المجلس السياسي للانقلابيين.. هروب إلى الأمام وانتحار سياسي (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد - خاص الأحد, 31 يوليو, 2016 - 05:59 مساءً
المجلس السياسي للانقلابيين.. هروب إلى الأمام وانتحار سياسي (تحليل خاص)

[ الانقلابيون يشكلون مجلس سياسي لإدارة المناطق الواقعة تحت سيطرتهم ]

في خطوة مفاجئة، أعلن الانقلابيون على السلطة الشرعية في اليمن (المخلوع علي صالح وجماعة الحوثيين) عن تشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى"، يوم الخميس الماضي، بهدف إدارة البلاد، وتوحيد الجهود لمواجهة العدوان السعودي، بحسب ما ورد في بيان الإشهار.
 
وخلافاً لما ورد في الإعلان عن المجلس المذكور، يمكن القول إن الهدف منه، بدرجة رئيسية، حل الخلافات المتفاقمة فيما بين الانقلابيين، لكنهم سيحاولون تحويله إلى ورقة ضغط في حال استؤنفت مفاوضات الكويت مرة أخرى، وهو في كل الأحوال يعكس فشل الانقلابيين إدارياً وعسكرياً وسياسياً.
 
هروب إلى الأمام
 
سياسة الهروب إلى الأمام هي السياسة الوحيدة التي تجيدها ميليشيات الحوثيين منذ انقلابها على العملية السياسية ومخرجات الحوار الوطني ثم السلطة الشرعية، ويأتي اتفاقها الأخير مع المخلوع علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر ضمن هذه السياسة، وهي السياسة التي بدأ يسلكها المخلوع علي صالح أيضاً، الذي أصبح همه الوحيد الانتقام من خصومه السياسيين حتى وإن تحالف مع الشيطان.
 
ومع انسداد أفق الحل السياسي، وصمود المقاومة الشعبية والجيش الوطني في مختلف الجبهات، وتقلص المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها الانقلابيون، والحديث عن احتمال عودة تدخل قوات التحالف العربي لحسم المعركة وتحرير العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى تفاقم الخسائر في صفوف الميليشيات الانقلابية، والخلافات بين المخلوع صالح والحوثيين، ونفاد الاحتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي، كل تلك التحديات جعلت الخيارات المتاحة أمام الانقلابيين لمواجهتها معدومة، لذا كان لا بد من الهروب إلى الأمام في خطوة تتمثل في الاتفاق على تشكيل مجلس سياسي لا يحمل أي صفة دستورية، وكان من الممكن التنسيق حول الأهداف منه دون الإعلان عن تشكيله، لكنهم -أي الانقلابيون- أصروا على منح الاتفاق على حل خلافاتهم البينية ضجة إعلامية، أملاً في الإمكان استثمارها سياسياً، سواء في مفاوضات الكويت إن تم استئنافها، أو تحويله إلى نوع من الدعاية السياسية والحشد العسكري في حال فشلت المفاوضات نهائياً، وأصبح الحسم العسكري هو البديل.
 
ولعل الفائدة الوحيدة التي ستعود على الانقلابيين من هذا الاتفاق، هي تنسيق جهودهم العسكرية في حربهم ضد السلطة الشرعية والمقاومة الشعبية، وما عدا ذلك، فليس هناك فائدة تذكر، بل فتبعات الاتفاق السلبية ستظهر تباعاً، وربما تسبب خلافات حادة بين طرفيه، وهنا سيكتشف الانقلابيون أن سياسة الهروب إلى الأمام غير مجدية، وأنه كان يفترض دراسة الواقع جيداً، واتخاذ قرارات مرحلية تتناسب مع طبيعة المرحلة.
 
 انتحار سياسي
 
يظن الانقلابيون أن اتفاقهم على تشكيل مجلس سياسي كان بمثابة "ضربة معلم"، ويتجلى ذلك في أول خطاب للمخلوع علي صالح بعد الاتفاق، والذي أشار فيه إلى أن ما بعد الاتفاق ليس كما قبله، وهدد وأرعد وأزبد، وكأن الاتفاق سيقلب الأوضاع رأساً على عقب، وهذا يعني أن الاتفاق يعكس حالة فشل ويأس، ومحاولة التعلق به تشبه حالة الغريق وهو يتعلق بقشة.
 
ومع مرور الأيام، سيكتشف الانقلابيون أن الاتفاق كان بمثابة "انتحار سياسي"، وأن سلبياته أكثر من إيجابياته، فإذا كان من إيجابياته تنسيق الجهود العسكرية في جبهات القتال، فهذه في الأصل كانت قائمة، وكان من الممكن تكثيفها بدون الحاجة لمثل هكذا اتفاق، إلا أن حالة التخبط واليأس التي وصل لها الانقلابيون، دفعتهم إلى الانتحار السياسي، كل على حدة، من خلال إقدامهم على مثل هكذا اتفاق.
 
فمن جانب، أظهر الاتفاق أن المخلوع علي صالح هو الراعي الرسمي للانقلاب، وبمثل هذا الدليل، لا يمكنه التملص من المسؤولية عن ذلك مستقبلاً، وما سيترتب عليه من محاكمات على جرائمه السابقة واللاحقة في حق الشعب اليمني، بالإضافة إلى تبعات ذلك والثمن الذي سيدفعه أنصاره، وأفراد عائلته، وغيرهم من مناصري الانقلاب، والذين نهبوا خزينة الدولة، ونهبوا الشركات والبنوك الخاصة، والتجار والمواطنين، وارتكبوا أبشع الجرائم ضد الشعب، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، حتى في أحلك سنوات حكم الإمامة.
 
ومن جانب آخر، يكشف الاتفاق عن دلالة مهمة، وهي بداية انحدار جماعة الحوثي، ونهاية مرحلة "الانتفاشة" التي عبر عنها القيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان، فالجماعة تنازلت عن ما أسمته "الإعلان الدستوري"، و"اللجنة الثورية"، وهذا يعني أنها عادت إلى وضعها الطبيعي بشكل مبكر، كميليشيا بدائية همجية مقاتلة، لا تفقه شيئاً في السياسة، أو شؤون الحكم، وعودتها المبكرة إلى وضعها الطبيعي تعكس هزيمتها وخسائرها البشرية والمادية والأخلاقية، وهذا الأمر كافٍ لإيجاد مبررات عزلها عن ممارسة السياسية، ومحاكمة قياداتها بتهمة الخيانة العظمى والعمالة للخارج واللصوصية والفساد والنهب وقتل الأبرياء، وغير ذلك من الجرائم.
 
وباختصار، يمكن القول إن الاتفاق على تشكيل مجلس سياسي للانقلابيين لإدارة حطام دولة وجثث آلاف القتلى وبنك مركزي فارغ، ما هو إلا مسمار أخير غرزه الانقلابيون في أجسادهم، والكرة الآن في ملعب الطرف الآخر، فإما الإجهاز على الانقلاب والقضاء عليه تماماً، أو منحه الحياة مرة أخرى من خلال المفاوضات العبثية بغرض المشاركة معه في السلطة.
 


التعليقات