وسائل التواصل تدفع فتيات اليمن للالتحاق بمراكز محو الأميّة (تقرير خاص)
- خاص الأحد, 29 أبريل, 2018 - 08:52 مساءً
وسائل التواصل تدفع فتيات اليمن للالتحاق بمراكز محو الأميّة (تقرير خاص)

[ وسائل التواصل وفتيات اليمن للالتحاق بمراكز محو الأميّة ]

في الثالثة مساء، تذهب أم معتز، 35 عاما، كل يوم، للدراسة في أحد مراكز محو الأمية بالعاصمة صنعاء، بعد انقطاعها عن مواصلة التعليم، قبل عقدين من الزمن.
 
برفقة صديقاتها، تواظب أم معتز على الانتظام في صفوف الدراسة، رغم أوضاع الحرب، ومأسي البلد، ومشاغل البيت والأولاد؛ بيد أن هدفها المتمثل بضرورة التعليم، بُغية تخطى حاجز الأمية التكنولوجية، جعلها تحطم كل المعوقات التي تجدها أمامها، والتي قد تحول بينها بين مواصلة التعليم.
 
تحرص أم معتز، كغيرها من الطالبات، على الذهاب للدراسة، مصطحبة هاتفها الجوال، ذو التكنولوجيا الحديثة، والتي حصلت عليه كهدية من إحدى قريباتها، المغتربة في المملكة العربية السعودية، وما أن تصل مقعد الدراسة، حتى تبدأ في إخراج الهاتف، وفتح شبكة الأنترنت المنتشرة في الحي، والتواصل مع صديقاتها وقريباتها، بعيدا عن ضجيج المنزل، ومشاغبات الأولاد.
 
تكشف أم معتز، عن سبب عودتها للدراسة، بعد ان انقطعت عنها لأكثر من عشرين عاما، بالتأكيد أن محاولتها الجادة لتخطي الأميّة التكنولوجية، هو السبب الأبرز الذي حفزها لهذا الأمر. مضيفة: "كنت أزور صديقاتي وكل واحدة معها هاتف، تراسل صديقاتها بالفيس بوك، والواتس اب، وأنا جالسه، أرجع أضبح ما عد أدري مع من اتكلم".
 
وتابعت: "خواتي المغتربات، وقريباتي، يتواصلين بي ويقولين لي لش ما معش واتس اب، مع أنهن قد ارسلين لي عدة تلفونات، والسبب اني مش فاهمة كيف أكتب، ولا كيف اتعامل مع التلفونات، إلا اتصال وبس، وهذا الذي جعلني ارجع ادرس لكي اتعلم مثلهن، واتواصل معهن".
 
تواصل أم معتز حديثها لــ"الموقع بوست"، بالقول: "أجي للدراسة لكي أحاول سريعا أفهم القراءة والكتابة بس، لكي اتواصل مع صاحباتي، لأنهن يضحكين عليّ، لأنهن متعلمات وأنا لا، رجعت أدرس، والحمدلله أتعلم معي معي، وكلما كتبت في الواتس كثير، أفهم خيرات، وأتعلم كتابة الكلمات".
 
مشيرة الى "أن المتعلمات ما استفادين من دراستهن الا بقدرتهن على التعامل مع التواصل الاجتماعي"، في اشارة الى أن الكثير من النساء في اليمن، تخرجن من الجامعة، والتحقن في صفوف البطالة، ولم تفيدهن الدراسة عدى استخدامهن هذه الوسائل بشكل جيد. حسب تعبيرها.
 
تشجيع الزوج
 
لم تكن أم معتز هي الوحيدة من النساء اللاتي قررن الالتحاق في مراكز محو الأميّة، للتعليم، لأجل القدرة على التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، فصديقاتها في المدرسة، غالبيتهن يوافقنها الرأي في هذا الأمر، بأن سعيهن الحثيث للقدرة على فهم وسائل التواصل الاجتماعي، والتعامل معها هو الدافع الأبرز، لعودتهن للتعليم".
 
"أم عصماء"، 30 عاما، لم تختلف كثيرا عن صديقتها أم معتز، من ناحيتها الهدف والدافع وراء عودتها للإلتحاق في مراكز محو الأمية، في رغبتها في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، للتواصل مع أقربائها، وقريباتها، وكذا صديقاتها، اللاتي عادة ما يطالبينها بضرورة عمل حساب لها في الواتس أب، وادخالها في مجموعات تستفيد منهن بشكل كبير، وتحديدا في مجال الطبخ، والصناعات اليدوية.
 
تشرح أم عصماء، سبب عدم تعليمها بالقول: "انا من قرية ريفيه، وما فيها تعليم إلا قليل، للأولاد، درست صف أول وثاني، وبطلت، وبعدين تزوجت، وخلاص ما عاد فكرت أدرس، ولا شيء؛ لأنه ما فيش مدرسة عندنا، وقد انا متزوجة ومعي أولاد".
 
تضيف أم عصماء، في حديثها لــ"الموقع بوست"، بعد سنوات على زواجنا، طلعنا صنعاء سكنا فيها، لكن ما كانت عندي رغبة للدراسة ولا شيء، لكن كنت اروح أجلس مع صاحباتي في المجالس العامة، مثل حفلات خطوبة، أو زواج، أو ولاد، وكل صاحباتي معهن تلفونات، يتواصلن مع بعض، وانا جالسه وحدي، رغم أن معي هاتف، لكن ما اقدر اتعامل معه ولا شيء".
 
وتابعت حديثها بالتأكيد: أنها مع مرور الأيام، وقد كل البنات معهن تلفونات ويتواصلن بالفيس والواس اب، قررت الذهاب للمدرسة، وكنت أتعلم في الفصل، وأرجع البيت اجلس اراسل مع زوجي وصديقاتي، واتعلم الكتابة معي معي، والحمد لله تعلمت شيء كثير، خصوصا ان زوجي وبناتي قد هن يساعديني في كيفية كتابة الكلمات، وقراءتها، والحمدلله".
 
لم تُخفِ أم "عصماء"، سعادتها وهي تشارك صديقاتها كل يوم الرسائل والأخبار والنكات، في الواتس، اب، والاشتراك في مجموعات الطبخ، وتعلم الكوافير، والنقش، وغيرها من المجموعات التي تهتمّ بها، لكي تنمي مهارتها في هذا الجانب، والتي حرصت عليها منذ فترة، بيد أن الظروف لم تساعدها لتطوير قدراتها في هذا الجانب.
 
وتؤكد أن سعادتها الكبرى والتي لا توصف وفقا لـ"أم عصماء"، هي حين تتواصل مع زوجها، والذي يفرح كثيرا بذلك، ويشجعها رغم مشاغله؛ لكي تتعلم كثيرا الخط والإملاء، ونطق الكلمات.
 
حاجة مُلحّة
 
ما سبق، يؤكد أن المرأة ليست بمعزل عن العالم اليوم، وتطوراته المتسارعة والمتلاحقة، خصوصا وأن وسائل التواصل باتت تشكل أهمية كبيرة بالنسبة لحياة الناس، وتساهم في صياغة أفكارهم، والمرأة جزء من هذا الواقع، وتسعى أن يكون لها دور بارز في هذا الجانب.
 
وفي هذا الصدد، تؤكد الكاتبة والروائية اليمنية، فكرية شحرة، أن "وسائل التواصل الاجتماعية والعالم الافتراضي أصبحت واقع يوازي واقعنا الحالي، تحتاجه كل فئات وشرائح المجتمع، للفائدة وتيسير الأمور، والتواصل مع الأهل والأقارب والأصدقاء".
 
وأضافت في حديثها لـ"الموقع بوست"،  أن "المرأة جزء من هذا العالم، وحاجتها لهذه الوسائل المختلفة مُلحّة وضرورية في أبسط أمور حياتها". مشيرة الى أنه "في المجتمع النسوي استعاضت الكثير، بوسائل التواصل، عن طرق وأساليب قديمة كثيرة، بحكم تطور الحياة، وتنوع الاساليب".
 
ولفتت الى أن الأميّة التعليمية، تشكل نسبة كبيرة للفتيات في اليمن، وقالت: "المؤسف أن مجتمعنا اليمني تعاني غالبيته الساحقة أمية تعليمية، فما بالك بالأمية الاليكترونية". مؤكدة أن "هذه الأمُيّة تقف حائلا بين المرأة والفوائد المختلفة، التي توفرها وسائل التواصل".
 
وأضافت: "لذا لا نستغرب إقبال الكثير من النساء على رفع هذه المشقّة، والالتحاق بمدارس محو الأمية؛ كي يتسنى لهن دخول هذا العالم، والاستفادة مما يقدمه من خدمات حياتية"  حسب وصفها.
 
وتتفق "أم عصماء"، و "أم معتز"،  على أن الحرب التي تشهدها اليمن، كان لها تأثير كبير في الدفع بهن للعودة للتعليم، خصوصا وأن وسائل التواصل بات لها دور كبير، في معرفة أخر أخبار الحرب والصراع الذي تشهده اليمن، وذلك عبر المجموعات المخصصة للأخبار، كلا بحسب اتجاهاتها السياسية والتي عادة ما تكون وفقا لرأي الأسرة أو الزوج في معظم الحالات، وليست عن قناعات ذاتيه.
 
يبدوا الأمر نسبيا
 
وحول هذا الموضوع، ترى أم جميل، مديرة إحدى مراكز محو الأمية، بمديرية السبعين بصنعاء، أن إقبال النساء على مراكز محو الأمية، لكم يكن السبب الوحيد له هو شغف النساء بوسائل التواصل الاجتماعي، إذ أن مراكز محو الأميّة تعمل من قبل ظهور هذه الوسائل.
 
وأوضحت في حديثها لـ"الموقع بوست"، أن هذا الأمر، لاحظته بشكل جلي، خلال فترة الحرب، منذ ثلاث سنوات، إذ لجأت النساء لاستخدام هذه الوسائل، لمعرفة تطورات الحرب، باعتبار المرأة جزء من المجتمع، وتتأثر في الأوضاع التي يمر بها الوطن سلبا أو إيجابا، اضافة إلى ظهور مجموعات تعليمية، تساهم النساء على تعليم كثير من الفنون مثل الطباخة، والنقش والحناء، والصناعات اليدوية، كل ذلك ساهم في إقبال النساء على التواصل الاجتماعي، ومراكز محو الأميّة.
 
واعتبرت أم جميل، أنها ومن خلال عملها في المركز، لنحو ثمان سنوات، تستطيع التأكيد، أن السبب لإقبال النساء على مراكز محو الأميّة، هو زيادة الوعي المجتمعي بأهمية تعليم المرأة، إذ أصبح الكثير من الرجال، يحرصون على الدفع بنسائهم الى هذه المراكز للتعليم بغض النظر عن السنّ، كما أن السماح للمرأة باستخدام هذه الوسائل أيضا هو ناتج عن أهمية الوعي لدى الرجل بأهمية المرأة، وساهم في فتح الباب أمامها للدخول في هذا العالم.
 
واختتمت حديثها بالتأكيد، أن معظم الأزواج، بات  يرى ضرورة أن تكون زوجته متعلمة، على الأقل لكي تستطيع أن تقوم بالمراجعة للأولاد في البيت دروسهم، خصوصا مع انشغالهم في العمل، وعدم قدرتهم على القيام بهذه المهمة، اضافة الى أن الرجل بات يحبذ أن تكون الزوجة قادرة على التعامل مع هذه الوسائل؛ لكي تساهم في الرقابة على الأولاد من الاستخدام غير الايجابي لهذه الوسائل. حسب قولها.
 
كسرت الحواجز
 
وعلق عمر الحياني، الصحفي  المتخصص في العلوم والتكنولوجيا، حول هذا الموضوع، بالتأكيد،  أن وسائل التواصل الاجتماعي، عملت على تحفيز حافز التواصل المجتمعي، وهو الأمر الذي دفع بالفتيات الأميات للالتحاق بمراكز محو الأمية؛ كي يستطعن استخدام هذه الوسائل". مشيرا الى أن هذا الأمر، مشجع لاستخدامات التكنولوجيا، بتحفيز المرأة للتعليم الذاتي أو عبر مراكز محو الأمية".
 
وتابع  "على الرغم من التقاليد التي فرضت على النساء في اليمن، ‏وبالذات خلال الثلاثين سنة الماضية من الاحتكاك بالرجل وممارسة العمل؛ الا ان التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ‏عملت على كسر حاجز المنع بدخول المرأة اليمنية وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركتها الفاعلة في التعبير عن اراءها ‏ومشاعرها وأفكارها " .‏
 
وأضاف الحياني في تصريح لــ "الموقع بوست"، "فالبعض يستخدمن اسماء مستعارة هروبا من الرقابة الاسرية، والاخريات اصبحن يستخدمن اسماءهن ‏الحقيقة، وكلما اتيح التعليم للمرأة وللأسرة عموما وارتفع منسوب الثقافة كان ذلك حافزا للبنت للدخول في عالم التواصل ‏الاجتماعي".
 
مشيرا الى أنه "وعلى الرغم من رداءة خدمة الانترنت في اليمن، وبالذات في الريف؛ الا ان الاقبال في ارتفاع لدى الفتيات، وبالذات ‏الاجيال الجديدة، التي نشأت وترعرعت  برفقة التكنولوجيا والاجهزة الذكية".
 
وفي الوقت الذي أكد فيه الصحفي الحياني، "عدم وجود دراسات توثق عدد اليمنيات المستخدمات لوسائل ‏التواصل الاجتماعي بشكل دقيق" لكنه قدّر، نسبة الفتيات اليمنيات اللاتي يستخدمن وسائل التواصل ‏الاجتماعي، إلى أكثر من 50 %، لافتا الى "العدد في ازدياد". حسب قوله.
 


التعليقات