الدكتور فؤاد البناء: للشرعية أخطاء.. والحوثي لن يسلم السلاح إلا في حالة واحدة (حوار خاص)
- حوار: معاذ الشرعبي الأحد, 15 أبريل, 2018 - 05:21 مساءً
الدكتور فؤاد البناء: للشرعية أخطاء.. والحوثي لن يسلم السلاح إلا في حالة واحدة (حوار خاص)

[ الأستاذ الدكتور فؤاد البناء ]

في الجزء الثاني من هذا الحوار مع أستاذ الفكر الإسلامي السياسي الدكتور فؤاد البناء نواصل استعراض أبرز التطورات الجارية في اليمن، وقراءتها، والتعليق عليها.

يتحدث البناء عن الاغتيالات التي طالت بعض الشخصيات في عدة محافظات، وعن حزب المؤتمر الشعبي العام، ومستقبله بعد مقتل صالح، وعملية تحرير تعز، وقضايا أخرى.

نص الحوار:

*هل يمكن احتساب ما يجري من اغتيالات لخطباء المساجد جزء من الحرب على التيارات الإسلامية في اليمن؟

**الاغتيالات جزء من تصفية الساحة من الوسطيين والعقلاء وأصحاب البُعد التحرري أياً كانوا، بدلالة أن هناك سلفيون ومستقلون تعرضوا للاغتيال، ولما كان الإصلاح يملك عددا كبيرا ممن تنطبق عليهم هذه الأوصاف فقد نال كوادره نصيب الأسد من هذه الاغتيالات، وهذا يؤكد ما ذكرناه في إجابة السؤال السابق.

*لماذا كل هذا الخوف من الإخوان رغم أنهم ليسوا جماعة إرهابية ولا جماعة مسلحة حتى يتعرضون للتنكيل بهذا الشكل؟

** ومن قال بأن من يقفون خلف هذه الجرائم والفوضى يخافون من دعاة التطرف وجنود الإرهاب؟ إن هؤلاء لا يَجدون حاضنة ثقافية ولا بيئة شعبية تناصرهم، ثم إنهم من الحمق بمكان بحيث يمكن اقتيادهم إلى المحارق بكل سهولة، لكن الخوف ممن عَرَكتْهم الأيام وبَرَتْهم المحن ومنحتهم التجارب الكثير من الخبرات التي تمكنهم من الانغراس في قلب المجتمعات، والتعبير عن آلام الناس وآمالهم، والذين أوضح الربيع العربي بشكل جلي أنهم قاب قوسين أو أدنى من السُّلطة لو كان هناك الحد الأدنى من الديمقراطية، وبجانب إيمان هؤلاء بالديمقراطية وقيم الدولة المدنية فإنهم أمثلة في التوحد ونماذج في الانسيابية والفعالية ويُمثلون قاعدة جاهزة للوحدة العربية لو وصلوا إلى السلطة، وهذا يخيف القوى التقليدية واليسارية والليبرالية ومن خلفهم القوى التي تتحكم بمقاليد العالم، ولذلك وجدنا الجميع يَرمونهم عن قوس واحدة.

*في الوقت الذي يجري ما يجري من تطورات يجري إعادة إنتاج نظام صالح من جديد من قبل دولة الإمارات، لماذا هذا التحرك برأيك؟ وما الذي سيفيد اليمن واليمنيين؟

**من قرأ إجاباتي السابقة سيتضح له هذا الأمر تماماً.

*الترحيب بطارق صالح في الجنوب أمر حير اليمنيين الذين يقولون إنه الجنوبيين الذين حتى الأمس القريب يتذمرون من صالح ويعتبرون ما حصل لهم من تنكيل كان هو سببه وظلوا يرفعون صوت الانفصال، ما السر هل لك أن توضح لنا هذه العملية من وجهة نظرك؟

**هذا الأمر يُبرز بجلاء مدى حضور الغرائز لا العقول في سلوكيات قادة تيارات الحراك والمليشيات، ومدى تَحكُّم العامل الخارجي في اتجاهات وقرارات كثير من القوى اليمنية، ولاسيما القوى التي تسعى لتحقيق أجندتها الخاصة على أشلاء الوحدة الوطنية والسِّلْم الاجتماعي، ويتمثل هؤلاء أساساً بدعاة المناطقية النّتنة في الجنوب ودعاة الطائفية المقيتة في الشمال.

لقراءة الجزء الأول من الحوار على الرابط هنا

*هل تتوقع حلا سياسيا قريبا؟ وهل تتوقع أن يوافق الحوثيون ويلتزمون بأي اتفاق حتى النهاية؟

** لا أتوقع حلاً سياسياً يقبل به الحوثيون إلا إذا أعطوا لُبّ السلطة وتُركت البقايا والأطراف لغيرهم، ولن يرضخوا إلا إذا توافرت عدد من العوامل، أهمها:

- انتصارات ميدانية تتكفل بقلع أنيابهم العسكرية ونزع مخالبهم المليشاوية.

- توحُّد كفة التيارات الممثلة للشرعية والمقاومة، واستيعاب بقايا شيعة صالح ممن لم تثبت ضدهم جرائم ضد الناس، وبحيث يأخذوا مكانهم المستحق خلف قيادة الشرعية بدون زيادة أو نقصان.

- مغادرة التحالف العربي لمربع المراوغة الذي يراوح فيه، والاتجاه الصادق نحو دعم الجيش الوطني بكل ما تحتاجه عملية الحسم العسكري السريع.

لو توفّرت هذه العوامل الثلاثة فسيؤدي لرضوخ الحوثيين للحل السياسي المستند على المرجعيات الثلاث، أو لتحقيق الحسم ودخول صنعاء وصعدة وإنهاء المليشيات والعودة للمسار السياسي الذي ارتضاه اليمنيون مع استيعاب المتغيرات الحادثة منذ بضع سنوات.

*ماذا تقول عن حزب المؤتمر الشعبي العام؟ وكيف تقرأ مستقبله؟

ما نشأ حزب في حضن السلطة إلا كان الشيطان ثالثهما، والمؤتمر الشعبي مثل سائر أحزاب العالم الثالث التي نشأت ففي نعيم السلطة هو حزب الحاكم الذي يتجمّل به في الخارج ويتقوّى به في الداخل ضد خصومه السياسيين، والحاكم الذي أنشأه قد مات ولابد أن يموت هو بدوره إن لم يصبح حزب الحاكم الجديد، وهناك محاولات من جهات داخلية وخارجية لجعله حزب الرئيس هادي بعد توحيده، ولا سيما أن نظامه الأساسي ينص على أن يكون رئيس الدولة رئيسه، بعد أن ظن أنه قد تزوّج بالسلطة زواجاً كاثوليكياً، ومع تمرّغ المؤتمر بالفساد من قمة رأسه إلى أخمص قدميه فلا أشك أن فيه بقايا من رجال شرفاء دفعهم الخوف على مصالحهم المشروعة لدخوله كمظلة حماية من سهام الفاسدين، الذين أرادوا مشاركتهم في أموالهم كما يشارك الشيطان أتباعه في الأموال والأولاد.

*ما هي المسؤولية التي كان يفترض أن تتحملها الشرعية ولم تفعل؟

**هناك خطايا وأخطاء كثيرة ارتكبتها الشرعية، ومن أهمها عدم عودتها إلى العاصمة المؤقتة عدن وعدم تطبيعها لأوضاع المناطق المحررة، حتى تصبح قاعدة متينة في عملية اقتلاع الانقلاب وتصير دعاية طيبة للشرعية أمام الجماهير التي ترزح تحت أثقال الانقلابيين، وكذلك عدم ضبط العلاقة مع دول التحالف بوضوح وصرامة منذ البداية، بحيث لا تقبل بمرور التجاوزات التي حدثت ولا تسمح بتبادل الأدوار بين أطراف التحالف، وتُلزم الجميع بأن يتم التعامل مع قيادة واحدة حتى لا يتفرّق دم اليمنيين بين قبائل التحالف.

*لماذا لم يتم تحرير تعز؟ ما سر فشل كل العمليات العسكرية التي أطلقت بشأن تحريرها وكان مصيرها الفشل؟

**أعتقد أن هناك حسابات داخلية وخارجية مغلوطة يعرفها معظم الناس، هذه الحسابات هي التي حالت دون تحرير تعز، وكانت الضغوط الإعلامية القوية التي وقفت ضد هذا التوجه قد نجحت أكثر من مرة في إجبار التحالف على الاتجاه نحو جبهات التحرير، لكن والحق يقال فإن الأخطاء التي نتجت عن انقسام مقاومة تعز وجيشها الوطني قد سمحت للتحالف بالتحلل من وعوده والتراجع عما عزم عليه، وعلى الأقل أعطته المبرر الذي كان يبحث عنه لإبقاء تعز محرقة لمن يتوجّس منهم خيفة، وربما محطة لاستنزاف الحوثيين حتى لا يذهبوا إلى الحدود أو يتكتلوا في صنعاء بصورة تمنع من السيطرة على العاصمة وتُسبب الكثير من الخسائر للتحالف والجيش الوطني.

*كيف يمكن لليمنيين حسم الحرب بشكل يضمن لهم عودة موانئهم ومطاراتهم وجزرهم إليهم؟

**باتحاد مناطق وألوية الجيش الوطني بعيدا عن التكتلات العصبوية والجهوية التي تسوده إلى حد كبير، وباتحاد المقاومات في مقاومة واحدة، وباتخاذ موقف صارم وصريح من التحالف، وتخيل أن في عاصمة الثقافة اليمنية ورغم جهود ضخمة حاولت إعطاء مليشيات أبي العباس الصفة القانونية، عبر ضم قواته إلى اللواء 35 من ضمن ألوية الجيش الوطني، ما تزال تسمى كتائب أبي العباس، وما فتئت ترتكب جرائم عديدة باسم اللواء الذي أجبرت على الاستظلال تحت رايته، وفي أكثر من مرة يعلن قائد اللواء 35 أنه لا يعرف شيئاً عن العمليات التي تقوم بها هذه الكتائب، ورغم ذلك تصل أحدث الأسلحة الإماراتية إلى هذه الكتائب وتُحرم منها الألوية الملتزمة بأخلاق وقوانين الجيش الوطني.

**هناك تحالفات سياسية جديدة أنشئت ولم تنجح حتى اللحظة أو أنها لم تظهر إلى السطح ما رأيك بهذه التحالفات السياسية الجديدة وما هو تقييمك لها؟

** لا أظن أن بلادنا بحاجة إلى تحالفات جديدة وإنما إلى قيم جديدة تُلزم الجميع بما يتم الاتفاق عليه بعيدا عن التكتيكات والمُماحكات والأكاذيب التي زادت طينة الوطن بِلّة وأطالت عمر الانقلاب، فهناك انقلاب إجرامي سافر قضى على مقومات البلد وأعاد الوطن عقودا إلى الوراء، وهناك شرعية معترف بها من العالم كله ولو شكلياً، ومن ثم فإن كل من يرفضون الانقلاب يجب أن ينخرطوا في مشروع المقاومة وأن يتخندقون بصدق ضد الانقلابيين، وبعد سقوط الانقلابيين يمكن أن تتشكل تحالفات جديدة كما يريد أصحابها.

*لماذا تم التفريط بتحالف اللقاء المشترك؟ ما السبب برأيك؟ وماذا تقول للأحزاب في حوارك هذا؟

**إن القيم التي سادت في عهد صالح، وهي قيم الفساد والمحسوبية والارتزاق والاتجار بالعمل السياسي، حتى لكأن الأحزاب شركات تجارية أو دكاكين تبيع لمن يدفع أكثر، بجانب الضغوط الخارجية التي أرادت تدمير الديمقراطية وحصر الإصلاح في زاوية ضيقة، هي المسؤولة عن تفكيك اللقاء المشترك، وما لم يتناسى قادة الأحزاب انتماءاتهم العصبوية ومصالحهم الضيقة فإن الانقلاب سيظل يعتاش على خلافاتهم ويقتات من أخطائهم، وأقول لقادة الأحزاب أنتم جميعاً في سفينة واحدة وهي سفينة الشرعية، وما لم تتجاوزوا أنانياتكم وتجتازوا بهذه السفينة دوّامة الانقلاب إلى شواطئ النصر؛ فإن احزابكم ووطنكم ستبتلعها المليشيات، فالعدو واحد فكونوا موحّدين.

*تتوقع الحوثي يسلم السلاح إذا ما حصل اتفاق وتسوية؟

** لن يُسلّم الحوثيون السلاح إلا في حالة توفر الشروط الثلاثة التي ذكرتُها من قبل بخصوص تحقّق الحل السلمي، وأضف عليها صدق الدول الكبرى في الضغط على المليشيات من أجل وضع السلاح كله في كنانة الدولة التي ستحرس الدستور وتنفذ القوانين، وتلتزم باحترام حريات الجميع وتحقيق المواطنة المتساوية.

*ماذا تقول عن مستقبل اليمن؟

** في ظل المعطيات الحاضرة والظروف الراهنة يبدو أن المستقبل القريب في كفّ عفريت، ولكن بوعي الغالبية وتوحد الأحرار، وبالتخفّف من العُقدة اليَزنية التي تضع بيضها كله في سلّة الخارج، وبتخندق الجميع تحت راية الشرعية مع تصحيح أخطائها من الداخل، يمكن أن نستعيد البلد من كفّ العفريت، ولا شكّ أن الزّبد يذهب جُفاءً مهما كان كثيفاً وأن العاقبة للمتقين.

*رسالتك الأخيرة ولمن توجهها؟

** أوجه رسالتي لجميع من في صفّ الشرعية، بأن يتنازلوا لبعضهم فإنه أفضل من التنازل للانقلابيين الذين لا يريدون لكم خيرا ولا يرجون لكم وقاراً، إذ أن ثقافتهم الطائفية والسلالية ثقافة استئصالية خبيثة تقوم على الاستبعاد والاستعباد، وتذهب في التعامل مع من لا يؤمن بها نحو الاجتثاث من الأرض والاقتلاع من الجذور.


التعليقات