(الموقع بوست) يُحيي ذكرى رحيل"البردوني" مثَل اليمنيين في الثورة والنضال
- وئام عبدالملك الثلاثاء, 30 أغسطس, 2016 - 10:36 مساءً
(الموقع بوست) يُحيي ذكرى رحيل

[ الشاعر اليمني عبدالله البردوني ]

يستلهم اليمنيون حتى اليوم، الكثير من مدرسة الأديب اليمني العالمي عبدالله البردوني، الذي كان وما زال له حضور كبير في الساحة الأدبية والوطنية منذ عقود.

 ومع انقلاب سبتمبر/أيلول 2014 الذي قام به الحوثيون وحلفاؤهم في اليمن، أشعلت كلمات البردوني الأرواح، التي غُذّيت بأسمى معاني الوطنية والكفاح والنضال عن طريق قصائده الفريدة، التي ترددها العديد من وسائل الإعلام والأحرار الذين ساروا على دربه.

فبعد أن تم تجريف الهوية اليمنية بشكل غير مسبوق على يد الانقلابيين في اليمن، ومع محاولة طمسها، والقفز على الجمهورية اليمنية التي ضحى من أجل قيامها الآلاف، منهم الشاعر اليمني البردوني، الذي يصادف اليوم 30 أغسطس/آب ذكرى وفاته السابعة عشرة، كان الغائب الحاضر بقصائده التي ضخت في نبع أرواح اليمنيين، الحرية والثورة والعزيمة، والتمرد على الواقع الذي يحاول الطغاة أن يفرضوه على الشعب، وحاضرا في الوعي الذي تشكل بعد إدراك حجم الخطر الذي يهدد الجمهورية.  


كان مرجعا للشباب الذي يقاتل اليوم من أجل استعادة الدولة، واستكمالا لثورات 26 سبتمبر و 14 أكتوبر، و11 فبراير التي تعد امتدادا لهما، وحارسا للجمهورية، التي حاولت الثورة المضادة التي نفذها انقلابيو 2014 أن تنال منها.


البردوني الشاعر الثائر المفكر الفيلسوف، لم يكن حداثيا فقط، بل ناقدا ومتابعا بدقة لما يجري على الساحة العربية والمحلية، فكتب بلغة بليغة جعلت المحافل الثقافية تتفاجأ بعبقريته، وتخلده أقلام الأدباء والكتاب من مختلف دول العالم.

تقرأ قصائده فتسمع صليل السيوف، ووقوفه في وجه الطغاة والمتسلقين ناقدا لاذعا، وتمشي في طرقات نصوصه الشعرية والنثرية، فترى معاناة المواطنين من أقصى اليمن إلى أقصاه، ومظلة كبيرة للإنسانية في زمن اللاإنسانية، وتمر بين بيوتات قصائده فتملأ روحك لتُخلق حرا من جديد.

انتقاده ومقارعته للظلم

مثل البردوني الصوت الذي ارتفع على الظلم، والرافض للاستبداد والجهل والتخلف، وكان فاعلا وناقدا في حقل السياسة تحديدا ومنذ عهد مبكر، فانتقد في قصائده الإمامة آنذاك، وكان اللسان الذي تحدث عن الناس ومعاناتهم، ومضى على ذلك النهج حتى في عهد نظام المخلوع صالح، فدفع ضريبة مواقفه، وسجن عدة مرات طوال فترة حياته.

يصف معاناته في السجن بإصرار وتحد، فيقول في قصيدة (رحلة التيه):

هدّني السجن وأدمى القيد ساقي فتعاييت بجرحي ووثاقي
في سبيل الفجر ما لاقيت في رحلة التيه وما سوف ألاقي
سوف يفنى كلّ قيد وقوى كلّ سفاح، وعطر الجرح باقي
سوف تهدي نار جرحي إخوتي وأعير الأنجم الوسنى احتراقي

هكذا عاش البردوني، وهكذا أصبح حيا أبدا في أرواح الشعب الثائر، الذي يتوق للحرية، ويستقي من قصائده، التي حفظها في المدرسة، وأصبحت تمثل واقعا ملموسا نعيشه، وهكذا أراد السجان أن يخرس صوته، فعلى أكثر، وبقي مسموعا أنا ذهبنا، وأراد أن يكسره فتحطم السجان واندثر وبقي هو خالدا.

صعوبة ترويضه من قبل الحُكام

يقول الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي الذي جالس "البردوني" بضعة سنوات، أنه عاش حرا إلى حد لا يمكن احتواءه أو ترويضه من قِبل الأنظمة، وبالأخص نظام المخلوع صالح.

ويضيف لـ(الموقع بوست) كان شعره وفكره مساحة حرة للإبداع، ولا يتورع عن توجيه الانتقاد للأوضاع السياسية، وهو نهج مشى عليه منذ العهد الإمامي البائد، لهذا لم يكن صديقا للطبقة السياسية الحاكمة، التي عمدت إلى عزله والتضييق عليه، والإحجام عن تكريمه كما يكرم الكبار.

وفي معرض حديثه يتذكر"التميمي" ما أخبره به"البردوني" حول استغلال المخلوع صالح مناسبة ارتفعت فيها التهديدات، يعتقد أنها كانت مقصودة ضد أدباء وشعراء في أوائل تسعينيات القرن الماضي، ليعرض على الشاعر اليمني البردوني، تزويده بعدد من أفراد الحراسة، وهو الأمر الذي رفضه البردوني بشدة، لأنه كان يدرك أن هذا نوع من الترويج والسيطرة،  ربما يحد من تدفق أفكاره وتحجيم مواقفه التي لم يكن لها حدود.

وجمع البردوني بحسب الإعلامي محمد المهدي بين المبادئ وجزالة الشعر وقوته، ولم تجتمع تلك الصفات في شاعر كما اجتمعت فيه، ورغم ذلك لم يعطَ حقه خاصة محليا، على الرغم من حضوره على المستوى الدولي.

ويضيف لـ(الموقع بوست) أن الشاعر البردوني لديه ثوابت قرئت ملامحها من خلال كتاباته وندواته الأدبية وقصائده، من أبرزها ثابتة" الجمهورية"، التي كان يعرف جيدا أن من خلالها ستتحقق الحريات التي نادى بها وستنتهي مشاريع الإمامة، وستتحقق المواطنة والمساواة، كون الجمهورية اسم جامع لكل متطلبات الحياة، إذا قامت على أسس صحيحة.

ويرى "المهدي" أن تهميش البردوني من قِبل حكام اليمن، فكان لأنه انتقدهم وبشدة، في الوقت الذي تبحث الحكومات عمن يرسخ حكمها ويؤسس له.

ويستحضر اليمنيون البردوني في هذا التوقيت، بسبب تحدثه عن الواقعة قبل أن تقع، برسمه من خلال شعره لتسلط الإماميين والحوثيين، حد وصف المهدي، الذي اختتم حديثه بالقول: "دفنت اليمن مشرع الجمهورية الأدبي، بموت البردوني".

جوَّاب العصور

بدوره يرى الشاعر يحيى الحمادي أن البردوني تميز عن غيره من الشعراء، على الرغم من إعاقته وتعوقيه، ومحاولة القريب قبل البعيد قص جناحيه.

وقال لـ(الموقع بوست) إن الشاعر البردوني لم يعرف عنه أنه وقف موقفا يخالف مصلحة وطنه وشعبة، أو مغلبا سطوة الباطل على حسبا الحق، فوقف وحيدا في مواجهة الجميع ناصحا وشارحا ما يدور، وفاضحا ما يخفى ويحاك خلف ظواهر الأمور.

لافتا إلى أنه ظل بعد ثورة سبتمبر 1962 يصارع محاولا أن يوجه ويصحح مسار الجمهورية الذي بدأ بالانحراف عن مبادئ الثورة والتنصل من أهدافها، وأحلام ثوارها وشهدائها بعد أن بح صوته، ووقف الموقف ذاته عند قيام الوحدة اليمنية، التي كان من أوائل من تغنوا بها، وجعلوها قبلة أفئدتهم قبل سواهم من الساسة والمدعين، فلاحت له بغير تلك الملامح التي ظلّ يعانقها شوقًا وتلهفا، فلم يمنعه ذلك من المصارحة والمكاشفة.

ولم يكن البردّوني نبيًّا يوحى إليه، كما يقول الحمادي، ولا ذا سَمعٍ فيسترق ما لا يُحاط به، ولكنه سَبَر الغَورَ، وفَحَصَ بعينِ قلبهِ قبل عين رأسه وعاطفته، ولم يَتَسَنَّ له ذلك إلا وقد عَرف المَجرى والمُؤدّى بعد قراءةٍ مُتفحصةٍ للتاريخ وعوامل تقلبه.

وأضاف الشاعر اليمني: "لقد أوشك الوطن اليوم أن ينهار من طرفهِ إلى طرفِه نتيجة ذلك التجاهل الأعمى الذي صعر خده لهذا الشاعر وأمثاله ممن رفضوا السير في ذات الطريق الشائكة والمليئة بالثعابين والحُواة، وقد أوشكت الثورة أن تعود مكبلة الخطى والأحلام إلى براثن العبودية والإمامية المقيتة، والوحدة أن تَميل كسيرة عَن أكثر من شَطر ووجه، وما يزال البردوني ظاهرا على مَن خالفه وحاربه، فكان بحَق صيّاد البروقِ، وجَوَّابَ العُصور".

مولده ونشأته

وُلد عبد الله بن صالح بن عبد الله بن حسين البردوني، في قرية البردون، شرق محافظة ذمار، عام 1929، وأصيب بالجدري وهو في الخامسة أو السادسة من عمره، وعلى إثرها فقد بصره، لكنه لم يفقد بصيرته، فصار يطلق عليه البعض لقب "شاعر بصير في زمن أعمى"، إذ تنبأ بالربيع العربي، وبحال العرب في المنطقة بقصيدته "أبو تمام وعروبة اليوم، وبتعرض ساحة الحرية بتعز للحريق. 

بدأ تلقّي تعليمه الأوّلي في قريته وهو في السابعة من العمر، وحين بلغ الثالثة عشرة من عمره، بدأ يهتم بالشعر والأدب، وكان فكتب عشرات الدواوين وكتب النقد، وصار موضوع لدراسات العديد من أساتذة الجامعة والنقاد، ثم انتقل إلى صنعاء، ودرس في جامعها الكبير، وعقبها انتقل إلى دار العلوم في مطلع الأربعينيات، وتعلّم كلّ ما أحاط به منهجها، حّى حصل على إجازة من الدار في "العلوم الشرعية والتفوق اللغوي"، وشغل عقبها العديد من المناصب في حقل الإعلام.

وفي محطة أخرى من حياته، عمل خلال الفترة من 1954 إلى 1956م، محامٍ، وترافع في قضايا النساء، فأطلق عليه لقب "وكيل المطلّقات"، وانتهت مسيرة حياته في 30 أغسطس/آب من العام 1999.

مشاهد حية

نقلنا اليوم في ذكرى وفاته العديد من الكتاب والإعلاميين الذي حظوا بمجالسة الأديب اليمني عبدالله البردوني، فالمصور والمخرج اليمني المعروف عبدالرحمن الغابري، نشر في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك" عددا من الصور التي التقطت في وقت سابق للبردوني، لتنقلنا إلى بعض تفاصيله التي لم تظهر في الشعر، ووضحتها الصور.

 بكلمات قليلة وصف الغابري، الشاعر البردوني بقوله" يضحك ويتأمل كالطفل".


وفي أخرى، علّق قائلا" يرتدي ثيابه بنفسه، وينتقي ألوانها".



وأخرى كتب في وصفها بإيجاز" يضحك مع أشجاره المثمرة".



وفي هذه الأخيرة يقول" يستخرج كتبه التي طلبتها منه، من المخزن وبدقة متناهية، يعرف مكانها وعناوينها، حتى أنها وصلت قريبا مغلفة ".










 


التعليقات