الأزمة اليمنية واستمرار حالة الجمود.. هل اختلطت الأوراق؟ (تحليل)
- عبدالسلام قائد السبت, 08 يوليو, 2017 - 04:00 مساءً
الأزمة اليمنية واستمرار حالة الجمود.. هل اختلطت الأوراق؟ (تحليل)

[ أهم أسباب حالة الجمود التي تمر بها الأزمة اليمنية تباين الأهداف لدى مختلف أطراف الحرب ]

تشهد الأزمة اليمنية حالة خطيرة من التيه والجمود وتخبط مختلف الأطراف الفاعلة في الأزمة محليًا وإقليميًا، وتفتت وانقسام كل التحالفات، بالإضافة إلى تباين الأهداف ومخاوف كل طرف من المستقبل المجهول للبلاد في مرحلة ما بعد الحرب، وخشية كل طرف من أن يفقد مصالحه دفعة واحدة في مرحلة ما بعد الحرب أيضًا، لاسيما في ظل محدودية البدائل والخيارات أمام كل طرف للتعامل مع طبيعة المرحلة المقبلة.

وتبرز حالة التيه والجمود بشكل أكثر وضوحًا إذا تأملنا التالي: عند المقارنة بين قدرات وإمكانيات التحالف العربي والسلطة الشرعية بقدرات وإمكانيات الانقلابيين، وطول المدة الزمنية منذ بدء عملية "عاصفة الحزم"، فإن قدرات وإمكانيات التحالف العربي والسلطة الشرعية كفيلة بتحرير اليمن عدة مرات من الانقلابيين وليس مرة واحدة، خاصة بعد نجاح التحالف العربي في تدمير مخزون السلاح الثقيل للانقلابيين في بدء عملية "عاصفة الحزم"، إلا أن المخاوف المذكورة تسببت في حالة الجمود والتيه التي تشهدها الأزمة حاليًا.

- أسباب متعددة

هناك العديد من الأسباب التي أوصلت مسار الأزمة اليمنية إلى حالة التيه وربما اختلاط الأوراق، مما تسبب بحالة الجمود التي تشهدها الأزمة حاليًا، والتي انعكست سلبًا على المواطنين من جانب، ومن جانب آخر جعلت قيادات مختلف الأطراف مقتنعة بما يمكن تسميته بأن الوضع بالنسبة لها أصبح في "دائرة الارتياح"، بغرض جني المزيد من المكاسب الشخصية جراء استمرار الوضع كما هو عليه من جمود وعدم الحسم.

ولعل من أهم أسباب حالة التيه والجمود التي تمر بها الأزمة اليمنية، تباين الأهداف لدى مختلف أطراف الحرب، فالقطاع الأوسع من المنضوين في تحالف السلطة الشرعية، خاصة المقاتلين في الجبهات، هدفهم الرئيسي يكمن في القضاء على الانقلاب واستئناف العملية السياسية بما يحقق أهداف ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

لكن هناك أطراف في السلطة الشرعية، ممن لم يعلنوا انشقاقهم عن المخلوع علي صالح ويعلنوا انضمامهم للثورة أو تأييد مطالبها، يعملون على حرف مسار الهدف من الحرب بما يضمن تحقيق مصالحهم الشخصية، خشية أن يتم تهميشهم في استحقاقات مرحلة ما بعد الحرب، وبما أنه ليس لديهم فكرة أو خطة أو مجرد تصور لمرحلة ما بعد الحرب، سوى أن يتم ترميم النظام السابق وتغيير وجوهه وأن يتم استيعابهم فيه، فإنهم يعملون على إطالة أمد الحرب، كون ذلك الوسيلة الوحيدة الكفيلة بتمديد بقائهم في السلطة وجني مكاسب شخصية على حساب معاناة الشعب اليمني وتطلعاته وأهدافه، والتي يدفع ثمنها خيرة شبابه في مختلف جبهات القتال.

وكذلك الأمر بالنسبة للانقلابيين، فرغم أن هدفهم الرئيسي هو السيطرة الكاملة على البلاد وإقصاء الآخرين تمامًا، مع تباين آخر يكمن في أن المخلوع علي صالح يريد استعادة السلطة وتسليمها لأبنائه، بينما الحوثيون يسعون إلى استعادة نظام الإمامة وإن كان ذلك بثوب جمهوري، إلا أن يأس طرفي الانقلاب من إمكانية السيطرة الكاملة على البلاد جعلهم يفضلون حالة الجمود والتيه التي تشهدها الأزمة حاليًا على أي خيار آخر، سواء كان الحل السياسي أو الحسم العسكري.

يرى الانقلابيون أن الوضع بشكله الحالي يمنحهم فرصة أفضل لجني وتحقيق مكاسب شخصية، فما زالوا يواصلون فرض الإتاوات الطائلة على رجال الأعمال والشركات والمؤسسات التجارية بذريعة دعم المجهود الحربي، وينهبون إيرادات المحافظات التي يسيطرون عليها، ويؤسسون شركات تجارية خاصة بهم، ويشترون الأراضي والفلل والبيوت في العاصمة صنعاء، ويعملون على تغيير تركيبتها السكانية بشكل صامت ومدروس، من خلال توطين المزيد من أتباع مذهبهم فيها، ولو أن لديهم قدرات عسكرية تمكنهم من استعادة السيطرة الكاملة على البلاد لما ترددوا لحظة واحدة.

أما دول التحالف العربي، فرغم أن تدخلها كان بطلب من الرئيس عبدربه منصور هادي، وهدفها يكمن في القضاء على الانقلاب وإعادة السلطة الشرعية والتصدي للنفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة، إلا أن تباين أهدافها، ومخاوف بعضها من مآلات ثورات الربيع العربي ومطالبها، إضافة إلى خلافاتها البينية، ومخاوف بعضها من الأحزاب الإسلامية، كل ذلك جعلها تتردد في الحسم العسكري.

كما أن دول التحالف العربي مترددة في الحسم العسكري لعدم امتلاكها رؤية أو خطة لمرحلة ما بعد الحرب أو الحسم العسكري، ولعدم وجود خيارات متعددة للتعامل على ضوئها وفقًا لمتطلبات المرحلة المقبلة، فكل الطرق تؤدي إلى تحقيق ثورة 11 فبراير لأهدافها، أو عودة النظام القديم بكل مساوئه وخطره على الشعب وعلى دول الجوار حتى وإن تم ترميمه وتعهد بالعودة للطاعة لدول الجوار، وما عدا ذلك فهو استمرار الحرب المنهكة لكل الأطراف، أو تمزق البلاد إلى دويلات وهويات متصارعة فيما بينها، وانتعاش الجماعات الإرهابية.

- نتائج سلبية

إن بقاء الأوضاع كما هي عليه، واستمرار حالة التيه والجمود لمزيد من الوقت، من شأن كل ذلك أن يتسبب في نتائج سلبية ستؤثر بلا شك على مختلف الأطراف، وهو ما سنوضحه فيما يلي:

- من الواضح أن إطالة أمد الحرب من شأنها استنزاف مختلف الأطراف، فليس هناك طرف سيخسر بينما الطرف الآخر سيربح، لكن سيتفاوت حجم الخسارة ونوعيتها من طرف إلى آخر، كل بحسب نوعية قدراته وإمكانياته المادية والبشرية والتسليحية.

- كلما طالت مدة الحرب، وما يتخللها من أزمات طارئة محلية أو إقليمية أو دولية، فإن ذلك سيتسبب في ظهور شروخ وتصدعات بينية لدى مختلف التحالفات، وهو ما بدأ يظهر إلى العلن بالفعل، فهناك خلافات بين طرفي الانقلاب، وهناك خلافات بين أطراف السلطة الشرعية وحلفائها، وهناك خلافات بين دول التحالف العربي.

ولا شك أن استمرار هذه الخلافات والتصدعات، واستمرار الحرب في نفس الوقت، فإن ذلك كفيل بظهور مزيد من الانقسامات والخلافات والتفتت لدى كل طرف أو تحالف، وربما تنهار التحالفات الحالية وتظهر على أنقاضها تحالفات جديدة وبمشاريع وأهداف جديدة أكثر خطورة وتعقيدًا، الأمر الذي سيتسبب في تمييع الأزمة، وقد يكون حلها هشًا وينطوي على ثغرات وألغام ستنفجر مستقبلًا، وستعود الأوضاع إلى المربع الأول، وستكون كلفة ذلك باهظة.

- من الواضح أن ثقافة الكراهية صارت هي السائدة منذ بدء الحرب، وكلما طال أمد الحرب فإن هذه الثقافة ستترسخ وتتعمق أكثر، وهذا الأمر من شأنه إحداث شروخ اجتماعية يصعب ردمها بسهولة، وستؤثر بلا شك على الوحدة الوطنية السياسية والاجتماعية، لاسيما في ظل بروز خطاب عنصري مناطقي في الجنوب ضد كل ما هو شمالي، وبروز خطاب عنصري مناطقي ومذهبي في شمال الشمال ضد مختلف فئات المجتمع اليمني، بالإضافة إلى الكراهية على أسس حزبية وغيرها.

وإذا كان من النتائج الأولية لثقافة الكراهية أن مدينة عدن أصبحت غير مناسبة لتكون عاصمة مؤقتة للبلاد، فإن صنعاء لم تعد مناسبة لتكون عاصمة دائمة للبلاد وباتت أكثر خطورة من عدن، فسواء انتهت الأزمة بحل سياسي أو حسم عسكري، فمن سيجرؤ على العودة إلى العاصمة صنعاء من أطراف السلطة الشرعية وحلفائها ليحكم أو ليستقر فيها مجرد الاستقرار فقط، بعدما شحنت القبائل المحيطة بها بثقافة وخطاب كراهية بغيض، وهي قبائل من السهل تحريكها في أي وقت للانقضاض على العاصمة لدوافع مناطقية أو مذهبية، بل فالعاصمة ذاتها سيتم زرع خلايا سرية بداخلها تقوم بالاغتيالات والتصفيات ضد الخصوم السياسيين للمخلوع علي صالح والحوثيين في حال عادوا إليها.

ويمكن القول إنه كلما طالت مدة الحرب، وتأجل الحسم العسكري، فإن ذلك كفيل بظهور المزيد من الخلافات والتباينات في أوساط السلطة الشرعية والتحالف العربي والانقلابيين أيضًا، لكن الانقلابيين سيكونون الأقل تضررًا، ذلك أن آثار خلافاتهم لن تظهر إلا في حال انتصروا في نهاية المطاف، وستتمثل في صراعهم على السلطة فيما بينهم، بينما الخلافات بين أطراف السلطة الشرعية، وأيضًا الخلافات بين أطراف التحالف العربي، فإن آثارها ستظهر قبل الحسم العسكري، وسيكون ذلك لصالح الانقلابيين.

ورغم أن ذلك يبدو مستحيلًا، كون المعركة والهدف أكبر من كل الخلافات والمصالح الشخصية، لكن الخشية أن يؤثر ذلك على طبيعة نتيجة الحرب، فالخلافات في حال تعمقت ستغري الانقلابيين بأن يستغلوها ويجعلوا من نتيجتها فخًا كبيرًا للسلطة الشرعية، سواء بمصالحة سياسية هشة، أو استدراجها إلى حسم عسكري مغشوش ومفخخ، والرابح الأكبر من كل ذلك إيران ومشروعها التوسعي في المنطقة.
 


التعليقات