في الذكرى الـ26 لتأسيس حزب الإصلاح.. خيوط منسية في مسار حزب بحجم الوطن (الحلقة الثانية والأخيرة)
- عبدالسلام قائد - خاص الإثنين, 19 سبتمبر, 2016 - 04:56 مساءً
في الذكرى الـ26 لتأسيس حزب الإصلاح.. خيوط منسية في مسار حزب بحجم الوطن (الحلقة الثانية والأخيرة)

كنا قد تحدثنا في الحلقة الأولى من هذه القراءة عن العمق الفكري لحزب الإصلاح الضارب في التاريخ اليمني، وذكرنا أن الحزب يمثل امتدادا لحركة الإصلاح اليمنية التي ظهرت في القرن الثامن عشر ونضالها ضد الإمامة، وتتويج ذلك بثورة 1948 الدستورية، التي تعد الثورة الأم لثورة 26 سبتمبر 1962 الخالدة.
 
وفي هذا الجزء، الثاني والأخير، سنتطرق إلى النضال السياسي السلمي للحزب، ومشاركته في بعض الحروب بما يخدم الوطن، في مرحلة ما بعد ثورة سبتمبر 1962، وحتى مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، ومدى تأثيره في محطات الصراع المختلفة.
 
 النضال بعد ثورة سبتمبر
 
وبعد ثورة 26 سبتمبر 1962، تصدى الإسلاميون للمؤامرات التي كانت تهدف إلى إفراغ الثورة من مضمونها أحياناً، ومحاولة طمس الهوية الدينية للشعب اليمني من قبل بعض التيارات القومية والماركسية، ثم التيارات التغريبية فيما بعد أحياناً أخرى. وكان النضال من أجل اعتماد الدين الإسلامي كمصدر وحيد للتشريع في الدستور من أهم نضالات التيار الإصلاحي الإسلامي ضد التيارات المناهضة للدين، واستمر هذا النضال قبل الوحدة وبعدها، وأثناء مؤتمر الحوار الوطني بعد ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية.
 
ومن المحطات المهمة في تاريخ النضال السياسي للتيار الإصلاحي الإسلامي، الحرب ضد الجبهة القومية التي كانت مدعومة من قبل نظام الحزب الإشتراكي في عدن، وكان مسرحها المناطق الوسطى، وتمكن الإسلاميون الذين شكلوا ما عرف بـ"الجبهة الإسلامية" من هزيمة الجبهة القومية، التي عجز نظام علي صالح حينها عن مواجهتها، وكاد يقبل التفاوض معها، ويستجيب لأهم مطالبها. كما أنه -أي حزب الإصلاح- شارك في حرب الدفاع عن الوحدة عام 1994 إلى جانب قوات الجيش التي ضمت ألوية ومعسكرات شمالية وأخرى جنوبية انشقت عن علي سالم البيض وأعلنت وقوفها ضد مؤامرة الانفصال.
 
وبعد استعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990، والسماح بالتعددية السياسية والحزبية، انسحب الإسلاميون وغيرهم من التيارات الأخرى من التحالف الذي كان يسمى "حزب المؤتمر" قبل الوحدة، ليؤسسوا حزباً جديداً استمد اسمه من حركة الإصلاح اليمنية، باعتبارهم التيار الوحيد الذي يمثل امتداداً تاريخياً لها، حيث أطلقوا عليه اسم "التجمع اليمني للإصلاح"، الأمر الذي يعكس أصالة الحزب وعمقه الفكري الضارب في التاريخ اليمني، وهو ما يعني أن الحزب غير مرتبط بتيارات أجنبية، أو يمثل امتداداً فكرياً لها، سواء كانت عربية أو غيرها، كما هو حال الأحزاب الأخرى.
 
على أن هذا الأمر لا ينفي تأثر حزب الإصلاح بالحركات الإصلاحية الدينية والسياسية والفكرية التي ظهرت في العالم العربي، فقد تأثر بالحركة السلفية الوهابية في الحجاز قبل أن يتأثر بفكر حركة الإخوان المسلمين في مصر، ثم تأثر بالقيم الليبرالية الغربية الحديثة أكثر من تأثره بحركة الإخوان المسلمين المصرية، بدليل أنه لم يرفع شعار "الإسلام هو الحل"، ولكنه رفع شعار "الديمقراطية هي الحل" بشكل عملي وليس مجرد شعار نظري، وبدليل أنه لم يقاتل قط طوال تاريخه من أجل نشر الإسلام أو الدفاع عنه، ولكنه ناضل سلمياً، ثم اليوم يقاتل ويقدم عدد كبير من الشهداء من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ضد الكهنوت الإمامي الديني المتزمت والهمجي الذي يحاول الحوثيون وحليفهم المخلوع علي صالح إحياؤه من جديد.
 
مرحلة ما بعد الربيع العربي
 
تشكل مرحلة ما بعد الربيع العربي حالة استثنائية في تاريخ حزب الإصلاح، سواء عند مقارنته بالأحزاب اليمنية الكبيرة التي تعرضت لهزات عنيفة تسببت في إضعافها، أو عند مقارنته بالأحزاب والتيارات الإسلامية في بلدان الربيع العربي.
 
فعلى مستوى الداخل، نجد أن الأحزاب القومية تلاشت فور موت مؤسسيها، مثل الحزب الناصري وحزب البعث، والحزب الإشتراكي الذي كان حاكماً في الجنوب قبل الوحدة انهار على خلفية حرب صيف 1994، وحزب المؤتمر الذي هيمن على السلطة بعد الوحدة انهار بعد اندلاع الثورة الشعبية السلمية ضده عام 2011، وانقسم ما تبقى منه إلى جناحين ضعيفين، أحدهما موالي للرئيس عبدربه هادي، والآخر موالي للمخلوع علي صالح، وتحول إلى ميليشيات مسلحة.
 
أما حزب الإصلاح، ورغم أن الحرب التي أشعلها الإنقلابيون في البداية كانت تهدف إلى القضاء عليه، إلا أنه تمكن من امتصاص الخسائر سريعاً، وأصبح حالياً هو المتصدر للمقاومة الشعبية ضد الانقلاب، بالتحالف مع الجيش الوطني ودول التحالف العربي، باعتباره جزءاً من السلطة الشرعية.
 
وعلى مستوى بلدان الربيع العربي، نجد أن حال الأحزاب والتيارات الإسلامية يختلف من بلد إلى آخر، وأن القاسم المشترك في كل الحالات أن هناك عداءً إقليمياً ضارياً ضد هذه الأحزاب، تتصدره السعودية والإمارات، وأنظمة أخرى بنسب متفاوتة.
 
أما في حالة حزب الإصلاح، سنجد أن أبرز دولة عربية مناهضة للتيارات الإسلامية في العالم العربي، وهي السعودية، متحالفة مع حزب الإصلاح في الحرب ضد الانقلابيين في اليمن، واستقبلت قيادات الحزب الذين تمكنوا من الإفلات من قبضة الانقلابيين بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء ووفرت لهم أماكن للإقامة في أراضيها، وتدعم بعض مكونات المقاومة الشعبية التي يتصدرها حزب الإصلاح بالمال والسلاح.
 
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سيستمر التحالف بين حزب الإصلاح والسعودية في مرحلة ما بعد الانقلاب أم لا؟ الإجابة باعتقادي نعم، والسبب، أن السعودية لن تجد بديلاً في اليمن قوياً ومؤثراً مثل حزب الإصلاح، خاصة وأنه حزب غير إقصائي، ويساند السلطة الشرعية في الأوقات الحرجة، ويشكل ضمانة لاستمرار الوحدة اليمنية، ولديه القدرة فكرياً وسياسياً على التصدي للتشيع الديني والسياسي الذي تدعمه وتروج له إيران في المنطقة العربية، بما في ذلك اليمن، ويستهدف بدرجة رئيسية السعودية.
 


التعليقات