الرازحي يحكي قصته مع البردوني ويخاطبه: انت النورس كنت ونحن الغربان
- متابعة خاصة الاربعاء, 31 أغسطس, 2016 - 01:21 صباحاً
الرازحي يحكي قصته مع البردوني ويخاطبه: انت النورس كنت ونحن الغربان

[ الراحل عبدالله البردوني ]

عندما كان البردوني يسكن في منزله ببستان السلطان، كنت انا اسكن قريبا منه، وهناك تعرفت عليه اول مرة، بعدها توظفت في وزارة الاعلام، واصبحت مدير تحرير مجلة اليمن الجديد، كنت اذهب اليه اطلب منه مقالا للمجلة، وكثيرا ما كان يملي مقاله علي بساعته، ان كان مختمرا في راسه، وان لم يطلب مني ان اعود في وقت اخر.
 
كانت له طريقة غريبه وهو يملي علي، ابدا لم يحدث ان املى علي وهو جالس في مكانه، وانما كان ينهض من مجلسه، ويظل يحوم مثل الاسد داخل المكان، حتى اذا انتهى من املاء مقاله، عاد الى مجلسه يضحك وينكت ويحكي لي حكايات مرحه فيها الكثير من الشقاوة والشيطنة عن طفولته و مراهقتة.
 
واثناء سفرياتنا للخارج في الاسابيع الثقافية مع الفرقة الفنية التابعة لوزارة الاعلام، كان ونحن في طريقنا الى الطائرة، او نحن هابطين يتحول الى طفل شقي ومرح ومن فرط سعادته يزمل هذا الزامل:
 
الرازحي ..بكر يطابز خالته
الرازحي .. والفرقة تشل بعده:
بكر يطابز خالته
الرازحي ....
 
وبعد الوحدة والتعددية، وبالذات بعد الحرب، كان عند كل لقاء يجمعني به يبدي قلقه وخوفه علي، وكثيرا ما كان يسالني ان كان هناك من يزعجني او يؤذيني بسبب كتاباتي، وكنت ارى في صوته وفي كلماته وفي اسئلته مشاعر أب يقلق ويخاف على ابنه.
 
كانت له كلمة يقولها ويعيدها كلما صافحته مودعا: انتبه على روحك يارازحي.
 
اليوم يصادف ذكرى وفاته والشكر للشاعر توفيق الجند الذي ذكرني به امس وطلب مني نشر قصيدتي التي كتبتها وقراتها في اربعينيته في مقر اتحاد الادباء والكتاب.
 
انت النورس كنت ونحن الغربان
في رثاء شاعر اليمن الكبير /الأستاذ/ عبدالله البردوني
كيف أصُّدقُ أنهُ ماتَ
وهذي الأقمارُ, قصائدهُ
تشهدُ أنه حيُّ
تُحْيي الموتى..تُحيينا
تدخلُ في تركيب دمانا
تقتلُ فينا الخوفَ
سرطانَ الرُعب من السلطان!
يا عبدالله
هل حقاً متَّ؟
من حقاً ماتَ؟
أنحنُ الموتى
أم أنتَ؟
اني في شكٍ من أمري
كيف اصدقُ أنك متَّ !
وأنت الآنْ
موجودٌ في هذي القاعة
هذا صوتكَ
يقرعُ طبلةَ أُذنيَّ
يصمُّ الآذان !
يا عبدالله
من قال بأنك أعمى ؟
نحنُ العميان
أنت النورسُ كنتَ
ونحن الغربان
يا عبدالله
هل تذكرني ؟
هل تذكرُ أولَ يومٍ زرتكَ فيهِ
دخلتُ عليكَ بوجه صبيٍّ
في " بستانِ السُّلطان "؟
كنُت أنا أتخبِّطُ بين الْكُتْبِ
حين نهضتَ من الركنِ
بعصا الشعرِ
حين مسحتَ على شَعْري
عن إسمي سألتَ
وهل أنا أعمى؟
هل تذكرُ يومَ ألقيتَ عصاكَ
تعلمني السحر ؟
يوم ألقيتُ عليك الشعرَ
قصيدةَ أمي
فحزنت
انحدرت لؤلؤةٌ من عينيكَ
بلونِ المرجان !
يا الله ! ما هذا ؟
انك تبكي
هل يبكي العميان ؟
قلتَ : نعم
وضحكتَ
ضحكنا
يا الله
كم كنَّا نضحكُ !
كنَّا جارين بنفس الحيِّ
جيراناً كنَّا في الهِّم
لدينا نفس الاحزان
يا عبدالله
يا طفلَ "ذماَر" القديس
ويا إِبليس
ويا أشقى الصبيان
كم كنتَ صبياً !
وشقياً !
ملكاً أعمى
تتعامى كنتَ
تمثِّلُ دورَ ملاكٍ شيطان
هل تذكرُ يومَ قصصتَ عليَّ
قصة راعيةٍ بائسةٍ
فضَّ الشيخ بكارتها !
قلتَ بأنك قاضيت الشيخ
توكَّلت لها
تتوكَّل كنتَ لكلَّ امرأةٍ
أرملةٍ
تتوكأ أثناءَ السيرِ عليها
حتى ذاعت بين النسوةِ شُهرتكَ
كنَّ يجئنَ من الريفِ , يغامرنَ
في سوق" ذمارٍ" يبحثنَ
عن ولد شيخٍ
وصبي اعمى
يسألنَ :
أين وكيلُ النسوان؟
أذكرُ في إحدى الأيام
وقلت أمامي
أنك انقذت امرأةً
فاتنةً
حكم القاضي عليها بالحدّ
الجلدِ
توكَّلت لها
وتوكَّلتَ عليها و توكَّأتَ
فجازتكَ
اعطتكَ مكافاةً
أيَّ مكافاةٍ أعطتكَ ؟
لم تُكْمِل ليلتها
ولم أسألكَ
أجبني الآنَ
قل لي ماذا أهدتكَ؟
هل مالاً تلكَ الليلةَ أعطتكَ؟
أم أهدتكَ نجومَ البحرِ
وقنديلَ الشعرِ؟
ومزمار الرعيان؟
يا أهلَ البيت
يا أهلَ الدار
هل لصُّ النارِ هنا؟
هل هذا بيتُ الشّعر
وبيتُ النار؟
أم أني أخطأتُ البابَ
دقَقْتُ على بيتٍ غير البيتِ
أين النيران؟
لم لا أسمعُ طَقْطَقَةَ الشعرِ
وراءَ الجدران؟
يا الله
من أسألُ في هذا الوقتِ !
يا عبد الله
إفتح لي البابَ
ودعني ادخلُ
إني بردانْ
أسناني تصطك وأضراسي
بردُّ يخمدُ أنفاسي
فأسٌ يهوي على راسي
من أين يجيءُ البردُ
ويأتي الخوفُ؟
خوفٌ ملءُ عظامي
وقلتَ أمامي
إنكَ ضدَّ البردِ
وضدَّ الخوف
بأن الشعرَ ملاذُ الخائِف والبردان
ظَلَلْتُ أدقُّ البابَ
فصاحت بي امرأةٌ :
من هذا يدقُّ البابَ !
اولا تدري ان الشاعرَ ماتْ
قلتُ : الوزراءُ يموتونَ
اما الشعراءُ
فندفنهم دفن الجمرِ
ودفن النيرانْ
تسلقتُ السورَ
جدار الشعرِ
أحسستُ دُواراً في الرأسِ
بصقتُ على الملكِ الأعمى
ملكِ الجدريّ
الجدرانِ
بصقتُ دمي
وبصقتُ الشعرَ
بصقتُ على كل الديدانْ

من صفحة الكاتب بالفيسبوك


التعليقات