غزوة البحث الجنائي في عدن .. تواطؤ أمني وغياب لطيران التحالف (تفاصيل)
- عدن - خاص الثلاثاء, 07 نوفمبر, 2017 - 03:46 مساءً
غزوة البحث الجنائي في عدن .. تواطؤ أمني وغياب لطيران التحالف (تفاصيل)

[ 46 قتيلاً وأكثر من 45 جريحاً حصيلة الحادث الإرهابي على البحث الجنائي في عدن ]

46 قتيلاً وأكثر من 45 جريحاً تلك هي حصيلة ضحايا الحادث الإرهابي الذي استهدف إدارة البحث الجنائي بمديرية خورمكسر، شرقي العاصمة المؤقتة عدن، في حادثة أعادت أذهان اليمنيين إلى أواخر العام 2013 والذي شهد حادثة مشابهة في مجمع العرضي بصنعاء، وإلى مطلع يوليو من العام 2016 فقد شهد أيضا حادثة مشابهة تماما حيث تمكنت عناصر ارهابية من اقتحام معسكر الصولبان والسيطرة عليه لساعات قبل أن تنجح القوات الأمنية بدحرهم، في مواجهة سقط خلالها مالا يقل عن 25 جندياً.
 
عند قرابة الساعة 7:46 من صباح الأحد 5 نوفمبر/ تشرين الثاني ، كانت البداية فقد اقتحمت سيارة مفخخة البوابة الرئيسية لمبنى البحث الجنائي في العاصمة المؤقتة عدن، لتنفجر محدثةً دوياً سُمع صداه لكل مديريات عدن الثمان، وسقط إثر ذلك الانفجار 4 جنود على الأقل إضافة للانتحاري الذي كان يقود السيارة المفخخة، لكنها لم تكن النهاية، ككل الحوادث الإرهابية الماضية، والتي تبدأ وتنتهي بانفجار السيارة المفخخة، فبعد الانفجار مباشرة تدخلت مجموعة من العناصر الإرهابية، وقامت بقتل عدد آخر من الجنود، وتمركزت في أسطح مباني الإدارة، متخذةً من عشرات السجناء- المحتجزين على ذمة قضايا جنائية- دروعاً بشرية.
 
كان الانفجار ضخما وتسبب في حالة من الإرباك والهلع بين أوساط المواطنين، خصوصا الطلاب منهم والذين تقع كلياتهم بالقرب من موقع الانفجار، ما اضطرهم للبقاء بداخلها حتى هدأت الاشتباكات، فيما علقت عشرات السيارات بالشوارع القريبة وأعداد كبيرة من المواطنين الذين كانوا في طريقهم لأعمالهم، لكنهم لم يستطيعوا مواصلة طريقهم أو حتى الفرار، بحسب شهادات متفرقة حصل عليها " الموقع بوست" من شهود عيان كانوا في المنطقة.
 
لم تكن سوى دقائق حتى اندلعت اشتباكات عنيفة بين العناصر الإرهابية المتحصنة في مبنى إدارة البحث الجنائي من جهة وقوات أمنية قدمت من مواقع قريبة، لكنها لم تستطع التقدم ولو حتى قليلا، فقد كان من بين العناصر الإرهابية فرقة قنص خاصة، نشرها الإرهابيون في أسطح مبنى الإدارة، لتباشر قنص أي تحركات لعناصر الأمن باتجاههم.
 
الجندي( س.ك) أحد الجنود الذين شاركوا في المواجهات المسلحة لتطهير مبنى إدارة البحث الجنائي، أفاد خلال حديثه مع مراسل"الموقع بوست" أن مسرح المواجهة بقي كما هو عليه لأكثر من 6 ساعات، حيث لم تستطع القوات الأمنية التقدم باتجاه حرم مبنى الإدارة، نظرا لكثافة النيران التي أطلقها الإرهابيون من رشاشاتهم المتوسطة والخفيفة.
 
ويذكر الجندي أن وجود عشرات السجناء بقبضة العناصر الإرهابية واستخدامهم كدروع بشرية، جعل من المهمة أكثر صعوبة، مشيرا إلى أنه تم تصفية كل من وجدهم التنظيم من ضباط وإداريين كانوا يعملون في البحث أبرزهم مدير مكتب رئيس جهاز البحث الجنائي بعدن، ومسؤولة العمليات لدى الجهاز الضابط إخلاص الحسني، والتي وجدت جثتها وعليها آثار ذبح.
 
وتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الصور لقيادات أمنية شاركت في عملية حصار مبنى إدارة البحث وتطهيره، بينهم مدير أمن عدن شلال شائع، والنائب الأول لإدارة أمن عدن علي الذيب أبو مشعل الكازمي، وقائد قوات الأمن الخاصة بعدن ناصر العنبوري، وقائد اللواء الأول في الحزام الأمني منير اليافعي، في مشهد يوضح مدى القوة العسكرية الضخمة التي حاصرت مبنى إدارة البحث وحاولت تطهيره، إلا أنها استغرقت 24 ساعةً كاملة لتنجز ذلك.
 
وبحسب مصادر أمنية فإن 40 جنديا على الأقل لقوا مصرعهم خلال تلك الاشتباكات، إلى جانب 6 مدنيين (من سجناء ومواطنين كانوا بداخل المبنى لغرض المتابعة لإجراءات تخصهم)، فيما لم يُعرف بعد العدد النهائي للمهاجمين فقد قُدر بـ 12 إلا أنه ذلك العدد ليس بدقيق، فحتى إدارة أمن عدن لم تصدر بيانا رسميا يوضح تفصيل أعداد المهاجمين، نظرا لتفحم الجثث وتبعثرها، فقد فجر انتحاريين اثنين أنفسهم أثناء الاشتباكات، ليكون بذلك إجمالي عدد الانتحاريين خلال العملية ثلاثة انتحاريين.
 
وأظهرت فيديوهات التقطتها عدسات هواتف جنود شاركوا في المواجهات، أسلوباً فريداً اتخذته العناصر الإرهابية المتحصنة بداخل مبنى إدارة البحث، فكلما اقتربت مجموعة من القوات الأمنية من المبنى، سارع أحد العناصر الإرهابية باتجاههم ليفجر نفسه، وكان اخرهم أثناء الجولة الأخيرة من الاشتباكات، صبيحة الاثنين 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، حيث أصيب على إثر ذلك الانفجار النائب الأول لمدير أمن عدن العقيد علي الكازمي بجروح خفيفة فيما أصيب وقتل مالا يقل عن 6 كانوا بجانبه.
 
وبعد كل تلك المواجهات، والتي تعد الأعنف خلال العامين الذين أعقبا دحر ميليشا الانقلابيين من عدن، أحكمت القوات الأمنية سيطرتها على ما كان يُعرف سابقا بمقر إدارة البحث الجنائي، والذي بات عقب الحادث الإرهابي مجرد كومة من الدمار المختلطة بالدماء والأشلاء، ليكون بذلك شاهدا على حالة العجز لدى إدارة أمن عدن، فبالرغم من انتشار عشرات الحواجز الأمنية في الشوارع الرئيسية والطرق ما بين المديريات، إلا أن العناصر الإرهابية تمكنت من الوصول لهدفها، وليس ذلك فحسب بل أحكمت سيطرتها على إحدى أهم وأبرز المؤسسات الأمنية الحساسة لساعات قبل أن تنتهي تلك العملية وينتهي معها مقر إدارة البحث الجنائي.
 
ويذكر أن تنظيم ما يعرف بـ " داعش" أعلن تبنيه للعملية، في بيان رسمي له، ليعود بذلك إلى الواجهة عقب أشهر من الغياب.
 
وتجدر الإشارة إلى أن طائرات الاباتشي التابعة لقوات التحالف، والذي تدير عملياته في عدن والمحافظات الجنوبية، بقيت غائبة عن الأجواء حتى حلول مساء الأحد 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، أي بعد سيطرة العناصر الإرهابية على مبنى الإدارة ب 12 ساعة، لتقوم بالتحليق قليلا على أجواء مديرية خورمكسر والتي يقع مقر البحث الجنائي فيها، لكن مشاركة تلك الطائرات لم تكن بتلك الفاعلية المعروفة، فهي تحلق على أجواء عدن باستمرار عند حدوث أي طارئ ابتداءا بالاشتباكات بين الوحدات الأمنية التابعة للشرعية من جهة وقوات الحزام الأمني من جهة أخرى، وصولا إلى تلك المناوشات الناتجة عن الخلافات الشخصية بين المواطنين.

وعلى صعيد متصل، كشفت وثيقة رسمية صادرة عن جهاز الاستخبارات العسكرية بعدن أن الجهاز أصدر قبل أكثر من 10 أيام تحذيرا إلى الجهات الأمنية يفيد فيه باقتراب تنفيذ هجوم ارهابي ضخم.
 
وبحسب الوثيقة الصادرة من قيادة الاستخبارات العسكرية ومكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة بعدن والموجهة إلى كافة المؤسسات الأمنية والعسكرية فإن المعلومات المتوفرة بان الارهابيين يستعدون لتنفيذ هجوم بسيارة مفخخة وانغماسيين.
 
وقال البلاغ " بحسب المعلومات المؤكدة من جهات الاختصاص والذي يفيدوا بان عناصر القاعدة يخططون لتنفيذ عملية كبرى في عدن وذلك بسيارة مفخخة تستخدم بها انغماسيين، لذلك على جميع الجهات العسكرية والامنية تشديد الحراسات على كل المعسكرات والدوائر ومقرات القيادات وجميع الوحدات بدون استثناء وايضا المعسكرات التابعة لوزارة الداخلية وشرطة امن عدن".
 
وقد لاقى البلاغ الذي تداولته وسائل الإعلام ردود أفعال واسعة، صُبَّ تجاه إدارة أمن عدن والتي حملوها تبعات ذلك الحادث كونها تساهلت مع ذلك البلاغ، ولم تعره الاهتمام المطلوب.
 
وتعليقا على ذلك قال الصحفي صبري السعدي،" إن كل حادثة وعمل إرهابي يحدث في عدن، يثبت تواطئ الاجهزة الأمنية تجاه الحكومة التي تعمل معها بل دليل تبعيتها لأجهزة استخباراتية خارجية.
 
وأضاف السعدي في منشور له على فيسبوك "هذه التعليمات التي أصدرتها ادارة عمليات الرئاسة الى الأجهزة الأمنية بتوخي الحذر والتشديد على جميع الوحدات العسكرية والأمنية، لم تُقابل بشكل إيجابي بل تم تجاهلها بكل استخفاف، وهو استخفاف بأرواح الموظفين والجنود الذين سقطوا ضحايا".
 
وذكر "هذا التعامل السلبي لن يكون له مبرر منطقي في أحسن الأوقات غير ان هذه الأجهزة الأمنية متخاذلة بعملها، ناهيك عن اذا كانت عميلة وتابعة لاستخبارات العدو.
 
وأشار إلى أن هذه العملية كشفت المستور وتجلت الحقيقة بكل ابعادها لتنذر سيادة رئيس الجمهورية بإعادة الهيكلة الأمنية بشكل عاجل وسريع، لأنها أهم بكثير من هيكلة الجيش.


التعليقات