أمريكا والإرهاب في اليمن.. مخاوف حقيقية أم توظيف سياسي؟ (تحليل خاص)
- خاص - عبدالسلام قائد الثلاثاء, 26 يوليو, 2016 - 05:28 مساءً
أمريكا والإرهاب في اليمن.. مخاوف حقيقية أم توظيف سياسي؟ (تحليل خاص)

[ أمريكا تولى الحرب على ما اسمته الإرهاب في اليمن اهتماما كبيرا ]

تزايد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب على الإرهاب في اليمن مؤخراً، من خلال تكثيف طلعات الطائرات بدون طيار، وإرسال مستشارين عسكريين إلى اليمن، وتصريحات لقيادات عسكرية أمريكية تؤكد رغبة الولايات المتحدة في زيادة عدد جنودها في اليمن لمكافحة الإرهاب.

ورغم أن حالة الإرهاب في اليمن لا تصل إلى درجة من الخطورة كما هو الحال في سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، بالإضافة إلى توقف الأعمال الإرهابية التي تستهدف أهدافاً أمريكية في اليمن نتيجة ظروف الحرب الأهلية، فما هي مبررات الاهتمام الأمريكي بالحرب على الإرهاب في اليمن، وعدم الاهتمام بالأسباب التي ستؤدي إلى نمو الإرهاب، خاصة انقلاب ميليشيات الحوثيين والمخلوع صالح على السلطة الشرعية، وجر البلاد إلى الحرب الأهلية، لا سيما أن ذلك يأتي في ظل أوضاع استثنائية تمر بها البلاد، وتراجع دور العناصر الإرهابية في اليمن إلى هامش الأحداث، ولم تستطع أن تغير في مسار الأحداث وسير المعارك كما هو حاصل في سوريا والعراق.
 
- التحركات الأخيرة

أولت الإدارة الأمريكية في الفترة الأخيرة اهتماماً خاصاً بملف الإرهاب في اليمن، فبعد أن سحبت جنودها من اليمن مطلع العام 2015 بالتزامن مع اندلاع الحرب الأهلية في البلاد، عاودت مؤخراً نشر عدد من الجنود والخبراء العسكريين لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب.

ففي 7 مايو الماضي، أعلنت واشنطن نشر عدد من مقاتليها في اليمن لمساعدة قوات التحالف العربي في حربها على عناصر القاعدة في اليمن، وخاصة في بعض المحافظات الجنوبية.

وفي 19 يونيو الماضي، ذكرت مصادر إعلامية أن عدداً من الضباط الأمريكيين وصلوا إلى قاعدة العند، وسيقومون بمهام استشارية في إطار الحرب على الإرهاب.

وفي 15 يوليو الحالي، قال الجنرال الأمريكي جوزيف فوتيل، المشرف على القوات الأمريكية في المنطقة العربية، في مقابلة مع وكالة رويترز، إن "الجيش الأمريكي يدرس زيادة وجوده في اليمن للتصدي للقاعدة".

وتكرر خلال الأيام الأخيرة الإعلان من قبل الإدارة الأمريكية عن مقتل عدد من عناصر القاعدة في اليمن نتيجة غارات تشنها طائرات أمريكية بدون طيار.
 
- ازدواج المعايير

رغم أن الولايات المتحدة سحبت جنودها من اليمن، مطلع العام 2015، تزامناً مع اندلاع الحرب الأهلية في البلاد، إلا أنها كثفت من الغارات التي تنفذها طائرات بدون طيار، واستهدف كثيراً منها مواقع للمقاومة الشعبية في محافظة البيضاء، وشكل ذلك دعماً لميليشيات الحوثيين وقوات صالح التي تواجه مقاومة شرسة في المحافظة ذاتها، وأثار في نفس الوقت مزيداً من الشبهات حول جدية المزاعم الأمريكية بخصوص الحرب على الإرهاب في اليمن.

وكان لافتاً أن الولايات المتحدة لم تشن غارات تذكر على مواقع جماعة أنصار الشريعة المرتبطة بتنظيم القاعدة أثناء سيطرتها على جزء كبير من محافظة أبين أثناء الثورة الشعبية ضد نظام صالح في العام 2011، واستمرت الجماعة تفرض سيطرتها في العلن لعدة أشهر، حتى تم تحرير المناطق التي سيطرت عليها الجماعة من قبل القوات الحكومية بعد تولي عبدربه منصور هادي رئاسة البلاد بموجب المبادرة الخليجية، ولم تشارك الولايات المتحدة مطلقاً في تلك الحرب.

كما أن الولايات المتحدة لم تشن غارات بواسطة طائرات بدون طيار ضد عناصر تنظيم القاعدة الذين سيطروا على مدينة المكلا ومناطق أخرى في محافظة حضرموت، رغم ظهورهم إلى العلن، ونصبهم نقاط تفتيش في الطرقات ومداخل المدن، والسيطرة على مقار أمنية حكومية، وظلت الإدارة الأمريكية على صمتها حتى أقدمت قوات عسكرية خليجية على تحرير مدينة المكلا ومناطق أخرى في محافظة حضرموت، فاكتفت -أي الإدارة الأمريكية- بإرسال عدد قليل من المستشارين العسكريين إلى اليمن، ولكن بعد الانتهاء من عملية التحرير.

وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا صمتت الإدارة الأمريكية عن عناصر القاعدة الذين سيطروا على أجزاء كبيرة من محافظة حضرموت، وقبل ذلك صمتت عندما سيطرت جماعة أنصار الشريعة على أجزاء كبيرة من محافظة أبين، لكنها لم تصمت بسبب ادعاء ميليشيات الحوثيين والمخلوع صالح أن من يواجههم في محافظة البيضاء هم عناصر القاعدة وليس المقاومة الشعبية، وشنت غارات جوية على مواقع المقاومة الشعبية، ما أسهم في ترجيح سير المعركة لصالح الانقلابيين؟

أيضاً، لماذا ضمت الإدارة الأمريكية مسؤولين حكوميين وقيادات في المقاومة الشعبية من أبناء محافظة البيضاء إلى قائمة الإرهاب، وفي نفس الوقت أعلنت أنها لا تعتبر الحوثيين جماعة إرهابية. وكان جاستين سايبريل، منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، قد قال، يوم 2 يونيو الماضي: "الولايات المتحدة لا تعتبر الحوثيين منظمة إرهابية، وإنما طرفاً في النزاع، وجهة في المفاوضات التي تهدف لتسوية النزاع".
 
- الأجندة الأمريكية

لا شك أن الحرب على الإرهاب تأتي في صدارة اهتمامات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إلا أن طبيعة هذه الحرب تخضع للأجندة الأمريكية ومصالحها السياسية والاقتصادية في العالم، وهو ما يتجلى بوضوح في الحالة اليمنية.
فمن ناحية، تولي الإدارة الأمريكية اهتماماً ملفتاً بطرق التجارة العالمية والمضايق الرئيسية، ومن أهمها مضيق باب المندب، الذي منح اليمن موقعاً إستراتيجياً مهماً بالنسبة لحركة الملاحة العالمية، ولذا فقد كان لا بد للإدارة الأمريكية من أن تهول من خطر الإرهاب في اليمن لتعزيز سيطرتها على المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر، لدرجة أن الإعلام الأمريكي وصف تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، والذي يتخذ من اليمن مقراً له، قبل بضعة أعوام، بأنه أخطر من تنظيم القاعدة الأم المنتشر في باكستان وأفغاتستان.

ومن ناحية أخرى، تخصع الحرب الأمريكية على الإرهاب لتحالفاتها المتغيرة مع القوى الإقليمية والدولية، والتوظيف السياسي للإرهاب، ويتضح ذلك من خلال الدلال الزائد من قبل الإدارة الأمريكية للجماعات الشيعية المسلحة في اليمن والعراق وسوريا، وعدم ضم أياً منها إلى قائمة الإرهاب، فيما عمدت إلى ضم مختلف الجماعات السنية التي تقاتل ضد جيش بشار الأسد إلى قائمة الإرهاب، كما أنها ضمت مسؤولين حكوميين يمنيين إلى قائمة الإرهاب، رغم عدم انخراطهم في أي جماعة إرهابية من قبل، واقتصر نشاطهم العسكري ضمن المقاومة الشعبية ضد ميليشيات الحوثيين والمخلوع صالح الانقلابية، تحت غطاء السلطة الشرعية، وقوات التحالف العربي التي تدخلت ضد الانقلابيين دعماً للسلطة الشرعية.

وأخيراً، يتضح من خلال ما سبق، أن الإدارة الأمريكية تبالغ من خطر الإرهاب في اليمن، وتسلك معايير مزدوجة في حربها المزعومة على الإرهاب، بشكل يتناسب مع سياستها الخارجية ومصالحها وأطماعها التوسعية في البحار والمحيطات، بالإضافة إلى التأثير الذي تفرضه تحالفاتها المتغيرة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية.
 
 
 
 


التعليقات