أين أخفق عيدروس وبن بريك؟ وهل تُصلح قرارات هادي الوضع في عدن؟ (إطار)
- خاص الجمعة, 28 أبريل, 2017 - 07:10 مساءً
أين أخفق عيدروس وبن بريك؟ وهل تُصلح قرارات هادي الوضع في عدن؟ (إطار)

[ مثّل الزبيدي وبن بريك وشلال تحالفا ثلاثيا في عدن ]

فاجأ الرئيس عبدربه منصور هادي اليمنيين والمهتمين بالشأن اليمني بقرار إقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي، وتعيين مستشاره الرئاسي عبدالعزيز المفلحي محافظا للعاصمة المؤقتة عدن.
 
سنة وخمسة أشهر قضاها الزبيدي في منصبه منذ قرار تعيينه الصادر في السادس من نوفمبر من العام 2015، عقب اغتيال سلفه اللواء جعفر محمد سعد في حادث انتحاري، لا زال مرتكبوه طلقاء، وتفاصيله غامضة.
 
ينحدر عيدروس الزبيدي من محافظة الضالع جنوب العاصمة صنعاء، وتبعد عنها (245) كم، كما تبعد عن عدن بحوالي (100) كم، ومنذ تعيينه محافظا لعدن ظل الزبيدي محط جدل مفتوح، خاصة مع كونه مصنف على أحد تيارات الحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط عن الشمال.
 
واعتقد أنصار ذلك التيار أن صعود عيدروس إلى كرسي المحافظة يعد نجاحا لهم، خاصة مع تبوء نظرائه في مناصب مماثلة كمحافظة لحج، التي أسندت للقيادي في الحراك ناصر الخبجي.
 
تلك القناعة ألقت بظلها على أداء عيدروس وفريقه في قيادة محافظة عدن، فظل يعمل في مساحة مضطربة، بين التزامه بالشعارات التي ناضل لأجلها، وتتمثل بالمطالبة بالانفصال، وبين ولائه للشرعية التي كلفته بمهمة إدارة عدن.
 
أين أخفق عيدروس؟
 
ورث عيدروس عن سلفه جعفر محافظة تعاني من التدمير والخراب الذي تسببت به مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، التي اجتاحت محافظات الجنوب، وفي مقدمتها عدن، في مارس من العام 2015، بعد الانقلاب الذي نفذته في العاصمة صنعاء.
 
كانت مهمة بناء المدينة، وإعادتها إلى وضعها الطبيعي، واستئناف الحياة فيها، هي أبرز الأولويات الموضوعة أمام الرجل، الذي جاء بالتزامن مع اندفاع وحماس كبيرين للتحالف العربي في تطبيعها لتمثل نموذجا للمدن المحررة من قبضة المليشيا.
 
لكن جاءت الرياح مغايرة للاتجاه المتوقع لها، وخلال الأشهر الأولى لتولي عيدروس، تحولت عدن إلى عبء على التحالف العربي والشرعية في اليمن، وباتت في موقع المقارنة لدى إعلام المليشيا كمدينة مضطربة، مقارنة بالمدن الواقعة تحت سيطرتهم.
 
نالت المدينة جهودا هامشية لتطبيع الحياة فيها، بينما اشتعلت في عدة جبهات، سواء على المستوى المعيشي، أو الأمني، أو العسكري.
 
فعلى المستوى المعيشي شهدت شوارع المدينة احتجاجات مستمرة للتنديد بتدهور خدمة الكهرباء، وعودة مؤسسات الدولة، كالقضاء، بينما على المستوى الأمني ارتفعت وتيرة الاغتيالات والحوادث الإرهابية، التي سجلت رقما قياسيا لها، بالتزامن مع العشرات من حالات الاغتيال والقتل التي تسجل في العادة ضد مجهول.
 
وكانت الكارثة الأكثر قتامة هي عملية طرد وإجلاء المئات من المواطنين المحسوبين على المحافظات الشمالية، من قبل ما يسمى بقوات الحزام الأمني، التي يشرف عليها وزير الدولة هاني بن بريك، والمُقال هو أيضا بنفس اليوم.
 
غير أن الإخفاق الأكثر كان في السياسة التي اتبعها عيدروس وفريقه، وتتمثل في ذهابه نحو شطر آخر بعيدا عن الشرعية ومؤسساتها وأهدافها، وبدت عدن كما لو كانت خارج سياق سيطرة الشرعية، وبعيدا عن سلطتها، ولم تستطع الحكومة البقاء بها، لممارسة مهامها كما كان يفترض.
 
تلك القطيعة التي سلكها عيدروس وفريقه مع الحكومة، تأججت مع الأيام، وأدت إلى انعدام الثقة بينهما، وهو ما ساهم أكثر في التعجيل بالإطاحة به، خاصة بعد تعرض وزراء في حكومة بن دغر للإساءة إن لم تكن الإهانة، وطال الأمر الرئيس هادي الذي غادرها في زيارته الأخيرة إلى الرياض ممتعضا، بعد ما يعرف بأزمة المطار.
 
الأدهى من ذلك هي النزعة المناطقية التي ترعرعت في اتجاهين، الأول نزعة مناطقية تجاه المواطنين المنحدرين من محافظة الشمال، والأخرى النزعة المناطقية بين المواطنين المنتمين للضالع وأبين ولحج وعدن، والتي تعمقت بشكل واضح، بعد اتهامات لعيدروس وفريقه بالعمل على تمكين المنتمين لمحافظته (الضالع)، وتهميش المنتمين لبقية المحافظات.
 
انتشار السلاح، وتنامي دور جماعات العنف، والإخفاق الحكومي، وتوقف عجلة التنمية، وعدم الاستقرار، وارتفاع وتيرة القمع والانتهاكات التي طالت المواطنين، جميعها مظاهر اتسمت بها عدن، ولم تفلح سلطتها تحت قيادة عيدروس من تلافيها وتطويقها.
 
وطوال فترته أخفق عيدروس وفريقه في تحويل عدن إلى مدينة ممثلة للشرعية اليمنية بتوجهها الجديد في اليمن الاتحادي، وتحولت إلى بيئة طاردة لليمنيين من خارجها، بعكس مدينة مأرب على سبيل المثال، فانغلقت عدن على نفسها، لصالح مشاريع صغيرة، وتنامت مع ذلك مشاعر الإحباط للمواطنين بداخلها، ومشاعر الكراهية، لمن غادرها.
 
علاقة عيدروس بالإمارات، انعكست سلبا على علاقته بالرئيس هادي والمملكة العربية السعودية، فقد زارها بعد قرار تعيينه، وقبل أن يؤدي اليمين الدستورية، وزارها لاحقا أكثر من مرة، وكان لتلك العلاقة تأثيرها على حالة التأزم مع الحكومة، وعلى الوضع العام لمحافظة عدن.
 
يقول المحيطون بعيدروس إن قدراته الإدارية ضعيفة، وخلى تأريخه من أي منجز، باستثناء الجانب الأمني، الذي يرجعون أسباب نجاحه لوجود القوات الإماراتية داخل عدن.
 
ماذا عن بن بريك؟
 
في التاسع من يناير 2016، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي القرار الجمهوري رقم (45) بتعيين هاني بن بريك وزيراً للدولة عضو مجلس الوزراء.
 
كان هاني بن بريك قبل ذلك التأريخ شيخ علم محسوب على التيار السلفي، الموالي لشيخ العلم المعروف مقبل الوادعي، وقبيل قرار تعيينه زار بن بريك دولة الإمارات مع مشائخ آخرين، وعاد بحلة جديدة، ظهرت عليه منذ اللحظة الأولى لأدائه اليمين الدستورية أمام الرئيس هادي، والتي وصفها وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان بأنها وثيقة تأريخية لألف عام قادم.
 
تولى بن بريك قيادة الحزام الأمني، وهي القوات التي أُنشئت عقب تحرير المحافظة، بدعم من دولة الإمارات، لتكون مهمتها حفظ الأمن، لكنها أثارت الكثير من الجدل لاحقاً، وكانت أحد عوامل تغذية الخلاف بين الحكومة الشرعية، والوزير بن بريك، ومحافظ عدن عيدروس، وقائد الأمن فيها شلال شائع.
 
سنة وثلاثة أشهر بالتمام قضاها بن بريك في منصبه، محدثا الكثير من الجدل، حتى مع رفاقه في الحركة السلفية، الذين يتهمونه باستهداف مشائخهم، والتضييق عليهم، عبر العديد من الوسائل، أبرزها حالات الإقصاء المستمرة من المساجد، بل وصل الأمر حد اتهامه بالتورط في عمليات الاغتيال التي طالت قيادات سلفية داخل عدن.
 
سار بن بريك على نفس النهج الذي سار عليه عيدروس الزبيدي، في إدارة ظهره للحكومة الشرعية والرئيس هادي، وبدا مرتبطا بشكل أكبر خارجيا، أكثر من ارتباطه بالحكومة التي ينتمي إليها.
 
وتصاعدت ضده الكثير من الانتقادات، والتي وصلت حد المطالبة بمحاكمته وتقديمه للتحقيق.
 
قرار الإزاحة والإعفاء
 
برأي كثير من المتابعين، فإن القرار الذي أصدره الرئيس هادي كان متوقعاً، بعد الوضع الكارثي الذي وصلت إليه المحافظة.
 
وجاء قرار هادي بعد اجتماع مع مجلس الدفاع الوطني، وهيئة مستشاريه، وهو ما يؤكد أن القرار اتخذ بصعوبة، وبعد دراسة لكافة التداعيات التي قد يولدها القرار.
 
فقرار إقالة عيدروس كان متوقعا، وفقا لشخصيات سياسية استطلع "الموقع بوست" آراءها في عدن، وتعد القرارات في مجملها بمثابة إدانة للسلوك الذي انتهجه عيدروس وبن بريك طوال فترة عملهما، وإن كان بن بريك أكثر إدانة حين نص قرار إعفائه على تقديمه للمحاكمة.
 
يعتقد المحلل العسكري علي الذهب أن القرارات مثلت برهانا واضحا على انسداد الأفق بين الرئيس هادي والإمارات، خاصة مع طول مكوثه في الرياض وعدم قدرته على العودة إلى عدن.
 
ويصفها الذهب -في تصريحه لـ"الموقع بوست"- بأنها تعد خطوة استباقية لتبديد مساعي الإمارات في استنساخ وضع مشابه في الحديدة لما بعد تحريرها.
 
يضيف الذهب "يبدو أن هادي وقعت في يده كثير من الملفات الأمنية الخطيرة التي يستطيع الرهان عليها، وخاصة الاغتيالات والإعدامات التي طالت رموزا في المقاومة، وهو ما كشف عنه تذييل قرار إقالة بن بريك بإحالته للتحقيق".
 
ويرى المحلل العسكري أن الرئيس هادي يمتلك قوة كبيرة في عدن لكن نقطة ضعفه هي الطيران، وفق تعبيره.
 
تعيين المفلحي
 
قوبل قرار تعيين عبدالعزيز المفلحي محافظا لعدن بالترحيب والإشادة، فالرجل ينتمي لذات الجغرافيا، ويحتفظ بعلاقات واسعة مع الكثير من الشخصيات فيها، وجاء لمنصبه من هيئة مستشاري الرئيس هادي، والتي لها دور كبير في رسم السياسة العامة للدولة مؤخرا، ولديها الاطلاع الكافي على مجريات الأحداث في البلاد.
 
وعلاوة على ذلك، فالمفلحي الذي يعيش في المملكة العربية السعودية منذ عقود كرجل أعمال، يشير قرار تعيينه إلى أن السعودية التي تعد الدولة الأولى في التحالف العربي وضعت عدن في يدها، ولديها الرغبة في إسكات الصداع القادم منها.
 
الخلفية الاقتصادية التي يتمتع بها المفلحي، تكسبه ميزة أخرى في إنقاذ المدينة من الوضع المتردي الذي تعيشه، كما يعتقد مراقبون.
 
لكن المفلحي سيجد نفسه يخوض معارك في عدة اتجاهات، فإلى جانب معركة التنمية والوضع الخدمي المتدهور، سيرث أيضا ملفات المناطقية، والشللية، وجماعات العنف، والوضع الأمني المتردي.
 
التطورات القادمة ربما ألقت بظلالها على قرارات التعيين، وعجلت بها، فالتحالف العربي والحكومة الشرعية يخوضان معركة سياسية متواصلة منذ أشهر لتحرير ميناء الحديدة، وإيجاد موانئ بديلة لإدخال المساعدات الإغاثية، وربما استبق التحالف والحكومة عملية التحرير بإسناد مهمة إدارة عدن ومينائها لمحافظ جديد كجزء من تلك العملية المرتبطة بالحديدة، بعد سياسة الانغلاق التي انتهجها عيدروس.
 
ردود الفعل
 
لم تسجل أي مواقف من قبل ردود الفعل الرافضة للقرارات الأخيرة، لكن المظاهرات المحدود التي خرجت في عدن، والضالع، تشير إلى أن عملية الهدوء ستكون معقدة، إذا استمر اتباع عيدروس وبن بريك في إثارة الفوضى ردا على تلك القرارات.
 
قوات الحزام الأمني ستمثل أيضا حجرة عثرة أمام المحافظ الجديد، في حال ظلت موالية للمحافظ السابق، وهاني بن بريك.
 
بالتأكيد ستكون مهمة المفلحي صعبة، وبحاجة إلى مزيد من المساندة من الحكومة الشرعية، والتحالف العربي، وفي مقدمة ذلك المملكة العربية السعودية.
 


التعليقات