ميناء الحديدة.. هل حانت المعركة المؤجلة؟ (تحليل)
- خاص الإثنين, 03 أبريل, 2017 - 10:05 صباحاً
ميناء الحديدة.. هل حانت المعركة المؤجلة؟ (تحليل)

[ ميناء الحديدة يكتسب أهمية جغرافية وسياسية كبيرة ]

يحضر ميناء الحديدة اليوم كأحد الأهداف العسكرية المحتملة بالنسبة للتحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وتصاعد الحديث الإعلامي عنه مؤخرا بشكل واسع، فيما تتسارع وتيرة التطورات الميدانية والسياسية التي تعكس قرب اندلاع معركة تحرير الميناء من المليشيا الانقلابية.
 
وعلى عكس العمليات العسكرية السابقة التي أطلقها التحالف العربي لتحرير المناطقة الواقعة تحت سيطرة المليشيا الانقلابية، فقد جرى التحضير بشكل أوسع لمعركة ميناء الحديدة، الذي يعد آخر الأوراق بيد المليشيا، وأكثر المواقع العسكرية أهمية بالنسبة لها.
 
فالعملية العسكرية الأخيرة التي حررت ميناء المخا وعرفت باسم "الرمح الذهبي" جرى إطلاقها بتنسيق داخلي في الجيش الوطني اليمني، بالتنسيق والإشراف والتجهيز من قبل دول التحالف العربي.
 
أما العملية العسكرية المرتقبة في ميناء الحديدة، فقد بدت ملامحها مختلفة، إذ لم يقتصر الأمر على التحالف العربي، بل دخلت أطراف دولية في المعركة قبل اندلاعها، سواء من حيث تقديم المبررات لها، أو من حيث حشد الجهود العسكرية والسياسية اللازمة لنجاحها.
 
فلأول مرة يجري اتهام إيران صراحة بالوقوف وراء تهريب الأسلحة للحوثيين، عبر ميناء الحديدة، وتردد اسمها أكثر من مرة لدى مسؤولين دوليين، وآخرون في التحالف العربي، باعتبارها المزود الأول للحوثيين وحليفهم المخلوع صالح بالسلاح عبر ميناء الحديدة.
 
وقال المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي اللواء أحمد عسيري إن ميناء الحديدة يعد أهم مصادر تمويل وإيصال السلاح إلى داخل اليمن، مؤكدا وجود معلومات استخباراتية تفيد بأن الصواريخ المضادة للدروع "كورنيت" والتي دخلت إلى اليمن بعد بدء عملية "عاصفة الحزم" كان مصدرها الوحيد ميناء الحديدة، وجاءت من إيران.
 
وكانت تصريحات السفير الأمريكي الأسبق لدى اليمن جيرالد فايرستاين أمام مجلس الشيوخ الأمريكي أولى محطات لفت الانتباه لعملية تحرير ميناء الحديدة، بعد أن نصح التحالف العربي بسرعة السيطرة عليه، معتبرا أن ذلك سيوجه ضربة قاصمة للانقلابيين.
 
تلك التصريحات وجدت صداها لدى التحالف العربي، والذي بدأ مشاوراته مع الأمم المتحدة، وأعقب ذلك معركة إعلامية بين التحالف والمسؤولين في الأمم المتحدة، حول عملية الإشراف على دخول المساعدات الإنسانية المخصصة لليمن عبر ميناء الحديدة.
 
المعركة المؤجلة
 
منذ انطلاق العملية العسكرية للتحالف العربي في اليمن تعرض ميناء الحديدة للاستهداف، بغية تطويق نشاط الانقلابيين هناك، وفرضت قوات التحالف تأمينا شاملا على الميناء، بما يجعله تحت المراقبة المباشرة للسفن الواردة إليه، منعا لتدفق السلاح والعتاد للمليشيا الانقلابية.
 
وكان الحديث عن التدخل العسكري المباشر في الميناء من قبل التحالف العربي مستبعدا إلى حد ما، وفضلت قيادة التحالف التعامل معه بحذر شديد، حرصا على عدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية التي يحتاجها السكان في اليمن.
 
وعملت قوات التحالف على تطويق الميناء من الشمال والجنوب، من خلال تحرير ميناء ميدي في شمال الحديدة، والمخا في جنوبها، وضيقت الخناق على المليشيا التي لم يعد في يدها سوى ميناء الحديدة.
 
مصادر صحفية تحدثت عن خطة قدمت للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما العام الماضي تتضمّن الهجوم على الميناء والمدينة القريبة منه، وإخراج الحوثيين وحلفائهم من منطقة الشاطئ، وبالتالي منعهم من تهديد الملاحة في البحر الأحمر، ومنعهم أيضاً من تلقّي مساعدات عسكرية من إيران أو تهريب عناصر من الحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله إلى منطقة سيطرة الحوثيين وصالح، بحسب العربية نت.
 
لكن الإدارة الأمريكية حينذاك رفضت الخطة، واعتبرت أنها تعني الانخراط المباشر للجنود الأمريكيين في اليمن، مفضلة الحلول السياسية مع مليشيا الحوثي والمخلوع صالح.
 
ومع وصول إدارة دونالد ترامب تغيّرت الكثير من المقاربات، فالرئيس الحالي ينظر للأمر في سياق مختلف عن سلفه أوباما، وتتطابق رؤاه مع رؤية دول مجلس التعاون الخليجي، في النظر لإيران كداعم مالي وعسكري للمليشيا الانقلابية، وهو ما يهدد أمن الملاحة في المياه الدولية.
 
ووفقا لهذا التوجه الجديد تدرس الولايات المتحدة زيادة دورها في الملف اليمني بتوجيه مزيد من المساعدة بشكل مباشر لحلفائها الخليجيين الذين يحاربون المسلحين الحوثيين المتحالفين مع إيران، وهو ما قد ينطوي على تخفيف للسياسة الأمريكية التي قيدت دعم الولايات المتحدة لحلفائها في عهد أوباما، وفقا لرويترز.
 
رويترز كشفت أيضا عن طلب وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس من البيت الأبيض تقديم الدعم الواسع للتحالف العربي في اليمن، معتبرة أن الدعم الأمريكي المقترح قد يسمح للولايات المتحدة بالمساعدة في حملة على مدينة الحديدة الساحلية وتحريرها من سيطرة الحوثيين.
 
قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل، أكد أن لدى المتمردين الحوثيين في اليمن قدرات عسكرية متطورة بمساعدة من إيران تهدد حرية الملاحة في مضيق باب المندب الإستراتيجي.
 
الجنرال فوتل أوضح أن الحوثيين "وعلى غرار مضيق هرمز، نشروا بدعم من إيران صواريخ للدفاع عن الساحل، ومنظومة رادارات، فضلاً عن ألغام وقوارب متفجرات تم جلبها من مضيق هرمز".
 
وتابع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي أن هذه القدرات "تهدد التجارة، والسفن، وعملياتنا العسكرية في المنطقة".
 
أهمية التحرير
 
يكتسب ميناء الحديدة أهميته من كونه يمثل الرئة التي يتنفس من خلالها الانقلابيون حالياً، بعد سقوط ميناء المخا بيد الجيش الوطني، كما يمثل رافدا اقتصاديا مهما بالنسبة لهم.
 
وبتحريره من المليشيا يكون التحالف العربي قد وجه ضربة قاصمة لتحالف الانقلاب، وأفقده ورقة رابحة، وقلص نسبة الجغرافيا التي يسيطر عليها في اليمن، وأغلق المنافذ البحرية في وجهها.
 
وفي حال تم تحرير ميناء الحديدة فسيتيح هذا وضع أولويات جديدة لدى الجيش الوطني والتحالف العربي في دعم جبهات جديدة ضد الانقلابيين في باقي المحافظات التي تقع تحت سيطرتهم، كما يضيق الخناق عليهم في العاصمة صنعاء، ويفقدهم إمكانية التحكم بالاقتصاد الداخلي، مما سيثير النقمة عليهم أكثر من أي وقت مضى.
 
بل إن تحرير الميناء سيجعل الانقلابيين في موقف ضعيف أمام أي محطات سياسية قادمة للحوار مع الشرعية، وسيجعل الساحل اليمني مؤمنا من الاعتداءات، ومتحررا من كافة الهيمنة للانقلابيين.
 
سوء استخدام
 
يتهم التحالف العربي والشرعية اليمنية المليشيا الانقلابية في اليمن بممارسة دور سيء في ميناء الحديدة، تمثل في عمليات النهب المستمرة للمساعدات الإنسانية التي تصل الميناء، وتقدر بعشرات السفن، وتحويلها لصالح مقاتليها وأنصارها.
 
وواصلت المليشيا الانقلابية عبثها بالميناء، إذ احتجزت في مايو من العام 2015 سفينة مساعدات منحها مركز الملك سلمان للإغاثة، كانت منقولة عبر برنامج الغذاء الدولي.
 
كما احتجزوا، في شهري يونيو وأغسطس من عام 2015، 61 سفينة إغاثية في ميناء الحديدة وحده، كانت محملة بالمساعدات الغذائية والطبية والإيوائية.
 
أما في عام 2016، فقد ثبت تورط الميليشيات في نهب ومصادرة 87 قافلة مساعدات إغاثية قدمت لليمن، وفق التحالف اليمني لرصد الانتهاكات.
 
وثمة أسباب أخرى تقف خلف دوافع عملية تحرير ميناء الحديدة، وتتمثل بخطورة بقائه تحت سيطرة المليشيا الانقلابية، والتأثير الذي سيحدثه ذلك على الملاحة الدولية في الوقت الحاضر وفي المستقبل أيضا.
 
ويذهب خبراء عسكريون الى القول بأن بقاء الميناء تحد سيطرة المليشيا يجعل من المخاطر المهددة للملاحة الدولية مستمرة، من خلال استهداف السفن وحركتها في المياه الدولية، فيما تتضاعف الخطورة مستقبلا جراء العدد الهائل من الألغام البحرية التي زرعتها المليشيا في سواحل منطقة الحديدة.
 
وهذا الأسلوب جرى استنتاجه من خلال سلوك المليشيا الانقلابية سابقا عندما زرعت العديد من الألغام قرب مضيق باب المندب ثم ميناء المخا.
 
وفي وقت سابق، حذر المكتب الأمريكي للمخابرات البحرية السفن التجارية من مخاطر الألغام التي زرعتها ميليشيات الحوثي وصالح في مضيق باب المندب قرب مدخل ميناء المخا.
 
وأضاف في تقرير صادر عنه أن الاعتداءات على السفن في مضيق باب المندب وخاصة التجارية منها تحفز جهات فاعلة أخرى على التدخل.
 
التحذير الأمريكي أشار إلى أن إغلاق مثل هذا الممر المائي من شأنه أن يؤدي إلى زيادات كبيرة في تكاليف الطاقة الإجمالية، وأسعار النفط العالمية.
 
 وخلال الفترة الماضية تمكنت فرق الهندسة اليمنية والسعودية من انتزاع وتفكيك عدد من الألغام البحرية الإيرانية الصنع زرعتها الميليشيات الانقلابية الحوثية في سواحل منطقة الحديدة.
 
أهمية ميناء الحديدة
 
يقع ميناء الحديدة بالقرب من مضيق باب المندب، وهو ممر مائي إستراتيجي يمر عبره نحو أربعة ملايين برميل من النفط الخام يوميا.
 
ويعد ميناء الحديدة من أهم موانئ اليمن وثاني أكبر ميناء بها بعد ميناء عدن، وأكبر ميناء على الساحل الغربي، وينفرد بميزات عدة تخصه عن غيره من الموانئ، من حيث موقعه الإستراتيجي، وقربه من الخطوط الملاحية العالمية.
 
ويتميز ميناء الحديدة بكونه محمي حماية طبيعية من الأمواج والتيارات المائية، وغير معرض للرياح الموسمية.
 
وتبلغ مساحته الإجمالية 315 ألف متر مربع، وطاقته الاستيعابية القصوى 9 ملايين طن، له 10 أرصفة، اثنان منها بطول 250 مترا مخصصة لتفريغ ناقلات البترول والمشتقات النفطية الأخرى، وثمانية بطول إجمالي 1460 مترا، ويبلغ غاطس هذه الأرصفة 10 أمتار في حالة الجزر الأدنى، يوجد بالميناء 12 مستودعا بمساحة إجمالية 37 ألف متر مربع.
 


التعليقات