تصاعد تهديد صواريخ الحوثيين على السعودية وإخفاقات المواجهة
- مركز الجزيرة للدراسات - علي الذهب الثلاثاء, 07 أغسطس, 2018 - 04:44 مساءً
تصاعد تهديد صواريخ الحوثيين على السعودية وإخفاقات المواجهة

[ تصعيد الحوثيين بالهجومات الصاروخية على السعودية ]

احتلت الصواريخ الباليستية، التي تطلقها جماعة (الحوثيين) على المدن السعودية، مساحة كبيرة في خريطة الحرب، التي يخوضها التحالف العربي في اليمن، منذ مارس/آذار 2015، وعزَّزت مخاوف السعوديين من أن تكون غصتهم المستقبلية، في حال استأثر الحوثيون بالسلطة، بأي شكل من الأشكال.
  
الصواريخ الحوثية تستهدف المناطق الاقتصادية والعسكرية بالسعودية كمصافي النفط والمطارات والقواعد العسكرية (الجزيرة نت)
 
مقدمة
 
مع اقتراب الحرب الدائرة باليمن من منتصف عامها الرابع، لا تزال الكثير من المدن السعودية، بما فيها العاصمة الرياض، تحت تهديد الصواريخ الباليستية، التي تطلقها جماعة أنصار الله (الحوثيين) من المناطق اليمنية، التي تسيطر عليها، في عملية تحول ملحوظة، كمًّا ونوعًا وهدفًا. فحتى آخر مايو/أيار 2018، بلغ عدد الصواريخ الباليستية، التي استهدفت المدن السعودية 129 صاروخًا، كان أبرزها الصاروخ الباليستي "بركان-H2"، الذي استهدف مطار الملك خالد الدولي بالعاصمة الرياض، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ثم سبعة صواريخ أطلقت دفعة واحدة في 25 مارس/آذار 2018، طالت ثلاثة منها مدينة الرياض، وطالت الأربعة الأخرى منشآت استراتيجية، هي: قاعدة جازان العسكرية، ومطار أبها الإقليمي، وقاعدة الملك خالد الجوية بخميس مشيط (كلاهما بمنطقة عسير)، وقاعدة عسكرية للحرس الوطني بنجران (1). أما آخر ما صرح به التحالف حول إجمالي الصواريخ، التي استهدفت المدن السعودية، فقد بلغ 163 صاروخًا حتى 23 يوليو/تموز 2018(2).
 
تحولات الهجمات الصاروخية على المدن السعودية
 
كشفت عمليات إطلاق الحوثيين للصواريخ الباليستية التكتيكية، قصيرة المدى، من طراز "بدر-1"، و"القاهر-"M2، عن تزايد عمليات الإطلاق، وتكثيفها على مدن الجنوب السعودي، مركِّزة على المناطق الاقتصادية والعسكرية؛ كمصافي النفط، والمطارات، والقواعد العسكرية. ومع بلوغ الصواريخ العاصمة الرياض، فإن ذلك يشير إلى تنامي قدرات الحوثيين الصاروخية، وأنهم باتوا أقوياء بما يكفي لضرب أهداف رئيسة في العمق السعودي(3)، ووقوع تحول تكتيكي في عملية الإطلاق، من الحالة الفردية إلى الجماعية؛ حيث لوحظ تراجع الإطلاق الفردي للصواريخ، وظهور إطلاقها في شكل دفعات، كما حدث في هجمات 25 مارس/آذار، و9 مايو/أيار 2018، التي طال بعض منها مدينة الرياض، وسُمعت انفجاراتها في أحياء مختلفة منها(4).
 
بالنظر إلى حصيلة الإطلاقات السنوية للصواريخ، يتجلى التحول في قدرات الحوثيين الصاروخية؛ فقد بلغ عدد الصواريخ، التي أُطلقت على المدن السعودية خلال النصف الثاني من عام 2015، نحو 13 صاروخًا، وفي 27 مارس/آذار 2017، كانت المحصلة التراكمية 64 صاروخًا، أي بفارق 51 صاروخًا خلال 15 شهرًا، وارتفع العدد في 21 ديسمبر/كانون الأول 2017 إلى 83 صاروخًا، فيما بلغ مجموعها، حتى آخر مايو/أيار 2018، نحو 129 صاروخًا(5)، ثم قفز الرقم خلال أقل من شهرين، ليصل إلى 163 صاروخًا، أي بفارق 34 صاروخًا، وفقًا لمصادر في التحالف(6). أما الحوثيون، فيقولون: إن العدد وصل إلى 160 صاروخًا في 12 أبريل/نيسان 2018(7)، ولعل ذلك يشمل الصواريخ، التي سقطت، خطأ، داخل الأراضي اليمنية.
 
يوضح كل من الجدول(1) والشكل(1) تصاعد عدد الصواريخ، التي أطلقت على المدن السعودية، كمجموع تراكمي عند كل شهر، منذ بداية إطلاقها في يونيو/حزيران 2015، ويشير الحقل الثاني إلى عدد الإطلاقات الشهرية، منذ استهداف مطار الملك خالد بالرياض بصاروخ باليستي "بركان-H2"، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حتى استهداف معسكر في شرقي منطقة بير عسكر بنجران، بواسطة صاروخ باليستي من طراز "بدر1" في 25 مايو/أيار 2018.


 

تركزت هجمات الصواريخ خلال ثلاثة أعوام، ابتداء من منتصف يونيو/حزيران 2015 إلى نهاية مايو/أيار 2018، على كل من: الرياض، وجدة، وينبُع، ونجران، وعسير، وجازان؛ حيث شمل ذلك، القواعد العسكرية، والمطارات، والموانئ البحرية، وشركة أرامكو. وتُعَدُّ مناطق الحدود، التي تضم نجران، وعسير، وجازان، أكثر المناطق تعرضًا للهجمات الصاروخية والمقذوفات الأخرى(8)، وقد قُدِّر عدد هذه المقذوفات، حتى يوليو/تموز 2018، بنحو 66362 مقذوفًا(9).
 
مما سبق، نجد أن الهجمات الصاروخية الباليستية على المدن السعودية، كشفت عن ثلاث مسائل، هي:
 
إخفاق الغارات الجوية في شلِّ قدرات الحوثيين الصاروخية.
 
عجز الحصار البري والبحري عن وقف تهريب الصواريخ وتقنياتها المختلفة.
 
التحول الكمي والنوعي في الهجمات الصاروخية وأهدافها.
 
إلى ذلك، أثارت المحاولات ذات النتائج السلبية لاعتراض هذه الصواريخ، بواسطة نظام الدفاع الجوي "باتريوت"، (10) "MIM-104 Patriot" الشكوك حول كفاءة وفاعلية تكنولوجيا هذا النظام، بوصفه حجر الزاوية في الاستراتيجية الدفاعية الأميركية، والاستراتيجية الدفاعية السعودية، واستراتيجية حلفاء آخرين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لاسيما في مواجهة التهديد المحتمل من إيران وكوريا الشمالية(11).
 
الدور الإقليمي في تحولات الهجمات الصاروخية
 
الملاحظ أنه عقب كل عملية استهداف صاروخي، يجري اتهام إيران وحزب الله اللبناني، بوقوفهما وراء ذلك، وهو ما يتفق مع تقرير فريق الخبراء الأممي، المعني باليمن، الصادر في يناير/كانون الثاني 2018. فقد أشار القرار إلى أن إيران، لم تتخذ أي تدابير لمنع توريد الصواريخ الباليستية، أو بيعها أو نقلها إلى حلفائها الحوثيين، تنفيذًا لما ورد بهذا الخصوص في قرار مجلس الأمن رقم 2216 لعام 2015، مؤكدًا على أن مواصفات الصاروخ، الذي استهدف مطار الملك خالد الدولي بالرياض، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تتطابق مع مواصفات صاروخ إيراني التصميم والتصنيع، يطلق عليه اسم "قيام-1"(12).
 
لعل ما يدفع إلى الاعتقاد أكثر بضلوع الإيرانيين في دعم الحوثيين بهذه الصواريخ، ما أثبته التقرير ذاته، بشأن عدم إمكانية تطوير صواريخ "سكود-C" الباليستية، التي بحوزة الحوثيين، عن طريق الإنقاص من وزنها، بما يكفي لزيادة مداها من 600 كم إلى أزيد من 1000 كم، لتصل إلى الرياض، لكن هذه الصواريخ، وفقًا لتقرير الفريق الأممي لعام 2016، خضعت لبرنامج تطويري، عن طريق إنقاص الوزن؛ بقصد زيادة مداها من 600 كم إلى 670 كم؛ أي بنسبة 11.75%، والحصول على نسخة جديدة منها، أُطلق عليها اسم "بركان-2"، وبواسطة تقنيات أميركية المصدر؛ ما يعني محدودية إمكانية تطويرها لتصل إلى 1000 كم؛ وبالتالي ثبوت صحة فرضية حصول الحوثيين على صواريخ بهذا المدى من مصادر خارجية(13)، أما عمليات التطوير، فمن المعتقد أن الحوثيين لا يمتلكون قدرة معروفة على تحويل صواريخ "أرض-جو" إلى صواريخ "أرض-أرض"، من خلال البرنامج التطويري المشار إليه(14).
 
خلال مراحل مختلفة من الحرب الحالية، كان هنالك إجماع على نفي حيازة ما كان يسمى بـ"مجموعة ألوية الصواريخ"، صواريخ بمدى 1000كم، قبل سيطرة الحوثيين على السلطة في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وهي مسألة أقرب إلى الواقع، رغم ادعاءات الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، بأن كل ما يطلَق منها، إنما هي من مخزون فترة حكمه، مؤكدًا على استمرار عمليات الإطلاق، وعدم قدرة التحالف على الوصول إلى مخابئها، وأنه لا صلة لإيران بالقدرات الصاروخية الراهنة، لكنه لم يقدم أي أدلة على ذلك(15).
 
لو سلَّمنا، جدلًا، بادعاءات صالح، فإن ذلك ينصرف إلى صواريخ سكود، التي يقل مداها عن 600كم، وصواريخ سام-2 "أرض- جو"، التي أخضعها الحوثيون للتطوير إلى صواريخ أرض-أرض، باسم: قاهر-1، وقاهر-2 (250كم-400كم)، وصواريخ تكتيكية أخرى قصيرة المدى، تراوح مدياتها بين 100-120كم. وهي الصواريخ، التي لم يتوقف إطلاقها على المدن السعودية الحدودية، منذ عام 2015، ومن ذلك: صاروخ توشكا.
 
أبعاد وتداعيات تكثيف الهجمات بالصواريخ
 
قد يفسَّر تكثيف الحوثيين هجماتهم الصاروخية على المدن السعودية، بأنه أمر بديهي تستدعيه ظروف الحرب، لإعمال أية قوة ممكنة ومؤثرة في الخصم، بأي شكل كان، ومن أي مصدر، علاوة على ما تمليه أجندة الحوثيين السياسية؛ ذلك أن الحرب امتداد للسياسة أو تواصل لها. أما تداعيات هذه الهجمات، فتمثل رقمًا إضافيًّا كبيرًا في أعباء الحرب، التي يتكبدها قطبا التحالف (السعودية والإمارات).
 
أولًا: أبعاد تكثيف الهجمات بالصواريخ
 
في الوقت، الذي كان فيه المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، مارتن غريفيث، يجري أول مشاورات مع القادة الحوثيين بصنعاء، بشأن إحياء المفاوضات المتعثرة منذ أغسطس/آب 2016، وقبل يوم واحد من دخول الحرب عامها الرابع؛ أمطر الحوثيون أربع مدن سعودية بسبعة صواريخ باليستية؛ ليبدو ذلك كرد عملي على ما يثار بشأن تسليمهم الأسلحة الثقيلة، وعلى رأسها الصواريخ الباليستية؛ وذلك كجزء من التسوية السياسية المطروحة، ووفقًا لقرار مجلس الأمن 2216 لعام 2015، إلا أنه مع تكرار زيارة غريفيث إلى صنعاء، وتباين الموقف حول مصير ميناء الحديدة، تتكرر عملية إطلاق مثل هذه الصواريخ، وتتسع معها أهدافها، ليس على مدن المملكة السعودية فحسب، بل ومصالحها النفطية في البحر الأحمر.
 
إذا كان للحوثيين من رسالة أخرى ترتبط بمشاورات السلام هذه، فإنها ترمي إلى خلق قناعة لدى المبعوث الأممي والتحالف، باستحالة الحل العسكري للأزمة، وأن الإصرار على هذا الخيار يعني أن على المدن السعودية انتظار المزيد من الصواريخ. وذلك ما حدث بالفعل، فقد ارتفع عدد الصواريخ، التي استهدفت المدن السعودية، خلال شهري أبريل/نيسان، ومايو/أيار 2018، من 104 صواريخ إلى 129 صاروخًا(16)، وارتفع العدد إلى 163 صاروخًا خلال الشهرين التاليين، غير أن الأزمة ازدادت تعقيدًا أكثر؛ فهجمات الصواريخ عادة ما تُقابَل بهجمات أعنف من قبل طيران التحالف، ليس ذلك فحسب، بل بادر التحالف إلى الإعلان عما وُصف بـ"قائمة الأربعين المطلوبين من قادة جماعة الحوثيين"، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وذلك بعد يومين من تعرض مطار الرياض، لأول صاروخ باليستي من طراز "بركان إتش-2"(17)، وقد كان أبرز من استُهدف من هذه القائمة، رئيس ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى"، صالح الصمَّاد، الذي لقي حتفه مع ستة من مرافقيه، بواسطة طائرة إماراتية دون طيار، وسط مدينة الحديدة الساحلية، في 19 أبريل/نيسان 2018(18).
 
في السياق ذاته، لا يمكن تجاهل الدور الإيراني، الذي يُعَدُّ أحد أبرز المتغيرات الإقليمية في عدد من المناطق الملتهبة، ومنها اليمن. ففي اليوم، الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي مع إيران، في مايو/أيار 2018، كان دوي أربعة انفجارات يهز مدينة الرياض، أعلن الحوثيون أنها ناجمة عن إطلاق مجموعة صواريخ على أهداف استراتيجية سعودية. ومع تصاعد تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، كانت صواريخ الحوثيين تستهدف شركة أرامكو، وناقلات نفطية قبالة الساحل اليمني في البحر الأحمر، فضلًا عن الصواريخ المحمولة على الطائرات المسيّرَة دون طيار، والصواريخ البحرية، وقد عزز ذلك استهداف ناقلة نفط سعودية بصاروخ حراري في 25 يوليو/تموز 2018(19).
 
إجمالًا، يمكن تفسير التصعيد في الهجمات الصاروخية على المدن السعودية، وبخاصة الرياض، في إطار ما يلي (20):
 
- خلق انطباع عن طول أمد التهديد بالصواريخ وتوسعه في مختلف المدن السعودية.
 
- إظهار ضعفٍ دفاعي في الجانب السعودي أمام تهديدات الصواريخ.
 
- دفع الجانب السعودي إلى اتخاذ تدابير دفاعية باهظة الكلفة.
 
- التأكيد على وفرة مخزون الصواريخ ودحض ادعاء التحالف بالقضاء عليها.
 
- تعزيز قناعة المواطن السعودي بعدم جدوى الاستمرار في الحرب، وعجز حكومته عن تأمينه.
 
ثانيًا: تداعيات تكثيف الهجمات بالصواريخ الباليستية
 
تلعب عوامل كثيرة في التقليل من حجم التأثير، الذي تسببه صواريخ الحوثيين؛ بسبب عمليات الاعتراض، التي يضطلع بها نظام باتريوت، رغم الملاحظات، التي تثار حوله، وتراجع القدرة التفجيرية للصواريخ المهاجمة؛ نتيجة لإنقاص وزن الرأس الحربي؛ بقصد إطالة المدى، خاصة في المديات البعيدة، إلا أنها قد تخلِّف خسائر فادحة في ظروف دفاعية مختلفة(21).
 
يمكن إبراز جانب من التداعيات الناجمة عن هذه الهجمات، في الآتي:
 
- التأثير في الجانب البشري والأعيان المدنية
 
يعلن الحوثيون عن مقتل المئات من الضباط والجنود السعوديين، عقب كل هجوم صاروخي على موقع عسكري سعودي، في أكثر المناطق تعرضًا لهذه الهجمات، وهي: نجران، وعسير، وجازان، وجنوبي الرياض. لكن هذه التقديرات مبالغ فيها، وتفتقر للأدلة. وخلافًا لذلك، قلَّل فريق الخبراء الأممي المعني باليمن، من التأثير المادي للصواريخ قصيرة المدى، التي يطلقها الحوثيون؛ معللًا ذلك بقلة عددها، وعدم دقتها، وصِغَر الرأس الحربي المنفجر(22).
 
في مقابل ذلك، لا يكشف السعوديون عن قتلاهم عقب الهجمات الصاروخية، التي تستهدف المناطق العسكرية. أما الأعيان المدنية، التي تتعرض لمثل هذه الهجمات، فعادة ما يُعلن عن ضحاياها، لكنها محدودة، وتُنسب إلى شظايا اعتراض الباتريوت للصواريخ المهاجمة، على نحو ما حدث في استهداف مطار الملك خالد بالرياض في مارس/آذار 2018، الذي قُتل فيه مقيم مصري(23)، ومقتل مواطن سعودي بمدينة صامطة التابعة لجيزان، أواخر أبريل/نيسان 2018. وكان قد كُشف، خلال عام 2016، عن مقتل أكثر من خمسمئة مدني، في المناطق الحدودية مع لليمن، التي تسودها اشتباكات متواصلة بين الجانبين(24).
 
لقد كشف تقرير لفريق من الخبراء والمحللين الأميركيين في مجال الصواريخ، بعد تحليل واقعة إطلاق الصاروخ، الذي استهدف مطار الملك خالد بالرياض، في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أن هنالك آثارًا مادية للهجمات، لكنها ليست جسيمة، مستدلًّا على ذلك بتصاعد أعمدة الدخان، ولأنه لم يتسنَّ الكشف عن مواقع بعضها(25). أما في نجران، وعسير، وجازان، على الحدود الجنوبية مع اليمن، فتبدو الآثار في الأعيان المدنية أكثر وضوحًا، لكنها تتداخل مع هجمات المدفعية، والشظايا الناتجة عن اعتراض الصواريخ المهاجمة(26).
 
- التأثير في المجال العسكري
 
أبرز مظاهر التداعيات العسكرية في الجانب السعودي، أن الهجمات الصاروخية، مثَّلت مصدر استنزاف ثنائي الأثر. فمع كونها تستنزف جانبًا كبيرًا من مخزون الباتريوت، فإنها، كذلك، تدفع للتعويض عنه بصفقات أخرى مكلِّفة، تتطلب إجراءات معقدة ووقتًا أطول للحصول عليها. ليس ذلك فحسب، فكل صاروخ باليستي، يتطلب لاعتراضه ثلاثة صواريخ باتريوت، وقد يُطلَق أربعة أو خمسة صواريخ، تتراوح قيمة كل واحد منها بين ثلاثة إلى خمسة ملايين دولار أميركي. وبناء على ذلك، كم ستكون القيمة الإجمالية لاعتراض 129 صاروخًا باليستيًّا، التي أُعلن عن اعتراضها؟ إن المحصلة في الحالتين تبدو مروعة!! وعليه؛ وباعتراض هذ العدد من الصواريخ، تكون صفقة الستمئة صاروخ باتريوت، التي اشترتها السعودية من الولايات المتحدة في أغسطس/آب 2015، لتحديث قدراتها الدفاعية، قد نفدت أو في طريقها إلى النفاد قريبًا(27).
 
لقد شكَّلت الفجوة، التي أحدثتها عملية الاستنزاف، دافعًا للسعودية لإبرام عدد من الصفقات لشراء منظومات صاروخية جديدة أو أجزاء منها. ومن ذلك الصفقة المبرمة مع روسيا لشراء أجزاء من منظومة الدفاع الجوي "إس- 400"، والصفقة الأخرى مع الولايات المتحدة، لشراء منظومة الدفاع الجوي" ثاد"، لاسيما بعد أن بات التهديد الحوثي بالصواريخ الباليستية، وثيق الصلة بإيران(28).
 
- التأثير السياسي
 
خلال مراحل عديدة من الحرب، تركت هجمات الحوثيين الصاروخية أثرًا مدرَكًا لدى أجنحة براجماتية داخل الأسرة السعودية الحاكمة، دفعها لفتح قنوات تواصل مع الحوثيين، وطرح فكرة القبول بهم كمكوِّن سياسي، في أية تسوية سياسية، وقد ترجم ذلك الزيارات المتكررة، التي قام بها قادة حوثيون إلى الرياض، في ظل استمرارهم في إطلاق الصواريخ على المدن الواقعة في المديات القصيرة والمتوسطة لهذه الصواريخ(29)، إلا أن الهجمات، التي طالت الرياض منذ نهاية العام 2017، أثارت ردود أفعال عكسية عنيفة، آخذة الحلول السياسية بعيدًا، لاسيما مع تكشف الدور الإيراني وراء إطلاق هذه الصواريخ، بحسب تقرير فريق الخبراء الأممي، وذلك ما تترجمه العمليات العسكرية المتصاعدة على الأرض، في مقابل حالة من الجمود السياسي، منذ استهداف الرياض بثلاثة صواريخ في 25 مارس/آذار 2018.
 
لقد دفعت هذه الهجمات أصداء الحرب إلى أعلى مستوياتها، ولفتت الأنظار إلى جهات إقليمية تتعقد معها الحلول السلمية دون فرض القوة، وقد بدا ذلك واضحًا في رد ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، على وسائل إعلام أميركية، بعد أيام قليلة من استهداف الرياض في 25 مارس/آذار 2018، حول جدوى استمرار العمليات الجوية للتحالف، في ظل تعرض الرياض للمزيد من الصواريخ؛ حيث قال: إن أزمة اليمن "لن تنتهي دون حل سياسي، ولكن حتى يأتي ذلك اليوم، ليس لدينا خيار سوى مواصلة العملية العسكرية"(30).
 
- التأثير الاقتصادي
 
ركز الحوثيون هجماتهم الصاروخية على المراكز الاقتصادية وما يتصل بها، كالمطارات، والهيئات الحكومية. ففي مدينة جازان، التي تضم منطقة صناعية جديدة، وميناء، ومصفاة نفطية، تتعرض هذه المرافق لهجمات متواصلة بالصواريخ قصيرة المدى(31). وفي الرياض، يتعرض مطارها، وما يُعرف بـ"الميناء الجاف"، لسلسلة هجمات صاروخية متواصلة، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017؛ ما من شأنه إحداث آثارٍ سلبية في النشاط الاقتصادي، على نحو تأثر به النشاط التجاري في مناطق نجران، وعسير، وجازان، التي أُغلقت قطاعات تجارية واسعة فيها، وتحولت أجزاء منها إلى مناطق عزل عسكرية(32).
 
قد تعمل هجمات الصواريخ، التي تستهدف شركة أرامكو، بشكل متواصل، على تهديد خطط تنويع الاقتصاد، التي تسعى إليها السعودية، وذلك بهروب المستثمرين أو عزوفهم عن الاستثمار في بيئة متنامية التهديد، ومن ذلك بيع حصة من شركة أرامكو، الذي أُجِّل حتى مطلع عام 2019، بوصفه العمود الفقري في استراتيجية هذا التنويع(33)، ولعل ذلك ما يفسر تركيز الحوثيين على مقر شركة أرامكو بجازان، وتوعدهم باستمرار استهدافها، مع اعتقادهم بأنها تمثل دعامة قوية لمشروع "نيوم" الاقتصادي، الذي من المقرر الانتهاء من مرحلته الأولى عام 2025(34)، وقد تراكم تأثير الصواريخ مع تأثير الهجمات على ناقلات النفط، دافعًا السعودية إلى تعليق "جميع شحنات النفط الخام، التي تمر عبر مضيق باب المندب"(35).
 
عوائق في طريق مواجهة هجمات الصواريخ
 
تقنيًّا، تمتلك السعودية منظومة دفاع جوي صاروخي متطورة، تتجسد في منظومة "باتريوت" الأميركية، التي تنتشر بطارياتها على امتداد البلاد، وفقًا لأولوية التهديدات الخارجية المحتملة، التي بات اليمن، كما يبدو، أحد مصادرها، بعد أن كانت إسرائيل وإيران في صدارة ذلك. لكن هذه المنظومة، رغم ما حققته من اعتراضات ناجحة للصواريخ الباليستية، التي يطلقها الحوثيون، لا يزال أداؤها محل نقد، بل وتشكيك في الكثير من وقائع الاعتراض المعلن عنها، فضلًا عن الآثار الناجمة عن هذه الاعتراضات(36).
 
لا يقتصر هذا العجز على إدارة هذه المنظومة، فهنالك ملاحظات خطيرة على أداء الجيش السعودي عمومًا، رغم كثرة برامج التدريب، والتأهيل، وتنفيذ التمارين التكتيكية المشتركة، الداخلية والإقليمية، وفي ظل ميزانية دفاعية ضخمة، تُعَدُّ ثالث أكبر ميزانية دفاعية بعد الولايات المتحدة والصين. فلا يزال أداء الجيش السعودي في الحرب اليمنية موصوفًا بالارتباك، علاوة على ما يُظهره من عدم استعداد للمواجهة، وارتكاب قواته الجوية أخطاءً فادحة بحق المدنيين(37)، مع ما يشير إليه البعض من تدنٍّ في مجال تقويم الأداء العسكري، الذي لا يتخطى الوصف: رديء جدًّا، وضعيف، ومروِّع(38). وقد مثَّلت التغييرات، التي طالت قادة بارزين في مستويات الهرم القيادي للجيش السعودي، استجابة واضحة لقصور الأداء الدفاعي السعودي بشكل عام، والعجز عن قمع تهديد الحوثيين مناطق الحدود الجنوبية مع اليمن، والمنع والتصدي لهجمات صواريخهم. فقد طالت تلك التغييرات، رئيس هيئة الأركان العامة، وقائد القوات البرية، وقائد قوات الدفاع الجوي، وقادة آخرين في المستويين، الأوسط والأدنى، من الهرم القيادي للجيش(39).
 
تظل سيطرة الحوثيين على مناطق الساحل الغربي اليمني، وموانئه المختلفة، عوائق رئيسة أمام وقف إطلاق الصواريخ؛ ذلك أن هذه المناطق تمثِّل مناطق تسرب لها، ولتقنياتها، وما يتصل بها من ذخائر وأسلحة، لاسيما في ظل إخفاق سفن التحالف في إحكام الحصار البحري لوقف تدفقها، إلى جانب إخفاقه في منع استهداف ناقلات النفط والسفن الأخرى التابعة للتحالف بواسطة الصواريخ أو الزوارق والطائرات الصغيرة المسيرَّة من بعد.
 
مستقبل هجمات الصواريخ
 
يشترط الحوثيون لإيقاف ضرب المدن السعودية بالصواريخ، وقف الغارات الجوية، وفي أحيانٍ أخرى يغالون في شروطهم، ليشمل إنهاء الحصار البحري والجوي والبري، والدخول في مفاوضات مباشرة مع السعوديين دون السلطة الشرعية، التي يمثِّلها الرئيس عبد ربه منصور هادي. وقد عبَّر عن العرض الأول، الرئيس السابق لما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" في سلطة الحوثيين، صالح الصمَّاد، قبل نحو شهر من مقتله، في 19 أبريل/نيسان 2018. وقد كرر ذلك مرارًا، مبديًا الإصرار على استمرار إطلاق الصواريخ، ومؤكدًا على الاستعداد لشراء مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها الصواريخ الباليستية، من أية دولة كانت، بما فيها إيران(40). ويتفق ذلك مع موقف رئيس ما يسمى "اللجنة الثورية"، محمد الحوثي، الذي توعد باستمرار استهداف المدن وشركة أرامكو النفطية(41).
 
لقد كشف تنامي قوة الحوثيين الصاروخية، وتوسع تهديداتها إلى الرياض، عن أن الحرب الدائرة باليمن، يتجاذبها طرفان رئيسان، هما: السعودية وإيران، بغض النظر عن دور وأجندة الإمارات في هذه الحرب، وما يمكن أن تمثله الأطراف الداخلية من ثقل. وعليه، فإن استطالة أمد الحرب، قد تدفع إيران وحزب الله إلى المزيد من دعم قدرات الحوثيين الصاروخية، كمًّا ونوعًا؛ وبالتالي فإن السعودية ستكون أمام أحد خيارين:
 
الموافقة على وقف الغارات الجوية، مقابل وقف إطلاق الصواريخ، والبحث على حلول ممكنة لوقف الحرب عمومًا، بما في ذلك تقرير مصير ميناء مدينة الحديدة وخروج مسلحي الحوثي من المدينة كلها، تحت رعاية الأمم المتحدة، وعبر ممثلها الجديد، الذي يبدي الحوثيون ارتياحًا له، خلافًا لسلفه، إسماعيل ولد الشيخ.
 
المضي في طريق الحسم العسكري، خاصة في مناطق إطلاق الصواريخ، على الحدود مع السعودية، ومناطق التزود بها، في الساحل الغربي، حيث ميناء الحُديِّدة وموانئ أخرى، تعد منافذ تهريب للصواريخ ومعدات التصنيع العسكري، ومصدر تهديد لناقلات النفط والسفن التجارية والحربية لدول التحالف.
 
حتى الآن، يبدو الخيار الثاني أكثر وضوحًا؛ فقد شرعت السعودية في تمكين حلفائها القبليين والعسكريين من التوغل في المحافظات الشمالية، والشمالية الغربية اليمنية، والتقدم سريعًا على الأرض، باتجاه معقل جماعة الحوثي، بصعدة، وتطوير القتال في جبهتي الجوف، وميدي-حجة، بوصفها مناطق إطلاق الصواريخ. فيما يجري تكثيف الغارات الجوية على مخابئها الافتراضية ومنصات إطلاقها، في مختلف المدن، لاسيما مع إعلان الحوثيين عن وجود منصات إطلاق مدفونة تحت الأرض، جرى تداول تسجيلات لها على نطاق واسع.
 
في اتجاه آخر، تشهد جبهة الساحل الغربي، على البحر الأحمر، عملًا نشطًا للقوات، التي تشرف عليها الإمارات، من خلال محوري تقدم برِّيين، أحدهما بموازاة الساحل، انطلاقًا من منطقة الخوخة، والآخر على الطريق الرئيس الرابط بين تَعِز والحُديِّدة، وتمشيط المناطق المسيطر عليها، بعد توقف تقدم القوات عند أسوار مطار الحديدة، بفعل عوامل كثيرة، من بينها الضغوط الدولية. فيما تحاول سفن التحالف إحكام الحصار البحري على السواحل والمنافذ البحرية، وتقوم وحدات خاصة بعمليات إبرار محدودة(42)، للسيطرة على بعض المناطق، وفي سبيل التقرب التدريجي من ميناء الحديدة(43).
 
إذا لم تتمكن القوات الحكومية المدعومة من التحالف، من تحقيق مكاسب على الأرض، في مختلف الجبهات، وفي وقت قصير، وازدياد الوضع الإنساني سوءًا، مع استمرار تهديد أمن وسلامة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، فإن ضغوطًا دولية قد تدفع إلى القبول بالخيار الأول؛ وبالتالي سيكون أمام الحوثيين فرصة أكبر مما منحتها لهم المفاوضات السابقة، من خلال المساعي الراهنة للمبعوث الأممي، التي دخلت شهرها الخامس، بما يمكِّنهم من إعادة بناء قدراتهم الصاروخية، وجسر فجواتها، وتطوير قدرات الزوراق والطائرات الصغيرة دون طيار، والصواريخ التي تحملها، استعدادًا لمرحلة أخرى من المواجهة، يراهنون فيها على الوقت، وتجارب المفاوضات السابقة، والصمود الطويل مهما بلغت التكلفة.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
*علي الذهب- باحث يمني في الشؤون الإستراتيجية.
 
*نقلا عن مركز الجزيرة للدراسات


التعليقات