من رجال سبتمبر.. عبدالله السلال ابن الحداد الذي قاد الثورة وأصبح أول رئيس للجمهورية
- خاص الإثنين, 11 سبتمبر, 2017 - 08:55 مساءً
من رجال سبتمبر.. عبدالله السلال ابن الحداد الذي قاد الثورة وأصبح أول رئيس للجمهورية

[ عبد الله السلال أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية في الفترة 1962 – 1967 ]

تعد ثورة 26 سبتمبر 1962 أعظم ثورة في تاريخ اليمن، فهي لم تكن ضد حكم عائلة الإمام يحيى حميد الدين فقط، ولكنها ضد حقبة طويلة من الحكم العائلي العنصري والمذهبي المتخلف والمستبد استمرت بشكل متقطع أكثر من ألف ومئة عام، توقف خلالها التراكم الحضاري لليمنيين، بل فقد انهارت خلالها النظم والقيم المتقدمة والمتراكمة التي أنتجتها الحضارات اليمنية القديمة، وحلت مكانها منتجات الإمامة كالجهل والتخلف والفقر والمرض والخرافات والخزعبلات، وكانت حقبة الإمامة الزيدية أسوأ مرحلة انحطاط في تاريخ اليمن، وما زالت تبعاتها قائمة حتى يومنا هذا.

ورغم أن هذه الثورة كانت تقف خلفها النخبة المثقفة من مختلف فئات المجتمع اليمني، إلا أن الحكمة الإلهية اقتضت أن يتزعم هذه الثورة، ويصبح أول رئيس للجمهورية، رئيس أركان الجيش الإمامي عبدالله السلال، وهو من أصول اجتماعية "متواضعة"، بحسب نظرة الأئمة الزيديين وتقسيمهم الطبقي للمجتمع اليمني، فعينوه في هذا المنصب لاعتقادهم أنه لن يشكل أي خطر عليهم، لأن والده كان "حدادًا"، وهي واحدة من المهن التي يصنفها الأئمة الزيديون ومدعو النسب الهاشمي بأنها مهن دونية.

كان عبدالله السلال ضمن الطلاب اليمنيين الذين أوفدوا إلى العراق عام 1936 بغرض التدريب العسكري، وكان كغيره من الطلاب الموفدين الذين تم اختيارهم بعناية من قبل نظام الإمام يحيى حميد الدين، حيث تذكر بعض المصادر أن معايير اختيار الطلاب حينها للتدريب العسكري في العراق كانت تقتضي أن لا يكون أحدهم منتمٍ إلى قبيلة أو فئة قوية، وذلك حتى لا يشكل خطرًا على نظام الأئمة بعد عودته.

ولهذا السبب، فقد تم اختيار السلال الذي لم يكن ينتمي إلى قبيلة أو فئة قوية، وكان والده يعمل حدادًا، وهي مهنة دونية بحسب التقسيم الطبقي للمجتمع من قبل الأئمة كما ذكرنا، وهو الأمر الذي قلل من التخوف من عدم ولائه للأئمة، فضلًا عن الاعتقاد بأنه قد يتواصل مع تنظيم الضباط الأحرار ويشترك معهم في التخطيط للثورة وتزعمها.

وأثناء مكوثه في العراق للتدريب العسكري، اكتشف السلال حجم التخلف الذي تشهده اليمن قياسًا بالعراق، رغم أن العراق لم تكن حينها متقدمة، قياسًا ببعض الدول المجاورة. لكن الفرق الهائل بين اليمن والعراق جعل السلال يصل إلى قناعة بأن هناك الكثير من الأشياء التي يجب العمل على إصلاحها، ومن هنا بدأت تظهر عليه دلائل الروح الثورية.

وبعد عودته إلى اليمن عام 1939، وهو يحمل رتبة ملازم ثان، عُيّن السلال في الجيش الإمامي، وسرعان ما بدأ في التواصل مع البعثة العسكرية العراقية في صنعاء، والتي قدمت إلى اليمن بغرض تدريب الجيش اليمني، إلا أنه سرعان ما أودع السجن بتهمة القيام بأنشطة انقلابية. غير أنه بعد ثمانية أشهر من السجن أُطلق سراحه، وأُعيد تعيينه في الجيش برتبة نقيب.

ثم إنه بعد اغتيال الإمام يحيى في ثورة 1948، وتقلد نجله أحمد للإمامة بعد فشل الثورة، أُعيد إرسال السلال إلى سجن قلعة حجة، لأن الإمام أحمد اعتقد بأنه كان له علاقة بالثورة ثم التآمر ضده، وقضى السلال شطرًا من حياته في السجن مقيدًا بالسلاسل إلى الجدران بأصفاد مثبتة في أقدامه.

وخلال فترة مكوثه في السجن، احتك السلال بعدد من الثوريين الأحرار الذين احتجزوا معه، واستمع إلى مناقشاتهم وخططهم. كما أنه أصبح بعد ذلك أحد المعجبين بالزعيم المصري جمال عبدالناصر، وتأثر بثوريته وإنجازاته، وتشكل لديه الوعي بخطورة استمرار النظام الإمامي في حكم اليمن.

وفي عام 1955، تم إطلاق سراح السلال من سجن حجة، بناءً على تدخل من ولي العهد محمد البدر، الذي كان يرى فيه مصلحًا حقيقيًا، وأنه متحمس لبذل كل جهوده لأجل الوطن، وأعيد إلى عمله مرة ثانية وتمت ترقيته، وأسند إليه الإشراف على ميناء الحديدة، الذي سرعان ما قام الروس بتوسيعه وإدخال الإصلاحات عليه.

بعد ذلك، نسج السلال علاقات مع المصريين الذين جاء بهم محمد البدر إلى اليمن، خلال فترة غياب والده في روما بإيطاليا لغرض العلاج عام 1959، وقام معهم ومع غيرهم، الذين شكلوا فيما بعد تنظيم الضباط الأحرار أو "الأحرار اليمنيون"، باتصالات سرية. وحينها، توصل إلى قناعة بأنه لا بد من القضاء على الإمامة وقيام نظام جمهوري حديث، واستغل صداقته لولي العهد بحذر من أجل تحقيق هذا الهدف.

وفي عام 1961، تعرض الإمام يحيى لمحاولة اغتيال جرح خلالها، أثناء حفل افتتاح للمستشفى الجديد الذي بناه وجهزه السوفيات في الحديدة. وأثناء ذلك، التجأ أحد الذين حاولوا القيام بالاغتيال إلى مكتب مدير الميناء عبدالله السلال، الأمر الذي جعله محلًا للريبة، فطرده الإمام أحمد من وظيفته. لكن تعاطف محمد البدر معه دفعه إلى تعيينه رئيسًا لحرسه الخاص، والذي كان جزءًا من الجيش النظامي اليمني. وقد اعترف السلال، فيما بعد، باشتراكه في محاولة اغتيال الإمام يحيى المشار إليها.

بعد ذلك، تنقل السلال في عدة وظائف، مما منحه فرصًا كثيرة للتواصل مع الثوريين، فبعد فترة وجيزة عينه ولي العهد محمد البدر مشرفًا على مطار صنعاء، ثم الإشراف مجددًا على ميناء الحديدة، وبعدها تم تعيينه مديرًا للكلية الحربية في صنعاء.

أعطت تلك الوظائف المختلفة السلال فرصًا كثيرة للتواصل مع الثوريين والضباط الأحرار، وفي كسب تأييد ضباط الجيش، وتخريج المزيد من الأحرار والثوار، والاستعانة بمساعدات المصريين الفنية.

وبعد أن تولى محمد البدر منصب الإمامة بعد وفاة والده، قام على الفور بتعيين عبدالله السلال رئيسًا لأركان جيشه، وشكّل له هذا المنصب فرصة ثمينة للتخطيط واتخاذ الخطوات اللازمة للإطاحة بالإمام، والإعلان عن ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد الحكم الإمامي الفاسد والمستبد والمتخلف وطي صفحته إلى الأبد.


التعليقات