الملف اليمني والسيناريوهات المحتملة خلال العام 2017 (استشراف)
- عبدالسلام قائد الاربعاء, 11 يناير, 2017 - 04:00 مساءً
الملف اليمني والسيناريوهات المحتملة خلال العام 2017 (استشراف)

[ من المتوقع ان يشهد العام 2017م عدة تطورات في اليمن ]

ضمن ملفات حصاد أحداث العام 2016م الفائت، يفرد (الموقع بوست) هذه المادة لقراءة السيناريوهات المحتملة للملف اليمني خلال العام 2017م، انطلاقا من الاحداث التي شهدها العام الماضي، وذلك في محاولة لفهم وقراءة تشابكات وتعقيدات الوضع في اليمن.
 
وحاولنا في هذه المادة تقديم قراءة لأربعة سيناريوهات محتملة خلال العام الجاري، الاول يتمثل في الجانب العسكري، والثاني في الجانب السياسي، وسيناريو يتوقع بقاء الوضع كما هو عليه، والرابع يتوقع تعقيدا أكثر.

 
 
أربعة سيناريوهات محتملة

تتعدد السيناريوهات المحتملة للأزمة اليمنية خلال العام الجديد 2017، وذلك وفقاً للمعطيات الحالية على أرض الواقع، لكن يبقى الباب مفتوحاً أمام سيناريوهات قد لا يمكن التنبؤ بها حالياً، خاصة ما يتعلق بدور المجتمع الدولي في الأزمة اليمنية، حيث يترقب العالم السياسة الأمريكية الجديدة بعد أن يتسلم دونالد ترامب السلطة رسمياً يوم 20 يناير 2017، خاصة وأن الرجل تربطه صداقة حميمة بقيادات روسيا، وفي نفس الوقت، يبدو متشدداً تجاه إيران. بالإضافة إلى تأثير الأزمات الإقليمية واللاعبين الإقليميين في الأزمة اليمنية.
 
ولعل ما يزيد من تعقيد الأوضاع، ذلك التداخل بين تأثير الدول الكبرى في الأزمات الإقليمية، وتأثير الأزمات الإقليمية ببعضها، ويعود سبب ذلك إلى ظهور فاعلين من غير الدول، وتحالفات عابرة للدول، بسبب موجة الطائفية التي اجتاحت منطقة المشرق العربي، وخلقت بؤر توتر معقدة، وزعزعت استقرار المنطقة بشكل عام.
 
لقد أصبحت اليمن تمثل بؤرة توتر ساخنة، لا تقل أهمية عن مثيلاتها في العراق وسوريا، بل وتشكل أهمية أكبر، لأنها تمثل البوابة الجنوبية لدول الخليج العربي، وتشرف على مضيق باب المندب، فإذا سقطت بأيدي الفرس وعملائهم، فإن المعركة التالية ستكون في قلب المملكة العربية السعودية مباشرة، وأمام هذه الأوضاع المعقدة، والمخاطر الجسيمة، يمكن إيجاز السيناريوهات المحتملة للأزمة اليمنية خلال العام الجديد 2017 كما يلي:
 
سيناريو الحسم العسكري
 
يمكن القول إن سيناريو الحسم العسكري خلال العام الجديد 2017 هو الأكثر احتمالاً، وذلك وفقاً للمعطيات الميدانية، حيث اشتدت وتيرة المعارك في أهم الجبهات في الأيام الأخيرة من العام 2016، وحقق الجيش الوطني والمقاومة الشعبية انتصارات ملموسة في جبهات نهم وتعز وشبوة وصعدة وغيرها، وإذا استمرت هذه الانتصارات على نفس الوتيرة، فسيكون العام الجديد 2017 هو عام الحسم العسكري.
 
وعادةً ما تلوّح قيادات في الجيش الوطني، ومسؤولون في السلطة الشرعية، بخيار الحسم العسكري، والاستعداد الكامل للجيش الوطني والمقاومة الشعبية لتحرير العاصمة صنعاء، والقضاء على الانقلاب، خاصة في ظل تعنت الانقلابيين، ورفضهم لمختلف المبادرات الأممية لإيقاف الحرب وحل الأزمة سياسياً، رغم أن كثيراً من هذه المبادرات كانت لصالحهم.
 
يحظى خيار الحسم العسكري بتأييد شعبي، كما أنه يحظى بتأييد دول التحالف العربي المساندة للسلطة الشرعية، وذلك لإدراك الجميع أن أي حل سياسي وسلمي معناه ترحيل الأزمة إلى وقت لاحق، لأن طبيعة الحلول السياسية تقوم على الحلول الوسط، والأزمة اليمنية غير قابلة للحلول الوسط هذه، بسبب البعد الطائفي والسلالي والعنصري للانقلاب، والذي تكمن خطورته في رغبة الانقلابيين العودة باليمن إلى الوراء عشرات السنين، واستعادة نظام حكم الأئمة البائد، وتحويل اليمن إلى مقاطعة فارسية، تثير الأزمات مع محيطها العربي، خدمة لأهداف إيران التوسعية.
 
صحيح أن كلفة الحسم العسكري ستكون باهظة، لكن كلفة هذا الخيار ستكون أقل في حال تم التوصل إلى مصالحة سياسية هشة، لأن أي مصالحة هشة من شأنها أن تساعد الانقلابيين على ترتيب وضعهم، والاستعداد لابتلاع الدولة اليمنية مستقبلاً، وستكون كلفة مواجهتهم حينها أكثر مما لو تم القضاء على الانقلاب في الوقت الحالي.
 
سيناريو الحل السياسي
 
هذا السيناريو ضعيف الاحتمال، رغم أن خيار الحل السياسي للأزمة اليمنية يحظى بدعم الأمم المتحدة وبعض الدول الغربية، إضافة إلى بعض دول الجوار، وبعض الفئات في الداخل، وبُذلت جهود كثيرة في هذا الجانب من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ومن قبله جمال بن عمر، لكن هذه الجهود اصطدمت بتعنت الانقلابيين، ومحاولتهم جعل أي حل سياسي يشرعن الانقلاب.
 
وإذا كانت السلطة الشرعية متجاوبة مع الدعوات الأممية وغيرها للحل السياسي، مشترطة أن يتم ذلك وفقاً للمرجعيات الثلاث، المتمثلة في مخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، وقرار مجلس الأمن 2216، لكن الانقلابيين، رغم ترحيبهم أيضاً بالدعوات للحل السياسي، لم تصدر منهم نوايا حسنة إزاء ذلك، وبات من المؤكد أنهم لن يذعنوا للحل السياسي إلا في آخر لحظة، عندما يشعرون بالانهيار الكلي في مختلف الجبهات، وتبدأ قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في التقدم داخل أمانة العاصمة.
 
لكن هناك فرضيات أخرى ستجعل الحل السياسي ممكناً في حال تم توافق إقليمي على ذلك، خاصة إذا استمر اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، وانخرط الجميع هناك في عملية سياسية حقيقية تضع حداً للأزمة السورية، حيث سيصبح من الممكن نقل التجربة السورية إلى اليمن.
 
لكن من المستبعد أن يصمد اتفاق وقف إطلاق النار كثيراً في سوريا، خاصة وأنه الاتفاق الثالث خلال عام، وانهار من قبله اتفاقان تما برعاية روسية أمريكية، غير أن الجديد في هذا الاتفاق أنه تم برعاية روسية تركية، ويبدو أن الاتفاق لا يعدو كونه استراحة محارب لكل الأطراف بعد معركة حلب لترتيب صفوفها، كون المعركة أنهكت كل الأطراف، وليس فصائل الثوار فقط. كما أن الاتفاق استثنى كثيراً من الفصائل المقاتلة بذريعة أنها تنظيمات إرهابية، والقتال ضدها سيستمر.
 
وفي كل الأحوال، يمكن القول إن أي حل سياسي في اليمن سيكون بمثابة إنقاذ للميليشيات الانقلابية من الانهيار الكامل، لأن قادة الانقلاب من المستحيل أن يوافقوا على أي حل سياسي وهم في وضع قوي يمكنهم على الأقل من استمرار السيطرة على العاصمة صنعاء فقط، حتى وإن خسروا المعركة في كل الجبهات خارج العاصمة.
 
وهكذا، سيكون سيناريو الحل السياسي في اليمن ممكناً في حال أن يتم توافق إقليمي على ذلك، وأن يشعر قادة الانقلاب أن الحسم العسكري قد اقترب، ما يعني أن الحل السياسي سيكون بمثابة موافقة قادة الانقلاب على شروط الاستسلام، لأنه من المستحيل أن يوافقوا على الحل السياسي ومازال لديهم ولو القدر اليسير من القوة.
 
سيناريو استمرار الأوضاع
 
إذا لم يتحقق سيناريو الحسم العسكري خلال العام الجديد، أو سيناريو الحل السياسي، فإن السيناريو المحتمل هو أن تظل الأوضاع كما هي عليه خلال العام الجديد في مختلف الجبهات، مع تقدم محدود هنا وهناك للجيش الوطني والمقاومة الشعبية.
 
وهناك من يرجح أن سيناريو استمرار الأوضاع كما هي عليه خلال العام الجديد، وربما لعدة أعوام، هو السيناريو الأكثر احتمالاً، لأن الحسم العسكري، رغم إمكانية حدوثه، ويحتاج فقط لعزيمة وتخطيط السلطة الشرعية ودول التحالف العربي، لكنه بعيد الاحتمال، لأن الانتصارات الميدانية للجيش الوطني والمقاومة الشعبية محدودة جداً، كما أنها لا تسير على نفس الوتيرة في مختلف الجبهات وفي كل الأوقات.
 
وبالتالي، فالوضع الميداني بصيغته الحالية لا يدفع باتجاه الحل السياسي، فالحل السياسي لن يحدث إلا تحت وطأة سيطرة ميدانية وانتصارات نوعية ومتسارعة لأحد الأطراف، مع عدم القدرة على حسم المعركة بشكل كلي لصالحه، وهنا، سيوافق الطرف المتفوق على الحل السياسي للحفاظ على مكاسبه، وسيستثمر تفوقه لتحسين شروطه التفاوضية، فيما الطرف الآخر سيوافق على الحل السياسي للحصول على بعض المكاسب، والخشية من أن يخسر كل شيء.
 
سيناريو تعقيد الأزمة أكثر
 
وهذا السيناريو يمكن وصفه بأنه أسوأ السيناريوهات المحتملة، لكنه الأقل احتمالاً، وسيحصل في حال حصلت تحولات عميقة وسلبية في العلاقات الدولية والأزمات الإقليمية، وصراع النفوذ والمصالح بين كبار اللاعبين الإقليميين والدوليين.
 
فمن جانب، يترقب العالم ملامح السياسة الأمريكية الجديدة بعد أن يتسلم دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً، يوم 20 يناير 2017. ومن جانب آخر، لم تتضح ملامح مآلات الأزمات الإقليمية، في ظل الخشية من اندلاع حرب طائفية إقليمية شاملة، وربما تتحول إلى حرب عالمية، خاصة وأن الحرب الكلامية والإعلامية بين الرياض وطهران على أشدها.
 
تكمن خطورة المرحلة المقبلة في التالي: رئيس انتهازي يحكم الولايات المتحدة الأمريكية، يسعى لتحسين علاقة بلاده مع روسيا، وسيكون ثمن هذه العلاقة التسليم الكامل لروسيا بلعب دور رئيسي في الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، سيكون في كل الأحوال لصالح إسرائيل وإيران، وفي نفس الوقت، فترامب، ورغم مواقفه المتشددة تجاه إيران، لكن روسيا ستعمل على تحجيم هذا التشدد، وستستثمر نفوذها ومكانتها لحماية إيران تجاه أي خطر يهددها من قبل الدول الغربية.
 
يضاف إلى ذلك، أن روسيا لديها طموح لفرض نفسها كقوة كبرى في العالم، وترى بأن استعراض العضلات في الحلقات الأضعف الوسيلة الوحيدة لفرض هذا الطموح، فيما إيران تسعى لفرض نفسها كقوة كبرى في الإقليم، وترى بأن ذلك لن يتم إلا بالسيطرة المطلقة لحلفائها الشيعة في المنطقة على السلطة كل في الدولة التي يتواجدون فيها، أو على الأقل أن تتحول الأقليات الشيعية إلى دول داخل الدول، وتشكل بؤر توتر مزمنة، خدمة للمصالح الإيرانية.
 
وبما أن التوجهات الجديدة للسياسات الغربية سلمت ملفات المنطقة العربية لروسيا وإيران، بذريعة مكافحة الإرهاب ظاهرياً، وتفتيت الدول العربية وإضعافها بشكل غير معلن، فإن إيران وروسيا ستعملان على استثمار هذا التحول الطارئ في السياسات الغربية، لترسخ روسيا نفوذها ومكانتها العالمية، وترسخ إيران نفوذها الإقليمي.
 
وتكمن الخشية هنا في ما تنويان كل من روسيا وإيران عمله في الشرق الأوسط، أو المشرق العربي، في المرحلة المقبلة، وهل ستجران المنطقة إلى حرب إقليمية طائفية سنية شيعية شاملة؟ وهل سيترتب على ذلك تدخل دولي، سيكون اليمن أحد ساحاته؟ وهل سيعلن جنوب اليمن انفصاله عن الشمال في ظل هذه الفوضى؟
 
والأهم من كل ذلك، كيف ستنتهي الحرب بعد ذلك؟ ومن الذي سينتصر فيها؟ وهل سيكون هناك تدخل عسكري من قبل الدول الغربية، ولصالح من سيكون هذا التدخل؟
 
إنه سيناريو كارثي بالفعل إن حدث، ورغم أن ذلك يبدو مستحيلاً، لكنه غير مستبعد، فالأحداث التي يشهدها المشرق العربي اليوم كانت مستحيلة قبل بضع سنوات، ولم يكن أحد يتنبأ بها مجرد تنبؤ، لكنها أصبحت واقعاً يكتوي بناره الجميع: الجلاد والضحية والداعم الأجنبي لهذا الطرف أو ذاك.
 


التعليقات