الجيش السعودي تاريخ من الانتكاسات
- خاص - زيد حميد الأحد, 14 أكتوبر, 2018 - 09:26 مساءً
الجيش السعودي تاريخ من الانتكاسات

[ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يتفقد مواقع الجيش ]

تعرض الجيش السعودي في تأريخه الحديث إلى صفعتين قوتين أعطتا انطباعا عاما لدى الرأي العام السعودي والدولي بأنه جيش كرتوني، رغم أن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي لديها وزارتين فعليتين للدفاع، إحداهما وزارة الدفاع المعروفة ووزيرها هو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع.
 
ووزارة أخرى هي وزارة الحرس الوطني، وهي قوات نظامية مدربة وتمتلك أسلحة حديثة وثقيلة من بينها الطيران، ووزيرها هو الأمير خالد بن عياف بعد الإطاحة بوزيرها السابق الأمير متعب نجل المؤسس الفعلي لهذه الوزارة العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
 
كان يفترض أن جيش السعودية يكون بقوة مضاعفة طالما أن لديه وزارتين للدفاع خصوصا وأنه ينفق نحو 70 مليار دولار سنويا على استيراد السلاح فقط، وتعد السعودية ثالث أكبر بلد في العالم ينفق على التسليح العسكري، وبلغ حجم الإنفاق العسكري اعتبارا من عام 2016م ما يقارب 88 مليار دولار.
 
لكن الواقع يقول عكس ذلك تماما، فالجيش السعودي ضعيف للغاية، وسبق لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الاعتراف بهذا الضعف بوضوح قائلا في إحدى مقابلاته الصحفية: "بلا شك في خلل، لما أدخل مثلا، قاعدة في السعودية، ألاقي الأرض مبلطة بالرخام، وألاقي الجدران مزخرفة، وألاقي التشطيب خمس نجوم، وأدخل قاعدة في أميركا، أشوف المواسير للسقف، وأشوف الأرض، لا فيها لا سجاد ولا رخام، إسمنت محطوط وعملي".
 
ورغم أن حديث الأمير محمد بن سلمان كان في 2016م لكنه لم يتخذ أي خطوات فعلية حتى اللحظة لإصلاح الجيش السعودي الذي يعيش حالة من الرفاهية تحسده عليها كل جيوش العالم التي تربت على الخشونة كجزء أصيل من العسكرية، فالجندي لا يحارب إذا أدمن العيش تحت المكيفات ولبس النظارات الشمسية.
 
صفعات للجيش
 
كانت الصفعة الأولى التي تلقاها الجيش السعودي في 1979م عندما استولى عشرات الأفراد بقيادة شيخ ديني يدعى جهيمان العتيبي على الحرم المكي في مكة المكرمة، حيث فشل الجيش السعودي في القضاء على عشرات الأفراد بسلاحهم التقليدي ويقاتلون بدون خطوط إمداد في بقعة محددة ومحاصرة، وظلت المعارك أكثر من أسبوعين أوقعت مئات الضحايا من الجيش السعودي قدرتهم تحقيقات صحفية أجنبية بحدود 700 جندي، واضطرت السعودية حينها إلى الاستعانة بدولة فرنسا والتي بدورها أرسلت فرقة أمنية متخصصة قامت بإنهاء هذا التمرد خلال أيام محدودة.
 
لم تستفد السعودية من هذا الدرس والشروع ببناء جيش قوي يحمي البلد، فالقيادة السعودية تعيش هاجس الانقلابات العسكرية منذ عقود، ولهذا لم تقم ببناء جيش قوي خوفا من حدوث انقلاب عسكري على الأسرة الحاكمة، وهذا مؤشر كبير على أن أسرة آل سعود الحاكمة لا تثق في الشعب الذي تحكمه، ولهذا ركنت على الحماية الأجنبية ولم تدرك المتغيرات التي من حولها حتى وصلت إلى هذا المأزق الذي تعيشيه اليوم، وهي الصفعة الثانية للجيش السعودي.
 
الصفعة الثانية بدأت في 2015م ولا زالت مستمرة إلى اليوم، وهي دخول الجيش السعودي الحرب في اليمن حيث كشفت هذه الحرب القائمة أن الجيش السعودي تم إعداده للاستعراض ليس إلا، وليس جديرا بدخول معارك خارجية والدفاع عن الوطن كمهمة رئيسية لأي جيش في العالم.
 
في البداية ذهبت السعودية إلى عدة دول عربية وإسلامية لاستجدائها إرسال جنود لحماية حدها الجنوبي، وهي رسالة واضحة أن جيشها عاجز عن حماية حدودها، وما قيمة الجيش إذا عجز عن الدفاع عن حدود وطنه؟
 
ذهبت السعودية إلى عدة دول لشحت جنود بصورة مخجلة، ومنها دولة باكستان التي رفضت الطلب السعودي، واكتفت بعض الدول العظمى بتقديم دعم لوجستي محدود.مقابل الأموال الطائلة التي يتقاضونها من المملكة منذ سنوات لكنه غير كافٍ للجيش السعودي، وتحت وطأة المعركة وجد الجيش السعودي نفسه أمام العدو وجها لوجه، وها هو يتجرع المرارة بصمت.
 
لا يمر أسبوع دون أن تنشر وسائل الإعلام السعودية أخبارا عن سقوط عدد من الجنود السعوديين في معارك الحد الجنوبي، وهو ما يثير الاستغراب كون الجيش السعودي لديه من العتاد والأجهزة الحديثة تفتقر لها جماعة الحوثي تماما.
 
لا وجه للمقارنة بين تسليح الجيش السعودي وأسلحة مليشيا الحوثي التي هي بدائية، ومع ذلك استطاعت المليشيا أن توقع ضحايا من الجنود السعوديين أسبوعيا، ومن يعرف التضاريس الجغرافية للحد الجنوبي ووعورتها سيصاب بالحيرة من قدرة مليشيا الحوثي على الوصول إلى ثكنات الجيش السعودي واستهدافه.
 
الحدود اليمنية السعودية والتي يقاتل فيها الحوثي ضد السعودية هي تضاريس جبلية وعرة وغير مأهولة بالسكان، ولدى الجيش السعودي أجهزة رصد حديثة قادرة على تحديد الهدف على بعد كيلومترات واستهدافه بالأسلحة الثقيلة قبل الوصول إليه، فالمقاتل الحوثي لا يملك غير البندقية كسلاح تقليدي مداه محدود جدا، ويتقدم بدون غطاء جوي، فكيف يقتل الجندي السعودي؟
 
الإهانات الأمريكية
 
هذا الضعف الذي ظهر عليه الجيش السعودي في الحرب باليمن، دفع القيادة السعودية إلى إعلان مكافآت وامتيازات بين الفينة والأخرى للمرابطين في الحد الجنوبي، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي ترمب إلى الابتزاز العلني ومطالبة السعودية أكثر من مرة وفي أكثر من محفل بدفع أموال أكثر مقابل الحماية إلى درجة قوله إن الأسرة الحاكمة في السعودية لن تصمد أسبوعين بدون الحماية الأمريكية، بينما عشرات المسلحين قد يصمدون هذه الفترة وأكثر أمام جيش قوي!
 
وعندما نتحدث عن الرئيس الأمريكي فنحن نتحدث عن رئيس دولة عظمى تعرف الجيش السعودي طوبة طوبة كما يقال، وكلامه ليس من فراغ، فهو ليس شخصا عاديا أو كاتبا صحفيا أو ناشطا إخوانيا أو مواطنا قطريا، فالولايات المتحدة الأمريكية مطلعة على كل أسرار الجيش السعودي، وتدرك جيدا مدى هزالته وضعفه بناء على معلومات ووقائع وليست شائعات.
 
السعودية دولة غنية، وقادرة على صناعة أقوى الجيوش، فلماذا لا تقوم ببناء جيش قوي قادر على حمايتها ويوفر عليها الابتزاز الدولي باسم الحماية، وما الذي يخيف السعودية من تجنيد أبناء الوطن وتدريبهم وتسليحهم في ظل التهديدات المستمرة التي توشك أن تؤدي بالعرش كله، وهل تدرك القيادة السعودية أنه لن يحمي البلد إلا أبناؤه؟
 
إيران دولة بإمكانيات محدودة ولديها جيش قوي يحميها ويحارب في عدة دول عربية ويحقق انتصارات عسكرية، بينما إمكانيات السعودية أضعاف إيران ومن المعيب أن دولة مثلها تشحت جنودا من دول أجنبية لحماية حدودها، ولدى السعودية مئات الآلاف من الشباب العاطلين لكنها بدلا من تجنيدهم لحماية البلد وحماية الأسرة الحاكمة أولا تضغط عليهم للعمل في المطاعم والمولات، وبدلا من تدريبهم على الأسلحة الحديثة ومواجهة الأعداء يجري تدريبهم على صيانة الجوالات، وكأن طهران ليست على الأبواب والابتزاز الغربي قد وصل مداه.
 
يقول ترمب إن السعودية لن تصمد أمام إيران، ويقول محمد بن سلمان إنه لن يدفع مقابل الحماية الأمنية، ويتحدث في نفس الوقت عن نسبة تتجاور الـ 60% من سلاح الجيش السعودي تم شراؤه من أمريكا، وهذا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على تعطيل نصف سلاح المملكة بضغطة زر، فمعروف أن "كود" الأسلحة الحديثة من الطائرات والصواريخ يظل في البنتاجون التي تستطيع التحكم بها عن بعد وتعطيلها في أي لحظة.
 
لم يطرح محمد بن سلمان خطوات فعلية ستقوم بها السعودية لحماية أمنها، ولا هناك ما يوحي أن المملكة وهي الدولة الغنية جدا قد استوعبت الدرس وشرعت في تجنيد شبابها وبناء جيش صلب قادر على ردع أي تهديد أجنبي، ولم تقم الرياض برد عملي على تصريحات الرئيس الأمريكي الأخيرة والمهينة، ووصلت السخرية إلى حد أن القيادي في جماعة الحوثي ورئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى في اليمن مهدي المشاط يعلن عن تضامنه مع السعودية تجاه الوقاحة الأمريكية.
 
الصفعة القاتلة
 
يبدو أن الصفعة الثالثة للجيش السعودي قادمة لا محالة، وغالبا ما تكون الصفعة الثالثة قاسمة وقاتلة، فحديث ترمب الأخير يسيل لعاب طهران، والعداء الأمريكي لإيران ثبت أنه جزء من مسرحية مفضوحة لنهب أموال الخليج وتحديدا الرياض، والشارع السعودي يغلي بصمت جراء الرسوم المرتفعة والضرائب وقوانين العمل المسلوقة التي أضرت به كثيرا، فهل بدأ العد التنازلي لآل سعود فعلا؟
 
تجدر الإشارة إلى أن الإعلام الأمريكي يتحدث منذ نهاية التسعينيات ولازال سلمان بن عبدالعزيز أمير للرياض، وهو يتنبأ بأن سلمان سيكون آخر ملوك آل سعود، ومعروف أن سلمان ليس آخر أبناء عبدالعزيز، وهناك إخوان أصغر منه أمثال الأمير مقرن والأمير أحمد.
 
ووفق قانون انتقال السلطة في العائلة المالكة يفترض أن يأتي الدور عليهما بعد رحيل الملك سلمان لكن الأخير قطع الطريق أمامهم، ومهد الطريق لابنه محمد الذي يخوض معارك خاسرة اليوم في كل الاتجاهات، ووصلت حروبه إلى داخل الأسرة، فهل كان الإعلام الغربي يتنبأ بنهاية قريبة لعائلة آل سعود، أم أن المخطط مرسوم ومعد سلفا للإطاحة بها بعد أن انتهى غرضها وحان الآن قطافها؟


التعليقات