معركة الحديدة.. ورقة ضغط للحل السلمي أم بوابة للحسم العسكري؟
- عبد السلام قائد الإثنين, 04 يونيو, 2018 - 11:16 مساءً
معركة الحديدة.. ورقة ضغط للحل السلمي أم بوابة للحسم العسكري؟

[ جدل كبير حول تحرير الحديدة ]

ارتبط التصعيد العسكري (الدوري) في جبهة الساحل الغربي لليمن بكونه يأتي متزامنا كل مرة مع يقظة المساعي الأممية للمضي في الحل السلمي للأزمة اليمنية منذ أن بدأت المعارك تقترب من الساحل الغربي للبلاد، ذلك أنه كلما نشطت الأمم المتحدة -عبر مبعوثيها- لحل الأزمة اليمنية سلميا، يعمد التحالف العربي والسلطة اليمنية الشرعية إلى التصعيد عسكريا في جبهة الساحل الغربي، بغية الضغط على جماعة الحوثيين لتقديم تنازلات تسهم في تقريب وجهات النظر وحل الأزمة سلميا.

ورغم أن التصعيد في المرات السابقة أفضى إلى تحرير بعض مدن ومناطق الساحل الغربي، إلا أن الضغوط الدولية كانت تحول دون اقتراب التحالف العربي والسلطة الشرعية من مدينة الحديدة ومينائها ومطارها، وهذه الضغوط منحت جماعة الحوثيين فرصا ثمينة للمناورة والتصلب في المواقف بما يحول دون تقريب وجهات النظر والتسبب في تعثر المساعي الأممية لتحقيق السلام، إلا أن مسار المعركة يبدو اليوم مختلفا، فما الذي استجد؟ وكيف يمكن فهم ما يجري؟

عواقب التصعيد الحوثي

يبدو أن معركة تحرير الحديدة هذه المرة جادة وبضوء أخضر دولي، وما كان ذلك ليتم لولا التصعيد الذي سلكه الحوثيون خلال الأسابيع الأخيرة بتكثيفهم الهجمات بالصواريخ البالستية باتجاه الأراضي السعودية، فاستغلت السعودية هذا التصعيد لإيجاد مبررات من شأنها تحييد أو تعطيل الضغوط الغربية التي تعرقل تحرير مدينة الحديدة من سيطرة المليشيات الحوثية.

كان الحوثيون يعتقدون أن تصعيدهم العسكري ضد السعودية، من خلال الهجمات المتتالية بواسطة الصواريخ البالستية على أراضيها، سيجبرها على تقديم تنازلات في المفاوضات المرتقب أن يجريها المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن مارتن جريفيث، ولم يكونوا يتوقعوا أن هذا التصعيد سيرتد عليهم، خاصة أن معركة تحرير الحديدة ستفقدهم كل أوراق الضغط بالتزامن مع المساعي الأممية الأخيرة للحل السلمي للأزمة.

اقرأ أيضا: هل اقترب الحسم العسكري في معركة الحديدة؟

وإذا كانت السيطرة المحتملة على مدينة الحديدة من قِبَل التحالف العربي والسلطة اليمنية الشرعية ستمثل ضربة قاصمة للحوثيين، فإن المعركة في الوقت ذاته تعد مقياسا لمدى قوة الحوثيين العسكرية الغير واضحة، والتي على ضوئها يمكن قياس كلفة وزمن معركة تحرير العاصمة صنعاء وبقية المحافظات التي تسيطر عليها مليشيات الحوثيين.

وتؤكد التصريحات المرتبكة الصادرة من قِبَل قيادات حوثية، منذ اقتراب المعارك من مدينة الحديدة، أن الحوثيين تلقوا إشعارا من حكومات غربية أنه لم تعد ثمة ضغوط دولية للحيلولة دون تحرير مدينة الحديدة، بذريعة استخدامهم ميناء المدينة لتهريب الصواريخ البالستية التي تهدد أمن السعودية، الحليف الأهم في المنطقة للولايات المتحدة وبعض الدول الغربية التى ترى أن أمن المملكة "خط أحمر"، حتى وإن كان التهديد يأتي من قِبَل أقليات عرقية أو دينية تعمل بعض الدول الغربية على الحفاظ عليها والحيلولة دون إقصائها من الحياة السياسية، بغية استخدامها في مهام آنية أو مؤجلة تخدم الأجندة الغربية في المنطقة.

أما التصريحات والمخاوف التي تبديها منظمات حقوقية دولية حيال معركة تحرير الحديدة، وما ستسفر عنه من وضع إنساني مأساوي، فهي تصريحات ومخاوف روتينية، لا تعكس وجهات نظر الحكومات الغربية المهتمة بصراعات منطقة المشرق العربي، فمصالح الدول والحكومات ومقتضيات التحالفات الدولية تستبعد من حساباتها الأوضاع الإنسانية ومخاوف المنظمات الحقوقية، علما بأن الملف الإنساني من أكثر الملفات توظيفا للضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية للدول الكبرى.

اقرأ أيضا: منظمة (SCR): هجوم التحالف على الحديدة يهدد بتقويض عمل المبعوث الأممي

والأمر الآخر الذي يدركه المجتمع الدولي، هو أن استمرار بقاء الأوضاع كما هي عليه من شأنه زيادة المآسي الإنسانية التي لا يمكن أن تتوقف إلا بعد القضاء على الانقلاب وبناء اليمن الاتحادي، غير أنه كان يتذرع بالأوضاع الإنسانية للتغطية على هدفه المتمثل في الحرص على بقاء مليشيات الحوثيين كطرف سياسي فاعل في اليمن، بما من شأنه خلق بؤرة توتر مزمنة في اليمن وتشكل قلقا للسعودية في نفس الوقت، بالإضافة إلى الحرص على استخدام مثل هذه الجماعات في مهام أخرى آنية أو مؤجلة لا يدركها معظم صناع القرار في مختلف بلدان العالم العربي.

كواليس المعركة

لا يبدو أن معركة الحديدة ستمضي كما هو مخطط لها، فبالرغم من أن المعركة تبدو وكأنها قرار سعودي وبضوء أخضر غربي، إلا أن طبيعة الدور الإماراتي في المعركة، والذي يأتي امتدادا لنفوذها المتراكم في الساحل الغربي لليمن وأيضا الساحل الجنوبي، من شأنه إحداث نوع من الارتباك سواء أثناء المعركة أو بعد الانتهاء منها.

ففي البداية، كانت دولة الإمارات تهدف إلى جعل المعركة كاختبار عسكري لطارق صالح، بغية صناعة نصر عسكري يمكن استثماره في الترويج لبقايا عائلة صالح، يسهم في رفع معنوياتهم ويعيدهم إلى واجهة الأحداث كقوة معتبرة وورثة لنظام حكم والدهم الذي قتله حلفاؤه الحوثيون.

غير أن فشل طارق صالح العسكري، وفرار عدد كبير من مجنديه مع بدء القتال، جعل دولة الإمارات تراجع حساباتها بهذا الخصوص، وكان البديل هو أن يتقدم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية صوب مدينة الحديدة بدعم وإسناد التحالف العربي، على أن تتولى مليشيات طارق صالح السيطرة على المناطق المحررة بذريعة تأمينها، والترويج إعلاميا بأن طارق صالح هو من حرر تلك المناطق.

ثم إنه ظهرت عدة ردود أفعال مباشرة وغير مباشرة حيال تصرفات دولة الإمارات في الساحل الغربي، المتمثلة في سرقة انتصارات الجيش الوطني ونسبها لطارق صالح، وأيضا تمكين طارق صالح من السيطرة على الأرض بدون خسائر مادية أو بشرية، مع تعزيز مليشياته بأسلحة حديثة ومجندين جدد.

ففي البداية، ألمح الشيخ عبد المجيد الزنداني، في حوار مع قناة "سهيل" الفضائية، إلى وجود ثروات نفطية في الحديدة تم ردمها في عهد الرئيس الراحل علي صالح، في سياق حديثه عن ثروات أخرى تم ردمها أو لم تستخرج، وربما أن حديثه -الذي جاء في هذا التوقيت بعد غياب طويل عن الظهور الإعلامي- يكشف مخاوف حقيقية لدى السلطة الشرعية وحلفائها من سيطرة دولة الإمارات على حقول نفطية في محافظة الحديدة، بعد أن سيطرت على مواقع حقول مشابهة في بعض المحافظات الجنوبية، كون السيطرة على مناطق الثروات السيادية من أهم مبررات الحروب وإطالة أمدها وأبرز مكاسبها.

اقرأ أيضا: العقيد أحمد الصبيحي: طارق صالح يسرق انتصاراتنا

ثم بدأت الشكوى تظهر من قِبَل بعض قادة الجيش الوطني في الساحل الغربي، الذين أبدوا استياءهم من سرقة انتصارات الجيش الوطني ونسبها لطارق صالح، رغم أن كل ما في الأمر هو سيطرته على مناطق محررة لم يطلق رصاصة واحدة لتحريرها، بذريعة تأمينها، وربما أن استمرار سرقة تلك الانتصارات قد توهن من عزيمة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، كونها تتناقض مع أهداف السلطة الشرعية التي انقلب عليها طارق صالح بالتحالف مع الحوثيين، ولم يعترف بها بعد انتهاء تحالفه معهم.

وهناك مخاوف من أن تتعمد دولة الإمارات تكرار سيناريوهات سابقة في جبهات أخرى في الحديدة، تتمثل في قصف وتدمير بعض كتائب الجيش الوطني بعد الانتهاء من معركة تحرير الحديدة، حتى لا تشكل عائقا أمام سيطرة مليشيات طارق صالح على المدينة الحيوية ومينائها ومطارها، في ظل مخاوف من أن يعاود الحوثيون السيطرة على محافظة الحديدة وكل المناطق التي سيتم تسليمها لمليشيات طارق صالح، الذي سيفر هو وأتباعه من مواجهة مليشيات الحوثيين، كونه بلا عقيدة عسكرية ويعمل بدون مظلة السلطة الشرعية التي انقلب عليها ولم يعترف بها ولم تعترف به أو تكلفه بأي مهام عسكرية.

وأخيرا، يبدو التصريح الذي أدلى به السفير الأمريكي الأسبق لدى اليمن جيرالد فايرستاين بخصوص دور طارق صالح العسكري في الساحل الغربي مثيرا للاهتمام، بتذكيره للجميع بأن طارق صالح كان مسؤولا عن قتل العديد من شباب ثورة 11 فبراير 2011 في مجزرة "جمعة الكرامة"، وهذا التصريح يعكس اطلاع فايرستاين على تفاصيل من كواليس معركة تحرير الحديدة لم تتضح معالمها بعد، كما أن تصريحه المذكور يحمل رسالة موجهة للمطلعين على كواليس معركة الحديدة.

ملامح الصراع

ويمكننا القول بأن معركة تحرير الحديدة ستحدد الكثير من ملامح مستقبل الصراع في اليمن، سواء نجحت المعركة في تحقيق أهدافها أو تعثرت بذريعة ضغوط دولية حرصا على حياة المدنيين وخوفا من كوارث إنسانية محتملة.

إن انتصار السلطة الشرعية والتحالف العربي في هذه المعركة يعد البداية الحقيقية والعملية للقضاء على الانقلاب، كونها ستمثل هزيمة معنوية ونفسية لمليشيات الحوثيين في مختلف المعارك المقبلة حتى تحرير العاصمة صنعاء، أما التراجع عن تحريرها فسيمنح مليشيات الحوثيين انتصارا معنويا ونفسيا، باعتبار التراجع نصرا عسكريا لها، ربما يدفعها لمحاولة استرداد بعض المدن والمناطق المحررة، لإبعاد مدينة الحديدة عن أي معارك قادمة.

اقرأ أيضا: وول ستريت جورنال: الإمارات تسعى للحصول على مساعدة من واشنطن للسيطرة على الحديدة

أما في حال تحريرها وتسليمها لطارق صالح، وتعزيز مليشياته بأسلحة حديثة ومنوعة، فإن ذلك يعني أن الصراع في اليمن سيدخل متاهات جديدة، ستبدأ قبل القضاء التام على مليشيات الحوثيين، وستتشعب وتزداد خطورتها بعد إسقاط الانقلاب، وبذلك سيكون التحالف العربي قد قضى على انقلاب واحد، وصنع بدلا منه عدة انقلابات مستقبلية وقوية في الجنوب والشمال، مقابل تعمده إضعاف السلطة الشرعية وحلفائها.

وهذا الأمر سيُحَوِّل البلاد إلى ساحة مفتوحة لصراعات وحروب بلا نهاية، المستفيد الأكبر منها الجماعات الإرهابية، بما فيها جماعة الحوثيين، وستكون كلفة استعادة السيطرة على البلاد باهظة للغاية، هذا إن لم تكن استعادة السيطرة مستحيلة في المدى المنظور.


التعليقات