ارتفاع مخيف في نسبة الجلطات وحكايات مؤلمة لا تنتهي
"الموقع بوست" يزور أقسام القلب والسرطان بصنعاء.. الموت الرخيص على سرير الانتظار (تحقيق)
- خاص- صنعاء الاربعاء, 07 فبراير, 2018 - 07:29 مساءً

[ الوضع الصحي تدهور بشكل كبير منذ ثلاث سنوات (الصورة عامة) ]

ليس هناك شيء أصعب من أن يكون الموت زائرا يوميا إلى المكان الذي تتواجد فيه، والأصعب أن تشاهد الموت وهو يحوم، ويخطف في كل مرة، شخصا، أو طفلا ينام إلى جوارك، على سرير المرض في نفس الغرفة، أو في القسم المجاور، فالموت أيضا صار زائرا يوميا في إطار المنطقة والمدينة، ومستمرا بخطف قريب أو حبيب في إطار الأسرة الواحدة.

تغرق المستشفيات الحكومية بعشرات الآلاف من اليمنيين، وتغرق معهم فرص النجاة من الأمراض، من جلطات وفشل كلوي وسرطانات، وكوليرا، ومجاعة، وقلب، إلى الموت واقفين وبذبحات صدرية لا تمهل أحدا.

غياب الخدمة في المستشفيات الحكومية

دخل الوضع الصحي في اليمن جراء الحرب مرحلة انهيار وشلل تام، ويوما بعد آخر أصبحت المستشفيات الحكومية في العاصمة صنعاء ومحافظات يمنية كثيرة، عاجزة عن تقديم الخدمة تحت سلسلة طويلة من الأسباب، وعلى رأس تلك الأسباب اختفاء ونقص الأدوية، وإضراب الكادر الطبي، بسبب انقطاع الرواتب، وغياب الموازنات التشغيلية، إلى جانب ذلك غياب الكهرباء، وغياب المشتقات النفطية وما إلى ذلك من أسباب لا حدود ولا حصر لها.

يقول الطبيب (ج. م. ح) في مستشفى الثورة بالعاصمة صنعاء لــ "الموقع بوست ": "المستشفيات الحكومية لم تعد تقدم الرعاية الصحية بالشكل المناط بها، وتبدو الخدمات فيها شبه منقطعة، في حين المواطن عاجز عن الرجوع لمستشفى خاص في ظل هذا الوضع، الذي لا يستطيع المواطن دفع تكاليف الرعاية الصحية في مستشفى حكومي ما بالك في خاص".

ارتفاع مهول لمصابي الجلطات

"الموقع بوست" وهو يرصد هذه التفاصيل، توصل من خلال الأطباء والمرضى المتواجدين إلى ارتفاع نسبة المصابين بالجلطات وأمراض القلب.

وبحسب الدكتور عادل الشرعبي، فإن مستشفى الثورة يستقبل ما لا يقل في اليوم الواحد عن عشرين حالة مصابة، إما بجلطات دماغية أو جلطات قلب، أو جلطات لمصابين عائدين من جبهات القتال، حيث تكون الجلطة بسبب بقاء المصاب في الجبهة لوقت من الزمن والتي على إثرها يتجلط الدم، ومن ثم تتطور حالته إلى جلطة.

وتتضاعف هموم المرضى، منذ أول لحظة وصولهم إلى المستشفى، حيث تبدأ الحكاية بعدم وجود سرير رقود، سواء في إطار العناية المركزة، أو في إطار أقسام الرقود أو حتى الطوارئ، وبحسب الدكتور عادل فإن المستشفى يرفض بشكل يومي حالات مرضية قادمة، بعضها تكون حرجة جدا.

يقول هذا الطبيب: نحن في المستشفى ليس لدينا ما نقدمه للمريض سوى النصح بالذهاب إلى مستشفى خاص، فبعض المرضى يذهبون ويستدينون تكاليف العلاج في الخاص لدرجة أني أعرف نساءً بعن لأزواجها ذهبا وأرضا، في حين الأغلبية من المرضى لم يعد لديهم لا أرض ولا ذهب واضطروا للبقاء هنا على رصيف الطوارئ ومن كتب له النجاة والفوز بسرير كتب له البقاء شبه ميت، في حين البعض يموتون قبل أن يصير أي سرير فارغا.

ويؤكد عادل، بأن الموت يخطف أرواح مرضى بشكل شبه يومي سبب بأمراض متعددة، تبدأ من عدم توفر أسرة، إلى عدم توفر الأدوية، أو عدم قدرة المريض على شراء العلاج، أو دفع تكاليف عملية، إلى غياب الطبيب وأسباب كثيرة.

حكايات أليمة

"الموقع بوست" وأثناء زيارته إلى مستشفى الثورة، قرر متابعة ومرافقة إحدى الحالات، لمعرفة فصول الحكاية التي يعيشها المريض في اليمن، لمعرفة من أين تبدأ وأين تنتهي.

المريض يدعى محمد بن محمد الفهيدي، ويبلغ من العمر 48 عاما، أصيب بجلطة وعلى إثرها نقل إلى مستشفى في الحوبان بتعز، وهناك حقنه الأطباء بإبرة خاصة بالجلطات، ومن ثم وضع تحت الرقابة في العناية المركزة لمدة 24 ساعة، بعدها غادر تعز إلى صنعاء، وإلى مستشفى الثورة.

وجده محرر "الموقع بوست" محتارا ومرميا في طابور الطوارئ،  ينتظر من الأطباء توفير سرير له، وبعد مرور ساعة ونصف اعتذر المستشفى عن وجود سرير، وأبلغه أن حالته خطرة وعليه سرعة الذهاب إلى مستشفى خاص بالقلب للبقاء 48 ساعة أخرى في العناية المركزة ومراقبة حالته، حيث إن إبرة الجلطة عادة ما تؤدي مضاعفات تنتهي أحيانا بالشخص إلى الوفاة.

غادر الفهيدي مستشفى الثورة بصنعاء مستاء، وهو يسأل بحيرة عن تكاليف هذا الإجراء، بينما شجعه مرافقوه بأنهم سيتولون تدبير الأمر.

عندها اتجه بالمريض إلى مستشفى يدعى مستشفى بيروت، وهناك كان أول طلب من المريض ترك مئة ألف ريال تحت الحساب، مبينا أن تكلفة البقاء في العناية المركزة هو 45 ألف ريال غير تكاليف الفحوصات وأجور الطبيب، بل ومؤكدا لهم بأن يضعوا في حسابهم بأن البقاء في العناية المركزة لمدة 48 ساعة ستصل مع العلاجات والخدمات الطبية والفحوصات إلى ما لا يقل عن 200 ألف ريال.

غادر المريض إلى المستشفى اليمني الالماني، ووجدوا أن التكلفة نفس التكلفة، فقرروا إدخال المريض لمدة 24 ساعة، وكانت التكلفة 95 ألف ريال، بعدها خرج من المستشفى، وتم التوجه به إلى إحدى مراكز القلب، وهناك قرر له الطبيب المختص عملية قسطرة علاجية كلفته 200 ألف ريال، على أساس أن يتم تشخيص الحالة، فإما الرجل سيكون بحاجة إلى علاج، أو بحاجة إلى عملية قسطرة علاجية، وكانت هي النتيجة قسطرة علاجية وتكلفتها  4500 دولار أي ما يعادل مليوني ريال يمني.

محرر "الموقع بوست" وهو يرصد كل هذه التفاصيل، وجد الناس في صدمة حقيقية وهم يتساءلون بالقول إلى الآن خسرنا ما يقارب 700 ألف ريال، وفي أذهاننا أننا انتهينا، ولكننا اكتشفنا أننا لم نبدأ بعد ولكن كيف لنا أن نوفر مليوني ريال.

اليوم يرقد المريض في البيت بانتظار حل ما زال معقدا حتى اللحظة، وبشكل مستمر يوجه استفساراته للموقع بوست: أين هذه المنظمات الدولية التي قيل إنها تنقذ اليمنيين، ها نحن ننتظر الموت ولا حياة لمن تنادي.

مرضى عجزوا عن العلاج

في مركز القلب بمستشفى الثورة بالعاصمة صنعاء التقى "الموقع بوست" العديد من الحالات المشابهة، حيث أكد الأهالي بأنهم أجروا لمرضاهم عمليات قسطرة تشخيصية، فالبعض من كانت نتيجة حالته بعد هذا التشخيص العلاج، والبعض قرر له عملية قسطرة علاجية.

مهيوب سعيد، وهو من أبناء مدينة تعز، ومن منطقة الأمجود، قال لـ "الموقع بوست" إنهم قرروا له قسطرة علاجية ولكنه غير قادر على تكاليفها، موضحا أنه سيغادر إلى قريته وسيستخدم العلاج إلى أن يكتب له الله قدرا آخر، فإما الشفاء منه وحده، وإما الموت على سرير منزله.

رهونات سلاح وذهب مقابل العلاج

أحد الاطباء المختصين، في المركز أكد لـ "الموقع بوست" استقبال المركز بشكل يومي حالات مصابة بمرض القلب وانسداد الشريان وبعضها تكون قد أصيبت بجلطات، موضحا بأن نسبة 50% من المرضى الواصلين من يستطيعون علاج أنفسهم في حين يغادر المركز عشرات الحالات غير القادرة على إجراء العمليات.

وكشف الطبيب، لـ "الموقع بوست"، أن لدى المستشفى رهونات ببقايا تكاليف العمليات من ذهب وسلاح كلاشنكوف ومسدسات، حيث إن الناس لا يمتلكون في العادة تكاليف العملية ولهذا يدفعون مبلغا والبقية يضعون به رهنا حتى يتم تسديد المبلغ المطلوب منهم.

انقطاع الراتب طريق إلى الموت   

ازدياد المصابين بالجلطات، أكده يمنيون في حديثهم لـ "الموقع بوست" حيث يقول محمد رزاز، إنه خلال أسبوعين وفي شهر واحد أصيب اثنان من أولاد عمه بجلطات وعلى إثرها نقلوا إلى المستشفيات، وهم يعانون ويواجهون تعقيدات بالغة في تكاليف العلاج والرقود في العنايات المركزة وأنهم مهددون بالخطر.

ويتابع رزاز، أنه في الشهر نفسه، تفاجأ صباح السبت قبل الماضي على وفاة أحد جيرانه في حي السنينة بصنعاء، بجلطة، مؤكدا بأن الجلطات باتت منتشرة بشكل مخيف وكبير.

ويفيد الرجل بأن الأسباب وبحسب ما أخبرهم به الأطباء تعود إلى التفكير الزائد، وإلى الأوضاع المعيشية والظروف القاسية التي ثبتت لدى المصابين، فمعظم هؤلاء ممن فقدوا أعمالهم ووظائفهم وآخرون بدون رواتب ولا مصادر بديلة لهم.

ومن ضمن الأسباب يقول الرجل، إن المصبابين اتضح أنهم ضاعفوا من التدخين الزائد، التدخين الذي صار يكافح به هؤلاء الناس الضغوطات المستمرة على معيشتهم، إضافة إلى جهد العقل والدماغ الزائد ما عرضهم للخطر.

على صفحات التواصل الاجتماعي، من فيس بوك وتويتر، رصد محرر "الموقع بوست" وراصد التحقيق، أخبارا شبه يومية، تفيد بموت عديدين بجلطات، وتم رصد ذلك من خلال المنشورات والتعازي التي باتت تنتشر بين الساعة والأخرى لدى كثير من الأصدقاء وهم يعزون بعضهم البعض.

مرضى السرطان الحكاية المضاعفة

على مستوى آخر عاد "الموقع بوست" إلى أحد الأجنحة في مستشفى الثورة بصنعاء، وتحديدا قسم السرطان، وهناك وجد الألم ذاته الذي وجده في مراكز القلب، وفي بعض أقسام وطوارئ المستشفيات التي قام بزيارتها.

وهنا في القسم، أكدت الطبيبة مها مرشد، وهي طبيبة لدى ثورة صنعاء، لـ "الموقع بوست" بأن مرضى السرطان يعانون من ظروف قاسية في ظل الحرب الدائرة في البلاد وعدم توفر العلاجات والإمكانات، الأمر الذي أثر سلبا على علاجهم، وأعربت الطبيبة عن خشيتها من ارتفاع عدد مرضى السرطان نتيجةَ مخلفات الحرب.

سمح لـ "الموقع بوست" بالتقاط بعض الصور للمرضى، وبعض الصور للتقارير الطبية، بطريقة أو بأخرى، حيث تشير التقارير إلى وجود إصابات في صفوف الأطفال وبعضهم لنازحين من الحرب، فالنازحون وبحسب المعلومات الطبية تعرض بعضهم للإصابة بمرض السرطان، نتيجة المواد السامة الناتجة عن ضرب الصواريخ الجوية من قبل قوات التحالف العربي.

وتفيد الطبية مها، بأن القسم يستقبل عشرات الحالات المصابة بمرض السرطان، وأكثر تلك الحالات المتوافدة هي من محافظة صعدة، حيث تشتد وتيرة القصف بالصواريخ، وفي نفس الوقت تؤكد بأن العلاج غير متوفر لكل الحالات، سواء التي تأتي إليهم، أو تلك التي تأتي إلى مركز السرطان في المستشفى الجمهوري بصنعاء.

ثنائية الموت والنزوح

في غرفتين ضيقتين زار محرر "الموقع بوست"، أحد الأسر النازحة في حي الصباحة، فوجدها تعيش نزوحا وجوعا ومرضا، إضافة إلى ما تعانيه من برودة شديدة في ظل عدم توفر أي مقومات تقيهم البرد الشديد والجوع الذي يقتلهم ليل نهار.

في الصورة الواضحة يظهر افراد الأسرة النازحة، والمكونين من ستة أطفال، وخلفهم أب وأم. الطفلان اللذان يظهران وسط كرتون تقول أمهم إنها تستخدم الكراتين في تدفئتهم من البرد، فيما الطفل الذي يتوسط الصورة، فهو مصاب بمرض سرطان، وهم غير قادرين على علاجه.

وقد زودت الاسرة "الموقع بوست" بالتقارير الطبية التي تؤكد إصابته بالسرطان، إضافة إلى الوثائق التي تؤكد بأنهم نازحون، من محافظة لحج جنوبي اليمن، لكنها رفضت السماح للمحرر بالتقاط صور لها.

إنها قصة في غاية الالم، فإن يحضر الجوع والنزوح والبرد، والمرض فذلك عين الألم الحقيقي.

ارتفاع الحالات
 
مطلع الشهر الجاري قالت منظمة الأمم المتحدة إن مرض السرطان في تنام وانتشار واسع داخل اليمن في ظل وضع صحي يصارع للبقاء على قيد الحياة.

وقدرت منظمة الصحة العالمية وجود 30 ألف مريض جديد بالسرطان في اليمن كل عام، مؤكدة أنها سجلت خلال العام الماضي 10.500حالة جديدة ولم تحصل سوى 40% من الحالات على العلاج بشكل كامل ومناسب.

وأكدت المنظمة بأن الوضع المعيشي والصحي في اليمن يزداد تعقيدا وصعوبة يوما بعد آخر بل يتوسع ليشمل مناطق جديدة فيما لا يتقاضى موظفو قطاع الخدمة أجورهم لا سيما قطاع الصحة.


التعليقات