ما الذي يمكن أن تقدمه آبل في تحقيقات خاشقجي؟
- الجزيرة نت الخميس, 11 أكتوبر, 2018 - 03:58 مساءً
 ما الذي يمكن أن تقدمه آبل في تحقيقات خاشقجي؟

[  ما الذي يمكن أن تقدمه آبل في تحقيقات خاشقجي؟ ]

يُعاب على الشركات التقنية جشعها وحُبّها لجمع أكبر قدر مُمكن من البيانات عن المُستخدمين للاستفادة منها في تحقيق عائدات مالية من الإعلانات. إلا أن هذا الأمر يُمكن أن يتحوّل إلى نعمة عندما توضع البيانات في مكانها الصحيح، أي عندما يُستفاد منها في تفسير الحالة الصحيّة للمُستخدم على سبيل المثال، أو عندما يتم اللجوء لها في المحاكم والدور القضائية لفهم مُلابسات بعض القضايا، ولعل قضيّة اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي الأبرز على الساحة حاليًا، والتي قد تكون ساعة آبل مُفتاح هام فيها لحل لُغز اختفائه (1).
 
تتبّع كل شيء
 
ازدادت المخاوف على خصوصيّة المُستخدمين مع وصول المُساعدات الرقمية إلى الأجهزة الذكية، ومع تحوّلها إلى أجهزة مُنفصلة، فتلك المُساعدات تعتمد على الميكروفونات التي تنتظر كلمة التفعيل مثل "أوك غوغل" أو "أليكسا" للإجابة على أسئلة المُستخدم وطلباته. في تلك الأجهزة ذاكرة مؤقّتة تقوم باستمرار بتسجيل ثواني معدودة من كلام المُستخدم. وعند سماع كلمة التفعيل، تقوم باسترجاع تلك الذاكرة في محاولة منها لفهم السؤال أو الطلب.
 
وفي هذا الصدد، أكّدت الكثير من الشركات أن البيانات تبقى سرّية، أي أن الذاكرة المؤقّتة لا تُرسل إلى الخوادم وتبقى على الجهاز فقط. لكن ولاية "آركنساس" (Arkansas) كشفت في 2016 حقائق تنفي تلك التأكيدات بعدما طلبت المحكمة من شركة أمازون إرسال سجل بالأوامر الصوتيّة التي قام بها أحد المُستخدمين لفك مُلابسات قضيّة قتل فيها مُتّهَمَين وضحيّة واحدة(2).
 
"جيمس بيتس" (James Bates)، صاحب المنزل الذي جرت فيه الجريمة والمُتّهم الأول فيها، ادّعى أنه خلد إلى النوم بعد مُشاهدة مُباراة لكرة القدم مع الضحيّة وصديق آخر. مُضيفًا أنه تفاجأ بجثّة صديقه في حوض الاستحمام بعد الاستيقاظ. وبعد الفشل في العثور على دلائل ماديّة تُثبت تورّطه في الجريمة، تم اللجوء إلى التقنية، وتحديدًا إلى هاتف "بيتس" الذي كشف قيامه بمجموعة من المُكالمات خلال تلك الليلة، مع تبادل للرسائل أيضًا. ليُقرّر القاضي التحفّظ على جهاز "إيكو" (Echo) الموجود في المنزل مع مُطالبة أمازون بإرسال سجل الأوامر لمعرفة صدق الرواية من كذبها(3).
 
لا يحتاج المُحقّقون إلى صوت المُستخدم للعثور على دلائل تُدين المُجرم، فالسوارات الرياضية قد تكون دليلا كافيا لإدانة أو تبرئة أي شخص، وهذا ما تؤكّده المحكمة العُليا في ولاية "كونيتيكت" (Connecticut) الأميركية بعد قضيّة قتل غامضة بطلها الزوج والضحيّة فيها زوجته.
 
ادّعى "ريتشارد دابيت" (Richard Dabate) عودته إلى المنزل بعد ربع ساعة فقط من مُغادرته بسبب نسيان حاسبه المحمول. لكنه وبعد سماع صوت غريب في الطابق العلوي صعد ليتفاجأ بوجود شخص غريب مُقنّع، ومع وصول زوجته إلى المنزل في ذلك الوقت، وهي التي ذهبت لمُمارسة الرياضة، طلب "دابيت" منها الهرب، إلا أن المُجرم قام بقتلها قبل تقييد الزوج وتعذيبه، ومن ثم الهرب(4).
 
لم يعثر المُفتّشون على أية دلائل تُطابق تلك الرواية، إلا أن السوار الرياضي الذي كانت ترتديه الزوجة أظهر حقائق تُخالف تمامًا كلام الزوج، الذي أُدين بجريمة القتل فيما بعد. الزوجة عادت إلى المنزل في تمام الساعة التاسعة و23 دقيقة صباحًا، فمُستشعرات الموقع الجغرافي سجّلت تواجدها في مرآب المنزل، وقامت فيما بعد برفع فيديو على حسابها في فيسبوك. كما خطت أكثر من 340 متر في الفترة ما بين الساعة 9 و18 دقيقة صباحًا وحتى العاشرة وخمس دقائق، وهنا توقّفت حركتها بالكامل.
 
خاشقجي وساعة آبل
 
أكّدت السُلطات التركية أن خاشقجي كان يرتدي ساعته الذكيّة، وهي من إنتاج شركة آبل، عند دخوله إلى القُنصليّة السعودية في مدينة إسطنبول، في وقت بقي فيه هاتفه مع خطيبته التي كانت تنتظره في الخارج، لتُضاف بذلك إلى قائمة الدلائل المُحتملة لفك طلاسم القضيّة، خصوصًا أنها كانت كذلك في قضايا سابقة حصلت خلال العامين الأخيرين (5).
 
توفّر شركة آبل تطبيقًا للصحّة (Health) داخل هواتف آيفون وساعات "آبل ووتش" (Apple Watch) الذكيّة، وهو تطبيق يقوم بتسجيل عدد الخطوات والمسافة المقطوعة اعتمادًا على مُستشعرات الموقع الجغرافي والتسارع(7). وفي واحدة من قضايا القتل التي جرت في أستراليا في شهر (أبريل/نيسان) 2018، أكّدت زوجة ابن الضحيّة أن والدة زوجها توفّيت بعد اعتداء مُسلّح. لكن بيانات ساعة آبل الخاصّة بالضحيّة كشفت تغيّر في ضربات القلب لمدّة سبع دقائق فقط، وهذا يعني أنها تعرّضت لاعتداء من قبل شخص موجود داخل المنزل إلى أن توفّيت، لأن أي اعتداء مُسلّح سيحتاج مزيدًا من الوقت أولًا، وتغيّرات مُختلفة في نبضات القلب ثانيًا، فالإنسان سيشعر بالخوف قليلًا عند سماع أصوات غريبة، وسيزداد مُعدّل نبضات القلب تدريجيًا مع رؤية المُسلّحين، إلا أن التغيّر الذي حدث خلال فترة قصيرة يعني وجود تفاصيل أُخرى، خصوصًا أن زوجة ابن الضحيّة، التي أُدينت بالجريمة، أكّدت أن الحادثة جرت خلال 20 دقيقة من الزمن(6).
 
وإلى جانب تسارع نبضات القلب، يُمكن الاستفادة من عدد الخطوات المقطوعة ومن الارتفاع أيضًا، فالمُحقّقين في ألمانيا نجحوا في إدانة أحد اللاجئين بقضيّة قتل بعدما قاموا بالاستفادة من عدد خطواته والطوابق التي صعدها وقت الحادثة. وبعد مُحاكاة الجريمة بالصعود إلى منزل الضحيّة، وقتلها، ومن ثم سحب جُثّتها إلى النهر، تطابقت البيانات، ووجد المُتّهم مُذنبًا في القضيّة (8).
 
تلك الحوادث السابقة تؤكّد فاعلية ساعة خاشقجي الذكية في العثور على تفسير جديد، إلا أن الأمر مرهون بمُزامنة تلك البيانات مع حساب خاشقجي نفسه، خصوصًا أن الهاتف كان في الخارج. ففي حالة عدم انقطاع اتصال الساعة بالهاتف، وهو الذي يجري عبر تقنية بلوتوث، فإنه ومن المُرجّح أن تكون تحرّكاته داخل القُنصليّة مُسجلّة، ويُمكن هنا مُتابعة تسارع نبضات قلبه لفهم شيء جديد.
 
أمل آخر يلوح في القضيّة يتمثّل في طراز الساعة، فبدءًا من الجيل الثالث تتوفّر إصدارات مُزوّدة بشريحة اتصال إلكترونية، وهذا قد يعني أن الساعة حتى ومع عدم وجود الهاتف، أو مع انقطاع الاتصال بينهما، تبقى مُتّصلة بالإنترنت، وتلك تفاصيل لم تخرج للعلن حتى الآن وتبقى في جُعبة المُقرّبين من خاشقجي من جهة، والجهات الأمنية من جهة أُخرى. كما تُعتبر شركة آبل طرفًا هامًا في القضيّة، وقد تكون لها اليد العُليا في الدخول إلى الخوادم وسحب البيانات وتقديمها للجهات المُختصّة.


التعليقات