الدريهمي... صورة مصغرة عن كارثية الحرب في اليمن
- العربي الجديد الثلاثاء, 28 أغسطس, 2018 - 11:42 صباحاً
الدريهمي... صورة مصغرة عن كارثية الحرب في اليمن

[ من ضحايا الحرب في اليمن ]

ما يقرب من 24 ساعة استغرقتها المنظمات الدولية للتأكد من أن مجزرة جديدة ارتكبها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، يوم الخميس الماضي، في إحدى أكثر المناطق اشتعالاً بالمواجهات المباشرة، وهي مديرية الدريهمي، جنوب مدينة الحديدة، التي تحولت إلى صورة حية عن الحرب الكارثية والتصعيد العسكري في المدينة اليمنية الحيوية، سواء من خلال المجازر التي استهدفت مدنيين أو ظروف المعركة الصعبة، التي توقفت معها القوات الحكومية عن التقدم منذ أسبوع على الأقل، على الرغم من المساحة القليلة التي تتربع فيها المدينة.
 
ووفقاً للروايات المحلية التي تقصتها "العربي الجديد"، بدأت المجزرة التي أُبيدت خلالها ثلاث عوائل، مساء الأربعاء الماضي، عندما قصفت طائرات التحالف منزلاً يعود لعائل الأسرة، ويدعى ابراهيم دحبش، ما أدى إلى مقتل أربعة مدنيين وإصابته.
 
وبينما نقُل للعلاج إلى المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، عاشت أسرته وإخوته في قرية الكوعي، أصعب لياليها، وسط مخاوف من عودة الطائرات لقصف منازلهم. مع شروق شمس الخميس، قرر أفراد أسرة دحبش النزوح. وبسبب الوضع الأمني الصعب في المنطقة، فقد تجمع 26 شخصاً على ظهر سيارة، وهم أفراد أسرة دحبش وأشقاؤه، ماجد وحسن وعلي، وعائلة شخص رابع، وهو عمر أبكر، قبل أن تتعرض السيارة للقصف بطائرة، قضت على كل من كان على متنها، وهم وفقاً لبيانات الأمم المتحدة 22 طفلاً وأربع نساء بالإضافة إلى السائق.
 
 الظروف المحيطة بالمجزرة كانت كفيلة بإعطاء صورة عن حجم المأساة المروعة في المدينة، إذ إن خدمات الاتصالات عن المنطقة، تم إيقافها باعتبارها منطقة "حرب"، من قبل الحوثيين ونتيجة القصف الجوي والمعارك المشتعلة. ويضاف إلى ذلك،أن الضحايا لم يُنقلوا على الفور إلى أي المستشفيات ليتم التأكد من المعلومات. وكل ذلك، ساهم في تأخر المعلومات المؤكدة حول المجزرة، حتى لدى الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، التي أصدرت بيانات متفرقة يومي الجمعة والسبت، وأكدت مسؤولية التحالف عن الغارة، التي أودت بحياة 30 شخصاً، أغلبهم من أسرة واحدة. وتقول المعلومات إن أحد الآباء نُقل جريحاً للعلاج في المستشفى العسكري بصنعاء، وبينما يتلقى العلاج، لا يعلم أن أسرته وأبناء أشقائه وأسرهم، قد أبيدوا بالكامل.
 
تشكل الدريهمي، اليوم، صورة مصغرة عن كارثية الحرب في مناطق يمنية سكنية في الحديدة، وهي عبارة عن مدينة تمثل مركزاً لمديرية تحمل الاسم نفسه، يتقاسم السيطرة فيها قوات الشرعية من جهة الساحل والحوثيون على بقية الأجزاء. ومنذ ما لا يقل عن أسبوعين، بدأت القوات المدعومة إماراتياً حملتها للسيطرة على مركز المديرية (المدينة)، وطوقتها من ثلاث جهات، بعد معارك عنيفة قتل خلالها العشرات من الطرفين، والمنفذ الوحيد الخاضع للحوثيين إلى المدينة، هو الذي تعرضت فيه سيارة "آل دحبش"، للقصف الجوي.
 
وعلى الرغم من مرور أسبوعين من القصف الجوي المكثف والمواجهات الميدانية، بدا التقدم بالنسبة لقوات الشرعية صعباً للغاية، وتتهم الأخيرة، الحوثيين باتخاذ المدنيين دروعاً بشرية، في وقتٍ ارتفعت فيه مطالبات محلية، على مدى الأيام الماضية، بإيجاد ممرات آمنة للنزوح.

ولم تكن مجزرة "آل دحبش"، سوى الحادثة الأخيرة، في حين كان القصف الجوي، وحتى المدفعي، بالنسبة للمناطق الخاضعة للشرعية، قد حصد أرواح العديد من المدنيين فيما الباقون منهم من نزح ومنهم من لا يزالون في منازلهم ويعيشون ظروفاً إنسانية بالغة السوء.
 
وفي السياق، تشكل مجريات المعركة الصعبة والمكلفة في الدريهمي كما هو واضح من مجريات الحرب خلال الأيام الماضية، والمجزرة التي أُبيدت فيها عوائل بكاملها، دافعاً لإعادة النظر في معركة الحديدة، برمتها، إذ لم يكن في تصريحات التحالف والشرعية، لدى إطلاق العمليات العسكرية في يونيو/حزيران الماضي، ما يشير إلى أن معركة مدينة ثانوية كـالدريهمي، قد تتطلب هذه الكلفة الكبيرة سواء على المدنيين أو على صعيد المواجهات العسكرية.
 
في غضون ذلك، جاءت ردود الفعل الدولية، من الأمم المتحدة ومنظماتها، على وجه التحديد، لتركز في اتجاه واحد، وهو ضرورة إجراء تحقيق مستقل وشفاف في هذه المجازر، خصوصاً مع تكرارها، إذ إن المجزرة هي الثانية خلال أسبوعين، بعد مجزرة صعدة، التي راح ضحيتها أكثر من 50 قتيلاً أغلبهم من الأطفال. وعلى الرغم من أهمية هذه المطالبات، التي كان أبرزها، تصريح منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ مارك لوكوك، والذي دعا "إلى إجراء تحقيق محايد ومستقل وسريع في هذه الحوادث الأخيرة، إلا أن ذلك لا يمنع التحالف من ارتكاب مزيد من المجازر في كل مرة.
 
وتزامنت المجزرة مع صدور تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، يتألف من 90 صفحة حول هجمات التحالف ضد المدنيين، ويقول إن "التحقيقات التي أجرتها قوات التحالف بقيادة السعودية (عبر فريق تقييم الحوادث) في جرائم الحرب المزعومة باليمن تفتقر إلى المصداقية، وفشلت في توفير سبل الإنصاف للضحايا المدنيين". وأشارت المنظمة إلى أن "استمرار الضربات الجوية غير القانونية للتحالف وعدم إجراء تحقيقات كافية في الانتهاكات المزعومة يعرض موردي الأسلحة إلى التحالف، بمن فيهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، لخطر التورط في هجمات غير قانونية في المستقبل".


التعليقات