الأخبار الزائفة والقرصنة الإلكترونية.. مسؤولية من؟
- الجزيرة نت - ندى أمين الاربعاء, 18 أبريل, 2018 - 08:00 مساءً
الأخبار الزائفة والقرصنة الإلكترونية.. مسؤولية من؟

[ الأخبار الزائفة والقرصنة الإلكترونية.. مسؤولية من؟ ]

"إنه من شبه المستحيل بدء شركة في غرفتك الجامعية، وأن تنمّي المشروع للدرجة التي بلغناها الآن دون ارتكاب بعض الأخطاء. لقد كان هذا خطأ كبيرا، وهو خطئي وأنا أعتذر. لقد بدأتُ فيسبوك وأديرها، وأنا أتحمل كامل المسؤولية عما حدث ويحدث".
 
بالعبارة السابقة اعتذر المؤسس والمدير التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ عن فضيحة "كامبريدج أناليتيكا"، التي كشف عبرها تسريب البيانات الشخصية لأكثر من 87 مليون مستخدم للموقع، وذلك خلال جلستيْ استماع أمام لجان مشتركة من أعضاء الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي. وقد طُرحت في الجلستين أسئلة ساخنة، ووصفتهما صحيفة الغارديان البريطانية بأنهما من جلسات "الإذلال العلني".
 
أزمات متلاحقة
 
لا ريب أن دوائر صنع القرار في واشنطن أرادت تذكير زوكربيرغ بسطوتها وقدرتها على إخضاعه لقوانين اللعبة السياسية الأميركية، حيث يشكل التحقيق مع زوكربيرغ أول حالة من نوعها يخضع فيها مؤسس لإحدى وسائل التواصل الاجتماعي لمساءلة رسمية من الكونغرس.
 
وقد جاء التحقيق مع زوكربيرغ بينما تمر شركة فيسبوك بأزمات متلاحقة بسبب وجود أكثر من ربع مليار حساب مزيف، وانتشار الأخبار الكاذبة وخطابات العنف والكراهية. غير أن فضيحة تسريب بيانات المستخدمين بواسطة شركة "كامبريدج أناليتيكا" تعد الفضيحة الأكبر في تاريخ الموقع.
 
و"كامبريدج أناليتيكا" هي شركة استشارات تعمل في مجال تحليل البيانات لأهداف تسويقية وأغراض سياسية، إلا أن حماية تلك البيانات من التسريب أو سوء الاستغلال تظل -وفق خبراء- مسؤولية مشتركة بينها وبين فيسبوك. وهو ما فتح أبواب الجحيم على الموقع الإلكتروني منذ الكشف عن تلك الفضيحة في شهر مارس/آذار الماضي.
 
وقد دفع زوكربيرغ جراء ذلك فاتورة باهظة من الخسائر المالية التي قُدِّرت بمليارات الدولارات، بما فيها تراجع القيمة السوقية للموقع. وقد ترك عدد كبير من المستخدمين الموقع، بمن فيهم من شخصيات كبيرة مثل الشريك المؤسس لشركة آبل ستيف وزنياك.
 
وهنالك مزاعم بأن البيانات المسربة أدت إلى تضليل الرأي العام الأميركي، وذلك عبر ضلوع العملاء الروس في عمليات تجسس وقرصنة إلكترونية على مكالمات ورسائل المستخدمين، للتأثير في نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.
 
وقد تم استهداف الأميركيين -خلال فترة الانتخابات- بدعاية سياسية تم تصميمها خصيصا للتأثير عليهم، لصالح الرئيس الحالي دونالد ترمب وضد منافسته السابقة على كرسي الرئاسة هيلاري كلينتون.
 
وإذا تأكد هذا الزعم بواسطة السلطات القضائية -وهو تعاون مرشح أميركي مع مخابرات دولة أجنبية- فقد يكلف ذلك الرئيسَ الأميركي فقْد منصبه، كما أن شركة فيسبوك نفسها ستتعرض لعقوبات قضائية ومالية باهظة.
 
وقد انتقلت هذه الاتهامات -عبر الخرائط والحدود- من واشنطن إلى العديد من الدول الأوروبية، حيث صرحت رئيسة وزراء بريطانيا بتأسيسها لوحدة أمنية لمكافحة الشائعات على الإنترنت، وأكدت أن الأخبار المزيفة خطر على الصحافة الحقيقية. كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه تقديم قانون ضد الأخبار الكاذبة لحماية الديمقراطية في فرنسا بنهاية العام الحالي.
 
وبينما تنفي روسيا تدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان؛ تتهمها ماي بالتدخل في الانتخابات البريطانية السابقة، بما في ذلك استفتاء 2016 بشأن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
 
وقد شكك مراقبون في مدى سلامة هذه الإجراءات التي يمكن -من وجهة نظرهم- أن تؤدي إلى تقويض الديمقراطية وحرية الرأي في بلدانهم، وتساءلوا: ما هي الأخبار الكاذبة؟ ومن الذي سيحدد مفهوم الأخبار الكاذبة؟
 
اتهام العمالقة
كشفت قائمة "مليارديرات العالم" -التي تصدرها مجلة "فوربس" الأميركية سنويا لأثرى الأثرياء في العالم- عن سيطرة أميركية تكنولوجية في عام 2018؛ حيث إن ستة من أسماء العشرة الأوائل في القائمة من أصحاب الجنسية الأميركية، ويعملون في مجال التكنولوجيا.
 
وقد احتل -ولأول مرة منذ سنوات- جيف بيزوس (مؤسس موقع "أمازون دوت كوم") المركزَ الأول، بدلا عن بيل غيتس (مؤسس شركة مايكروسوفت) الذي تراجع ترتيبه إلى المركز الثاني، وحل مارك زوكربيرغ (مؤسس شركة فيسبوك) في المرتبة الرابعة.
 
وقد جاء لاري إليسون (مالك شركة "أوراكل" لتقنية المعلومات) في المرتبة السابعة، واحتل لاري بيج وسيرجي برين (مؤسسا محرك البحث "غوغل") المرتبة التاسعة والعاشرة على التوالي.
 
ولكن أباطرة التكنولوجيا الأميركان وقعوا -على ما يبدو- تحت مرمى النيران، وربما حلّت عليهم "لعنة المال" حيث يواجهون انتقادات كبيرة ولاذعة بالتلاعب في الأخبار، لخداع المستخدمين وجني الأرباح الطائلة من وراء ذلك.
 
ويمثل تطبيق خدمة الرسائل الشعبية "واتس آب" صداعا آخر لزوكربيرغ بعد شرائه للتطبيق عام 2014 وضمه إلى شركة فيسبوك، إذ يوفر التطبيق مرتعا خصبا لانتشار الشائعات مع مليارات من الرسائل المتبادلة يوميا بشكل تصعب معه مراقبتها أو السيطرة عليها.
 
وعلى إثر هذه الاتهامات المتلاحقة؛ أعلنت هذه الشركات التكنولوجية أنها ستعمل على إدخال حزمة من الأدوات الجديدة لمنع انتشار الأخبار الكاذبة على مواقعها.
 
فمثلا؛ أدخل فيسبوك خدمة تمكن المستخدمين من إبلاغ إدارة الموقع عن الأخبار المشكوك فيها، وستقوم الإدارة بدورها بإرسالها إلى الوكالات الإخبارية العالمية للتدقيق فيها. كما أنه يقوم -بصفة دورية- بإغلاق الحسابات المزيفة أو التي تنشر أخبارا وهمية.
 
أما شركة غوغل فلجأت إلى نظام فلترة نتائج البحث بإضافة علامة التحقق من الأخبار داخل خدمة أخبار غوغل، كما قامت بمنع نشر الإعلانات على المواقع الإخبارية الوهمية لمعاقبة ناشري الأكاذيب.
 
وفي ذات الوقت؛ تتعرض شركة أمازون -التي تملك أكبر متجر للتجزئة على الإنترنت في العالم- للكثير من الانتقادات المتوالية من قبل الرئيس الأميركي ترمب، الذي يتهمها باستغلال خدمة البريد الأميركية لتحقيق مكاسب مالية كبيرة، وباحتكار سوق التجزئة الإلكتروني مما أدى إلى تقليل المنافسة وخروج تجار التجزئة الآخرين عن السوق لصعوبة المنافسة.
 
وعزت صحيفة الواشنطن بوست -وهي كبرى الصحف الأميركية وأكثرها انتشارا- السبب الحقيقي لهجوم ترمب على أمازون إلى حنقه على رئيسها التنفيذي بيزوس، وهو المالك لواشنطن بوست التي كثيرا ما توجه الانتقادات الساخنة لسياسات إدارته. وأضافت الصحيفة أنها -رغم ملكيتها من قبل بيزوس- فإنها تعمل بنهج مستقل تماما عن مالكها.
 
ضارة نافعة
ولم تسلم شركة "آبل" -وغيرها من شركات تصنيع الهواتف الذكية- من عاصفة الاتهامات هذه؛ إذ يقرأ المستخدمون في أنحاء العالم غالبية الأخبار عبر الأجهزة الذكية التي تصنعها هذه الشركات. ولذلك؛ أعلنت شركة آبل عزمها شن المعركة على الأخبار الكاذبة بتقنيات جديد لم تُفصح عنها بعدُ.
 
وقد كشف تقرير نشرته مجلة "ساينس" العلمية -ويتناول نحو 126 ألف تغريدة على تويتربين 2006 و2017- عن الدور الكبير الذي يقوم به مستخدمو تويتر في انتشار الأخبار الكاذبة. فقد قام ثلاثة ملايين شخص بإعادة تغريد هذه القصص الإخبارية الكاذبة أكثر من 4.5 ملايين مرة.
 
"تُنتَقد مواقع التواصل الاجتماعي بسبب نشر الأخبار الكاذبة والتحريض على العنف والكراهية، إلا أنه يجب أن يحسب لها أنها كسرت الاحتكار التقليدي للحكومات على وسائل الإعلام، وأتاحت لمستخدميها مساحات واسعة من الحريات. ولكن -كما يقول المثل "رب ضارة نافعة"- ربما تكون دوائر الاتهامات والشكوك المتزايدة التي تحوم حول وسائل الإعلام الجديد في مصلحة الإعلام التقليدي"
 
وقد ذكر التقرير أن الأخبار الزائفة تنتشر أسرع من الأخبار الحقيقية على أساس "فرضية الغرابة أو الطرافة"، التي تفترض أن الناس يتشاركون هذه الأخبار ويتفاعلون معها، لأنها تثير الاستغراب أو الاستفزاز أو الدهشة أو الخوف والقلق أكثر من الأخبار الحقيقية.
 
ولذلك؛ فإن الجميع بحاجة إلى القيام بدوره، إذ يجب على شركات التكنولوجيا والمؤسسات الإعلامية إدخال التقنيات الحديثة اللازمة لفلترة الأخبار الزائفة، ومنع تسلل قراصنة البيانات إلى مواقعها.
 
كما يجب على المستخدمين الالتزام بالمسؤولية الأخلاقية التي تحتم عليهم عدم التسرع في نشر الأخبار، حتى يتم التحقق من سلامتها بالرجوع إلى المصادر الرسمية ذات الثقة والمصداقية.
 
تُنتَقد مواقع التواصل الاجتماعي بسبب نشر الأخبار الكاذبة والتحريض على العنف والكراهية، إلا أنه يجب أن يحسب لها أنها كسرت الاحتكار التقليدي للحكومات على وسائل الإعلام، وأتاحت لمستخدميها مساحات واسعة من الحريات.
 
ولكن -كما يقول المثل "رب ضارة نافعة"- ربما تكون دوائر الاتهامات والشكوك المتزايدة التي تحوم حول وسائل الإعلام الجديد في مصلحة الإعلام التقليدي، الذي عانى من تراجع كبير في عدد مستخدميه وإيراداته جراء الانتشار غير المسبوق للإعلام الجديد.
 
فقد كشفت دراسة حديثة -أجرتها شركة إيدلمان الاستشارية البريطانية ونشرتها مجلة "تايم" البريطانية- عن انخفاض الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي إلى مستوى قياسي؛ إذ فقد البريطانيون الثقة في شركات مثل فيسبوك وتويتر.
 
وأظهرت الدراسة أن أقل من ربع المستخدمين فقط يثقون في شركات التواصل الاجتماعي، كما خلصت إلى بعض الحقائق المهمة، ومن أبرزها ارتفاع الثقة في وسائل الإعلام التقليدية (مثل الصحف والتلفزيون) من نسبة 13 نقطة مئوية في العام الماضي إلى 61% حاليا، وهو أعلى مستوى لها منذ ست سنوات، حيث يبحث المستهلكون عن تغطية إخبارية موثوقة.
 
وهذا الاتجاه المعاكس الذي بدأ يظهر على السطح طالب به البريطاني تشارلي بيكيت في كتابه "الإعلام الخارق: إنقاذ الصحافة كي تنقذ العالم"؛ حيث تدور فكرته الجوهرية حول ضرورة البحث عن أساليب لتقوية حضور وتأثير الصحافة باعتبارها محفزا للإصلاح في حياتنا.
 
وبحسب المؤلف؛ فإن الصحافة اليوم هي ضحية التطورات التكنولوجية التي أوهنت قدرتها على إحداث التغيير، لأن الإعلام الجديد وفر منصات عديدة تسمح لأي شخص أو جهة ذات انتماءات معينة بالانخراط في الإنتاج الإعلامي والتأثير على الرأي العام.
 


التعليقات