السعودية تكشر عن أنيابها في وجه المغتربين اليمنيين ومزاعم تسهيلاتها لهم تسقط (تقرير)
- خاص الاربعاء, 11 يوليو, 2018 - 06:48 مساءً
السعودية تكشر عن أنيابها في وجه المغتربين اليمنيين ومزاعم تسهيلاتها لهم تسقط (تقرير)

[ ضاعفت السعودية من تنكيلها بالمغتربين اليمنيين مؤخرا ]

"ننام على صدور قرارات ونصحو على صدور أخرى"، بهذه الكلمات يصف المغترب اليمني (ياسر علي - 37 عاما) معاناة المغتربين اليمنيين في السعودية خلال السنوات الأخيرة.

عمدت الحكومة السعودية إلى فرض رسوم باهظة على العمالة الأجنبية، وأصدرت سلسلة من القرارات المتلاحقة ضد العمالة الوافدة، والتي باتت تعرف باسم "السعودة"، وتعني إحلال العمالة السعودية مكان العمالة الأجنبية.

كان للعمالة اليمنية نصيب كبير من الضرر جراء هذه القرارات السعودية، فـ "السعودة" استهدفت مهنا مختلفة وقطاعات كثيرة تتركز فيها العمالة اليمنية كقطاع الاتصالات، وكذلك المحلات النسائية التي جرى تأنيثها، وغيرها.

والعمالة اليمنية في المملكة تعمل في مهن متدنية وبرواتب بسيطة، وبسبب القرارات الجديدة، اضطر مغتربون يمنيون إلى مغادرة السعودية بصورة نهائية، ومنهم مغتربون يعملون فيها منذ أكثر من 40 عاما، فهذا المواطن اليمني (فرحان حسن – 70 عاما) دخل إلى السعودية للعمل أثناء حكم الإمام أحمد لليمن، وتحديدا في 1961م، وخرج منها مطلع العام الجاري خروجا نهائيا بعد أن عجز عن تجديد الإقامة بسبب القرارات الجديدة.

تقول السلطات السعودية إن قراراتها تستهدف العمالة الوافدة بدون استثناء كجزء من إصلاحات ضرورية في البلاد، ويقول مغتربون يمنيون إن تطبيق القرارات تتم بدرجة رئيسية على العمالة اليمنية، ويتم غض الطرف عن العمالة الأجنبية الأخرى أثناء حملات التفتيش الرسمية.

يورد المغترب اليمني (فؤاد محمد – 35 عاما) هذه القصة، قائلا: "كنت أعمل في محل لصيانة الجوالات مع عامل آخر آسيوي في أحد الأسواق بمنطقة مكة المكرمة، وجاءت حملة تفتيش وقامت بضبطي وترحيلي، بينما زميلي العامل الآسيوي ظل في المحل ولم يطلبوا منه حتى إثبات هويته".

ويضيف المغترب اليمني (محمد حمود – 50 عاما): "شملت السعودة أحياء في العاصمة الرياض لا يدخلها المواطن السعودي كمنطقة (البطحاء) وهي أحياء شعبية قديمة، وكل سكانها من العمالة الوافدة، فالبائع أجنبي والمشتري أجنبي، واضطرت كثير من المحلات للإغلاق وتضرر مجموعة كبيرة من اليمنيين".

لا استثناء لأحد

جاءت القرارات السعودية خلال فترة زمنية وجيزة، وأحدثت إرباكا شديدا للعمالة الأجنبية، وكانت التوقعات استثناء العمالة اليمنية من هذه القرارات التي يصفها الجميع بالقاسية، وذلك لعدة اعتبارات منها أن اليمن تعيش حالة حرب منذ أكثر من ثلاث سنوات، والسعودية طرف بل وتقود هذه الحرب القائمة.

ناشد المغتربون اليمنيون، الحكومة السعودية مرارا للنظر إليهم بعين الرحمة، و ناشدوا أيضا الحكومة اليمنية لبذل قصارى جهدها والقيام بدورها من أجل استثنائهم من هذه القرارات، ولو لفترة مؤقتة مراعاة لظروفهم الخاصة.

وفي فبراير الماضي، شكل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لجنة حكومية برئاسة وزير الخارجية للتواصل مع السلطات السعودية، وبحث كل المشاكل والمعوقات التي تواجه المغتربين اليمنيين.

لم تعر السلطات السعودية المطالب اليمنية أي اهتمام، وكرد فعل على هذا التجاهل، وجه الرئيس هادي في مارس الماضي بإعفاء المغتربين اليمنيين العائدين إلى اليمن بصورة نهائية من الرسوم الجمركية والضريبية على كافة منقولاتهم وممتلكاتهم الشخصية من الأثاث المنزلي والأجهزة الكهربائية الشخصية، وتخفيض نسبة الرسوم الجمركية على السيارات والآليات والمعدات الشخصية للمغتربين العائدين بصورة نهائية بنسبة 85% ولمدة ستة أشهر.

تجاهلت السلطات السعودية أيضا المناشدات الدولية، ففي مايو الماضي، أكدت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أن السعودية طردت 17 ألف مهاجر يمني حتى مايو 2018م، و"هناك مخاوف من أنها قد ترحل ما يصل إلى 700 ألف إلى مناطق الحرب والبؤس في بلادهم"، بحسب المنظمة.

وقال محمد كير مدير العمليات والطوارئ في المنظمة لرويترز: "لا يمكنك إعادة الناس إلى بلد مثل اليمن لا سيما وأنت تقصفه بنفسك، لذا هل هناك طريقة يستطيع من خلالها السعوديون استثناء اليمنيين حتى يصبح لديهم بلد يمكنهم العودة إليه".

أزمة الدفع الرباعي

آخر القرارات السعودية المفاجئة كانت الخميس الماضي، وهو منع خروج سيارات الدفع الرباعي والمعدات الثقيلة من أراضيها باتجاه اليمن، دون إعلان مسبق أو ذكر أسباب، وللأسف أن معالجة هذا القرار لم يكن كافيا، وسيحدث أضرارا كبيرة على الداخل اليمني.

يستخدم المغترب اليمني سيارات الدفع الرباعي للسفر إلى اليمن لعدة أسباب منها، وعورة الطرق اليمنية والتي تتطلب هذه النوعيات من السيارات للتغلب على وعورة الطرق خصوصا في المناطق الجبلية.

والمغترب اليمني يحتاج لسيارات الدفع الرباعي لأنه يلجأ لشراء بعض احتياجاته من الأسواق السعودية، نظرا للارتفاعات السعرية في الأسواق اليمنية بسبب الضرائب القاتلة التي فرضتها جماعة الحوثي الانقلابية، والتي تسببت في ارتفاعات سعرية مخيفة تصل إلى 500% في كل السلع بما فيها الأساسية والأدوية.

الاثنين الماضي تم السماح بمغادرة سيارات الدفع الرباعي من الجانب السعودي إلى اليمن والتي تحمل وثائقها الرسمية اسم السائق المقيم شخصيا، ومعظم السيارات مسجلة بأسماء سعوديين.

وأكدت السفارة اليمنية في الرياض، السماح لليمنيين المقيمين في المملكة بالخروج بسياراتهم ذات الدفع الرباعي باستثناء سيارات (الشاص والهيلوكس)، وبشرط أن تكون السيارات المغادرة مسجلة بأسماء الأشخاص الذين يقودونها، فلو أن شخصا يقود سيارة والده سيتم منعه من الخروج كون السيارة ليست مسجلة باسمه شخصيا.

هذا السماح القاصر سيكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد اليمني، وقد بدأت الانعكاسات السلبية بالفعل بارتفاع سعر الدولار الأمريكي أمام الريال اليمني بعد ساعات من القرار السعودي، وارتفاع ملحوظ في أسعار السلع بالأسواق اليمنية.

هناك عملية نقل لبعض السلع من الأسواق السعودية، وهذه العملية ساهمت في تقليل الآثار الناتجة عن القيود المفروضة على عملية الاستيراد من قبل التحالف العربي بسبب الحرب المستمرة.

ومنع خروج هذه النوعيات من السيارات يعني الحيلولة دون خروج سلع من السعودية مما سيزيد الطلب على السلع في الأسواق اليمنية، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع في الأسعار المرتفعة أصلا، وسيصاحب ذلك أيضا ارتفاع في أسعار العملات الأجنبية مقابل العملة المحلية نظرا لزيادة الطلب عليها.

تغطية عجز السوق اليمني من بعض السلع كانت تأتي من السعودية عبر "شاصات وهيلوكسات"، وكذلك "الدينات" وهذه يستحال أن تسجل بأسماء مغتربين يمنيين، وكلها مسجلة بأسماء سعوديين أو ما يعرف بـ"الكفيل"، واليمني مجرد عامل كسائق لنقل مشتريات المغتربين اليمنيين، والربح يذهب إلى جيب المواطن السعودي.

ومن مصلحة الاقتصاد السعودي شراء المغتربين اليمنيين من الأسواق السعودية، وهذه ميزة تحسب للعمالة اليمنية حيث تصرف جزءا كبيرا من رواتبها في السوق السعودية خلافا للعمالة الأجنبية الأخرى التي ترسل أموالها إلى بلدانها، وتشتري احتياجاتها من أسواقها ولا يستفيد منها الاقتصاد السعودي.

ناهيك أن جزءا من البضائع المنقولة من السعودية باتجاه اليمن عبارة عن أدوات وأثاث مستخدم بسبب الفقر في اليمن، وهذا يساعد السعودية على التخلص من مخلفات كثيرة.

أسوة بدول أخرى

مراعاة لوضع اليمنيين خلال هذه الفترة، قامت بعض الدول بمنح اليمنيين بعض الامتيازات المختلفة، كتركيا وماليزيا والسودان التي قدمت تسهيلات هامة لليمنيين من حيث الإقامة والدراسة.

الحكومة التركية قالت في مايو الماضي، إنها "ستكمل إنجاز التزاماتها تجاه المواطن اليمني بشأن تسهيل إجراءات السفر والإقامة، مراعاة للظرف الخاص الذي تعيشه البلاد".

وقبل أشهر، وافقت الحكومة الماليزية، على تمديد إقامة اليمنيين فيها لعامي 2018/2019، وقدمت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة مكتب كوالالمبور تسهيلات كثيرة لليمنيين وقبول إجراءات لجوئهم بماليزيا كنازحين.

وأصدر الرئيس السوداني عمر البشير في نوفمبر 2016م، قرارا بمنح اليمنيين عددا من التسهيلات من ضمنها مساواة الطالب اليمني بالطالب السوداني في مختلف مراحل التعليم، واستضاف السودان آلاف اليمنيين رغم أوضاع البلد الصعبة.

وقبل أيام، مددت أمريكا قانون الحماية (تي بي أس) لليمنيين الغير المهاجرين والمتواجدين على أراضيها وعدم ترحيلهم، نظرا للظروف العصيبة التي يمر بها اليمن وخطورة عودة المستفيدين من الحماية بسبب الحرب، ويسري قرار التمديد حتى 3 مارس 2020م.

وأرسل 33 من خبراء الأمن القومي الأمريكي، بمن فيهم 31 من المسؤولين الحكوميين الفيدراليين السابقين، رسالة إلى وزيري الدولة والأمن الداخلي بالولايات المتحدة، يحثونهما على تمديد وضع الحماية المؤقتة لليمنيين الذين يعيشون في أمريكا، حسب ما نقل موقع أمريكي، وترجمه للعربية الموقع بوست.

وفي مقال كتبه ثلاثة سفراء سابقون في اليمن، وهم (باربرا بودين، جيرالد فيرستاين، ستيفن سيش)، قالوا إن "السلطات اليمنية لا تملك ولا المجتمع الدولي القدرة على إعادة توطين اليمنيين العائدين بطريقة تحميهم من التعرض للموت أو الانخراط في الحرب، أو استهدافهم من قبل أطراف الصراع، أو الوقوع ضحية للأزمة الإنسانية التي تسيطر على وطنهم، بالنظر إلى هذه الظروف واليقين من أنها سوف تستمر، فإن إلغاء قرار ترامب حظر الدخول عن اليمنيين سيكون بمثابة إعادة قسرية، مما يعرض حياتهم وحريتهم للخطر المباشر والخطير".

واختتموا المقال بالقول: "كمصدر رئيس للدعم المادي والسياسي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهل دورها في الصراع، ولا المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها عن النتائج، سيكون من غير المعقول أن يدعم بلدنا هذه الحرب بنشاط ثم يرفض حماية أولئك الذين يفرون منها".

أين الخليج؟

لقد وضع السفراء الأمريكيون النقاط على الحروف، ومؤسف جدا أن دول الخليج لا تحضر في قائمة الدول التي قدمت تسهيلات للمواطنين اليمنيين، وإذا كانت أمريكا وهي ليست دولة جارة لليمن ومشاركتها في الحرب اليمنية محدودة وتخشى على مصالحها وسمعتها وقيمها من ترحيل 1200 مواطن يمني وتراعي وضع عوائلهم، فإن دولا أخرى جارة تضع العراقيل تلو الأخرى أمام الملايين من اليمنيين.

صحيح أن السعودية منحت نصف مليون يمني "هوية زائر"، لكن الرسوم الجديدة وإجراءات التوطين أثقلت كاهل نحو 3 ملايين مغترب يمني، وصحيح أن السعودية تصدرت هذا العام قائمة الدول المانحة لخطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، إلا أن أثر هذه المساعدات الإنسانية في اليمن لا يكاد يذكر لعوامل كثيرة منها فساد المنظمات، ونهب جماعة الحوثي الإرهابية لمعظم المساعدات.

يبقى الرهان الأكبر الآن على تقديم تسهيلات للمغتربين اليمنيين كونهم يمثلون شريحة كبيرة في الداخل اليمني، وأي إجراءات سلبية تطالهم تنعكس مباشرة على الأوضاع الإنسانية في الداخل، والتي تزداد سوءا كل يوم بفعل الانقلاب الأسود وسوء إدارة التحالف العربي بقيادة السعودية وغياب الشرعية اليمنية الضعيفة.


التعليقات