زراعة الألغام.. موت يتربص باليمنيين ويهدد مستقبلهم (تقرير)
- وئام عبدالملك الثلاثاء, 04 أبريل, 2017 - 09:46 مساءً
زراعة الألغام.. موت يتربص باليمنيين ويهدد مستقبلهم (تقرير)

[ أعداد كبيرة من الألغام زرعها الحوثيون ]

يصادف الثلاثاء، اليوم العالمي للتوعية بخطر الألغام، التي تفتك بحياة العشرات من الأبرياء في كثير من الدول التي شهدت نزاعات، ويصاب جراءها ما بين 15000 إلى 20000 فردا سنويا.
 
وتحتفل دول العالم بتلك المناسبة ومنها اليمن، تحت شعار "تلبية احتياجات الناس محور العمل"، من خلال إقامة المنظمات والمؤسسات الحقوقية فعاليات عدة، للتوعية بأضرار الألغام وتكثيف الجهود لإزالتها، ودق ناقوس الخطر في الأماكن التي تحصد فيها أرواح الأبرياء.
 
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال في رسالة بمناسبة هذا اليوم"إن السلام بدون الإجراءات المتعلقة بالألغام هو سلام غير كامل، ولا ينبغي لأحد أن يعيش وهو خائف من الموت حتى بعد توقف القتال".
 
ومع بدء الحرب في اليمن قبل أكثر من عامين، تتزايد وبشكل يومي أعداد الألغام في البلاد، مع استمرار الانقلابيين بزراعتها، برا وبحرا، مخالفين بذلك القوانين الدولية والمحلية.
 
وكشف التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان (غير حكومي يضم عدة منظمات حقوقية) في إحصائية أخيرة صادرة عنه، أن مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية ارتكبت 2258 حالة انتهاك، بزراعتها للألغام في 16 محافظة.
 
وذكر التحالف أنه وثق 2258 حالة تضرر بشرية ومادية خلفتها الألغام التي زرعها المليشيا الانقلابية منذ بداية الحرب، تنوعت بين: قتل، إصابة، تفجير منشآت، تفخيخ مركبات وجسور، مزارع وآبار.
 
ووثق في تقريره الذي حمل عنوان "الألغام القاتل الخفي" 924 حالة إصابة جراء انفجار الألغام، بينها 160 طفلا، و36 امرأة، فيما وصل عدد الجرحى المدنيين إلى 682 شخصا.
 
وبلغت حالات القتل جراء حوادث الألغام 615 حالة، بينها 101 طفلا دون سن السادسة عشرة، و26 امرأة، فيما بلغ عدد القتلى المدنيين 533 فردا، و82 حالة قتل في أوساط العسكريين.
 
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، في تدوينة بحسابها على موقع تويتر، إزالة أكثر من 360 ألفاً من بقايا المتفجرات (ألغام أرضية، شظايا صواريخ) في اليمن.
 
وكان نائب وزير حقوق الإنسان محمد عسكر ذكر في وقت سابق أن الانقلابيين زرعوا أكثر من 250 ألف لغم في مناطق مأهولة بالسكان في عدة محافظات.
 
تعز مستقبل مجهول
 
وفي تعز وحدها، تُقدر عدد الألغام التي زرعها الانقلابيون بأكثر من مائة ألف لغم، راح ضحيتها كثير من المدنيين الأبرياء، فيما تتهدد الآلاف منها مستقبل التعزيين.
 
في أغسطس/آب 2016، كانت زكية محمد حسن وأطفالها الثلاثة في موعد مع لغم أرضي في قرية بيت الطاهش، بمنفذ غراب جنوب تعز، أودى بحياتها وصغارها، لتنتهي قصة تلك الأسرة خلال دقائق معدودة.
 
فالموت الجماعي بالألغام شديدة الانفجار، أدى كذلك في ذات الشهر إلى مقتل 19 مدنيا في الوازعية بتعز، في مشهد بات يتكرر كثيرا في المحافظة التي ما تزال تحت سيطرة الانقلابيين.
 
يموت أولئك مخلفين ذكريات مؤلمة في أرواح من عرفوهم، لكن تبقى قدم مبتورة، أو عين مفقوءة شاهد حي على تلك الجرائم التي حولت الأماكن الخضراء التي كانت ذات يوم متنفسا لأبناء المحافظة، إلى حقول موت يتربص بهم.
 
وتتنوع أشكال وأحجام الألغام التي يزرعها الانقلابيون قبل استعادة القوات الشرعية للمناطق الخاضعة لسيطرتهم، إذ يتم تصميم بعضها على شكل أحجار، وكتل إسمنتية، وحتى إنهم يفخخون جثث الحيوانات النافقة، وتقوم المليشيا كذلك بتوزيع الموت بشكل عشوائي، ووضع بعضها خلف أبواب المنازل التي يغادرونها، لتلحق الضرر بأكبر قدر من المواطنيين.
 
مخاطر الألغام
 
 ويقول منسق فريق منظمة هود بإقليم سبأ (غير حكومية)، إن الألغام التي قامت جماعة الحوثي وصالح بزراعتها في مختلف المحافظات، شكلت تهديدا خطيرا على سلامة السكان المدنيين المحليين وصحتهم وأرواحهم، وكذا عائقا أمام عودة الأسر النازحة في المناطق التي كانت تحت سيطرة الانقلابيين، نتيجة لزراعتهم لها في الطرقات والمزارع وحتى المساكن، إضافة إلى عدم وجود فروع للجهات المتخصصة في نزع الألغام.
 
وأصبحت الألغام المحرمة دوليا والتي زرعها الانقلابيون -كما يقول علاو لـ"الموقع بوست"- تهدد كل منابع الحياة، وتحصد أرواح المدنيين خاصة الأطفال والنساء.
 
وهي قضية مؤرقة للحكومة والمواطنين، خاصة أن زراعتها تمت بطرق عشوائية وغير موثقة بخرائط، مما يشكل صعوبة بالغة في كشفها والتخلص منها، كما يؤكد علاو.
 
ولا تقتصر مخاطر الألغام على سلامة المدنيين فقط، فهي تقف كذلك عائقا أمام جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وفي حالة الحرب في اليمن فهي كذلك تعيق تقدم القوات الشرعية التي تسعى إلى جانب التحالف العربي لاستعادة الأراضي اليمنية.
 
توسع رقعة الخطر
 
ويذكر رئيس شعبة الهندسة العسكرية بمحور تعز العميد المهندس طاهر حميد المحمدي، أن عدد ضحايا الألغام في تعز بلغ  320 بينهم أطفال ونساء.
 
وابتكرت المليشيا الانقلابية طريقة جديدة، لتحويل ألغام الدبابات إلى مضاد للأفراد، فضلا عن صناعتها وتركيب ألغام يصل وزنها 200 كم، وذلك لاستهداف أكبر عدد من الأفراد، كما أضاف المحمدي لـ"الموقع بوست".
 
وكشف العميد المحمدي عن قيام المليشيا بتلغيم المدارس والمراكز الصحية وآبار المياه والمزارع والمراعي والطرقات، وهو ما قد يتسبب مستقبلا بإلحاق أضرار كبيرة بسكان ضواحي تعز والمناطق الريفية، إضافة إلى حرمانهم من استخدام الأرضي الزراعية الخاصة بهم، وكذا انتشار الأمية في صفوف الطلاب، وتدهور لوضع الصحي لصعوبة وصول المواطنين للمستشفيات.
 
وفي الساحل الغربي لتعز، قال المحمدي إن المليشيا عمدت إلى تلغيم الساحل من خور عميره بالمندب، إلى شواطئ الخوخة، والحديدة من يختل إلى ميدي شمالا، إضافة إلى مياه البحر بألغام غاطسة وعائمة بهدف استهداف السفن في خطوط الملاحة الدولية، وهو ما يعني ارتفاع تكلفة نقل البضائع والطاقة، والتأمين على السفن.
 
ونوه في ختام حديثه إلى إمكانية جرف الأمواج لتلك الألغام، بفعل المد والجزر إلى الخط الدولي، متجاوزة للمياه الإقليمية، ملوثة خط مرور السفن الدولي.
 
إهمال حكومي
 
وتقوم الحكومة اليمنية بدعم من التحالف العربي في نزع الألغام من بعض المناطق المحررة وإتلافها، لكن تلك الجهود ما تزال غير كافية، كما يقول مراقبون.
 
وينتقد علاو، منسق منظمة هود، الجهات الحكومية لإهمالها وعدم قيامها بواجبها بشأن قضية الألغام، في جانب التنسيق مع المنظمات المانحة التي تقوم بتمويل مشاريع التدريب والتأهيل لخبراء نزع الألغام، وتمويل نزعها وتطهير المناطق المدنية منها.
 
وأشار إلى قيام تلك المنظمات، وعلى رأسها منظمة اليونيسف، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، بتمويل الجهات المتخصصة في هذا الجانب في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وصالح بصنعاء، بملايين الدولارات وبشكل كبير واهتمام بالغ، فضلا عن اقتصار عملها هناك برغم أنها أماكن خالية من الألغام، أو مخاطرها مقارنة بالمحافظات الأخرى.
 
استمرار المأساة
 
وتصنف اليمن كثاني دولة بانتشار زراعة الألغام، وهي موقعة على الاتفاقية الدولية لحظر استخدام الألغام التي تستهدف الأفراد.
 
فمعاناة اليمن مع الألغام بدأت منذ ستينيات القرن الماضي، بدءا من الحرب ضد الإمامة، وفترة السبعينيات التي شهدت فيها البلاد صراعا مع الجبهة الوطنية، وحتى حرب صيف 1994، والحروب الستة التي خاضها نظام المخلوع صالح آنذاك ضد جماعة الحوثي، لتأتي عقبها الاضطرابات والحروب التي اندلعت عقب ثورة فبراير/شباط 2011 وحتى الآن.
 
وفي تصريحات صحفية سابقة لمدير إدارة التخطيط في المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام، محمد العمراني، بلغ إجمالي عدد ضحايا الألغام المسجلين في اليمن خلال الفترة من عام 2000 وحتى 2014، أكثر من 5500 ضحية، بالإضافة إلى سقوط 43 ضحية من العاملين في الفرق الهندسية لنزع الألغام الذين توفي منهم نحو 13 شخصاً.
 
وتعود بعض الألغام إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، وأخرى منشأها إيران وروسيا، وبعضها محلية الصنع، حسب تصريحات خبراء عسكريين.
 
وفي مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها اليمن، فإن التخلص من الألغام ليس بتلك السهولة، وعدد الضحايا مرشح للزيادة، مع استمرار الحوثيين بزراعة الموت، وعدم تسليمهم لخرائط الألغام.
 


التعليقات