سكان المناطق الحدودية في ميدي .. بين مرارة التشرد وجحيم القصف اليومي (تقرير)
- خاص الجمعة, 16 فبراير, 2018 - 04:50 مساءً
سكان المناطق الحدودية في ميدي .. بين مرارة التشرد وجحيم القصف اليومي (تقرير)

[ الحرب أجبرت سكان مديرية ميدي الى ترك منازلهم والنزوح إلى مناطق أخرى ]

على وقع أصوات المدافع وتحت أزيز الطائرات يعيش سكان قرية الجعدة الحدودية بمديرية ميدي التابعة لمحافظة حجة (شمال غرب اليمن) حالة من التوتر والخوف المستمر، جراء المعارك المحتدمة منذ أكثر من عامين على الشريط الحدودي.

وتقع الجعدة جنوب مديرية ويبلغ عدد سكانها 2076 نسمة بحسب تعداد 2004, وتعد القرية الوحيدة التي لم ينزح سكانها رغم المعارك الضارية التي تدور على بعد خمسة كيلومترات منها بين مليشيا الحوثي وقوات الجيش الوطني مسنودة بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية.

وباتت أصوات القذائف وهدير المقاتلات الحربية ومروحيات الأباتشي تطغى على حياة سكان قرية الجعدة، وبالرغم من قساوتها الا أنها أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية.

واضطر سكان مديرية ميدي الى ترك منازلهم والفرار الى مديريات أخرى هرباً من جحيم القصف الذي طال مناطقهم التي سيطرت عليها مليشيا الحوثي، لكن سكان قرية الجعدة آثروا البقاء، بدلاً من ويلات النزوح وعذابات التشرد.
 
رحلة محفوفة بالمخاطر
 
يودع يوسف علي أحد أهالي قرية الجعدة الساحلية بمديرية ميدي أسرته في الصباح الباكر، قبل أن يحمل شباكه استعدادا لرحلة صيد محفوفة بالمخاطر بحثاً عن رزقه بعد عزوف الكثيرين من سكان قريته الساحلية عن الصيد كما يقول.

وعلى مراكب متهالكة، يذهب يوسف مع بعض الأهالي للصيد بشكل شبه يومي، حاملين أرواحهم على أكفهم خوفاً من تعرضهم للموت بنيران بحرية التحالف وطائراته التي تستهدفهم بحجة الإشتباه بقوارب تهريب أسلحة إلى مليشيا الحوثي.

يقول يوسف لـ"الموقع بوست": "رغم المخاطر المحدقة بنا من كل جانب الا أننا فضلنا البقاء هنا على متاعب النزوح والتشرد فالاشتباكات لا تهدأ خصوصاً في المساء،والسماء ملبدة بالطائرات، وبالكاد نستطيع النوم، وفي كل صباح أودع زوجتي وأطفالي الخمسة، وأتجه للصيد في رحلة قد لا أعود منها".

 ويضيف "لم نعد نسلم أينما ذهبنا جراء القصف والتحليق المستمر وحتى الصيادين لم يسلموا من استهداف الطيران وبحرية التحالف التي تجوب شواطئ المديرية، وبالرغم من كل الأخطار الا أننا لا نستطيع الرحيل الى مكان آخر".

 ويعاني أكثر من 150 ألف نازح فروا من مديريتي حرض وميدي الحدوديتان مع السعودية من ظروف معيشية صعبة في مخيمات النزوح بمديريتي عبس وأسلم بمحافظة حجة جراء النقص الحاد في المواد الغذائية والمياه وحتى الخيم والادوية الاساسية.
 
 ألغام الموت
 
لم يأبه يوسف الأربعيني لقسوة الظروف التي حلّت بهم، نتيجة الحرب وتدهور الأوضاع من جهة، وانتهاكات المليشيات من جهة أخرى، وركز اهتمامه على ضرورة توفير لقمة عيش كريمة لعائلته المكونة من خمسة أفراد.

 ويروي يوسف لـ"الموقع بوست" جانباً من معاناة سكان قريته بالقول: "علاوة على مخاطر التعرض للقصف جراء المعارك القريبة منا، نواجه أخطاراً من نوع آخر تتمثل في الألغام البحرية المزروعة على الساحل إضافة إلى استهداف مراكبنا من قبل التحالف في عرض البحر".

 وزرعت مليشيا الحوثي آلاف الألغام البرية والبحرية إمتداداً من مديرية ميدي شمال غرب حجة، مروراً بشواطئ الخوبة واللحية والصليف وجزيرة كمران، ثم سواحل مدينة الحديدة والنخيلة والدريهمي والتحيتا والخوخة على الشريط الساحلي الغربي للبحر وصولاً لسواحل المخا جنوب محافظة تعز.

ولقى ثمانية صيادين مصرعهم في سواحل مديرية ميدي بمحافظة حجة، في مارس/آذار الماضي، بعد أن تعرض قاربهم لانفجار لغم بحري زرعته مليشيات الحوثي، فيما قتل مئات الصيادين بقصف للتحالف استهدف مراكبهم في شواطى محافظة الحديدة بحجة الإشتباه بتهريبهم أسلحة إلى مليشيا الحوثي.

وفي منتصف إبريل 2017, أطلق الجيش الوطني عملية "السهم البحري" لتمشيط سواحل ميدي والجزر ‏التابعة لها من خلايا مليشيا الحوثي وتطهيرها ‏من الألغام البحرية، وتمكنت الفرق الهندسية من انتزاع عشرات الألغام البحرية الإيرانية الثابتة والمتحركة وبأحجام مختلفة.
 
 أوضاع مأساوية
 
عشرات الأسر الفقيرة مثل عائلة يوسف علي، تعيش أوضاعاً مأساوية في ظل المعارك المحتدمة التي تدور رحاها على بعد كيلومترات قليلة من قريتهم التي تنعدم فيها أبسط المشاريع الخدمية والصحية.

  ويشير يوسف الى أطفاله الخمسة ويقول: "لا ينامون من أصوات القصف طوال الليل، الأرض تهتز من أقدامنا من شدة القصف الجوي والبري والبحري على مدينة ميدي. أجزاء من بيوتنا تتساقط ونعيش على خط النار وسط الخوف والرعب.

ويؤكد بأن أصوات القصف باتت روتيناً يومياً يبدأ مع ساعات المساء الأولى وحتى بزوغ فجر يوم جديد مشيرا الى أن موقع قريتهم المتاخم للشريط الحدودي مع السعودية حكم على سكانها بأن لا يمر يوم واحد عليهم دون يعيشوا لحظات الخوف والقلق.

يقول يوسف "فكرنا كثيرا في النزوح لكن لا سبيل لنا للخروج من القرية على الإطلاق، فأسعار إيجارات المنازل في المديريات الآمنة مرتفعة جدا، والمخيمات أوضاعها مأساوية وما أجنيه من الصيد بالكاد يكفي مصروف أسرتي من الطعام والشراب والحاجيات الضرورية، وأغلب السكان باتوا يعتمدون على المعونات المقدمة من برنامج الغذاء العالمي.
 
 نزوح مؤقت
 
رغم هول الصدمة التي تعرض لها أهالي قرية الجعدة الحدودية بعد القصف الجوي الذي طال قريتهم ونتج عنه مقتل المواطن أحمد طاهر وأسرته الا انهم كانوا محظوظين لبقائهم على قيد الحياة، يقول أحد جيرانه.

وقتل المواطن أحمد طاهر الجعيدي ونجله وابنته بغارة جوية خاطئة للتحالف دمرت منزله في قرية الجعدة بمديرية ميدي شمال غرب محافظة حجة بعد دقائق قليلة من عودته من رحلة صيد قصيرة في الرابع من أكتوبر 2017.

وقال محمد أحد جيران المواطن أحمد طاهر لـ"الموقع بوست" أنه كان يتناول افطاره مع زوجته وأطفاله عندما وقعت الغارة العنيفة التي هزت أرجاء القرية مؤكداً أنهم نجوا بأعجوبة من الشظايا التي تناثرت في أرجاء المنزل.

وأشار الى أن عدداً من الأسر نزحت من القرية بعد الغارة التي استهدفت منزل الجعدي ثم مالبثوا أن عادوا اليها بعد أقل من أسبوع كونهم لا يجيدون مهنة أخرى غير الصيد.
 
 مآسي متكررة
 
قبل ساعات من دخول العام الجديد 2018 كان سكان القرية الصغيرة على موعد مع فاجعة جديدة حيث استهدف طيران التحالف العربي الذي تقوده السعودية منازل عدد من الصيادين بعد عودتهم من رحلة صيد.

وقتل في القصف أربعة مدنيين وأصيب 10 آخرون إصابات البعض منهم بالغة فيما لم يتمكن السكان من اسعاف الجرحى الا بعد ساعات نظرا للتحليق المكثف على القرية.

وتحدثت فاطمة ابراهيم من أهالي القرية لـ"الموقع بوست" قائلة: "بين الحين والآخر تقصف الطائرات قريتنا بشكل عشوائي، فما ذنب أطفالنا الأبرياء من كل هذا القصف، ففي كل مرة يستهدفوننا يعرضون حياتنا وحياة أطفالنا للخطر، ويلحقون أضراراً كبيرة بممتلكاتنا".

 وقالت إن القصف الأخير ألحق أضراراً بالغة بمنزلها ومنزل أختها مشيرة الى أن أهالي القرية لا يستطيعون النوم بأمان نتيجة القصف والتحليق المستمر في اجواء القرية.

وتخوض قوات الجيش الوطني بدعم من التحالف معارك عنيفة منذ نهاية عام 2015م لطرد مليشيا الحوثي من مديريتي حرض وميدي الحدوديتان وتمكنت مطلع يناير من العام 2016 من السيطرة على ميناء ميدي الإستراتيجي الذي كانت تستخدمه مليشيات الحوثي لتهريب السلاح والمال.


التعليقات