ما حجم الضرر الذي تشكله دولة الإمارات على حزب الإصلاح؟
- عبد السلام قائد الاربعاء, 26 سبتمبر, 2018 - 02:27 مساءً
ما حجم الضرر الذي تشكله دولة الإمارات على حزب الإصلاح؟

[ لقاء سابق جمع قيادة حزب الإصلاح مع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد ]

تواصل المليشيات المحلية التابعة لدولة الإمارات في جنوب اليمن استهدافها المدروس والممنهج لقيادات حزب الإصلاح هناك، خاصة في العاصمة المؤقتة عدن، مع استمرار دعم السلطات الإماراتية لحملة إعلامية تهدف إلى شيطنة الحزب وتبرير الاغتيالات التي تطال قياداته وجعلها ذات وقع وتأثير خفيف، ولا تثير أي سخط شعبي ضدها، حتى وإن أطلق على المنفذين للاغتيالات صفة "مسلحين مجهولين".
 
والملاحظ في مسلسل الاغتيالات، الذي بدأ بعد تحرير مدينة عدن بمدة زمنية قصيرة، أنه بدأ بكبار القادة والدعاة والعلماء الذين لهم حضور اجتماعي وتأثير شعبي كبير، ثم انتقل إلى الأقل تأثيرا فالأقل، وهو ما يؤكد بأن هذه الاغتيالات مدروسة وممنهجة، وتتم وفقا لخطة بقائمة للأشخاص المستهدفين بالاغتيال عبر مسار زمني مدروس، والهدف من كل ذلك إفراغ الساحة من الشخصيات ذات التأثير والحضور الاجتماعي التي تنتمي للحزب، ليخلو الجو لمن يريد إحكام السيطرة على جنوب البلاد بدون أن تظهر معارضة قوية تقض مضجعه.
 
- الإصلاح في الجنوب
 
تدخلت دولة الإمارات في الملف اليمني من بوابة عملية "عاصفة الحزم" العسكرية والتحالف العربي بقيادة حليفتها السعودية لإعادة السلطة الشرعية والقضاء على الانقلابيين الحوثيين.
 
لكنها -أي دولة الإمارات- والمليشيات الموالية لها في جنوب اليمن غيرت مسار المعركة بعد تحرير مدينة عدن، وقادت حربا واضحة ضد حزب الإصلاح هناك، لدرجة أن عدد قادة الحزب الذين اغتيلوا هناك أكثر بكثير من القادة الحوثيين الذين قتلتهم دولة الإمارات والتحالف العربي بشكل عام في مختلف الجبهات منذ بدء عملية "عاصفة الحزم" العسكرية وحتى الآن.
 
كما أن قادة الحزب الذين اغتيلوا في الجنوب كانوا من أوائل من تصدى لمليشيات الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح بعد الانقلاب مباشرة، وكانوا جميعا الهدف الأول للحوثيين وعلي صالح، إلا أن دولة الإمارات نفذت ما عجز عنه الانقلابيون، وانتقمت للحوثيين ممن كان لهم الدور الأكبر في تحرير مدينة عدن، وقدمت للانقلابيين خدمة لم يكونوا يحلموا بها.
 
وقبل قراءة مدى حجم الضرر الذي ستشكله دولة الإمارات على حزب الإصلاح في جنوب اليمن، سنبدأ بتقديم لمحة سريعة عن حجم وقوة حزب الإصلاح في الجنوب، لتتضح الصورة أكثر.
 
يشكل حزب الإصلاح قوة سياسية واجتماعية معتبرة في جنوب البلاد، تتفاوت نسبتها من محافظة إلى أخرى، كما تتفاوت هذه النسبة بين المدن والأرياف، ويبرز دور الحزب وحجمه بوضوح في الدورات الانتخابية المختلفة التي سبق أن شهدتها البلاد، كما برز دوره هناك أثناء ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، وخلال معركة تحرير مدينة عدن ومناطق جنوبية أخرى من الانقلابيين.
 
لا يختلف تواجد حزب الإصلاح في جنوب البلاد كثيرا عن تواجده في شمالها، ويعود ذلك لعدة أسباب، من أهمها: أن حزب الإصلاح هو الحزب الوحيد من بين الأحزاب اليمنية الكبيرة الذي لم يكتسب صفة "حزب شمالي" أو "حزب جنوبي"، كما هو حال بقية الأحزاب، كـ"المؤتمر" الشمالي، و"الاشتراكي" الجنوبي، ذلك لأنه -أي حزب الإصلاح- تأسس بعد تحقيق الوحدة الوطنية بأشهر قليلة عام 1990، وكان مؤسسوه من الشمال والجنوب، وانتشر في الجنوب بقوة رغم الهيمنة الماركسية التي كانت سائدة حينها هناك، وهو ما أكسبه شعبية في شمال وجنوب البلاد، ولم تؤثر عليه النزعات المناطقية والشطرية التي برزت خلال السنوات الأخيرة.
 
اعتمد الحزب أثناء تأسيسه على الحضور الاجتماعي للحركة الإسلامية وقواعدها التي كانت منتشرة في الجنوب والشمال، وكان هناك تعاون وتنسيق بين قادة الحركة في الجنوب والشمال خلال مختلف مراحل النضال الوطني ضد الإمامة في الشمال والاحتلال البريطاني في الجنوب.
 
والأمر الأهم -الذي أغاض الحراك الجنوبي الانفصالي- أن الحراك الذي بدأ أولى فعالياته الاحتجاجية في الربع الأول من العام 2007، لم يستطع خلال مسيرته أن يقيم اعتصاما شعبيا حتى لمدة أسبوع واحد، وشعر جراء ذلك بالتقزم أمام حزب الإصلاح الذي استطاع -بعد اندلاع ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية- أن يقيم اعتصامات دائمة في بعض المحافظات الجنوبية، خاصة عدن وحضرموت، واستمر بعضها لأكثر من عام بشكل متواصل.
 
أما الحراك الانفصالي، فكل فعالياته الاحتجاجية إما أسبوعية استمرت لمدة زمنية قصيرة، أو سنوية ومناسباتية ولساعات محدودة في اليوم، ويتم الحشد لها من كل المحافظات الجنوبية إلى مدينة عدن ليظهر الحشد كبيرا في وسائل الإعلام، وتقتصر الاحتجاجات على استغلال المناسبات المرتبطة بالجنوب، مثل ذكرى ثورة 14 أكتوبر 1963، وما يسمى بـ"التصالح والتسامح"، فضلا عن الخلافات والانشقاقات المستمرة في أوساط فصائل الحراك الانفصالي، وتناسل بعضها، واختفاء البعض الآخر، وظهور أخرى بديلة لها.
 
يضاف إلى ذلك، بعض الفروق الجوهرية بين حزب الإصلاح والحراك الانفصالي في الجنوب. ففي حين تسبب الحراك الانفصالي في إحياء الثارات التاريخية بين الجنوبيين وأعاد النزعات القبلية والمناطقية إلى الواجهة، فإن حزب الإصلاح هناك ما زال يدعو لاستمرار الوحدة الوطنية وإصلاح مسارها وينطلق نحو المستقبل، ولم يسبق لقياداته هناك أن تورطت في الصراعات البينية في جنوب البلاد، فضلا عن العمل الدعوي والخيري الذي يتميز به الإصلاحيون عن الكثير من قادة الحراك الانفصالي المعروفين بانتهازيتهم وبحثهم عن المصالح الشخصية وصراع الزعامة فيما بينهم الذي أضاع القضية الجنوبية.
 
ما سبق ذكره، بالإضافة إلى انتشار الفقر والجوع على نطاق واسع والحاجة الماسة للمال، يفسر الأسباب التي جعلت دولة الإمارات تجد عملاء لها في جنوب البلاد جعلت منهم مليشيات مسلحة تنفذ أجندتها لإضعاف الحزب، حيث تقاطعت أهداف الجميع هناك.
 
فالحراك الانفصالي يجد في حزب الإصلاح العقبة الكبيرة أمام مشروع الانفصال وأمام مشاريع الزعامات الفردية، ويعتقد أنه سواء تحقق الانفصال أو لم يتحقق، فإن حزب الإصلاح سيظل هناك قوة سياسية واجتماعية مؤثرة تقلق الانفصاليين وتربك مشاريعهم.
 
أما دولة الإمارات، فهي تجد في الحزب عقبة كبيرة أمام مشروعها لاحتلال جنوب البلاد بأيدٍ محلية، كما أن ذلك يأتي ضمن أجندتها لمحاربة الربيع العربي والأحزاب الإسلامية ومطالب الديمقراطية، وتقديم نفسها للمجتمع الدولي كقائدة لعلمنة المنطقة، بحسب ما كشفت عنه تسريبات بريد السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، وتقديم نفسها للغرب أيضا كوكيل حصري لمحاربة ما تسميه الإرهاب، والهدف الرئيسي هو الأحزاب والحركات الإسلامية ووأد مطالب التحول الديمقراطي.
 
- حجم الضرر
 
لا شك أن حزب الإصلاح سيتضرر كثيرا من الحرب التي تقودها وتمولها دولة الإمارات ضده، فليس بالأمر الهين أن يخسر الحزب عددا كبيرا من قادته الفاعلين ممن كان لهم دور في مواجهة الانقلاب ومساندة السلطة الشرعية، فضلا عن الضرر الذي سيلحق به جراء الحملة الإعلامية الشرسة ضده والهادفة إلى شيطنته لتبرير الاغتيالات التي تطال قادته، ولتبرير الاعتقالات والإخفاء القسري والتعذيب لبعض منتسبيه.
 
ورغم هذا الضرر، فضلا عن الدسائس والمكائد التي تحيكها دولة الإمارات وبعض الأحزاب والشخصيات اليمنية ضد الحزب من أجل الإيقاع بينه وبين السعودية ودفع الأخيرة إلى فض تحالفها معه وإعلان الحرب عليه، لكن الحزب ما زال يتجاهل حتى مجرد الأنين المكشوف ولوم الحلفاء والخصوم على حد سواء، ولم يبادر إلى الحوار والسعي لتصفير الخلافات سواء مع دولة الإمارات أو الأطراف المعادية له في الداخل، وكل ما يستطيع الحزب فعله هو تحميل السلطة الشرعية مسؤولية حماية قياداته والمطالبة بالتحقيق والكشف عن الجهات المنفذة للاغتيالات.
 
وفي الحقيقة، فإن الخيارات تبدو أمام الحزب منعدمة للتعامل مع الاستهداف الممنهج لقياداته واغتيالهم، نظرا للظروف الحالية التي تمر بها البلاد وأيضا ظروف الإقليم بشكل عام. فالحزب تحالف مع خصم أقل ضررا عليه ضد خصم آخر يشكل ضررا عليه أكثر، وهو ما جعله مقيد الحركة ويتصرف وفق الخيارات المتاحة.
 
تبدو حرب دولة الإمارات ضد حزب الإصلاح مهمة شاقة وعسيرة، لعدة أسباب، من بينها: أن عدد منتسبي الحزب أكثر من عدد سكان الإمارات الأصليين، وأن الحزب أصبح بعد الانقلاب والحرب أكثر قوة من ذي قبل، رغم أن الأسباب التي مهدت للانقلاب كان الهدف منها القضاء عليه.
 
فالحزب أصبح لديه حضور كبير في الجيش الوطني، والكثير من أعضائه تدربوا على السلاح والقتال خلال مشاركتهم في الحرب ضد الحوثيين، وهو ما يعني أن الحزب اكتسب قوة عسكرية أو جناحا مسلحا من شأنه تعزيز مواقفه السياسية.
 
كما أن القاعدة الجماهيرية للحزب اتسع نطاقها بعد أن قدم الحزب نفسه كحامٍ للجمهورية والديمقراطية والوحدة، ومعارض للمشاريع الطائفية والسلالية والمناطقية.
 
ويعني كل ما سبق أن الأضرار التي يتعرض لها الحزب من جانب، جراء الحرب عليه من قبل دولة الإمارات والمليشيات المحلية التابعة لها، فإنه يعوضها بمكاسب وعوامل قوة من جوانب أخرى، تجعل تأثير الحرب عليه محدودا للغاية.
 
وبخلاف الأحزاب اليمنية الأخرى، بتشرذمها ونخبويتها، يمكن القول إن حزب الإصلاح قوي بأعضائه وجماهيره وليس بقياداته، فمعظم قياداته خاملة، على العكس من جماهيره الفاعلة والنشطة، والتي قيدت حركتها القيادة العليا للحزب.
 
ويعني ذلك أن القضاء على الجانب الخامل في الحزب، في حال اتسع نطاق الحرب ضده وتم اغتيال بعض قياداته واعتقال وسجن البعض الآخر، فإن ذلك من شأنه إحداث أكبر عملية تجديد تاريخية في الحزب، من شأنها إفساح المجال للجانب النشط فيه للحركة والإمساك بقيادة الحزب.
 
وربما يؤدي ذلك إلى حدوث سيناريوهات جديدة وتحولات كبرى في مواقف وسياسات الحزب قد تخلط الأوراق على الجميع ويصعب التعامل مع تبعاتها، خاصة أن الحزب له حضور شعبي كبير في مختلف المدن والقرى اليمنية، قياسا ببقية الأحزاب اليمنية، وعدد منتسبيه أكثر من عدد سكان دولة الإمارات الأصليين، والحرب التي يتعرض لها لم تخصم من رصيده الشعبي، بل تزيده قوة واتساعا غير مرئي لدى الآخرين في المرحلة الحالية.


التعليقات