إقالة بن دغر.. دلالات القرار وحصاد الإدارة (تحليل)
- عامر الدميني الثلاثاء, 16 أكتوبر, 2018 - 08:00 مساءً
إقالة بن دغر.. دلالات القرار وحصاد الإدارة (تحليل)

[ أحمد عبيد بن دغر ]

لم يكن قرار إقالة رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر من موقعه كرئيس للحكومة سوى محصلة لتراكمات عديدة داخل نظام الشرعية الذي يحكم اليمن من العاصمة السعودية الرياض.
 
لكن القرار الذي جاء على نحو مفاجئ بالنسبة للشارع العام، حمل العديد من الدلالات، وعكس عملية احتدام داخل السلطة الشرعية، وأشار إلى معالم مستقبلية قادمة، كما أبان عن مسار اتخاذ القرار داخل الشرعية التي تحظى بدعم من المملكة العربية السعودية.
 
يعد بن دغر ثاني رئيس وزراء في الحكومة الشرعية بعد انطلاق العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن في السادس والعشرين من مارس/آذار 2015م، وتولى العديد من المناصب، آخرها ناب رئيس للوزراء وزير الاتصالات في حكومة الوفاق الوطني، قبل أن يعين رئيسا للوزراء في الرابع من أبريل/نيسان 2016م.
 
وهو أيضا أحد قيادات المؤتمر الشعبي العام، وترقى إلى نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام بعد قرار الرئيس السابق علي عبدالله صالح فصل الرئيس عبدربه منصور هادي من قيادة الحزب، وعرف بقربه من صالح، وحفاظه على خيط من العلاقة الحزبية معه.
 
بن دغر في الحكومة
 
جاء تعيين بن دغر رئيسا للوزراء بعد تأزم العلاقة بين رئيس الحكومة الأسبق خالد بحاح والرئيس هادي، وانتهت تلك العلاقة بإقالة بحاح من منصبه كرئيس للحكومة، ورئيس للوزارء، وخلال فترة رئاسة بن دغر للحكومة اكتمل النصاب الحكومي، بالنسبة لعدد أعضاء الحكومة، وقدم بن دغر أداء يتجانس في أساسه مع طبيعة أداء نظام الشرعية ككل، إذ إن العوائق التي وقفت أمام طريق الحكومة هي ذاتها التي وقفت في وجه نظام الشرعية بشكل عام.
 
كان من أبرز التحديات التي واجهها بن دغر هي جملة العوائق التي حالت دون استقرار الحكومة في العاصمة المؤقتة "عدن"، رغم إعلانه المستمر عند كل عودة لعدن أن تلك العودة ستكون نهائية.
 
وأدى تنامي نفوذ المجلس الانتقالي في عدن وبقية المدن الجنوبية بشقيه السياسي والإعلامي إلى منع تواجد الحكومة التي تعرضت للتهديد والتصعيد أكثر من مرة بغية إسقاطها، وطردها بشكل كامل، وطال ذلك التصعيد بن دغر نفسه، ورفع المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة مطلبه بشكل مستمر بإقالة الحكومة، وعلى رأسها بن دغر.
 
لكن الصراع البيني في عدن لم يكن يتخذ طابع المواجهة بين بن دغر والمجلس الانتقالي فقط، إذ تعداه إلى صراع آخر بين بن دغر ومحافظ عدن عبدالعزيز المفلحي، الذي لم يتمكن من استلام مهامه كمحافظ، وخرج المفلحي في تصريحات صحفية متهما ببن دغر بالفساد، وإنفاق الأموال في غير مسارها الطبيعي.
 
ورغم الأجواء المشحونة بالصراع الخفي والمستتر داخل أروقة الحكومة برئاسة بن دغر، ومع المكونات الأخرى كالمجلس الانتقالي، فقد تمكن بن دغر من تنفيذ العديد من الزيارات الميدانية لمعظم المحافظات المحررة، وإن كانت تلك الزيارات لم تخرج عن إطارها الشكلي، وتحت مظلة التحالف العربي وتحديدا دولة الإمارات العربية المتحدة.
 
غير أن ذروة التصادم مع أبوظبي كانت في جزيرة سقطرى، التي اندلع فيها الصراع عقب وصول رئيس الوزراء بصحبة عدد من أعضاء الحكومة، بعد إرسال الإمارات لجنودها للتحكم بالجزيرة مزودين بالأسلحة والذخائر.
 
صمد بن دغر حينها، وبدا كما لو أنه يقود معركة ضد أبوظبي، لكن مصادر سياسية قالت لـ"الموقع بوست" إن الرئيس هادي نظر لموقف بن دغر في الجزيرة بريبة، ووصف البيان الصادر عن الحكومة بخصوص ما جري حينها في سقطرى بأنه دون مستوى المسؤولية المطلوبة، مما اضطر هادي إلى إرسال خطاب رسمي للأمم المتحدة يشكو فيها الإمارات وتعديها على السيادة اليمنية.
                       
على الصعيد الميداني يمكن النظر لكثير من الإخفاقات التي حدثت إبان توليه لرئاسة الوزراء، من بينها تدهو المشهد الأمني بشكل كبير، وعدم القدرة على السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، وارتكاب العديد من الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان كالاغيتالات والإخفاء القسري، والتي لم تتمكن حكومته من لجمها، ووضع حد لها، أو كشف من يقف وراءها، أو توضيح ذلك للجمهور، كما أن تهما عديدة توجه للرجل فيما يتعلق بقضايا الفساد الإداري، من خلال سلسلة التعيينات التي أصدرها.

منغصات العلاقة
 
ظل بن دغر محسوبا على الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ومثل جناحه في المؤتمر الشعبي العام داخل الشرعية، ويتهم من مصادر مقربة في رئاسة الجمهورية بتمثل رؤية صالح، وتنفيذه لأجندة تصب في خدمته، الأمر الذي انعكس على أدائه في الحكومة، وفي حزب المؤتمر الشعبي العام.
 
ومن أبرز معالم هذه الخلافات تمسك بن دغر في قيادة المؤتمر الشعبي العام، وتحركه بعيدا عن الرئيس هادي الذي يرى نفسه رئيسا للحزب انطلاقا من لوائح الحزب الداخلية، ومن قرار المؤتمر العام الأخير، الذي سعى صالح لإلغائه بعد خلافه مع هادي.
 
أعلن بن دغر أكثر من مرة عن مساعيه لاحتواء القيادات المؤتمرية التي فرت من العاصمة صنعاء عقب مقتل صالح في الرابع من ديسمبر/كانون الأول، بل وذهب إلى القاهرة والتقى بالقيادات المؤتمرية هناك، بعد تذرعه بأنه ذاهب لتلقي العلاج، وهو الأمر الذي أغضب هادي أيضا، وفق مصادر خاصة لـ"الموقع بوست".
 
وتتضح درجة الخلاف أكثر في ترحيب بن دغر المستمر في رفع العقوبات عن نجل صالح المقيم في الإمارات أحمد علي عبدالله صالح، وهو ما يراه هادي خطاً أحمر يتجاوز تطلعاته وقناعاته، وكان لهذا الأمر تأثيره في تأجيج الخلاف أكثر بين هادي وبن دغر.
 
ما قبل الإقالة
 
جاءت إقالة بن دغر في ظل ذات العواصف التي وقفت كتحديات أمام الحكومة، وأبرزها الوضع في المدن الجنوبية، وتصعيد المجلس الانتقالي، ومطالبه بإسقاط الحكومة، بحجة تردي الأوضاع الاقتصادية، ورغم تحديد المجلس لموعد لذلك التصعيد إلا أن تراجعه كان لافتا، وترددت الأنباء حينها عن اتفاق جرى التفاهم عليه بين الرئيس هادي وكلٍّ من الإمارات والسعودية، لكن مضمون ذلك الاتفاق لم يتضح بعد.
 
وجاء توضيح خلفيات الإقالة كما أوردتها وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" لتضيف تفسيرا آخر لما يجري، مغلفا بمبررات مشابهة لتلك التي قُذفت في وجه رئيس الوزراء السابق خالد بحاح.
 
فقد جرى تحميل بن دغر الكثير من وزر الحكومة بشكل عام، بما فيها إعصار المهرة الذي لا يزال جاريا، والتدهور الاقتصادي الحاصل مؤخرا، وغيرها من المبررات الأخرى.
 
ولم يقف قرار الإقالة عند مستوى الإطاحة ببن دغر من رئاسة الحكومة، بل تضمن القرار الرئاسي إحالته للتحقيق، وهذه المرة الثانية التي يحال فيها مسؤول حكومي للتحقيق، إذ كانت الأولى من نصيب عضو مجلس الوزراء هاني بن بريك، الذي تحول لاحقا ليشغل منصبا قياديا في المجلس الانتقالي التابع للإمارات.
 
مسألة إحالة بن دغر للتحقيق قياسا بمبررات القرار الذي نشرته وكالة "سبأ" الرسمية لا تبدو منطقية، فالحكومة بشكل كامل وعبر مختلف أعضائها تتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع في اليمن، لكن الأمر يشير إلى أن هادي سعى لإحراق شخصية بن دغر مستقبلا، ومنعه من ممارسة أي نشاط آخر على المستوى الحكومي أو الحزبي داخل المؤتمر الشعبي العام.
 
لقد عكس قرار إقالة بن دغر في كل الأحوال، صراعا متعدد الأقطاب، يتراوح بين الصراع البيني داخل الشرعية نفسها، وصراعا آخر حزبي في دائرة المؤتمر الشعبي العام، وصراعا آخر إقليمي بين كلٍّ من السعودية ودولة الإمارات، غير أن تداعيات هذا الصراع لم تتضح بعد، هل كان الثمن رأس بن دغر وحده، أم أن شخصيات آخرى ستسقط في الحكومة؟
 
فالمجلس الانتقالي بدا وكأن مطلبه قد تحقق في إسقاط رئيس الحكومة، الذي صعد في وجهه طوال العامين الماضيين، لكن المجلس الذي أوقف تصعيده الأخير، لم يدخل في تشكيلة الحكومة حتى اللحظة، ما يشير إلى تعديلات حكومية قادمة، يُستوعب فيها الانتقالي داخل تشكيلة الحكومة، لضمان تهدئة الأمور في الجنوب، أو أن التضحية تكون قد وقعت على بن دغر وحده.
 
من الواضح أن إقالة بن دغر ستؤثر على العديد من القضايا، من بينها المساعي التي كان يقودها في لملمة المؤتمر الشعبي العام وقياداته في الخارج بالطريقة التي كان يعتقدها، وهي جمع تلك القيادات مع الاستمرار في المطالبة بعودة نجل صالح لقيادة الحزب، وبهذه الإقالة يكون هادي أيضا قد مهد الطريق أمام نفسه لتولي قيادة الحزب.
 
لكن التحديات التي واجهته إبان رئاسته للحكومة، ستظل هي ذاتها، إذا استمر العمل بنفس الآلية والطريقة، وهي تحديات في المقام الأول من صناعة التحالف العربي نفسه.


التعليقات