الأزمة اليمنية والحسم العسكري بين فرضيات الإرادة والقدرة (تحليل)
- محمد الغابري - خاص الجمعة, 26 أغسطس, 2016 - 02:14 صباحاً
الأزمة اليمنية والحسم العسكري بين فرضيات الإرادة والقدرة (تحليل)

الأزمة اليمنية تتحرك بعد جمود استمر لقرابة ثلاثة أشهر على خلفية المشاورات – كما تم تسميتها- بين طرفي الأزمة في الكويت، وبعد انقضائها بلا نتائج أو فشلها كما هو ظاهر ،عادت الجبهات للاشتعال وتصاعد المواجهات ، وفي الوقت الذي يبدو فيه طرف الشرعية يتقدم ميدانيا فإن طرف الحوثي صالح قام بإجراءات لإحداث تغيير على المشهد السياسي بإعلان قيام المجلس السياسي ويسعى الرئيس المخلوع لجعل المجلس آلية تمهيدية للعودة إلى كرسي الرئاسة.
 
من الواضح أن المجلس لا يستند إلى الدستور لا يوجد في الدستور أن قيام طرفين بالاتفاق على الاستيلاء على السلطة يكون اتفاقهما نافذا، ولا يوجد في الدستور إحلال مجلس سياسي محل رئاسة الجمهورية، وانعقاد مجلس النواب ببعض أعضاء منه لا يجعل ذلك العمل مشروعا.
 
  إن النتيجة لتلك الإجراءات إثبات أن صالح هو الطرف الأقوى في تحالفه مع الحوثي، وأن الحوثيين تحت السيطرة وفي ذلك رسائل لمن يهمه الأمر من أهدافها أردتم سلما أو حربا تعاملوا معي مباشرة لا تجعلوا هادي والإصلاح ندا لي بل تحدثوا معي.
 
والسؤال الذي يفرض نفسه ما الذي ستحمله الأيام والأسابيع القادمة، هل سيتبع تحالف الحوثي وصالح إعلانهم بإحداث تغيير على الأرض مثل هزيمة المقاومة في تعز أو نهم، ليكون منطلقا لاستعادة زمام المبادرة، والعودة للتفاوض من مركز أقوى؟ أو المضي في السيطرة على مناطق أُخرى وفرض واقع جديد؟.
 
قد يكون سلوك صالح والحوثي كما هو شأنهم لا يعني حدوث تحولات ميدانية ذلك لو كان ممكنا لوقع قبل إعلان المجلس السياسي لكن تبقى فرضية السعي لتغيير ما على الأرض قائمة.
 
السؤال الأكثر أهمية هل يتجه طرف الشرعية والتحالف العربي إلى اتخاذ قرار بالحسم عسكريا ؟ وما إمكانيات ذلك ؟ بين الإرادة في الحسم والقدرة على القيام به مجموعة فرضيات.
 
الفرضية الأولى
 
 أنه لا توجد إرادة ولا قدرة، أي أن العملية من الأساس قد بنيت على فرضيات غير مدروسة فحواها أن القيام بعمليات عسكرية جوية ستكون كافية لحمل الحوثي صالح على الاستجابة بالتخلي عن الاستيلاء على المؤسسات وتسليم السلاح ، حفاظا على الشعب ومقدراته من الحرب وما تخلفه من قتلى وجرحى وثكالى ويتامى وأرامل وما تخلفه من دمار ، وهي فرضية تتعامل مع تحالف الحوثي صالح على أنهما يستشعران المسئولية  تجاه البلاد وهم ليسوا كذلك أي أنها فرضية  دون معرفة مسبقة بطبيعتهما إذ لم يتم إخضاعهما لدراسة علمية ومن ثم التوقع المسبق لسلوكهما،  ولا توجد قدرة إذ لا يوجد جيش  ومن ثم الحسم العسكري مستبعدا أي أن الإرادة غير واردة من الأصل ومن ثم لم يكن هناك تفكير بالقدرة على الحسم والإعداد له أي أنه لا توجد إرادة حتى الآن ولا توجد القدرة  وإن عملية إعداد جيش وتحرير بعض المناطق  عملية تكتيكية للمزيد من الضغط للوصول إلى حلول سلمية.
 
الفرضية الثانية
 
 أن الإرادة قائمة غير معلنة لكن القدرة لم تتوفر بعد، وهي أنه ربما لم تكن هناك إرادة للحسم اعتمادا على الفرضية السابقة أن القيام بعمليات جوية ستؤدي إلى استجابة الحوثي صالح ومن ثم إعادة الشرعية ، أن ذلك كان  في البداية إذ لم تكن الصورة واضحة لكنها اتضحت بعد مضي أسابيع أو أشهر على العمليات ومن ثم صارت قناعة بأن الحسم هو الخيار الوحيد وأن التوصل إلى حلول سلمية ضرب من المستحيل لكنه يحتاج إلى وقت لإثبات فشل التفاوض من جهة ولإعداد جيش يمني وقوات برية قادرة على تحقيق الحسم على الأرض وأن عملية الإعداد لاتزال جارية ولم تصل بعد إلى الجاهزية الكاملة لذلك المسألة مسألة وقت.
 
الفرضية الثالثة
 
أن القدرة متوفرة لكن الإرادة لم تتوفر بعد، هذه الفرضية تعتمد على معطيات الإمكانات الواسعة للملكة والتحالف ووجود وتوفر العنصر البشري اليمني وأنه قد تم إعداد جيش وقادر على الحسم لكن الإرادة لم تتوفر بعد أو دونها عوائق تتصل بمستقبل اليمن والنظام الذي سيكون مأمون الجانب من جهة والضغوط الخارجية التي تمارس بأشكال مختلفة وهذه الفرضية تعتمد على مخاوف إقليمية ودولية مما بعد التحرير عسكريا وسقوط الحوثي صالح، وتسند هذه الفرضية شواهد اثبات تتمثل في المعطيات التالية:
 
 1- لقد كان نظام صالح والمؤتمر الشعبي العام الصيغة المقبولة خارجيا فلم يكن يسمح بنهوض وفي الوقت نفسه يوفر استقرارا هشا يلائم المحافظة على المصالح الإقليمية والدولية، وأن القوى الغربية تفضل وجود نظام ثابت ويكون أفضل إن كان يعتمد التعددية الحزبية نظريا لكن هناك حزب السلطة المهيمن ويجري انتخابات لكن ليفوز حزب السلطة أي نظام تعددي ظاهرا ونظام الحزب الواحد واقعا نظام يرعى التخلف وينمي الفساد ,وكان هذا أيضا في تونس ومصر واضحا، لكن بعد ثورة فبراير كانت القوى الخارجية تتطلع إلى إعادة إنتاج النظام بوجوه جديدة مثل إعادة إنتاج نظام مبارك بدون مبارك بل بالسيسي غير أن ما حدث في اليمن قد جعل العملية معقدة ومن ثم لم يصلوا خارجيا - وخاصة واشنطن - إلى إعادة إنتاج النظام بوجوه أُخرى لذلك ستبقى الأزمة قائمة لحين عثور واشنطن على النظام السابق بدون صالح وهنا تأخذ واشنطن الثورات العربية مأخذ الجد من زاويتين الأُولى أن شخصا اندلعت ثورة شعبية ليس جيدا إعادته للسلطة فقد أستهلك.
 
الزاوية الأُخرى: السماح لأي ثورة عربية تأخذ مداها يعني حدوث تغيير غير مرغوب فيه ويشكل أخطارا مستقبلية على المصالح التي من شروطها هيمنة التخلف والفساد على المنطقة لذلك فإن القبول ظاهريا بالثورة ثم الالتفاف عليها بإعادة إنتاج النظام وليس الأشخاص أنفسهم.
 
2- وتبعا للنقطة السابقة فإن واشنطن مع أطراف إقليمية ودولية أُخرى تخشى في حالة الحسم العسكري وسقوط الحوثي صالح أن يكون البديل هو حزب الإصلاح بصفته القوة المنظمة والموجود على مستوى البلاد وهو مالا تستطيع تلك الجهات أن تفكر بإمكانية التعايش معه    وهذه المخاوف تتصل بأن الساحة ستخلو للإصلاح.
 
3- يعمل الرئيس المخلوع  وحليفه الحوثي على قطع كل خطوط الرجعة مع الشرعية والتحالف العربي ومجلس الأمن الدولي في المقابل تعمل تلك الأطراف على ابقائها موصولة ؟من التمرد واسقاط السلطة الشرعية إلى إفشال أي صيغة للوصول إلى حلول سلمية وأخيرا الإعلان عن المجلس السياسي وتشكيل حكومة –لاحقا- إلى الانسحاب المعلن – بعد الانسحاب الضمني - من المبادرة الخليجية ورفض قرار مجلس الأمن الدولي . ومع ذلك لم يتخذ قرار بالحسم العسكري ولا يزال الحديث جاريا عن التسوية.
 
4- إن قرارات مجلس الأمن الدولي واضحة وآخرها القرار 2216 الذي صدر تحت الفصل السابع من الميثاق – وليس البند السابع كما هو شائع ذلك أن الفصل يتكون من بنود – الذي يلزم الهيئة بتنفيذه بالقوة ولا يتطلب من الجهات التي يعتبرها مهددة للأمن والسلم الدوليين بأن تعترف به بل يلزمها بتنفيذه فإن لم تفعل قام المجلس بتنفيذ القرار بالقوة، إنها الطريقة التي تعاملت بها السلطة الانتقالية مع الحوثيين حتى وقعت اليمن في الحرب.
 
 5- أن هناك مخاوف فعلية من اقتحام العاصمة  عسكريا من أن تكون مكلفة من حيث الضحايا ومكلفة بشريا وماديا وأن دخولها وفقا لاتفاق سيكون أفضل.
 
الفرضية الرابعة
 
أن تكون الإرادة والقدرة قد توفرت لدى الشرعية والتحالف باتباع الحسم العسكري لتحرير العاصمة، وأن الحسم قادم إن الشرعية والتحالف مجبرون على الحسم.
 
  تعتمد هذه الفرضية على مجموعة من الأسباب والعوامل الجوهرية، وهي أن المخاوف مما بعد التحرير مخاوف من أخطار افتراضية لا تقارن بالأخطار الفعلية التي يمثلها الحوثي صالح والمحتمل وقوعها من قبلهما، ذلك أن حزب الإصلاح لا يسعى للانفراد بالسلطة كما أنه لا يشكل أي مخاطر مستقبلية إذ يتفهم المخاوف وطبيعة العلاقات الدولية كما أن بإمكان التحالف العربي والقوى الدولية العمل على ارساء استقرار دائم والحصول على ضمانات من أي أخطار مستقبلية.
 
أن جميع الجهود التي بذلت للتوصل إلى حلول سلمية توافقية قد باءت بالفشل وأن طرفي التمرد قد بذلا جهودا واسعة للسير عكس تلك الجهود حتى إعلان المجلس السياسي فضلا عن تجارب قريبة أثبتا فيها عدم الالتزام بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني مما يعني أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق عبر التفاوض فإنهما سيعملان على اسقاطه والتمكن من تجريد اليمن من الشرعية ومن ثم الوقوع في أزمة ستكون أشد خطرا وأبهض في تكلفة إنهائها.
 
أن الشرعية والتحالف العربي يمتلكان سندا قانونيا يتمثل في قرارات مجلس الأمن الدولي ومنها القرار 2216 الذي تم إصداره تحت الفصل السابع من ميثاق الأُمم المتحدة والملزم للهيئة بتنفيذه بالقوة ويعني للشرعية والتحالف العربي إشهاره في وجه الضغوط الدولية حيث لا تستطيع تلك القوى فرض إرادتها بما يخالف القرار.
 
أن البديل عن الحسم هو إطالة أمد الأزمة وأمد الحرب وما تتطلبه من تكاليف باهضة بشريا وماديا، وتغري بالمزيد من الضغوط للنزول عند شروط الحوثي صالح وهو ما سيعد هزيمة مدوية ليس للشرعية فحسب بل للمملكة العربية السعودية وانتصارا ساحقا لإيران وتمكين لها من إسقاط النظام في المملكة على المدى القريب أو المتوسط..
 


التعليقات