أحداث عدن .. ما الدروس المستفادة؟
- عدن - خاص الثلاثاء, 30 يناير, 2018 - 05:00 صباحاً
أحداث عدن .. ما الدروس المستفادة؟

[ الرئيس هادي مع هيئته الاستشارية ]

ألقت الأحداث التي تشهدها مدينة عدن بظلالها على المشهد في اليمن منذ الثامن والعشرين من يناير/كانون الثاني الجاري، واستأثرت بالاهتمام بالملف اليمني أكثر من أي وقت مضى، وبدت الفوضى والعنف والدماء هي العناوين والمعالم البارزة هناك، في ظل غموض موقف دول التحالف العربي، والمجتمع الدولي مما يجري.

من الملفت أن أحداث عدن جاءت عقب تحركات دولية للأطراف المهتمة بالملف اليمني، على رأسها الرباعية التي عقدت اجتماعها في باريس هذا الشهر، وإعلان المبعوث الأممي نهاية فترته في اليمن، بالتزامن مع تحركات لتعيين بريطاني كممثل بديل للأمم المتحدة في اليمن، ومن المعلوم هنا أن بريطانيا هي التي تمسك بملف اليمن لدى مجلس الأمن الدولي.

جرت الأحداث في عدن بشكل متسارع، فبعد انتهاء المهلة التي حددها المجلس الانتقالي للحكومة الشرعية، صعد المجلس من تحركاته العسكرية في وجه الحكومة، واحتل أنصاره مبنى الحكومة، واندلعت اشتباكات مسلحة في أكثر من موقع داخل مدينة عدن، وسقط قتلى وجرحى من الطرفين، وصل عددهم إلى 36 قتيلا و185 مصابا، وفق إحصائية نشرها الصليب الاحمر الدولي.

لكن ما الذي كشفت عنه أحداث عدن؟

كان لهذه الأحداث العديد من الاستنتاجات والدروس، رغم أنها ما زالت مستمرة ولم تنتهِ بعد، لعل أبرزها طريقة التعاطي معها، والمواقف الدولية المتصلة بها، وتعامل التحالف العربي إزائها، والواقع الذي ستفضي إليه.

الدرس الأول

جاءت التطورات التي شهدتها عدن بنفس الطريقة والنمط الذي اتبعته مليشيا الحوثي في العاصمة صنعاء قبيل سقوطها في الـ21 من سبتمبر/أيلول 2014م.

فقد رفعت الجماعة الحوثية شعارات مكافحة الفساد ضد حكومة باسندوة، وأكدت أنها تستهدف تغيير الحكومة الفاسدة، ولا علاقة لها بالرئيس عبدربه منصور هادي، وهو نفس السيناريو الذي ردده قادة المجلس الانتقالي في عدن، و حشدوا في سبيل ذلك أنصارهم ومقاتليهم، فهم كما يزعمون يطالبون بإسقاط حكومة أحمد عبيد بن دغر التي يتهمونها بالفساد، مع إقرارهم بشرعية الرئيس هادي، وتأكيدهم بأنهم يعملون مع التحالف العربي، الذي يدعم الحكومة نفسها، ويتواجد قادة عسكريون من ضباطه في مدينة عدن.

بل إن الآلة الإعلامية التابعة للمجلس الانتقالي والمدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة، رددت ذات الحجج التي رفعها الحوثي في السابق، والتي تذهب للقول بأن الحكومة الشرعية مختطفة لدى حزب الإصلاح، وأن تحرير عدن منها يعني تحريرها من القاعدة وداعش، وغيرها من التهم التي تلقفها ذلك الإعلام ورددها.

أبَان هذا السيناريو أن الداعم والممول والمخطط لانقلاب صنعاء هو نفسه الذي ينفذ ذات الانقلاب في عدن، مع فارق اختلاف الجغرافيا فقط، وفي الوقت الذي كانت الأصوات ترتفع مطالبة الحكومة بالعودة الكاملة إلى مدينة عدن لممارسة مهامها جاءت هذه الأحداث لتكشف حجم التحديات التي تواجهها الحكومة، وتعيق عملها، وتضع العوائق في طريقها.

الدرس الثاني

كانت المواقف الغامضة للتحالف العربي هي أبرز الاستنتاجات التي يمكن ملاحظتها من جملة الدروس التي ولدتها أحداث الثامن والعشرين من يناير، فقد جاءت بيانات التحالف العربي متأخرة أولا، ثم لم تحدد موقفها الواضح مما يجري، واتسم موقفها بما يشبه الحياد، والمساواة بين الحكومة وخصمها ممثلا بالمجلس الانتقالي.

وفيما كان الشارع ينتظر موقفا واضحا من التحالف العربي ينحاز فيه للحكومة الشرعية التي يدعمها، خرج التحالف ببيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس" يعتبر ما يجري مجرد سجال إعلامي، ويدعو للتهدئة والالتزام بالحوار بين الجانبين.

للمزيد عن بيان التحالف العربي الأول حول أحداث عدن اقرأ هنا  

وفي اليوم التالي أصدر التحالف العربي بيانا جديدا قال التحالف فيه إنه راقب الوضع في عدن وتبين له -للأسف- عدم استجابة جميع الأطراف لنداءات التهدئة الصادرة من التحالف بهذا الشأن.

وبدلا من اتخاذ موقف حقيقي طالب التحالف مجددا في بيانه الجديد جميع (الأطراف) بسرعة إيقاف جميع الاشتباكات فوراً وإنهاء جميع المظاهر المسلحة، مهددا بأنه سيتخذ كافة الإجراءات اللازمة لإعادة الأمن والاستقرار في عدن، وهو الموقف الذي لا يزال المتابعين للشأن اليمني ينتظرون ماهيته وطبيعته.

التماهي الذي ظهر به التحالف العربي، بدا ملفتا للأنظار، إذ إنه لم يساند الحكومة الشرعية كما كان يفترض، وساوى بينها وبين المجلس الانتقالي، بل واعترف بوجود فساد ومطالب حقيقية يرفعها المجلس الانتقالي، ما يشير إلى وجود ذريعة تم رفعها لتوجيه ضربة للحكومة الشرعية، ويؤكد وجود اتفاق بين أبرز الدولتين الممسكتين بالملف اليمني، وهما السعودية والإمارات.

عكست هذه المواقف وجود تخبط في موقف التحالف العربي، وتناقض بين التصريحات التي يرفعها باعتباره جاء لمساندة الشرعية اليمنية، وبين الأفعال على الأرض، كما أكد عدم وجود رؤية واضحة للتحالف تجاه إدارة معركته في اليمن، وما الذي يريده بالضبط، ومن شأن هذا التعامل أن يخدم إيران التي يجاهر التحالف بأنه يحاربها، ويؤثر أيضا على قبول التحالف شعبيا في المناطق التي لازالت ترزح تحت نفوذ الحوثيين.

الدرس الثالث

المواقف الدولية تجاه ما يجري في عدن، كانت هي الأخرى محل استغراب وأبانت عن مواقف باردة، واتسقت تماما مع بيانات التحالف العربي.

ولعل أبرز موقفين صدرا حتى اللحظة، هما الموقف الأمريكي، والموقف الروسي، في ظل غياب تام لموقف الأمم المتحدة، وبقية الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.

في الموقف الأمريكي أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا أعربت فيه عن قلقها تجاه ما وصفته بأحداث عدن، ودعت للحل السياسي بين مختلف الأطراف وأكدت أن الحوار السياسي هو السبيل الوحيد لجعل اليمن أكثر استقرارا وموحدا ومزدهرا.

وقالت الخارجية إن الانقسامات الإضافية والعنف داخل اليمن لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة اليمنيين، ودعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن التصعيد وإراقة الدماء.

أما الموقف الروسي فقد كشف أيضا عن قلق موسكو من تلك الأحداث الجارية في عدن، وقال بيان للخارجية الروسية إن التطورات قد تتسبب بمرحلة جديدة للنزاع المسلح على الأرض اليمنية وتوسيع دائرة المشاركين فيه.

وقالت الخارجية: "إننا لا نزال على يقين بأن مسائل مستقبل الجمهورية اليمنية، بما في ذلك نظام الدولة والأراضي، يجب حلها ليس باستخدام السلاح وإنما حول طاولة المفاوضات بعد انتهاء النزاع العسكري السياسي وعبر المراعاة المتبادلة للمصالح ومباعث القلق لجميع القوى السياسية البارزة في هذه البلاد".

من خلال البيانين الروسي والأمريكي يتضح مدى الانسجام مع ما جاء في بيانات التحالف العربي، ويدوران حول ذات النقطة، وهي الشعور بالقلق، والدعوة إلى الحوار والمفاوضات دون تسمية طرف بدأ بالتصعيد، ودون إشارة إلى ضرورة دعم الحكومة اليمنية التي حثت قرارات الأمم المتحدة على مساندتها.

وتشير المواقف الدولية وتلك التي أعلنها التحالف العربي إلى وجود مخطط ما يجري التحضير له، بموافقة ورضى أبرز الدول التي لديها علاقة وثيقة ومؤثرة بالملف اليمني.

الدرس الرابع

بالنسبة للحكومة الشرعية فقد أحست بالخطر الداهم منذ اليوم الأول، وجاء بيان وزارة الداخلية اليمنية في عدن واضحا، في التصدي لأي أعمال تراها خارجة عن القانون، وإنهاء كافة المظاهر المسلحة التي من شأنها نشر الفوضى في عدن.

لكن يبدو أن بيان الداخلية اصطدم ببرود موقف التحالف العربي بالمدينة، رغم أن رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر التقى قادة التحالف العربي في عدن وناقش معهم خطورة التهديدات التي تتعرض لها الحكومة، ووصف ما يجري بالانقلاب.

بن دغر وجه نداءً عبر صفحته بتويتر داعيا إلى حقن الدماء، لكن ذلك لم يجد أذانا صاغية، وجاء ترؤس الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية اجتماعا استثنائيا لمستشاريه وقادة الأحزاب والقوى السياسية بحضور نائبه الفريق الركن علي محسن صالح، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، ليعلن موقف الحكومة الشرعية بكل وضوح.

الاجتماع اعتبر ما جرى في عدن عملا انقلابيا مرفوضا وممارسات غير مسؤولة، وقال بأن تلك الأعمال ليست عفوية، وتضع أكثر من علامة استفهام حول الجهة المستفيدة منها، وأكد أن إصرار الفصائل المسلحة التابعة لما يسمى المجلس الانتقالي، على التصعيد يعتبر تحديا سافرا لدعوات السلام والوئام الصادرة عن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية.

تشعر الحكومة اليمنية سواء في رئاسة الجمهورية أو الحكومة نفسها أن هناك خطرا يتهددها، ولم تشر الحكومة في مواقفها إلى الجهة المستفيدة من ذلك التصعيد الذي يقوم به المجلس الانتقالي، واكتفت هذه المرة بالإشادة بدور السعودية، بعيدا عن الإمارات العربية المتحدة، التي لطالما جرت الإشادة بها، وجاء اسمها رديفا للسعودية.

لكن الحكومة نفسها تبدو اليوم أكثر من أي وقت مضى ورقة بيد التحالف العربي، خاصة السعودية، فهي تعمل داخل العاصمة السعودية الرياض، ومنها تستمد دعمها المالي، ما يجعل موقفها ليس أكثر من بيان سياسي غاضب، وبيد الرياض وحدها تحديد المعركة واللاعبين والساحة، خاصة بعد تكبيلها بما يسمى اللجنة الثلاثية، التي تحد من سلطة الرئيس هادي، وتجعل قراراته محل توافق بين السعودية والإمارات.

الدرس الرابع

لعل أبرز الدروس التي تكشفها أحداث عدن هي من المستفيد من كل ما يجري؟ وهل تخدم هذه التطورات التحالف العربي بشكل عام، أم تخدم أطرافا معينة داخله.

من الواضح أن الموقف الإماراتي وقف بشدة وراء ما يجري من تصعيد في وجه الحكومة اليمنية، وحشدت الإمارات الشخصيات التابعة لها من إعلاميين وساسة كخالد محفوظ بحاح وغيرهم في سبيل الترويج والتسويق تجاه استهداف الحكومة اليمنية، وعلى نفس المنوال جاء أداء الوسائل الإعلامية التي تمولها الإمارات كصحيفة العرب اليوم اللندنية وقناة الغد المشرق وبقية الآلة الإعلامية التي أنشأتها الإمارات للترويج لمشروعها في اليمن.

وسعت الإمارات لاعتبار أن ما يجري في عدن يأتي بالتنسيق بينها وبين السعودية، وهو الموقف الذي تحدث به وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش في تغريدة له، وذكرته صحيفة "إرم" الإلكترونية الممولة من دولة الإمارات.

من المؤكد اليوم أن ما جرى في عدن لم يكن وليد اللحظة، بل جاء بعد سلسلة من الخطوات التي اتخذتها الإمارات منذ تواجدها في عدن عقب تحريرها في العام 2015م، عندما سعت لتأسيس مليشيا مسلحة خارجة عن سلطة الحكومة تعرف بالحزام الأمني، ثم دعمها لتأسيس ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تشكل عقب الإطاحة بمحافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي في مايو من العام الماضي، وضم شخصيات جنوبية كان تشغل مواقع في السلطة المحلية بأكثر من محافظة.

لذلك تبدو دولة الإمارات أكثر استفادة مما جرى ويجري في عدن، فالتصعيد ضد الحكومة اليمنية وإدخال المجلس الانتقالي كشريك سياسي فيها يخدم الإمارات وأجندتها هناك، وهو ما كشفت عنه افتتاحية صحيفة الخليج الإماراتية اليوم الثلاثاء حين قالت بأن "الأحداث التي شهدتها عدن، تحتاج إلى مقاربة متوازنة تجمع بين التمسك بالشرعية، وتصحيح الاختلالات القائمة، خاصة ما يتعلق بدور المكونات السياسية في إعادة بناء اليمن الموحد، بحيث يتم استيعاب الجميع لتجنب أية خضات في المستقبل"، وهي إشارة واضحة إلى امكانية استيعاب المجلس الانتقالي في الحكومة اليمنية الشرعية، بعد هذا التصعيد.

بالنسبة للجانب السعودي، فقد اقتصرت المواقف في التصريحات الصادرة عن بيانات التحالف العربي، وفي تصريح ناطق التحالف العربي الذي عقد مؤتمرا صحفيا بالرياض وقال فيه "إن جميع دول التحالف ثابتة على موقفها وإيمانها بضرورة مواصلة دعم الشرعية في اليمن حتى تحقيق النصر لها وبسط سلطتها على جميع الأراضي والمحافظات اليمنية، ودحر الانقلابين وكل طامع وباغ".

غير أن التماهي السعودي تجاه ما يجري قد كشف وجود رضى من المملكة مع الموقف الإماراتي، ولم يصدر عن الرياض ما يشير إلى امتعاضها تجاه ممارسة شريكها في التحالف لكل تلك الممارسات.

إلى أين يمضي المشهد؟

وفقا لما يجري فمن الصعب التكهن عما ستسفر عنه الأحداث، لكن من الواضح أن الحكومة اليمنية تتعرض لضغوط كبيرة، وأن الممسكين بالملف اليمني سواء في التحالف العربي، أو المجتمع الدولي لديهم توجها جديدا لإعادة تشكيل المشهد في اليمن، مع ما يتفق ورغباتهم، وليس ما يتوافق مع تطلعات اليمنيين.

والأحداث في مجملها بعدن تستبق تحركات دولية لإحياء عملية السلام في اليمن، وتعيين مبعوث أممي جديد، ومن غير المستبعد أن تكون هذه التطورات إحدى الوسائل للضغط على الحكومة ودفعها نحو إعادة استصدار قرارات أممية جديدة تحدد المشهد من جديد في اليمن، وتستوعب المتغيرات الراهنة، والتي خلفها مقتل صالح في صنعاء، وتقديم الوعود للانتقالي في عدن بما يضمن انفصال جنوب اليمن في المستقبل.

وفي كل الأحوال لقد هزت أحداث عدن ثقة اليمنيين في التحالف العربي نفسه، وبات الجميع يستشعر خطورة ما يجري أكثر من أي وقت مضى، مثلما بات على التحالف أن يحدد خياراته بكل وضوح، ومن أهمها أين يقف اليوم؟ وماذا يريد في الغد؟.
 


التعليقات