ثمن باهظ لشربة ماء في الحُديدة المنهوبة
- ميدل إيست أونلاين السبت, 22 أبريل, 2017 - 12:12 مساءً
ثمن باهظ لشربة ماء في الحُديدة المنهوبة

[ أكثر من مليوني يمني ينفقون جزءا كبيرا من دخولهم على شراء المياه في المحافظة المدرة للدخل الخاضعة للحوثيين ]

يواجه أكثر من مليوني شخص هم سكان محافظة الحديدة اليمنية نقصا حادا في المياه أدى إلى ظهور سوق سوداء، ما يفاقم معاناة السكان الذين يعيشون تحت وطأة أزمة إنسانية خانقة.
 
ويسيطر المتمردون الحوثيون وحلفاؤهم من قوات الرئيس المخلوع علي صالح على الحديدة (جنوب غرب صنعاء) منذ مطلع عام 2015، إضافة إلى محافظات أخرى بينها العاصمة صنعاء.
 
ويعتزم التحالف العربي شن عملية عسكرية لمساعدة القوات الحكومية والمقاومة الشعبية الموالية لها على استعادة الحديدة ومينائها الإستراتيجي المؤثر على حركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب.
 
مياه ملوثة
 
أكرم عبده غالب (38 عاما) وهو عامل في محل لبيع الملابس قال إنه اضطر إلى "صرف 70% من أجري لشراء المياه".
 
وتابع غالب -الذي يسكن في حي البلدية بمدينة باجل شرق مدينة الحديدة مركز المحافظة- "كنت مع أطفالي الخمسة نستفيد من خزان الحي الذي يمتلىء بالمياه على نفقة متبرعين لكن الدعم تقلص خلال الأسابيع الماضية".
 
وأضاف "نحتاج الآن مياها للشرب والاستخدام المنزلي خاصة أنه في فصل الصيف يزيد استهلاكنا 40 لترا على الأقل للشرب ما يكلفني 300 ريال وأنفق مثلها لشراء مياه لأغراض أخرى بينما أجري اليومي ألف ريال".
 
ويعادل الدولار حوالي 250 ريالا في السوق الرسمية ونحو 360 في السوق السوداء.
 
وشكا غالب من أن "المياه المشتراة للاستخدام المنزلي ملوّثة فلونها ورائحتها متغيرة بوضوح، مجبرون على استخدامها أو تلك التي نحصل عليها من خزانات الأحياء كما هي دون اشتراط فغيرنا يقاتل ليحظى بعبوة 20 لترا".
 
لكن غالب وصديقه توفيق حسن يخشيان أن تصيب المياه أطفالهما بمرض الكوليرا المنتشر بين السكان.
 
المياه أولى من الدراسة
 
أزمة المياه في الحديدة أجبرت عشرات الأطفال على التغيب عن المدرسة والالتحاق بطوابير طويلة تصطف أمام خزانات المياه فهم يتغيبون عن الدراسة يوما ويحضرون آخر كما قال بعضهم لوكالة الأناضول التركية للأنباء.
 
وسط الزحام كانت عبير جميل (10 أعوام) وشقيقها محمد (14 عاما) يزاحمان عشرات من أهالي حي البلدية الذين هرعوا لتعبئة المياه من خزان بينما على بُعد 300 متر كان زملاء الطفلين في الفصل الدراسي.
 
وقال محمد "علمنا أن خزان مياه سيصل الحي فتركنا المدرسة، لو تأخرنا لن نلحق قطرة في الخزان". وبالفعل بعد خمس دقائق من وصول الخزان الذي يحوي خمسة آلاف لتر صار فارغا.
 
وصرخت عبير على شقيقها محمد ليساعدها في حمل عبوتين من المياه سعة كل منهما 10 لترات. وبينما نجح الطفلان جاء يوسف إبراهيم (62 عاما) إلى الخزان مهرولا لكنه لم يلحق بالمياه فصرخ ساخطا على المتجمعين.
 
وقال ابراهيم "لا توجد في منزلي سوى كمية مياه محدودة". واتهم تحالف الحوثي وصالح بالتسبب في هذه المعاناة قائلا "من وقت ما وصلوا ما عاد لقينا الخير. الكهرباء مقطوعة وكل شيء منعدم حتى الماء".
 
سوق سوداء
 
ولا يختلف حال مدينة الحديدة على البحر الأحمر عن حال مدينة باجل وهما المدينتان الرئيسيتان في المحافظة، إذ يعاني سكان الحديدة هم أيضا من غياب المياه بعد توقف مولدات ضخ المياه إلى الأحياء السكنية.
 
ومنذ شهرين انقطعت المياه عن أغلب الأحياء، ويشكو السكان من أزمة تهدد حياتهم لاسيما مع ازدهار سوق سوداء للمياه حيث تنتشر شاحنات تبيع المياه بأسعار مرتفعة للغاية.
 
وقال عبد الغني محمد وهو موظف في مستشفى خاص "اضطررت مع جيراني إلى شراء مياه بعد انقطاعها منذ نحو شهرين. تحملنا كل الأزمات لكن أزمة الماء هذه قاصمة للظهر".
 
وتطالب مؤسسة المياه والصرف الصحي في المدينة سكانها بتسديد فواتير استهلاك المياه لكن السكان ولاسيما الموظفين الحكوميين منهم يشكون من انقطاع رواتبهم كأحد تداعيات الحرب.
 
محافظة إيرادية
 
وفق الناشط السياسي في مدينة الحديدة بسيم الجناني، فإن "مناطق داخل المدينة لا تصلها المياه منذ أكثر من عشر سنوات إلا ساعة واحدة بعد منتصف الليل".
 
وأضاف "ما حدث منذ شهرين وأكثر زاد حدة الأزمة حتى باتت المدينة بمديرياتها الثلاثة الحوك والحالي والميناء تعيش وضعا إنسانيا صعبا جراء انقطاع المياه عن المنازل".
 
وأوضح الجناني أن "السلطات المحلية في المدينة تقول إنها لا تملك سيولة مالية لشراء مادة الديزل رغم أن الحديدة محافظة إيرادية (توفر إيرادات) من الدرجة الأولى لكن يتم نهب ثرواتها ويعيش أهلها بلا كهرباء ولا ماء".
 
وشدد الناشط السياسي على أن "ما يحدث اليوم تجاه المواطنين هو ضمن القهر والتعذيب الممنهج من قبل الحوثيين ومعاونيهم، فمنذ دخول الميليشيات المحافظة لم تتوقف المعاناة عن السكان يوما حيث المتاجرة بكل متطلبات الحياة".
 
مسؤول في مؤسسة المياه بمحافظة الحديدة طلب عدم نشر اسمه قال من جهته إن "السبب الرئيسي في انقطاع المياه هو عدم توافر وقود الديزل لمولدات ضخ المياه فالمؤسسة لا تملك سيولة مالية لشراء الوقود خاصة مع امتناع الأهالي عن تسديد فواتير الكهرباء".
 
ومع تعثر جهود الأمم المتحدة السياسة لإنهاء الحرب وغياب الحسم العسكري حتى الآن يبدو أن معاناة الحديدة وغيرها من محافظات اليمن مرشحة للتصاعد.
 
وحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للمنظمة الدولية الأربعاء الماضي من أن الوضع الغذائي في اليمن "يقترب من نقطة الانهيار" وأن ملايين الأشخاص (من أصل 27 مليون نسمة) "لم يعد بإمكانهم البقاء على قيد الحياة دون مساعدات غذائية عاجلة".
 
وحتى الآن حصدت الحرب في اليمن أرواح قرابة سبعة آلاف شخص وأصابت ما يزيد عن 35 ألف بجراح، وشردت أكثر من ثلاثة ملايين شخص فضلا عن دمار مادي كبير، بحسب الأمم المتحدة.
 


التعليقات