الانقلابيون وحالة الأمن في العاصمة صنعاء.. دلالات محدودة وأسباب متعددة (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد الاربعاء, 18 يناير, 2017 - 06:25 مساءً
الانقلابيون وحالة الأمن في العاصمة صنعاء.. دلالات محدودة وأسباب متعددة (تحليل خاص)

[ عناصر من مليشيات الحوثي - ارشيف ]

عادةً ما تتباهى الميليشيات الانقلابية التابعة لتحالف المخلوع علي صالح والحوثيين بنجاحها في تحقيق الأمن والاستقرار في العاصمة صنعاء، للتأكيد على نجاحها في هذا الجانب، وفشل السلطة الشرعية في تحقيق الأمن والاستقرار في العاصمة المؤقتة عدن.
 
من الناحية الواقعية، يبدو ذلك صحيحًا للمتابعين، فالعاصمة صنعاء لم تشهد أعمال عنف أو عمليات انتحارية كتلك التي شهدتها العاصمة المؤقتة عدن منذ تحريرها من الميليشيات الانقلابية، باستثناء عمليات انتحارية محدودة شهدتها العاصمة صنعاء استهدفت بعض المساجد في الأسابيع الأولى بعد الانقلاب ضد السلطة الشرعية.
 
والسؤال هنا، ما دلالات ذلك؟ وما مدى صحة القول إن الميليشيات الانقلابية نجحت في تأمين العاصمة صنعاء؟ وهل الأمن في العاصمة صنعاء يشمل جميع ساكنيها أم أنه ينحصر على الميليشيات الانقلابية وقياداتها ويستثني عامة المواطنين؟
 
دلالات محدودة
 
في البداية، تجدر الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية التي تتولى مهمة حفظ الأمن والاستقرار في العاصمة صنعاء هي نفسها لم تتغير منذ السنوات الأخيرة من عهد المخلوع علي صالح وحتى الوقت الحالي، وهذه ملاحظة رئيسية تكشف عن هوية الجهة المسؤولة عن زعزعة الأمن والاستقرار سواء في صنعاء أو عدن أو غيرها، وسنوضح ذلك فيما يلي:
 
- لم يسبق أن شهدت العاصمة صنعاء عمليات إرهابية كتلك التي شهدتها خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت التوقيع على المبادرة الخليجية وحتى الانقلاب ضد السلطة الشرعية، ومن أبرز العمليات الإرهابية البشعة تلك التي استهدفت مستشفى العرضي بجوار مقر وزارة الدفاع، والعملية التي استهدفت جنودًا في ميدان السبعين وهم يعدون "بروفة" للاحتفال بذكرى الوحدة، إضافة إلى عمليات أخرى استهدفت كلية الشرطة، فضلًا عن الاغتيالات التي طالت سياسيين وضباط خلال المرحلة ذاتها، وقد استثمر المخلوع علي صالح وإعلامه تلك الحوادث الإرهابية كأدلة على عجز حكومة الوفاق الوطني عن تحقيق الأمن والاستقرار.
 
- خلال المرحلة ذاتها، أي المرحلة الانتقالية، لم تشهد مدينة عدن عمليات إرهابية كتلك التي شهدتها العاصمة صنعاء، وازداد خلال المرحلة ذاتها ظهور وانتشار أفراد تنظيم القاعدة في محافظة أبين، مسقط رأس الرئيس عبد ربه منصور هادي، قبل أن يتم طردهم واستعادة قوات من الجيش السيطرة على المحافظة.
 
وبعد الانقلاب، وتمكن الرئيس هادي من مغادرة العاصمة صنعاء والانتقال إلى عدن، ثم بدء عملية "عاصفة الحزم" وإعلان مدينة عدن عاصمة مؤقتة، توقفت العمليات الإرهابية في العاصمة صنعاء وانتقلت إلى العاصمة المؤقتة عدن، وهنا، يتضح أن الإرهاب في اليمن متنقل، ويلاحق السلطة الشرعية فقط، سواء كانت في صنعاء أم في عدن، ولم يمس المخلوع علي صالح والحوثيين بسوء.
 
إذن، الأجهزة الأمنية التي تدعي اليوم أنها نجحت في الحفاظ على الأمن في العاصمة صنعاء، منذ بداية الانقلاب وحتى الوقت الحالي، لماذا لم تنجح في الحفاظ على الأمن خلال تواجد الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني في العاصمة أثناء المرحلة الانتقالية، مع أن هذه الأجهزة لم تتغير منذ عدة سنوات؟
 
أسباب متعددة
 
وإذا كان الإرهاب في اليمن يتسم بطابعه السياسي الذي يخدم المخلوع علي صالح، والميليشيات الانقلابية مؤخرًا، يمكن القول إن توقف الأعمال الإرهابية في العاصمة صنعاء بعد الانقلاب يعني ما يلي:
 
- لم يعد يوجد في العاصمة صنعاء خصوم سياسيين أو عسكريين للمخلوع علي صالح وحلفائه الحوثيين ليتم استهدافهم عن طريق الاغتيالات والتخلص منهم، بسبب مغادرة الخصوم العاصمة نتيجة الانقلاب.
 
- إذا كانت العمليات الإرهابية التي رعاها المخلوع علي صالح وحلفائه الحوثيين قبل الانقلاب تهدف إلى إلصاق تهم "الإرهاب" بالخصوم السياسيين، أو اتهامهم بالتقصير في حفظ الأمن (أثناء المرحلة الانتقالية)، فمثل هذه المبررات لم يوجد ما يسندها في الواقع، فلا خصوم سياسيين في العاصمة صنعاء يمكن اتهامهم بالإرهاب، ولا شركاء في السلطة مختلف معهم سياسياً يمكن اتهامهم بالتقصير في حفظ الأمن، وفي ظل هذا الوضع، من الطبيعي أن تختفي العمليات الإرهابية في صنعاء، كما أن ورقة الإرهاب لم تعد مجدية في ابتزاز الداخل والخارج، كما كان الحال قبل خلع علي صالح من السلطة.
 
- يحاول الانقلابيون استثمار ادعاءهم النجاح في حفظ الأمن في العاصمة صنعاء للتغطية على عجزهم وفشلهم في الجوانب الأخرى، واتهام السلطات الشرعية بالفشل في الحفاظ على الأمن في العاصمة المؤقتة عدن، رغم أن الارهاب انتقل من صنعاء إلى عدن فور تحريرها من الميليشيات الانقلابية وإعلانها عاصمة مؤقتة للبلاد.
 
- من يشعر بالأمن في العاصمة صنعاء هم أفراد الميليشيات وقيادات الانقلاب فقط، أما بقية المواطنين فهم يعيشون في حالة قلق دائم، بسبب الاعتقالات العشوائية في صفوفهم من قبل الميليشيات، بسبب الدس الرخيص أو مجرد الاشتباه بأن فلان ضد الانقلاب والميليشيات، إضافة إلى تعذيب السجناء وإخفائهم وعدم السماح لذويهم بزيارتهم، والتعامل بوحشية وعنف مع كل من يبدي تذمره من الانقلاب لدرجة القتل، وليس مجرد الاعتقال والسجن والتعذيب.
 
- الحالات المحدودة من العمليات الإرهابية التي استهدفت بعض مساجد الحوثيين في العاصمة صنعاء بعد الانقلاب مباشرة تحمل بصمات المخابرات الإيرانية، كما كان يحدث في العراق من تفجير لمساجد السنة والشيعة من أجل تعميق الطائفية والمذهبية، وإشعال الحروب المستديمة بين السنة والشيعة، ذلك أن العمليات الإرهابية التي استهدفت بعض المساجد جاءت بعد إقدام الحوثيين على تفجير مساجد السنة في محافظة عمران وغيرها، وذلك من أجل إشعال حرب طائفية شاملة في البلاد كما هو حاصل في سوريا والعراق.
 
الإرهاب السياسي
 
لم ينجح المخلوع علي صالح طوال سنوات حكمه في تحقيق الحد الأدنى من الازدهار الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، وركز كل جهوده على بناء دولة بوليسية بامتياز، تدين له بالولاء، وتحولت أمانة العاصمة إلى ثكنة عسكرية وأمنية ومخابراتية، بهدف حماية بقائه في السلطة وتوريثها لأبنائه.
 
وكان من أساليب الدولة البوليسية استثمار ورقة الإرهاب ضد الخصوم في الداخل، وابتزاز الخارج، ساعد على ذلك الاختراق المتبادل بين الأجهزة الأمنية التابعة للمخلوع علي صالح والجماعات الإرهابية، وهو الاختراق الذي تعود جذوره إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما استقبل المخلوع صالح ما كان يطلق عليهم "الأفغان العرب" العائدون من أفغانستان ورفضت بلدانهم استقبالهم، وتم استيعاب بعضهم في الأجهزة الأمنية، وسمح للبعض الآخر بتشكيل ما أطلق عليه حينها "جيش عدن أبين الإسلامي"، ولعب "الأفغان العرب" الذين استقبلهم المخلوع صالح دورًا كبيرًا في الاغتيالات السياسية التي طالت قياديين في الحزب الاشتراكي، وكان ذلك أحد أسباب الأزمة السياسية حينها، والتي انتهت بحرب صيف 1994 الأهلية.
 
ومنذ ذلك الحين وحتى الوقت الحالي، يلعب المخلوع علي صالح على وتر الإرهاب، وتوظيفه سياسيًا، وازداد ذلك في السنوات الأخيرة، حيث أطلق العنان للجماعات الإرهابية المرتبط بها لتلاحق خصومه السياسيين، سواء كانوا في صنعاء أم في عدن أو غيرها.
 
 


التعليقات