ما مدى خطورة تعلق التحالف العربي بـ"قشة" أحمد علي صالح؟
- عبدالسلام قائد الإثنين, 01 يناير, 2018 - 06:00 مساءً
ما مدى خطورة تعلق التحالف العربي بـ

[ محمد بن زايد معزياً أحمد علي بعد مقتل والده على يد الحوثيين في مطلع ديسمبر الماضي ]

بعد مقتل الرئيس السابق علي صالح على أيدي حلفائه الحوثيين، ظن كثيرون أن تعقيدات الأزمة اليمنية انتهت، وأن جميع الأطراف ستتوحد ضد مليشيات الحوثيين وستقضي على الانقلاب في أسرع وقت ممكن، بعد أن رُفع الغطاء السياسي عنهم الذي كان يمثله علي صالح. لكن المؤشرات الأولية لملامح المرحلة المقبلة تؤكد أن الأزمة اليمنية ستشهد تعقيدات جديدة ومتاهات مربكة، بسبب الحسابات الضيقة للتحالف العربي، أو السعودية والإمارات بالأصح، وبعض كبار المسؤولين في السلطة الشرعية.

وإذا كان التحالف العربي قد أدرك بعد فوات الأوان أن رهانه الطويل على تفكيك جبهة الانقلابيين وإعادة ترميم وإنتاج نظام علي صالح رهانا فاشلا، فهو ما زال يواصل نفس الرهان، ويعيد إنتاج نفس الفشل، رغم المتغيرات الكبيرة التي شهدتها جبهة الانقلابيين وتحالفهم الهش، حيث لوحظ أن التحالف العربي وجناح أحمد علي في السلطة الشرعية (وهو الجناح الذي يرفع شعار "أحمد علي منا ونحن منه") وغيرهم يعملون على إعادة إنتاج نظام صالح ومشروع التوريث، ومحاولة القضاء التام على كل الأفكار والطموحات التي جاءت بها ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية.
 
- متاهة جديدة
 
لعل المتغير الوحيد في مسار الأزمة اليمنية، بعد قتل الحوثيين لعلي صالح، هو اللقاء الذي تم بين قيادة حزب الإصلاح وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. ورغم أن اللقاء أذاب الجليد في العلاقة المتوترة بين حزب الإصلاح ودولة الإمارات، لكنه ليس كفيلا بإنهاء حالة عدم الثقة بين الطرفين، خاصة وأن الهدف الأساسي منه لم يكن تقوية التحالف بين الطرفين ضد الحوثيين، ولكن محاولة دولة الإمارات تلميع أحمد علي صالح وصناعة دور له عبر حزب الإصلاح، وإعادة الحياة لجناح علي صالح في حزب المؤتمر الذي لم يعد له أي وجود أو تأثير، ومن هنا تبدأ المتاهة الجديدة والتعقيدات المتزايدة للأزمة اليمنية.

وكان قد سبق لقاء قادة حزب الإصلاح بوليي عهد السعودية وأبو ظبي حملة إعلامية دشنها أتباع علي صالح وعائلته في الرياض، تبدو وكأنها ممولة ومنظمة، تطالب حزب الإصلاح بأن يعلن حل نفسه واعتزال العمل السياسي، بذريعة أن التحالف العربي متردد في القضاء على الحوثيين بسبب خشيته من حزب الإصلاح وقوته التنظيمية وامتداده الجماهيري، مقابل ضعف وهشاشة بقية الأحزاب والمكونات السياسية، لكن هذه الحملة توقفت بمجرد اللقاء الذي تم بين قيادة حزب الإصلاح ووليي عهد السعودية وأبو ظبي.
 
يدرك التحالف العربي والسلطة الشرعية أن الامتداد الجماهيري لحزب الإصلاح يشكل كتلة صلبة لا غنى عنها في الحرب على الحوثيين والنفوذ الإيراني في اليمن، وتدرك مختلف الأطراف أن حزب الإصلاح لا يمكن أن يسعى للانفراد بالسلطة في مرحلة ما بعد الانقلاب، وإلى هنا تبرز هذه التساؤلات: ماذا تريد مختلف الأطراف الداخلية والخارجية من حزب الإصلاح؟ وما هو اليمن الذي تريد السعودية والإمارات صناعته؟ ومن هو الطرف أو التيار الذي تريد الدولتان المذكورتان تنصيبه حاكما لليمن وخاضعا لإملاءات الدولتين؟
 
والسؤال الأهم: لماذا ما زال التحالف العربي والسلطة الشرعية وحلفاؤها مترددون في القضاء على الحوثيين رغم أنهم في أضعف حالاتهم، لاسيما وأنهم يدركون تماما أن أي تأخير في الحسم العسكري لا يعني سوى منح الحوثيين المزيد من الوقت لإعادة ترتيب صفوفهم وتقوية جبهتهم الداخلية بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها جراء مقتل علي صالح؟
 
من الواضح أن السعودية والإمارات تسعيان لنفخ الروح في أحمد علي صالح عبر بالونة حزب الإصلاح، وتدرك الدولتان أن حزب الإصلاح قد يرضخ لمثل هكذا ضغوط نظرا لحاجته لتحسين علاقته مع الدولتين اللتين تتزعمان الحرب على الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية بعد ثورات الربيع العربي، وأن الحزب قد يستغل الظرف الراهن في محاولة للحصول على مكاسب سياسية ولو مؤقتة.
 
غير أن مثل هذا التفكير يعكس أن الدولتين غارقتان في الوهم، وأنهما لم تدركا أن الواقع الميداني لم يعد كما كان، فالجيش الوطني الذي تريد الدولتان تنصيب أحمد علي قائدا له، معظمه -إن لم يكن كله- من شباب ثورة 11 فبراير 2011 التي اندلعت ضد مشروع التوريث، والجيش الذي كان يقوده أحمد علي ويستمد منه قوته ونفوذه، أي ما يعرف بـ"الحرس الجمهوري"، هو الجيش الذي قتل والده في أحداث صنعاء، وهو الجيش الذي سيقاتل ضد أحمد علي ببسالة حتى يقتله أو يعتقله في حال عاد للبلاد وتقدم صفوف الجيش الوطني في الجبهات.
 
- السيناريو القادم
 
هناك مثل يقول "الغريق يتعلق بقشة"، والتحالف العربي الغارق في وحل اليمن والغارق في فشله السياسي والعسكري جراء حساباته الضيقة، أخّر معركة الحسم متعلقا بقشة علي صالح ثلاث سنوات حتى قُتل، حيث كان يأمل في أن ينقلب علي صالح على الحوثيين بما من شأنه تقليل كلفة الحسم على التحالف، مقابل تسليم السلطة لنجله أحمد كرئيس توافقي، وعندما حانت لحظة المواجهة التي أرادها وخطط لها التحالف قُتل علي صالح بسرعة غير متوقعة.

واليوم يبدو أن التحالف العربي سيتعلق بقشة أحمد علي عدة سنوات، كما تعلق بقشة والده من قبل، وسيتسبب بخلق تعقيدات ومتاهات جديدة للأزمة اليمنية، وسيسعى هذه المرة إلى صناعة دور سياسي وعسكري لأحمد علي صالح، تارة عبر حزب الإصلاح، وتارة عبر الجنرال علي محسن الأحمر والجيش الوطني، وربما أحيانا عبر المجلس الانتقالي الجنوبي والمقاومة الجنوبية، وكل ذلك مصيره الفشل.
 
وأخيرا، لن يُعدم التحالف العربي أي حيلة لإعادة إنتاج نظام علي صالح عبر نجله أحمد، وسيكون ذلك -على الأرجح- في اللحظات الأخيرة من النصر على الحوثيين، حيث سيتم سرقة هذا النصر من خلال دفع التحالف العربي بقوات يمنية موالية له، وبمشاركة محدودة من ضباطه وجنوده، للمشاركة في معركة الحسم، ومن ثم تنصيب أحمد علي حاكما للبلاد كمافكأة له على النصر (المسروق) الذي حققه ضد مليشيات الحوثيين في اللحظات الأخيرة.

غير أن هذا الأمر ينطوي على مخاطر عديدة، لعل أهمها أن محاولة سرقة النصر ونسبها لأحمد علي قد تدفع بالجيش الوطني إلى الانسحاب وترك أحمد علي في مواجهة مباشرة ومكشوفة مع الحوثيين قد تنتهي بقتله أو اعتقاله، أو أن يتم تعزيزه وحماية سلطته بقوات أجنبية وفرضه رئيسا بالقوة للبلاد، وهذا الأمر سيفخخ مستقبل البلاد، وسيؤدي إلى خلق صراعات وتحالفات جديدة، ليس بإمكان أحمد علي أو التحالف العربي مواجهتها.


التعليقات