ما مدى خطورة تفخيخ دولة الإمارات لمستقبل اليمن؟ (تحليل)
- عبدالسلام قائد الجمعة, 09 مارس, 2018 - 07:00 مساءً
ما مدى خطورة تفخيخ دولة الإمارات لمستقبل اليمن؟ (تحليل)

[ سياسة الإمارات تزيد من ترسيخ الانقسامات بين اليمنيين ]

لم يسبق أن شهدت اليمن حالة من التمزق والانقسام كتلك التي تشهدها اليوم، وزاد من حدة ذلك إقدام دولة الإمارات على تغذية الانقسامات البينية في اليمن وزرع العداوات بين اليمنيين في مرحلة خطيرة من تاريخ البلاد، حتى شملت هذه الانقسامات مختلف أنواع التمزق، من سياسية ومناطقية وقبلية وجغرافية ومذهبية وأيديولوجية وغيرها، الأمر الذي ينذر بكارثة حقيقية ستفخخ مستقبل اليمن وستشكل تهديدا كبيرا للأمن القومي الخليجي.
 
يعد المجتمع اليمني من أكثر المجتمعات العربية المنقسمة عموديا وأفقيا، يتمثل الانقسام العمودي في المذهبية والمناطقية والقبلية، بينما يتمثل الانقسام الأفقي في الحزبية والأيديولوجيات الدينية والسياسية. ولا شك أن حالة التداخل القائم بين هذه الانقسامات من شأنها خلق المزيد من التعقيدات للأزمة اليمنية، حيث سيصعب حلها، وستكون كلفة حسمها باهظة.
 
والأخطر من ذلك، أنه سيكون من الصعوبة السيطرة على هذه الانقسامات، مما سيفتح المجال واسعا للتدخل الأجنبي تحت إغراء المال السياسي، خاصة من قبل القوى الإقليمية والدولية الصاعدة بهدف الإضرار بدول الخليج وببعض الدول العربية، من أجل تحقيق أهدافها التوسعية أو إنهاك أعداءها بحروب أهلية مدمرة.
 
- مظاهر ودلالات
 
من أبرز مظاهر الانقسام في المجتمع اليمني، الانقسام المذهبي الذي تسببت به جماعة الحوثيين، خاصة رفعها لشعارات مذهبية وطائفية، وصلت حد التصريح بسعيها إلى إعادة إحياء النظام الإمامي العنصري المستبد، تحت لافتة "الولاية"، وهو ما أكدته الوثيقة الفكرية للجماعة التي سُربت عام 2012، ثم أكدت عليه بإحيائها للمناسبات الطائفية بعد الانقلاب، وحديثها عن مبدأ الولاية عبر وسائل إعلامها ومن خلال اللافتات والملصقات في الشوارع والأماكن العامة والمباني الحكومية في المحافظات التي تسيطر عليها، بالإضافة إلى محاولة فرض مذهبها بالقوة من خلال السيطرة على جميع المساجد وتغيير الخطباء، وتغيير مناهج التعليم بمناهج طائفية، والدورات الطائفية التي تفرضها على جميع موظفي الدولة وعلى مقاتليها وعلى مشائخ القبائل وكبار الضباط والمسؤولين في مناطق سيطرتها.
 
يضاف إلى ذلك، الانقسام بين شمال وجنوب، وانقسام في الشمال بين موالين للحوثيين ومناهضين لهم، وبين السلطة الشرعية والأحزاب، وانقسام بين مؤيدين لثورة 11 فبراير 2011 ومؤيدين للثورة للمضادة وعودة عائلة الرئيس الراحل علي صالح للسلطة. وفي الجنوب، انقسام بين مؤيدين للرئيس هادي والسلطة الشرعية ومؤيدين للمجلس الانتقالي والانفصال، وبين موالين للسعودية وموالين للإمارات وموالين لسلطنة عمان، والدوران في فلك أجندة كل منها، والانقسام بين مؤيدين لبعض الأحزاب ومؤيدين لبعض الجماعات، من بينها جماعات عنف وإرهاب، وأيضا انقسامات وفقا لعوامل مناطقية وقبلية بحتة.
 
وفي خضم هذه الانقسامات، فإن أسلوب دول التحالف العربي في إدارة الأزمة اليمنية، وعلى وجه الخصوص دولة الإمارات، يزيد من تغذية هذه الانقسامات، ويضيف إليها انقسامات جديدة، مثل الانقسامات بين الأحزاب السياسية وداخلها، والانقسام بين الجماعات الدعوية وداخلها، مثل زرع عداوات داخل التيار السلفي، من خلال دعم مجموعات سلفية تدور في فلك دولة الإمارات ضد جماعات سلفية أخرى لا تدور في فلكها، وكان من ثمار ذلك حوادث الاغتيالات التي طالت عددا كبيرا من علماء ودعاة التيار السلفي المعتدل في العاصمة المؤقتة عدن وبعض مدن جنوب اليمن.
 
كما أن سياسة تغذية الانقسامات طالت الأحزاب السياسية ومحاولة زرع العدوات فيما بينها وبين أجنحة كل حزب على حدة، وشمل ذلك حتى حزب المؤتمر الذي انقسم إلى عدة أجنحة متصارعة رغم أنه أكثر حزب يمني مقبول خليجيا، كونه كان حزب سلطة وينتمي إلى ما يسمى النظام العربي التقليدي. كما أن الخلافات التي طرأت بين تحالف الانقلابيين، علي صالح والحوثيين، كان قد غذاها التحالف العربي حتى اندلعت الحرب بين الطرفين وانتهت بمقتل علي صالح الذي كان يأمل التحالف العربي أن ينتصر على الحوثيين.
 
أما دلالات تغذية دولة الإمارات للانقسامات والخلافات بين اليمنيين، فتنحصر في أن مختلف الأطراف لا تقدر عواقب الأمور، ولا تدرك مدى خطورة تغذية وتعميق الانقسامات اليمنية-اليمنية، ويعني كل ذلك أن النخب اليمنية التي تتصدر المشهد السياسي هي نخب فاشلة وليس لديها بعد نظر، ويغيب عن تفكيرها مصلحة اليمن ومستقبل الأجيال القادمة. وينطبق نفس الأمر على حكام دولة الإمارات، الذين يتعاملون مع الأزمة اليمنية بعقلية أعرابي الصحراء، الذي يهمه مصلحة آنية يحصل عليها، ولا يفكر بخطورة ذلك مستقبلا على المنطقة بكاملها.
 
- مصالح آنية
 
إن الدافع الرئيسي لتعميق الانقسامات بين اليمنيين وتغذيتها يكمن في المصالح والأهداف الآنية الذاتية والشخصية التي يسعى وراءها كل طرف، وهذا الأمر قد ينطبق على بعض الدول الكبرى والشركات المصنعة للسلاح وتصديره، حيث تتحول الحرب إلى تجارة لدى البعض، ومصالح ونفوذ سياسي وعسكري لدى البعض الآخر، وفي الجانب الآخر هناك دول وقوى إقليمية صاعدة لها أهدافها الخاصة، فتدفع نحو تعقيد الأوضاع أكثر بما يخدم مصالحها، مثل إيران والجماعات الشيعية العربية الموالية لها.
 
وبالنسبة لدولة الإمارات، التي تعد الطرف الرئيسي الذي يغذي الانقسامات والخلافات بين اليمنيين، وتعززها بتسليح وتدريب وتمويل الأطراف الموالية لها، فأهدافها واضحة، وتتمثل في السيطرة على الموانئ والسواحل والمياه الإقليمية اليمنية، خاصة السيطرة على ميناء عدن ومضيق باب المندب، بالإضافة إلى إفراغ النظام الجمهوري من مضمونه، وتحويله إلى نظام عائلي هجين بثوب جمهوري، حتى لا تنتقل عدوى النظام الجمهوري والديمقراطية والحرية إلى دول الخليج، وتؤثر على العائلات الحاكمة هناك، وأبرز وسائلها خلق كيانات عائلية ومناطقية متصارعة وذات انتماءات ما دون وطنية إلى أجل غير مسمى، وهو ما يزيد من خطورة الوضع الراهن، الذي تتلاشى معه فرص الحل السياسي أو الحسم العسكري.
 
وينطبق الأمر أيضا على أطراف الصراع في اليمن، فالحوثيون مستفيدون من تعميق الانقسامات وتغذيتها كون ذلك يتسبب في إضعاف خصومهم، وبالتالي تمكينهم من تقوية جبهتهم الداخلية واستغلال خلافات خصومهم بما من شأنه تحسين وضعهم التفاوضي أو العسكري، وفي أحسن الأحوال زيادة مدة سيطرتهم على مناطق كبيرة من اليمن، واستغلال ذلك في زيادة عوائدهم المالية من خلال الضرائب والجمارك الباهظة والإتاوات باسم المجهود الحربي وغير ذلك.
 
كما أن بعض المسؤولين في السلطة الشرعية يعملون على تعميق الانقسامات وتعزيزها، كونها ستعيق فرص الحل السياسي أو الحسم العسكري، بما من شأنه إطالة أمد الحرب، وبالتالي الاستفادة القصوى منها من خلال الوظائف الحكومية الكبيرة التي يشغلونها هم وأسرهم، ويعود ذلك للخشية من أن يفقدوا هذه المصالح والوظائف في مرحلة ما بعد الحرب، والتي ستأتي بوضع جديد، سواء بدأ بمرحلة توافقية حول تقاسم السلطة، أو انتخابات، أو غير ذلك.
 
وبما أن جميع الأطراف والتيارات والقيادات لديهم مصالح خاصة يخشون فقدانها، وبما أن حالة الانقسام في المجتمع اليمني في أسوأ حالاتها، فقد فتح ذلك المجال واسعا لدولة الإمارات لتغذية وتعميق هذه الانقسامات، وبما يؤمن مصالحها، حسب اعتقادها.
 
- تفخيخ المستقبل
 
إن طريقة إدارة التحالف العربي للأزمة في اليمن، وخاصة دولة الإمارات، والقائمة على تعميق وتغذية الانقسامات بين اليمنيين، وزرع العداوات والثارات فيما بينهم، واستجابة بعض الأطراف اليمنية لذلك، من أجل مصالح شخصية وآنية، وبدون تقدير لعواقب الأمور، فإن ذلك من شأنه تفخيخ مستقبل اليمن بشكل خطير، وسيطال تأثير ذلك دول الخليج وأمنها القومي.
 
وإذا كانت خلافات اليمنيين وانقساماتهم السابقة بالإمكان حلها عبر نظام الأقاليم الفيدرالية، فإن إدارة التحالف العربي للأزمة اليمنية إذا استمرت بنفس الوتيرة، فإنه سيأتي يوم ولن يجد اليمنيون أي وسيلة مناسبة لحل أزمة الحكم، وحتى الفيدرالية أو الكونفدرالية ستتجاوزها الانقسامات ولن يتفق عليها اليمنيون، وسيكون من الصعب اعتماد أي شكل من أشكال الحكم، وستتحول البلاد إلى جماعات متناحرة، خاصة في ظل توازن القوى المتعددة على الأرض، وستنطوي كل الحلول على ألغام ومفخخات نتيجة الإدارة الفاشلة والخطيرة للأزمة اليمنية من قبل التحالف العربي، وتجاوب بعض الأطراف اليمنية معها.
 
وتؤكد دروس التاريخ أن اليمن لم يشكل أي خطر على دول الخليج إلا في زمن الضعف والتمزق والانقسام والتشطير، وأن الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والأمني في البلاد ينعكس إيجابا على دول الخليج والمحيط العربي. فمثلا، في زمن التشطير، دعم نظام عدن الماركسي جبهة ظفار اليسارية في سلطنة عمان، واندلعت حرب الوديعة بين اليمن الجنوبي والسعودية، وكان نظام عدن يهدد باجتياح دول الخليج وإسقاط ما يسميه "الأنظمة الرجعية المتخلفة" فيها، واستبدالها بأنظمة ماركسية تقدمية.
 
كما اندلعت حربان شطريتان بين شمال اليمن وجنوبه، بالإضافة إلى ما عرف بأحداث المناطق الوسطى في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، وتدخل كل شطر في شؤون الشطر الآخر، وتوظيف الشطرين للعلاقة مع دول الخليج في الصراعات فيما بينهما.
 
وفي زمن الضعف، أي في أواخر عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، أقدم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي على دعم بعض القبائل اليمنية التي تقطن بالقرب من الحدود السعودية مع اليمن، بغية إيذاء السعودية من حديقتها الخلفية (اليمن). كما تمكنت إيران من ترسيخ نفوذها في اليمن من خلال دعم جماعة الحوثيين وبعض فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي، وهو الدعم الذي نتج عنه الوضع الحالي في البلاد، وأصبحت الصواريخ الإيرانية الصنع تهدد أهم المدن السعودية الحيوية عبر جماعة الحوثيين.
 
الخلاصة، إن تغذية وتعميق الانقسامات بين اليمنيين ستشكل تهديدا خطيرا على مستقبل اليمن والمنطقة بشكل عام، ذلك أن بروز قوى متعددة على الأرض تمتلك السلاح والنفوذ، مقابل تهميش وإضعاف الدولة ممثلة بسلطتها الشرعية، كل ذلك سيتسبب بنمو وتناسل عدة جماعات ومليشيات مسلحة سيصبح من الصعب السيطرة عليها، مما سيفتح المجال واسعا أمام أعداء اليمن ودول الخليج لإمداد هذه الجماعات بمختلف أنواع الدعم، ودفعها إلى تهديد استقرار وأمن المنطقة، بالإضافة إلى أن ذلك سيوفر البيئة المناسبة لتمدد وانتشار الجماعات الإرهابية. فهل سيعي العقلاء في التحالف العربي والسلطة اليمنية الشرعية مدى خطورة الإدارة الفاشلة للأزمة اليمنية؟!


التعليقات