تفكيك الحوثي رهان سعودي.. هل ستنجح هذه المساعي؟  (تقرير خاص)
- خاص الجمعة, 27 أبريل, 2018 - 04:12 مساءً
تفكيك الحوثي رهان سعودي.. هل ستنجح هذه المساعي؟  (تقرير خاص)

[ رهان السعودية ومليشيات الحوثي باليمن ]

أثارت عملية مقتل القيادي الحوثي، صالح الصماد، رئيس ما يُسمى بالمجلس السياسي الأعلى، التابع للحوثيين، الخميس المنصرم، في محافظة الحديدة، تباينات واسعة، حول العملية التي استهدفته، والتي لا تزال محفوفة بالغموض، وحالات الّلبْس، وذلك بالنظر الى إعلان مقتله من قبل الحوثيين، وليس من قبل التحالف، كما جرت العادة في كل عملية يستهدف فيها الأخير قادة حوثيون.
 
لم يكن اللافت هذا الأمر فحسب؛ بل أن هذه العملية جاءت في أعقاب حديث عن خلافات وصراعات بين أجنحة المليشيا الحوثية، طرفاها صالح الصُماد، رئيس ما يُسمى بالمجلس السياسي، والأخر جناح محمد علي الحوثي، رئيس ما يُسمى باللجنة الثورية العليا، وكلا المجلسين تابعين للحوثيين، ويدير بهما سلطة الدولة بشقيها المدني والعسكري،  في العاصمة صنعاء، ومختلف المحافظات الخاضعة لسيطرته، وهو ما عزّز من فرضية الحديث أن الصُماد تمت تصفيته من قبل أطراف في الجماعة، ولم يُستهدف من قبل التحالف كما أعلنت بذلك مليشيا الحوثي.
 
مساعي حثيثة
 
كل هذه التباينات والمعطيات، تشير - وفق محللين استطلع الموقع بوست آرائهم - أن المليشيا تعيش في حالة انقسام غير مُعلنة، تزامنت مع المساعي الحثيثة، من قبل السعودية، بتفكيك الجماعة، وفصل قيادات الصف الثاني والثالث عن قيادة الصف الأول، خصوصا تلك القائمة التي أعلن عنها التحالف في نوفمبر الماضي، والتي وضعت أربعين قياديا حوثيا، على رأس المطلوبين، باعتبارهم ارهابيين وعملاء لإيران، وحددت مبالغ مالية، لكل من يدلي بأي معلومات عن هذه الشخصيات، والتي جاء على رأسها عبد الملك الحوثي، فيما حلّ الصّماد في المرتبة الثانية.
 
وفقا لتطورات الأحداث فالقائمة التي أعلن عنها التحالف؛ تهدف الى محاولة فتح خطوط تواصل مع القيادات الأخرى التابعة للحوثيين، باعتبارهم أشخاص يمكن لدول التحالف التحاور معهم والوصول الى حلول مشتركة فيما يخص علاقتهم بإيران، ووضعهم السياسي في اليمن، وأن المشكلة تكمن فقط في تلك القائمة المحددة بــ 40 قيادي حوثي.
 
بيد أن السؤال المهم هو: هل ستنجح هذه المساعي بالنسبة للسعودية في تحقيق هذا الهدف المتمثل في تقسم الحوثيين؟ أم أن هذا مجرد خيار وهدف غير قابل للتحقق، وذلك بالنظر الى طبيعة الجماعة وتكوينها، والتي تحكمها الأيديولوجية العابرة للحدود. ولماذا لجأت المملكة الى هذا الخيار بعد ثلاث سنوات من عاصفة الحزم؟
 
رهان سعودي!
 
في مطلع الشهر الجاري، وخلال الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي الى أمريكا، كشف بن سلمان، عن التوجه والرهان القادم بالنسبة للسعودية، في التعامل مع المليشيا الحوثية، بعد ثلاثة أعوام ونيف من عاصفة الحزم.
 
وقال في حوار مع مجلة "التايم الأمريكية" بإنّ خطته القادمة هي تفكيك جماعة الحوثي، "أقول ذلك بصوت عال، إننا نعمل بذكاء لتقسيم الحوثيين أنفسهم، لذلك نحن نريد أن نعطي الفرصة، إذا كان هناك في الصف الثاني من القادة، أو السطر الثالث، أو أشخاص من الحوثيين الذين يريدون أن يكون لهم مستقبل مختلف، فسوف نساعدهم على الانفصال عن الخط الأول من القادة الايديولوجيين للحوثيين".
 
 وأثارت هذه التصريحات لولي العهد السعودي، جدلاً واسعا، وتساؤلات حول طبيعة الاختراق الذي تسعى السعودية إلى تحقيقه، في ظل واقع الجماعة، ومجموعة العوامل التي تشكّل تركيبتها، التنظيمية والأيديولوجية، وتحالفاتها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، بعد ثلاث سنوات من الحرب، التي أثبت الحوثيون خلالها قدرة على المواجهة، ومواصلة تهديد الداخل السعودي بالصواريخ البالستية أخيراً.
 
ستنجح بشروط
 
وفي هذا الصدد، رأى السياسي اليمني، رياض محمد، أن هذه المحاولات السعودية لإحداث اختراق ما، داخل الحركة الحوثية، وتقسيمها، أنها ستنجح؛ ولكن بشروط!
 
 ووضع رياض في حديثه لــ "الموقع بوست"، عددا من الشروط اللازمة لنجاح السعودية في اختراق الحركة الحوثية وتقسيمها، أهمها: "الاستمرار في قطف القيادات الحوثية، فإذا قطفوا رأس عبدالملك، أو ألحقوا خسارة كبيرة بالجماعة، فإن هذا الأمر سيجعل الناس يبدأون بالهروب منها". مؤكدا: "أنه اذا استمر الوضع على ما هو عليه، في بقاء عبد الملك الحوثي حيّا، وعاد معهم صنعاء، ومؤسسات الدولة، فأي جهود من هذا القبيل فارغة المعنى". حسب وصفه.
 
وعن مدى تأثير مقتل الصماد، في عملية تقسيم الجماعة، أكد محمد أن: "مقتل الصماد لوحده لن ينجح هذه المهمة". واستدرك حديثه بالتأكيد على أن نجاح هذه العملية، مرهون "باستمرار قطف رؤوس قيادات أخرى كبيرة، اضافة الى الهزائم الميدانية"، فإن ذلك سيعمل على إحداث نجاح كبير في هذه المساعي.
 
وأشار الى الرهان السعودية في شراء القيادي الحوثي محمد عبد السلام، وقال: "أعتقد السعودية ربما لديها اغراءات لمحمد عبدالسلام، الناطق باسم الحوثيين، وهي تحاول شراءه". مؤكدا في ذات السياق، أن الرياض "ستفشل في هذه المهمة على الأرجح". لافتا الى أن هذه المساعي تأتي في إطار تحقيق هذا الهدف المتمثل بعملية تقسيم الجماعة وتفكيكها.
 
ووصف ناصر محمد مساعي الرياض بشراء القيادي الحوثي محمد السلام، بأنها "محاولة غبية أيضاً". مرجعا ذلك الى أن القيادي "محمد عبدالسلام لن يترك جماعته، إلا في حالة وقوع خسائر  كبيرة للجماعة".
 
حوثي سعودي!
 
وعزى السياسي اليمني أسباب لجوء السعودية الى هذا الخيار أو الرهان، بعد ثلاث سنوات من عاصفة الحزم، الى تأكيده بوجود علاقة من نوع ما بين السعودية والحوثيين، ومحاولتها لاستنساخ جماعة حوثية، ذات توجه أخر.
 
وقال: تراهن السعودية على هذا الخيار؛ "لأنها تعشق الحوثيين كجماعة مدمرة لليمن، وانما تكره فيهم علاقتهم بإيران، وإلا فهم أفضل من دمر اليمن بطريقة أو بأخرى". مؤكدا في ذات السياق، أن الرياض تريد من خلال هذه المساعي، الى "أن تصنع حوثيين غير إيرانيين؛ ليكونوا طوق نجاة للمتحوثين، الذين يريدون التخلي عن تحوثهم".
 
ونفى أن يكون هذا الرهان السعودي، دليل على فشل عاصفة الحزم، "ولكنه يعني أن الرياض تبحث عن حلول، لا تنهي الحوثيين كمكون، أو كتيار موجود". حسب قوله.
 
جديّة التحالف
 
ويرى الوزير في الخارجية اليمنية، علي الشريف، أن التساؤلات عن الأسباب التي جعلت المملكة تلجأ الى الرهان على تفكيك الحوثيين "أسئلة إشكالية"، تقودنا إلى فضاءات وتساؤلات أخرى، أو إلى السؤال المحوري وهو: هل التحالف العربي جاد في استعادة دولة اليمنيين؟ وعودة الشرعية، وبسط نفوذ الدولة على كافة التراب اليمني، والقضاء على كل شكل من أشكال المليشيات والقوى التي تتعارض أهدافها مع المشروع الوطني"؟!
 
ويعتقد الشريف في حديثه لـ"الموقع بوست"، أن "تركيز السعودية على تفكيك الحوثيين من الداخل، يدل على أن الشقيقة لا تراهن على الجيش الوطني والمقاومة الوطنية والسلطة الشرعية، بقواها السياسية كافة، إما لأسباب لها علاقة بالكفاءة؛ أو لأسباب تستبطن موقف من هذه القوى، ورغبة في منعها من التمكين والنتيجة واحدة في كل الأحوال"؟!
 
ودعا الشريف، إلى "ضرورة مخاطبة الأشقاء بوضوح". مؤكدا على ضرورة "أن نشخّص الأمور أيضا بوضوح وشفافية؛ فمحاولة السعودية والتحالف العربي عموما، سلخ جزء من الحوثيين من جهة، والدفع بقوى لا تعترف بالشرعية كقوات طارق عفاش إلى المشهد والمبالغة في دعم هذا المكون عسكريا وماديا ولوجستيا، وهو الأمر الذي لم يحدث مع الشرعية، يطرح أمامنا مائة سؤال وسؤال عن جديّة التحالف العربي في تحرير اليمن، وعودة الشرعية، والالتزام بالقرارات الدولية".
 
منظومة أيديولوجية
 
من جهته، يرى الكاتب ثابت الأحمدي، أن خيار تفكيك الحوثي مشروط بأن يتم إلحاق الصماد، بعشرين شخصية قيادية أخرى؛ ما لم فإن الحرب ستزيدهم قوة، ولن يؤثر مقتل الصماد عليهم في شيء، "لأنه بالنهاية شخص، وعلى الفور تم استبداله بشخص آخر".
 
وأكد الأحمدي المتخصص في التأريخ في حديثه لـ"الموقع بوست"، "أن الحوثية منظومة ثقافية "أيديولوجية" وسياسية، صاروا اليوم شبه دولة، يتحكمون بالبلد، ولهم الصولة والجولة، ويزدادون قوة يوما بعد يوم على الرغم من الحرب عليهم ثلاث سنوات، خاصة بعد أن ورثوا تركة الرئيس السابق صالح بعد قتله في ديسمبر 2017م".
 
وقال: "ما لم يلحق بالصماد عشرين شخصية صمادية أخرى من الصف الأول والثاني؛ فإنهم سيزدادون قوة رغم الحرب. لأن منطق الحروب يقرر أن أي حرب بين طرفين أحدهما قوي والآخر ضعيف في حال طالت هذه الحرب فإن الكفة تميل مع الأيام لصالح الطرف الضعيف. وهو ما شهدناه خلال ثلاث سنوات مضت".
 
 وأشار ثابت الأحمدي، الى أن القضاء على الحوثيين ليست في فكفكتهم، وبقاء الفكرة كما هي، وإنما في الحرب على الفكرة ذاتها، من خلال نشر التعليم والثقافة، ودعم قيام الدولة اليمنية الموحدة والقوية.
 
وأضاف: "على الصعيد الفكري والثقافي، الحوثية حلقة في السلسلة الإمامية الطويلة، لها ايديولوجيتها الخاصة بها، وعمرها يزيد عن ألف عام، والقضاء عليها يكمن بالدرجة الأولى في الحرب على الفكرة نفسها من خلال نشر التعليم والثقافة ومن خلال إقامة الدولة اليمنية الجامعة للكل والقوية التي تستطيع قمع أي مليشيا في وجه الدولة".
 
واستشهد الأحمدي، بالمقولة التي تتحدث أن: "الحروب ليست إلا الوسيلة الجادة للهدف الجاد". مؤكدا في ذات السياق، "أن الحرب الحقيقية للفكرة الحوثية "الإمامية" يبدأ من اللحظة الأولى لانتهاء الحرب العسكرية. لأن الأفكار لا تُحارب إلا بالأفكار". حسب قوله.
 
التفكيك الناعم
 
وفي الوقت الذي تسعى فيه السعودية، لتفكيك مليشيا الحوثي، وبات الرهان الأهم في الفترة القادمة، وفقا لتصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يرى آخرون، أن الجماعة تتفكك بصمت، وبطريقة ناعمة، بعيدة عن المساعي السعودية، خصوصا بعد وصول الاختلافات فيما بين أجنحتها الى مرحلة متقدمة، ولم تعد خافية على أحد.
 
يُشار إلى أن أهم حدث خلال الحرب في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات، كان انهيار تحالف الحوثيين مع الرئيس الراحل، علي عبد الله صالح، وقتله في ديسمبر 2017، الأمر الذي ساهم في توسيع رقعة الخلافات والتباينات بين أجنحة الجماعة، التي ضمت في صفوفها خليطا غير متجانس من رجال القبائل، وعدد من قيادات الدولة، بعد سيطرتهم على العاصمة بقوة السلاح، في الــ 21 من أيلول/ سبتمبر 2014م.
 
 


التعليقات