دواب الحروب.. بين بغال أفغانستان وحمير اليمن
- الجزيرة نت الخميس, 22 نوفمبر, 2018 - 04:28 مساءً
دواب الحروب.. بين بغال أفغانستان وحمير اليمن

[ الحمير تحمل المساعدات إلى المناطق الجبلية الوعرة باليمن - رويترز ]

بين أفغانستان واليمن أوجه شبه كثيرة، فهما دولتان مسلمتان آسيويتان، القبيلة هي عماد المجتمع فيهما، يشتركان بدرجات متفاوتة في مظاهر الفقر والتخلف والحرمان، لكنهما دفعتا و تدفعان ضريبة الأطماع في الموقع الجغرافي رغم أن الأولى دولة حبيسة تفتقر إلى منفذ بحري، والثانية تتمتع بإطلالات ساحلية وموانئ بحرية إستراتيجية.
 
تضاريس البلدين جبلية وعرة في غالبها، حيث توجد مناطق لا يمكن الوصول إليها إلا بالدواب التي سبق أن سجلت حضورا رئيسيا في حروب ما قبل تقدم تكنولوجيا الصناعات العسكرية.
 
بغال أفغانستان
 
استدعت الحرب الأفغانية في طبعة "الجهاد" ضد التدخل السوفياتي في أفغانستان -في الفترة من أواخر عام 1979 حتى عام 1989- الاستعانة بالبغال لنقل العتاد والمؤن العسكرية إلى المجاهدين في المناطق الجبلية الوعرة.
 
ولأن تعداد البغال الأفغانية المحلية لم يكن كافيا بالغرض لتوفيرها على كافة الجبهات فقد مولت أميركا "صفقة بغال" لمساندة المجاهدين في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي.
 
وفي كتابه "من نيويورك إلى كابول.. كلام في السياسة"، يقف الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل عند صفقة البغال تلك قائلا "احتاج الجهاد في أفغانستان إلى ستة آلاف بغل، لأن البغال أشد تحملا لطلوع الجبال في أفغانستان وتكفَّل أحد رجال الأعمال من المحظوظين باستيراد ستة آلاف بغل من قبرص، وشحنها إلى أفغانستان".
 
وتجنب الكاتب ذكر اسم رجل الأعمال المصري -المقرب من الرئيس المصري في ذلك الوقت حسني مبارك- الذي تولى استيراد البغال وتصديرها لكنه قال "اكتشف أحدهم أن الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات يريد أن يتخلص من الحمير في الإمارات، فجمع ما كان منها في بلده، وأرسلها هدية إلى من يحتاجها في الريف المصري، لكن هدية الحمير وجدت من يحصل عليها، ثم يعيد بيعها لأفغانستان، لاستعمالها في النقل على الخطوط الخلفية للجهاد".
 
أسلحة وانتخابات
 
خرج الروس وبقيت البغال حاضرة حتى بعد أن انتهى الجهاد ضد السوفيات وسقطت كابل بيد شركاء الجهاد الذين تحولوا لاحقا إلى فرقاء يتصارعون على السلطة والنفوذ، حتى ظهور حركة طالبان التي سيطرت على العاصمة كابل عام 1996 إلى أن أسقطتها الحرب الأميركية عام 2001.
 
انحسر الدور العسكري للبغال والحمير الأفغانية نسبيا، لكنها وجدت لها دورا آخر في المشهد السياسي الذي لم يستقر بعد، حيث أصبح نقل معدات انتخابية لتوزيعها في الولايات إلى المناطق التي لا تصلها السيارات على ظهور تلك الدواب أمرا شائعا منذ أول انتخابات نظمت في أفغانستان في 2004 بعد سقوط نظام طالبان.
 
وبشهادة مسؤولين في اللجنة الانتخابية المستقلة، فإن حوالي أربعة آلاف حمار وحصان وبغل تستخدم في نقل المستلزمات الانتخابية وتوزيعها في الولايات التسع بما فيها بدخشان وبانشير وكونار وباميان.
 
وشوهدت قوافل البغال والحمير تجتاز التضاريس الوعرة لجبال هندوكوش في سلسلة جبال الهيمالايا، من أجل توزيع البطاقات الانتخابية في قرى المنطقة، رغم التساقط الكثيف للثلوج، كما باتت تلك الدواب موردا ماليا لأصحابها في المناسبات الانتخابية.
 
حمير اليمن

في المأساة اليمنية سجلت الحمير حضورا لافتا في المشهد البائس، فبعد أن تخلى الناس عن تربيتها في ظل وجود سيارات، فإنهم لجؤوا إليها مع اشتداد الأزمة الخانقة في المشتقات النفطية في زمن الحرب التي أرغمت العديد من اليمنيين على العودة إلى "ركوبتهم الأولى".
 
كما وجدت الحمير مكانا لها في شوارع المدن الرئيسية، وشوهد يمنيون يمتطون الحمير ويسيرون بها لقضاء حوائجهم، ويحملون عليها بضائعهم، وهي مشاهد كانت قد غابت خلال السنوات الماضية في تلك المدن.
 
ومع عودة الإقبال عليها في زمن الحرب سجلت أسعار الحمير ارتفاعا اقترب من الضعف، حيث ارتفع سعر الحمار إلى 65 ألف ريال يمني (260 دولارا)، في حين لم يكن يتجاوز سعره ثلاثين ألف ريال.
 
وبقدر ارتباط بغال زمن الحرب في أفغانستان بالمهام القتالية لنقل الآلة العسكرية، كان ارتباط حمير اليمن بالمهام الإنسانية كنقل المواد الإغاثية والمساعدات الغذائية إلى المناطق الوعرة التي يصعب الوصول إليها بالسيارات.
 
هذه الحالة دفعت اليمنيين في عدن قبل نحو عامين إلى إقامة حفل "تكريم الحمار" لدوره في الإغاثة وتخفيف الحصار بلغ حد الثناء على الحمار شعرا على لسان الناشطة حياة الذبحاني التي كتبت تقول "ينقذنا حمار.. له جزيل شكرنا المدرار.. لصنعه الجبار.. أغلى هدية لبلدتي حمار.. وحين أصنع القرار لن يشترى إلا كما العقار.. أو ربما بوزنه من عملة الدولار.. ينقذنا حمار".
 
كما طالب أحد اليمنيين الأمم المتحدة والتحالف والحكومة بأن يرسلوا حميرا لدعم الجهود الإغاثية، لكن مثل هذا الطلب لم يجد آذانا مصغية لتبنيه أو تلبيته رغم أهميته للبسطاء من المدنيين المغلوبين على أمرهم في مشهد العوز والحرمان والمرض والأوبئة في سنين الحرب التي لا تزال مفتوحة.
 
وبقدر ما تحمست أميركا الثمانينيات لتمويل صفقة "البغال القتالية" في أفغانستان بقدر تنكرها لمثل هذه الأصوات الصادرة من بسطاء الداخل اليمني التي لم تجد بعد من يتبنى تمويل صفقة "حمير إغاثية" لليمن .


التعليقات