِ أمراءُ

في هذا الحوار الذي أجريناه مع الشاعر عامر السعيدي خرجنا بهذه الخلاصة:

• ما الذي دعاك للارتباط بحركة الجماهير، لدرجة أنهم ينادونك شاعر الثورة والحرية؟

- الثورة هي قصيدة الكادحين والمقهورين، ولقد حاولت أن أكتبها كأي شاعر، لكني شخصيا أدين لها بالضوء، أعتبرها تاريخ ميلادي، فلولا ثورة التغيير في 11 فبراير/شباط 2011، لما منحتني الحياة فرصة للتحليق في سماء القصيدة، لقد كان رفاقي الثوار أجنحتي التي طرت بها لأنهم آمنوا بموهبتي، وفتحوا لي أبواب كثيرة سواء للنشر في الصحف أو بتقديمي للآخرين في كل مناسبة، وبهم ومعهم توسعت دائرة علاقاتي وخرجت للنور، وإخواني من الثورة هم من يقولون عني شاعر الثورة وإن كنت غير مقتنع بذلك، لأن الثورة قصيدة كل الشعراء الأحرار الذين لا يمجدون إلا الكلمة ولا يقفون إلا حيث تكون المواقف النبيلة والقيم ومبادئ الحرية والكرامة، وما أنا إلا واحد منهم.

•بعيدا عن أسئلة الشعر والأدب، دعنا نتعرف على "عامر" الإنسان، الذي تبدو في وجهه خارطة الحزن الكبير الممتدة من صعدة إلى المهرة ومن حجور إلى سقطرة، هل لأن عامر الإنسان وجد ذاته في ثورة 2011، أم لأن هذا الفلاح البسيط ارتبط بالأرض والمطر، أم لأن هناك أم أرضعته  حب اليمن مع الحليب؟

- يبدو أن الحزن له علاقة وقرابة بالإنسان اليمني عموما، وأنا كأي يمني أحمل لون الحزن على وجهي، أظن أن السُمرة هي لون الحزن والأرض والإنسان اليمني، ولهذا نتشابه مع أنفسنا وحزننا بشكل كبير.
والأكيد أن الثورة هي الباب الذي دخلت على ذاتي منه، وجدتني كشاعر وكشاب مغمور ومطمور بالصعوبات وتواضع الحياة وغياب مسؤولية الدولة تجاه الموهوبين والمجتمع بشكل عام.

 وأرى أن للحزن علاقة بالأرض والفلاح والوطن، فأنا مثلا تعلمت من أبي حب الأرض التي يحرثها ويرعاها كأولاده، وعملت معه فيها، وعندما كبرت كوّنت من علاقتي بأرضنا الصغيرة، علاقة أخرى بأرض أكبر وأب أعظم، لقد أصبحت اليمن بجبالها وسهولها هي الأرض التي أحب والأب العظيم، وهي أيضا الأم التي أرضعتني حبها وحريتي، قهرها وتمردي، ولقد تعلمت منها وعلمتها الكرامة، رغم أنها ليست كريمة معي، "لم تسمح لي حتى بالنوم على الرصيف بلا خوف"، ومع ذلك سأظل أغني لها، كما غنى أبو بكر سالم: أمي اليمن.


• في كثير من قصائد عامر يمزج بين المرأة وبين الحرية بين الحب والحرب، بين التضاد والنقيض، هل لقريتك علاقة بالأمر، هل لتلك الراعية التي أحبها عامر السعيدي علاقة بتناقضاته؟

- المرأة ليست نقيضا للحرية، ولو كان للحرية شكلا لكانت امرأة. أما غير ذلك فلربما أن وجودنا في زمن متناقض وعجيب، هو وراء تناقضنا في كل شيء وصراعنا مع ذواتنا وقناعاتنا وفيما بيننا. وللبيئة تأثيرها في وعلى شخصية الفرد، والقرية هي جزء من تلك البيئة والشاعر يتأثر بها ويؤثر فيها ويمتزج بتناقضاتها، يطربه ذكرها ويستدعي ذكرياتها، سواء في البيت أو المرعى في الطفولة أو أيام الصبا، كما أن تفاعله مع واقعها يضطره لأن يجمع بين الحب والحرب كنقيضين، وهو ازدواج قديم جديد، يحضر مع عنترة العبسي الذي يذكره لمعان السيوف بحبيبه وثغرها الباسم، ويحضر أيضا مع محمود درويش الذي حالت البندقية بينه وبين عيون ريتا.

• ماذا تقول عن الرمزية في الشعر؟

- الرمزية المفرطة في التيه والغموض مشكلة، والمباشرة أيضا مشكلة مضاعفة. الرمزية تشتت وتغرق المتلقي في تهويمات ونرجسية الشاعر الذي لا يدري هو ذاته ما الذي يريد أن يقول ولا إلى أين يصل. أما المباشرة فهي عنوان كبير للقرف. وأعتقد أن الترميز، هو حالة ترف لشاعر بلا قضية، وهروب من الواقع والحياة والناس. ولا قيمة للشعر، إذا لم يكن قريبا من الناس وبعيدا في الدهشة، والقصيدة التي تلامس شغاف القلوب، هي التي تمسك بشغاف الفلاح في المزرعة، ودكتور الجامعة. بمعنى آخر، الشعر هو الممكن والمستحيل في آن، البساطة والدهشة، والشعر ما يجعل المتلق يعتقد أن بإمكانه قوله ولا يستطيع. والشعر بلا رمز كالطعام بلا ملح، لكن الشاعر المحترف هو الذي يجيد استخدام الرمز بحيث لا يسقط بالقصيدة في تهاويم خارج الواقعية ولا تسقط به في المتوقع. الشاعر، يمشي بالقصيدة مع كل الناس، ويطير بها في السماء منفردا.

• بعض قصائدك أتت أصيلة وهذه صنعتك، لا علاقة للسؤال بها، هناك قصائد مجاراة لقصائد شعراء آخرين، وهذه المجاراة من حسن الصنعة وهي موجودة عند معظم الشعراء، أين تجد ذاتك الشعرية هنا أو هناك؟

- لا يوجد شاعر إلا وله تجربة مع المجاراة وبعضهم تفوق على القصيدة التي جاراها بشكل كبير لدرجة أن بعضها أنسى الناس القصيدة الأم. ومع ذلك، يظل اسمها مجاراة، والشاعر هو الصورة التي يرسمها لنفسه كما شاء. أنا مثلا، لا أحب أن أتماهى مع هذا النوع من الشعر لكنني أيضا جاريت شعراء، وسوف أحاول ما استطعت أن أترك لقصيدتي بصمتها الخاصة، وهي بصمة تكونها المعاناة والتجربة والوقت.

• في الفضاء الإلكتروني ما يعوض الشاعر عن الكتابة للصحف والمجلات خاصة أن هناك تفاعل فوري مع الجمهور، هل ردود أفعال جمهورك ترضيك دوما، هل تقبل النقد للنصوص الشعرية، لماذا لا تضع علامة إعجاب على المعلقين بصفحتك في الفيس بوك؟

- مواقع التواصل الاجتماعي كسرت احتكار ما يسمى مجازا بـ"النخبة" لوسائل الإعلام، وفتحت للكثير من أصحاب المواهب نافذة على الجمهور بشكل مباشر وتلقائي. ومعها، أصبح بإمكان الشاعر أو الفنان أو الكاتب أن يطرح بضاعته للجميع بعيدا عن تملق المحرريين في الصحف والمجلات. والشاطر، هو من يتمكن من تقديم نفسه بشكل جيد وتسويق ما عنده ببراعة، وما دام مقتنعا بموهبته، وواثقا من جودتها فسوف يصل للجمهور بقوة وينافس من يريد.

وكلما كان الشاعر قريبا من الناس ومشاكلهم وهمومهم، كانت فرصته أكبر، وبقدر تأثيره يكون التفاعل. بالنسبة لي أشعر بحميمة مع المتابعين، ويشعرني تفاعلهم بالرضى عن ما أقدمه، لأنني مؤمن بذائقة المتابعين والأصدقاء وبقدرتهم على التمييز بين النص الجيد والرديء. كما يسعدني النقد، واتعامل معه بجدية وأستفيد منه، وأحترم الناقد الفيسبوكي، على أن لا يكون نقده تحاملا ولا عدائيا.

وبالنسبة لموضوع الإعجاب بتعليقات الأصدقاء والمتابعين، فالمؤكد أن لا علاقة لذلك بالغرور أو اللامبالاة كما يقال أحيانا، كل ما في الأمر أنني أتكاسل حينا ويحول سوء النت في اليمن دون ذلك في أحيان أخرى، لكن وكما قيل، الحب هو في القلب وأنا أحبهم وألتمس منهم العذر.

• "شيطان الشعر" موضوع تحدث عنه الكثير، لدرجة أنه صار بديهيا، ما تعريفك لشيطانك، صفه للجمهور، قل له كلمة هنا؟

- الشاعر هو الشيطان الأكبر وهو الشيطنة وبصراحة أنا غير مقتنع بهذه الأسطورة، وأرى أن قدرة المبدع على الخيال هي وراء اختلاق قصة وادي عبقر و الجن والشياطين.

• أين دواوين عامر؟ 

- لم يصدر لي أي عمل حتى الآن، ولا أدري لماذا، أو متى.

• من هو شاعرك المفضل؟ وشاعرتك المفضلة؟ وكاتبة شعر النثر المفضلة لديك؟

- لا أفاضل بين الشعراء، القصائد وحدها تستحق المفاضلة والأفضلية، سواء كتبها شاعر أو شاعرة، مشهور أو مغمور. أما النثر فقد أغنانا عنه السرد الروائي.

• الشعر ابن هذه الأرض، هذه الأرض الطاردة للسكان وهي كما يقال غير مهتمة بالشعراء والمبدعين، كيف يمكن خلق حراك ثقافي وشعري في كل أجواء الموت والقتل والمراثي؟

- المشكلة ليست مشكلة الأرض، لا توجد أرض طاردة لأهلها. المشكلة في الأنظمة الحاكمة، هي التي أفسدت الحياة وظلمت الأرض والانسان. لم تهتم بأحد لا مواطن كادح ولا مبدع، كلهم في الحرمان والغلب سواء. والمبدع الحقيقي هو الذي يحرث بكلماته أرض الوطن ويحرسها ويغرس الورد فيها والخناجر في خافق الحاكم المستبد. قصيدة شاعر، او لوحة فنان، أو أغنية أو مسرحية قد تهب الأرض هيبتها، وتطرد منها فساد المتسلطين الذين دجنوا كل شيء بما في ذلك الإبداع وصنعوا جيلا مشوها من المبدعين. ومهمة المثقف في هذا الواقع الكارثي أن يكون هو حراكه ومحركه وأن ينتزع الكلمة من المستنقع ويرد لها اعتبارها ويعلما التمرد والثورة بدل الخنوع والاستكانة.

• أين الهوية اليمنية في قصائدك؟ 

- أنا أتنفس اليمن، هو الهوية والهوى والهواء، ولا تكاد تخلو قصيدة لي من رائحة وريح اليمن، فاليمن في شعري هو أناي وأهلي وحبيبتي وأحلامي و صوتي وصورتي.

• ما الذي جعلك تعيش وبنفس الدرجة وجع الوطن العربي في مختلف البلدان العربية؟

- هنا استحضر قول نزار قباني: 
" أنا يا صديقة متعب بعروبتي.. فهل العروبة لعنة وعقاب". إن الشاعر هو مشاعر، وهو وجع مجتمعه وصوت قوميته، ولسان الإنسانية قبل ذلك وبعد. والشاعر العربي بطبعه، مضبوط على العروبة من المصنع، وبالتالي يجد نفسه متماه معها في كل الأحوال، وأنا كيمني قالوا له: إن اليمن أصل العرب، أشعر بالأبوة تجاه الأوطان العربية كلها، أبكي معها وأفرح لها.

• "عامر" في صنعاء، وفي المنفى شريدا وبعيدا عن اليمن ومراتع الصبا والذكريات.. هل للأماكن التي تنقلت فيها علاقة بقصائدك؟

- نعم، القصيدة كالإنسان، لها مكان وتاريخ ميلاد، والشاعر، كل شاعر، تربطه بالأماكن علاقة لا تقل أهمية عن علاقته بالوطن والحبيبة مثلا. اليمن قصيدتي العظمى، صنعاء قصيدة الأكثر جمالا، قريتي هي القصيدة الطفلة التي لم ولن تكبر. أما خارج اليمن فالمكان هو المنفى، وصلة المنفى بالقصيدة قائمة على الحزن والدموع والشعور بالحنين للوطن وهو سيد الأماكن وشرف الكون.


التعليقات