في صنعاء .. عُلب وقوارير مهربة تحمل الموت لليمنيين (تقرير)
- خاص الثلاثاء, 27 مارس, 2018 - 06:16 مساءً
في صنعاء .. عُلب وقوارير مهربة تحمل الموت لليمنيين (تقرير)

[ أدوية وسجائر مهربة إلى اليمن ]

مع تشديد الحصار البري والجوي والبحري، من قبل قوات التحالف العربي على اليمن، منذ ثلاثة أعوام، وازدياد الانهيارات الاقتصادية لليمن، وانهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، والتشديد على الجمارك واستغلالها من قبل تجار الحرب، يمكن القول إن اقتصادا آخر موازيا بات له أربابه ومموّلوه وعاملون فيه، هو اقتصاد الحرب اليمنية، والمسيطر في زمن الحروب، والذي استطاع إلى حد كبير، أن يتحكم بفتح مساحات من التجارة غير الشرعية لبلد ينزف بشرا وثروة، وصار جزء من ثروته مادة للتهريب والسرقة، من قبل أطراف في التحالف العربي، ولعل توسع دولة الإمارات في مناطق الغاز والنفط، وفي الجزر الحيوية اليمنية الغنية بالآثار خير دليل على تعرض ثروات البلد للنهب، في حين فتح الباب واسعا أمام التهريب والمهربين، والذين صاروا لهم علاقة بالقائمين على السلطة، وأبرزهم أولئك الذين انقلبوا عليها.
 
وقد يبدو الحديث عن التهريب من وإلى اليمن خلال الفترة الحالية بلا معنى، في ظل الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد، وفلتان الحدود، واستمرار الاقتتال والأعمال العسكرية لأطراف يمنية ومعها أطراف إقليمية، تهدف إلى كسب السيطرة وتقاسم النفوذ، لكن عمليات التهريب على جانبي الحدود وفي منافذ برية وبحرية لمواد وسلع ضرورية انتعشت خلال سنوات الحرب، وباتت مصدر رزق للكثيرين، ومصدر كسب لتجار التهريب ولمسؤولين في سلطة صنعاء وسلطات عدن أيضا.
 
انخفاض الإنتاج المحلي أحد العوامل
 
أدت سنوات الحرب الثلاث إلى تراجع معدلات الإنتاج المحلي بحدود 75% وخاصة المواد المصنعة، وساهم الحصار البري والجوي والبحري من قبل دول التحالف، في انهيار الاقتصاد اليمني وفي توقف المصانع والإنتاج، وفي استيراد المنتجات عبر المطارات والمنافذ الرئيسية، فغابت السلطات الرقابية وحضرت المليشيات، إضافة إلى احتجاز السلطة الشرعية والمسؤولين في الرياض من قبل دول التحالف العربي، وساهم هذا في تنشيط أعمال التهريب، وبصورة مختلفة عما كانت من قبل.
 
والزائر اليوم إلى الأسواق اليمنية سيجد أن أكثر من 50% من المنتجات والمواد الغذائية والدواء والسجائر، هي مهربة ودخلت إلى السوق عن طريق التهريب، وعن طريق عصابات وتجار التهريب، والذين صار لهم علاقة مع سلطة صنعاء ومع قيادات انقلابية حوثية، وكذلك الأمر تماما في مناطق الجنوب وعدن، وعلى ما يبدو أن تجار التهريب حصلوا على ضوء أخضر من قبل المستفيدين، وحصلوا على التشجيع في الاستمرار في التهريب.
 
كيف استغلت قيادات حوثية التهريب؟
 
مصادر مطلعة خاصة في صنعاء، أكدت لـ"الموقع بوست" بأن الحوثيين أعطوا الضوء الأخضر للتجار، ولبعض العاملين في التهريب في الاستمرار في تهريب السلع والمواد والغذائية وغيرها من السلع إلى اليمن، وخاصة صنعاء والحديدة وغيرها من المدن الواقعة تحت سيطرتهم، مبررين في ذلك، بالحصار المفروض على صنعاء، وإغلاق التحالف العربي للمطار وغيرها من المنافذ البرية والبحرية.
 
وبحسب المصادر فإن السلطات الأمنية ذات مرة قبضت على شحنة سجائر مهربة وكانت في طريقها إلى صنعاء، وكان من المفترض القيام بإتلافها وإحراقها، ولكن أحد القيادات الكبيرة في مليشيات الحوثي، أعطت توجيهات بعدم إحراقها ووجهت بالإفراج عنها، ولكن بعد أن أعطت توجيهات بمصادرة نصف الشحنة وبيعها لصالح الجماعة ولصالح المهرب، ومنذ تلك الفترة تقوم السلطات في صنعاء بتقاسم  الشحنات المهربة من السجائر وغيرها من السلع الأخرى مع المهربين.
 
الفقر سبب آخر للإقبال
 
وبحسب حديث المصادر المطلعة، فإن مئات الآلاف من علب السجائر من مختلف الأنواع والماركات العالمية المعروفة يتم تهريبها إلى اليمن وأغلبها منتهية الصلاحية، تتحول إلى سموم قاتلة، ومع ذلك هناك إقبال كبير عليها من قبل المواطن اليمني بسيط الدخل، لسعرها المنخفض.
 
وبحسب استطلاع أجراه "الموقع بوست"، مع مواطنين يمنين ومع تجار، وأصحاب محال تجارية، فإن نسبة التدخين لدى اليمنيين ارتفعت بشكل كبير ومخيف، مع استمرار الحرب واستمرار الضغوطات على اليمنيين، نتيجة اختفاء الرواتب، والانهيارات المتسارعة وغياب الغذاء وغيره، ما جعل نسبة المدخنين اليمنيين ترتفع، ولهذا صار السوق اليمني غارقا بأنواع السجائر المختلفة والمهربة، فهناك مثلا سيجارة تدعى (مودرن) وهذه سعر العلبة منها مائة ريال، لأنها مهربة، ولهذا زاد الإقبال عليها بشكل كبير جدا، خصوصا مع ارتفاع أسعار السيجارة اليمنية ذات الصنع المحلي على سبيل المثال كمران، حيث وصل سعر الباكت مؤخرا إلى 700 ريال.
 
وبحسب التاجر عبد الله الحطامي، فإن المستهلكين اليمنيين للسجائر لا يفرقون بين أنواع التبغ، خاصة أولئك الفقراء وضعيفي الدخل الذين يبحثون عما هو أرخص دائما دون معرفتهم بأن السجائر المهربة عبارة عن سموم قاتلة عواقبها خطيرة.
 
وبحسب أحد الخبراء الاقتصاديين، فإن ظاهرة انتشار السجائر المهربة في الأسواق اليمنية تعد ظاهرة مخيفة ذات مخاطر صحية عالية على المواطن اليمني نتيجة انتهاء فترة صلاحيتها، بالإضافة إلى أضرارها الاقتصادية الكبيرة.
 
وخطر السجائر المهربة، بحسب هؤلاء الخبراء وبحسب تجار، يكمن في تلك المنتهية صلاحيتها، حيث كانت محجوزة في البلدان الأصل وموجهة للإتلاف فتم تهريبها، بعد تصنيعها بصفة غير قانونية في وحدات متمركزة ببعض البلدان العربية والإفريقية.
 
80 % من الأدوية تدخل إلى اليمن عن طريق التهريب
 
العلاج المهرب، هو الخطر القاتل، وهو البارز والملفت، فالأدوية في اليمن هي أكثر سلعة تضررت، وهي أكثر سلعة صارت تدخل عبر التهريب، باعتبار أن الأدوية كانت تدخل عبر المطارات أكثر شيء، ولهذا عمل توقف المطارات على ضرب سوق الدواء بشكل كبير إضافة إلى تراجع الصناعة المحلية القليلة، إضافة إلى استغلال تجار الحرب لهذا الجانب، واستثمارهم للتجارة بالدواء المهرب، ناهيك عن أوضاع وظروف اليمنيين السيئة والصعبة مع توقف الرواتب وتوقف فرص العمل وما إلى ذلك، وهي أسباب مجتمعة ساهمت في توسع سوق الدواء المهرب، الدواء الذي يقتل اليمنيين بطرق غير مباشرة وصامتة وغير معلنة.
 
التحالف العربي مساهم
 
يقول الطبيب الصيدلاني، معمر عبد القادر، إن "منع التحالف العربي فتح المطارات والموانئ لدخول الأدوية إلى العاصمة صنعاء وبقية المدن اليمنية، دفع المهربين إلى تهريب الأدوية إلى اليمن عبر منافذ عدة منها المخا ومنها عبر البحر الأحمر وميناء الحديدة وهناك منافذ برية تمر عبر المهرة وعبر شبوة وحجة ولحج وعدن وغيرها".
 
وبحسب الطبيب معمر، وفي حديثه لـ "الموقع بوست"، فإن الأدوية المهربة غزت مؤخرًا الصيدليات بعد منع النظام من دخول شحنات الأدوية إلى المحافظة، وبحسب الصيدلاني فإن هذه الأدوية معروفة بسوء الإنتاج، وهي غير مرخصة من شركات ذات جودة عالمية، وهذا ما يشكل خطرًا على حياة المرضى والمواطنين".
 
التهريب عبر المنافذ
 
ويوضح الطبيب الصيدلاني، (ص. ب. س)، -الذي رفض الإفصاح عن هويته عند النشر- لـ "الموقع بوست"، قائلا: بدأ ظهور الأدوية المهربة في السوق اليمني بشكل كبير في 2015، حين غادرت كبرى الشركات العالمية السوق اليمني، كشركة جلاكسو وشركة باير، وغيرها من الشركات العالمية، حيث حدث اختفاء لأدوية هذه الشركات، فانتهز المهربون الفرصة وسرعان ما ظهرت أصناف هذه الشركات في السوق وبأسعار أقل من السعر الأصلي لتلك الشركات، وسرعان ما تنبه الأطباء لهذه الأدوية المهربة، وتوقفوا عن وصفها للمرضى، وهم قلة طبعا، ومن أصحاب الضمير، ولجؤوا إلى وصف أدوية الشركات المحلية كالشركة الدوائية الحديثة، والشركة اليمنية المصرية لأنهم فقدوا الثقة بتلك الأدوية".
 
ويضيف الطبيب: "إلا أن تجار الأدوية الجملة والصيدليات الكبيرة لم يتوقفوا عن بيع الأدوية المهربة، ولم يكن هناك إجراء متخذ من قبل وزارة الصحة، واستمرت هذه الأدوية تباع في السوق اليمني حتى اليوم".
 
ويتابع هذا الطبيب شرحه لـ "الموقع بوست"، عن سوق الدواء وعن الأدوية المهربة، وكيفية تهريبها متنقلا في حديثه بالأعوام والارقام، حيث يقول: " في العام 2016، عادت قلة من الشركات الأسيوية الهندية ومنها التركية إلى السوق اليمني، وواجهت موجة عنيفة من المنافسة لأدوية مهربة مثيله لمنتجاتها، وما زالت تعاني منها حتى اليوم، اضطرت بعض الشركات إلى خفض أسعار منتجاتها حتى تتمكن من البيع في وجود الأدوية المهربة المثيلة لها وبأسعار مغرية".
 
وفي رده عن سؤال "الموقع بوست" المتعلق بمصادر الأدوية المهربة يجيب الطبيب: "بالنسبة للأدوية المهربة المثيلة للشركات العالمية، فهي منتجات مزورة الصنع وتم تصنيعها بعيدا عن الشركات الأصلية، أما بالنسبة للشركات الأسيوية، القليل منها مزورة، فمعظمها قدمت من الشركات المصنعة الأصلية، ولكن دون وكلاء لها في اليمن ودخلت السوق اليمني بطريقة غير شرعية، وبدون أن تخضع للضرائب وبأسعار مغرية، جعلت الوكلاء يخفضون الأسعار لمواجهتها ولم يتمكنوا من متابعتها قانونيا في الوضع الراهن، وبعض تجار الأدوية يتحدثون أن الوكلاء لهذه الشركات هم أنفسهم من يقومون بتهريب هذه الأدوية".
 
ويواصل:  "في أواخر العام 2017 دخلت شركات أدوية جديدة إلى السوق اليمني، بشكل كبير ومفجع، وأغلبها من الهند وبنجلادش عبر وكلاء أدوية معروفين في السوق اليمني، هذه الأدوية لا تخضع لرقابة دوائية ولا تمر عبر مكتب الصحة، فقط تمر بالفلوس عبر الهيئة العليا للأدوية، ويتم شحن الأدوية المهربة عبر ميناء عدن والمخا".
 
الأدوية المهربة سموم قاتلة
 
من جهته يقول الطبيب العام صدام قائد الشرعبي، في حديثه لـ"الموقع بوست": " ارتفعت نسبة العلاجات المهربة بشكل كبير هذه الأيام، وبنسبة 80 بالمئة من العلاجات المستوردة تتم بشكل غير نظامي".
 
وعن الأضرار التي تخلقها هذه الأدوية المهربة يقول صدام: "للعلاجات المهربة آثار كارثية على المريض، فطريقة النقل والتخزين للدواء وغيرها من العيوب كل هذا يرجع بالضرر على المريض بدلا  من النفع الذي يرجوه المريض، والحالة المعيشية التي يمر بها المواطن اليمني لا تخفى على أحد، وهي سبب من أسباب إقبال المرضى الفقراء على تلك الأدوية.
 
ويضيف: "الأدوية المهربة يستخدمها المريض لفترات طويلة دون أي نفع  أو فائدة من استخدامها، ويظل بالمستشفيات لفترات طويلة  والأكثر من ذلك أن حالته تتفاقم وتتدهور نتيجة استخدام هذه الأدوية".
 
ويردف بالقول: " وصل جشع التجار إلى أرواح البشر من خلال هذه الأدوية المهربة إلى زيادة عملية التهريب بشكل كبير في الوقت الراهن، فتضاعفت أرباحهم وزاد المريض مرضا فوق مرضه".


التعليقات