ما مستقبل العلاقة بين حزب الإصلاح اليمني والسعودية؟
- عبد السلام قائد الجمعة, 20 أبريل, 2018 - 10:14 مساءً
ما مستقبل العلاقة بين حزب الإصلاح اليمني والسعودية؟

[ قيادات حزب الإصلاح مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ]

لم يكن التحالف بين حزب التجمع اليمني للإصلاح والمملكة العربية السعودية مجرد "ضرورة" مؤقتة فرضتها تطورات الأحداث في اليمن بعد الانقلاب واندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، ولكنه مثّل انعطافا كبيرا في مسار الأحداث الصاخبة التي شهدها العالم العربي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي ثم وحشية الثورات المضادة والتفاعلات الإقليمية والدولية مع مختلف محطات الصراع في المنطقة العربية.
 
ورغم أنه قد يكون للضرورة دورها في هذا التحالف، خاصة أن حزب الإصلاح يعد أقوى حزب يمني منظم وبإمكانه القيام بدور مؤثر في الحرب ضد جماعة الحوثيين، إلا أن مستقبل العلاقة بين الحزب والسعودية يكتنفها الغموض، ذلك لأنها تُظهر مشهدا معقدا يصعب تفسيره والتوفيق بين تناقضاته في ضوء استمرار التحالف، خاصة بعد أن أفصح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلاته مع وسائل إعلام غربية -خلال جولته الأخيرة في عدة بلدان غربية- عن مدى موقفه العدائي ضد حركة الإخوان المسلمين، في حين يرى الخليجيون أن حزب الإصلاح يمثل امتدادا لها في اليمن، رغم نفي قادة الحزب لذلك.
 
- لماذا التحالف؟
 
جاء التحالف بين حزب الإصلاح والسعودية في وقت كانت السعودية تتصدر فيه دعم الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، خاصة دعمها الانقلاب العسكري في مصر ضد أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، الدكتور محمد مرسي، بسبب انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وكان العمل حينها جارٍ لتطبيق نفس التجربة في بقية بلدان الربيع العربي تقريبا، بما فيها اليمن، إلا أن مسار الأحداث في اليمن خرج عن السيطرة وعن الخطط التي كان يضعها داعمو الثورات المضادة.
 
وخلال ثلاث سنوات من الحرب الأهلية والتدخل العسكري للتحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية، وتعثر الحسم العسكري ضد جماعة الحوثيين، رغم الفرق الهائل في التسليح والتدريب والقوة البشرية بين التحالف العربي والسلطة الشرعية وحلفائها من جهة، وجماعة الحوثيين من جهة أخرى، لكن بات واضحا أن تعثر الحسم العسكري ليس سببه فشل التحالف العربي عسكريا، ولكن سببه أن السعودية والإمارات تريدان القضاء على الحوثيين على أن لا يستفيد من ذلك حزب الإصلاح.
 
ولكي لا يكون حزب الإصلاح هو المستفيد الوحيد من القضاء على الحوثيين، لاسيما وأن بقية الأحزاب هامشية وليس لها شعبية أو قوة بشرية تمكنها من التأثير المطلوب في المشهد السياسي والعسكري في اليمن، فإن التحالف العربي تعمد تأجيل الحسم العسكري ضد الحوثيين، من أجل أن يتيح لنفسه الفرصة الكافية لإعادة هندسة المشهد السياسي اليمني، وتشكيل ودعم أطراف أخرى تسحب البساط من تحت حزب الإصلاح، وبما يتوافق مع مصالح دولتي السعودية والإمارات وسياستهما في المنطقة.
 
- تعقيد متزايد
 
وبعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية والتدخل العربي، ازداد المشهد السياسي اليمني تعقيدا، نتيجة للعديد من الأسباب، فيما يلي أهمها:
 
- أن التحالف العربي الذي أعلن أن تدخله الهدف منه القضاء على الانقلاب ودعم السلطة الشرعية، أصبح اليوم يعمل ضد السلطة الشرعية وجعلها في أدنى درجات ضعفها، وفي نفس الوقت يعمل على دعم وتقوية الانقلابيين الجدد ضد السلطة الشرعية (المجلس الانتقالي الجنوبي)، كما يدعم الانقلابيين القدامى (عائلة علي صالح ممثلة بطارق صالح).
 
- أن سياسات التحالف العربي في اليمن تسببت في تمزيق مختلف الأطراف الرافضة للانقلاب، ثم إن الخلافات تكاد تعصف بالتحالف العربي ذاته بسبب تباين الأجندة وسباق النفوذ والمصالح بين السعودية والإمارات.
 
- تعمُّد التحالف العربي لتأجيل الحسم العسكري في اليمن كان من أبرز نتائجه أن جماعة الحوثيين تزيد من بسط سيطرتها على أكثر المحافظات اليمنية كثافة سكانية، كما تزيد من قدراتها العسكرية، لدرجة أنها أصبحت قادرة على تهديد السعودية في عمق أراضيها بواسطة الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.
 
- رغم تزايد خطر جماعة الحوثيين على اليمن وعلى الأمن القومي الخليجي، لكن سهام التحالف العربي وأذرعه الإعلامية تصوب سهامها ضد السلطة الشرعية وحزب الإصلاح، رغم أنه الأكثر تضحية في مختلف جبهات الحرب ضد الحوثيين.
 
كل ما سبق ذكره الهدف منه إيضاح معوقات وأسباب تعثر الحسم العسكري في اليمن. ورغم أنه ليس جديدا، والجميع يعرفون ذلك، إلا أن التحالف العربي وبعض أتباعه في الداخل بدؤوا في الأشهر الأخيرة تحميل حزب الإصلاح مسؤولية تأخر الحسم العسكري ضد الحوثيين، وذلك لسببين: الأول، البحث عن مبررات للتغطية على أهداف التحالف العربي التي بسببها تعمد تأجيل الحسم العسكري ضد الحوثيين.
 
والثاني، البحث عن مبررات لدعم التحالف العربي لطارق صالح بالأسلحة الحديثة وتشكيل جيش خاص بعائلة صالح، بذريعة أنه سيتولى مهمة القضاء على الحوثيين بسبب فشل حزب الإصلاح في ذلك، وهو أمر المقصود به إعادة ترميم نظام صالح وإنتاجه من جديد على حساب تضحيات الآخرين بعد اتهامهم بالفشل، والقضاء التام على ثورة 11 فبراير 2011 والمطالب التي رفعتها.
 
وفي الواقع، فإن الجميع يدركون أن حزب الإصلاح جزء من السلطة الشرعية التي أضعفها وهمشها التحالف العربي، كما أنه ليس بيده التصرف بالقرار السياسي والعسكري للسلطة الشرعية، فهو يعمل تحت إمرتها، وتعمل هي الأخرى تحت إشراف التحالف العربي، بمعنى أن التحالف العربي كلما وجهت له تهما بالفشل العسكري في اليمن من قبل الإعلام الغربي، يعود ليحمل أسباب فشله حزب الإصلاح، وكأن الحزب لديه جيوش وأسلحة وإمكانيات تضاهي إمكانيات دول التحالف.
 
- تحالف حذر
 
رغم أن الموقف الرسمي السعودي من ثورات الربيع العربي والحركات والأحزاب السياسية الإسلامية واضح ولا يحتاج إلى تفسير، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لولي العهد محمد بن سلمان خلال جولته الأخيرة في عدة بلدان غربية، والتي اتهم فيها الإخوان المسلمين بأنهم حاضنة للإرهاب، وأنه سيستبعد من المدارس والجامعات السعودية المناهج الإخوانية والمدرسين المنتمين للإخوان، كما اتهمهم بقتل عمه الملك فيصل، رغم معرفة الجميع بأن من قتله هو ابن أخيه الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز عام 1975، لكنه لم يصدر إلى الآن أي تصريح عدائي من قِبَل أي مسؤول سعودي ضد حزب الإصلاح، الذي يقيم كبار قادته في الرياض.
 
لكن لا يعني ذلك أن العلاقة بين الطرفين على ما يرام، فالتحالف بينهما بالتأكيد تنقصه الثقة، والسبب هو أن هناك بعض أتباع الرئيس الراحل علي صالح المقيمين في الرياض ويعملون مع السلطة الشرعية، يتعمدون تسميم العلاقة بين حزب الإصلاح والسعودية والتحريض ضده، من خلال رفع تقارير وأخبار كاذبة، مصادرها مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا دليل إفلاس، لدرجة أنهم جمعوا منشورات لصحفي مغمور في صفحته على الفيسبوك ورفعوها للحكومة السعودية باعتبارها تعكس التوجه الرسمي لحزب الإصلاح، مما دفع الحزب لإصدار بيان يعلن فيه أن ذلك الصحفي ليس إصلاحيا ولا علاقة لمنشوراته بسياسة الحزب، وكان أن أحرجوا أنفسهم وأحرجوا الآخرين بتقارير ودسائس كيدية تافهة وسخيفة وبدون أدلة قوية.
 
كما أن الموقف الرسمي لدولة الإمارات ضد الحزب سيدفعها إلى محاولة تسميم العلاقة بين السعودية وحزب الإصلاح أيضا، رغم أنه لا توجد معلومات مؤكدة بهذا الخصوص، ولعل التباين في موقف الدولتين من حزب الإصلاح ينطلق من رؤية وسياسة وأهداف كل منهما.
 
فالموقف الإماراتي من حزب الإصلاح وغيره من الأحزاب الإسلامية في العالم العربي، منبعه أن الإمارات تريد تقديم نفسها لصناع القرار في الدول الغربية كحليف رئيسي لنشر العلمانية في العالم العربي ومحاربة ما تسميه الإرهاب والإسلام السياسي، وهي تخفي بذلك مخاوفها من ثقافة الديمقراطية والحرية والحقوق السياسية التي تتبناها الأحزاب الإسلامية خشية أن تنتقل عدواها إلى مواطنيها وتؤثر على سلطة العوائل الحاكمة هناك.
 
أما الموقف السعودي من حزب الإصلاح، فمنبعه من إدراك واعٍ للمشهد السياسي اليمني وخبرة طويلة في التوازنات السياسية والاجتماعية في اليمن نتيجة للجوار، خاصة أن الحزب لم يسبق له أن خالف السياسات الرسمية الخارجية للدولة اليمنية، كما لم يصدر عنه أي موقف سياسي عدائي أو معارض للمواقف السياسية السعودية، سواء حيال اليمن أو مواقفها من مختلف الأزمات التي عصفت بمنطقة المشرق العربي منذ حرب الخليج الثانية وحتى الآن.
 
ويمكن القول بأن حزب الإصلاح قدم منذ تأسيسه تجربة سياسية لم تنل حقها من البحث والدراسة، فمثلا، عندما تحالف حزب حركة النهضة في تونس مع حزب نداء تونس العلماني القادم من الدولة العميقة لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، أحدث ذلك ضجة سياسية وإعلامية، حيث رأى كثيرون أن الإسلاميين هناك منفتحون ودهاة في السياسة أفضل من بقية الإسلاميين في بلدان عربية أخرى.
 
وإذا كانت مثل هذه التحالفات تعكس نضجا سياسيا لأصحابها، رغم تأخرها، فإن حزب الإصلاح يعد ناضج سياسيا أكثر من بقية الأحزاب الإسلامية، فهو تحالف مع نظام الرئيس الراحل علي صالح في وقت كانت فيه الأنظمة العربية تمارس القمع والمطاردة والسجون ضد الإسلاميين، ثم تحالف مع أحزاب يسارية وعلمانية وطائفية معارضة لنظام صالح تحت لافتة ما عرف بـ"تكتل اللقاء المشترك" في وقت كانت فيه المعارك الفكرية والإعلامية بين الإسلاميين والعلمانيين في العالم العربي على أشدها، وأخيرا تحالف مع السعودية في وقت تصدرت فيه كبار داعمي الثورات المضادة لثورات الربيع العربي، بل وأنكر علاقته بحركة الإخوان المسلمين التي تناصبها السعودية العداء.
 
ويمكن القول بأن المرونة السياسية لحزب الإصلاح وانفتاحه على الحميع، والتحولات التي مرت بها تحالفاته السياسية التي يفسرها بأنها تدور مع مصلحة الوطن حيث دارت، وتأكيد أدبياته على أن تكون مواقفه السياسية الخارجية نفس المواقف الرسمية للدولة، وأيضا الخطر المشترك الذي يستهدف الجميع من قبل جماعة الحوثيين وحليفتها إيران، كل ذلك جعل التحالف بين الحزب والسعودية ممكنا، خاصة أن بعض قيادات الصف الثاني والثالث في الحزب تخرجوا من جامعات سعودية، وتأثروا بالفكر السلفي الوهابي أكثر من تأثرهم بفكر حركة الإخوان المسلمين.
 
- حليف أم تابع؟
 
والخلاصة، أنه في ظل انعدام البدائل للسعودية في اليمن، فيما يتعلق بالبحث عن حلفاء أقوياء، فهي ترى أن حزب الإصلاح أفضل حليف يمكن الوثوق به، خاصة أنه أقوى طرف في اليمن لديه تأثير ومخزون بشري وبإمكانه مواجهة الحوثيين والنفوذ الإيراني فكريا وعسكريا، لكنها ستظل تعمل على تطويع الحزب والتحكم في كل مواقفه وقراراته وتحالفاته، لتجعل منه نسخة يمنية من "تيار المستقبل" في لبنان، وأي محاولة من الحزب للخروج من العباءة السعودية ستجعل منه خصما رئيسيا لها، وستدعم مختلف الأطراف ضده.
 
ورغم أن قادة الحزب يحاولون تقديم أنفسهم كحلفاء سياسيين للسعودية بما يخدم اليمن ويخدم الأمن القومي العربي وليس كمجرد أتباع، غير أن تقارب وجهات النظر بين الجانبين كفيلة بديمومة التحالف بصرف النظر عن كيفيته، لكن هذا التحالف سيظل عرضة لمحاولات تسميمه وتلغيمه من قبل أعداء الحزب في السلطة الشرعية ودولة الإمارات، التي جعلت مهمة القضاء على الحزب مقدمة على مهمة القضاء على الحوثيين، وهو ما تؤكده ممارساتها في أرض الواقع، بالإضافة إلى المتاعب التي سيتسبب بها بعض جماهير الحزب ومواقفهم الحادة والمخالفة أحيانا لمواقف قيادات الحزب، وهو ما يثير حفيظة السعودية.
 
وكل ما سبق ذكره من شأنه أن يعمق حالة عدم الثقة بين الطرفين، مما سيجعل التحالف بينهما عرضة للانهيار في أي وقت، أو استمراره -على الأقل- حتى تتمكن السعودية من صناعة حلفاء أقوياء لها في اليمن بدلا من حزب الإصلاح، خاصة أن الدول الخليجية لا تريد ديمقراطية حقيقية في اليمن، فكل ما تريده هو أن يكون هناك حاكم للبلاد مجرد تابع لها، يحافظ على اليمن كدولة طافية، بحيث لا تغرق في الفوضى بما يهدد أمن دول الجوار، ولا تزدهر وتتفوق اقتصاديا وسياسيا حتى لا تنافس دول الجوار أو قد تتفوق عليها اقتصاديا وغير ذلك.
 
أما الديمقراطية والحرية والتداول السلمي للسلطة، فهذه أشياء تثير فزع دول الخليج والأنظمة العربية التقليدية بشكل عام، لكن لن تمانع السعودية وغيرها من وجود ديمقراطية شكلية وأحزاب وهامش من حرية الرأي والتعبير، كما كان في عهد علي صالح، بحيث تكون هناك انتخابات بلا تداول سلمي للسلطة، ويفوز فيها الحاكم المرضي عنه خليجيا في كل مرة. وإذا أبدى حزب الإصلاح اعتراضه على ذلك، وطالب بديمقراطية حقيقية، حينها سيبدأ الخلاف بين حزب الإصلاح والسعودية في حال استمر التحالف بينهما خلال هذه المرحلة.


التعليقات