لماذا يدلل المجتمع الدولي الحوثيين والجماعات الشيعية المسلحة في العراق وسوريا؟ (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد الثلاثاء, 14 يونيو, 2016 - 09:54 مساءً
لماذا يدلل المجتمع الدولي الحوثيين والجماعات الشيعية المسلحة في العراق وسوريا؟ (تحليل خاص)

[ من مناورة رعد الشمال ]

رغم الجرائم البشعة التي ترتكبها جماعة الحوثيين الانقلابية في اليمن ضد المدنيين العزل في مناطق الصراع، آخرها القصف الذي استهدف سوقا شعبية في مدينة تعز، وراح ضحيته عشرات القتلى والجرحى، إلا أن المجتمع الدولي ما زال يواصل تدليله لجماعة الحوثيين وغيرها من الجماعات الشيعية المسلحة في سوريا والعراق، حيث لم يدرج أيا منها في قائمة المنظمات الإرهابية، ويكتفي بالإدانة الخجولة أحيانا لجرائمها ضد المدنيين العزل.
 
- ازدواج المعايير
 
وفي مقابل ذلك، نرى أن المجتمع الدولي ضم مختلف الجماعات السنية المسلحة التي تحارب ضد بشار الأسد إلى قائمة المنظمات الإرهابية، رغم أن الكثير منها جماعات معتدلة ولا تربطها أي علاقة بالمنظمات الإرهابية المشهورة كتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
 
 كما أن الولايات المتحدة أدرجت مسؤولين في الحكومة اليمنية الشرعية ضمن قائمة الإرهاب، رغم أن نشاطهم العسكري يقتصر على مواجهة انقلاب الحوثيين والمخلوع صالح ضد الحكومة الشرعية في نطاق محافظة البيضاء، ثم أعلنت، يوم 2 يونيو الجاري، أنها لا تعتبر جماعة الحوثيين منظمة إرهابية، ولكن طرفا في الصراع، بحسب ما قاله جاستين سايبيريل، منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية.
 
وأخيرا، أقدمت الأمم المتحدة على إدراج السعودية ودول التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن في "القائمة السوداء" في تقريرها السنوي عن الأطفال والصراع المسلح للعام 2015، قبل أن تتراجع عن ذلك، نتيجة احتجاجات وضغوط، لكنها، في مقابل ذلك، لم تدرج إيران وروسيا وإسرائيل، وميليشيات الحشد الشعبي، وحزب الله، والعديد من الجماعات الشيعية المسلحة، في هذه القائمة، رغم الجرائم التي ترتكب من قبل كل هؤلاء ضد المدنيين، وخاصة الأطفال، في مناطق الصراع الساخنة في الشرق الأوسط، فما هي دلالات ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي إزاء ما تشهده المنطقة العربية من أحداث، وما الذي يضمره المجتمع الدولي من مخططات لمستقبل المنطقة؟
 
- مؤشرات جديدة
 
منذ توقيع إيران للاتفاق النووي مع الغرب، برزت مؤشرات جديدة تنبىء عن تحولات كبيرة في مواقف الدول الغربية الكبرى من الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
 
 لعل أهم هذه المؤشرات، تسليم الولايات المتحدة ملف إدارة الصراع في الشرق الأوسط إلى كل من إسرائيل وإيران، أبرز قوتين إقليميتين تكنان كرها شديدا للعرب. ويأتي هذا التحول بعد أن حولت الولايات المتحدة اهتمامها شرقا، لمواجهة أو تقليص حجم المخاطر السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تشكلها بعض الدول الآسيوية على الولايات المتحدة ومستقبلها، مثل التحدي النووي لكوريا الشمالية، والتحدي الاقتصادي -وربما العسكري مستقبلا- الذي تشكله كل من الصين والهند واليابان. بالإضافة إلى مؤشر آخر، يتمثل في سعي الدول الكبرى إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية ومذهبية وطائفية.
 
وفي خضم ذلك، برزت السعودية كلاعب إقليمي كبير، بعد أن شعرت بحقيقة التحولات المذكورة آنفا، وتخلي حلفاءها الغربيين عنها إزاء ما تواجهه من تهديدات، فعملت على تسليح جيشها وتدريبه على أحدث الأسلحة، وتوسيع تحالفاتها السياسية والعسكرية لمواجهة المخاطر التي تهدد الدول العربية والإسلامية، وليس السعودية وحدها.
 
وكانت أبرز الخطوات التي قامت بها السعودية، والتي أظهرتها كقوة إقليمية لا يستهان بها، دعمها للمعارضة المسلحة في سوريا، ولولا ذلك الدعم -بالإضافة إلى الدعم التركي-لتمكن بشار الأسد من سحق المعارضة خلال أقل من أسبوع، وأيضا تدخل السعودية ودولا عربية أخرى في اليمن استجابة لطلب الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي لها بالتدخل ضد الانقلاب، ولولا ذلك التدخل لتمكن الانقلابيون من السيطرة على اليمن بكاملها خلال أقل من شهر.
 
 ويأتي تدخل السعودية في ملفي اليمن وسوريا في سياق صراعها مع إيران، الداعم الرئيسي للشيعة العرب، حيث تحاول إيران زعزعة استقرار الدول العربية من خلال تحريك أذرعها المتمثلة في الأقليات الشيعية، وتقديم الدعم المادي والعسكري والإعلامي لها، من أجل تمرير مخططاتها التوسعية واستعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية التي دمرها العرب.
 
- محاولة تحجيم الدور السعودي
 
وقد أثار بروز السعودية كقوة إقليمية مؤثرة ونجاحها في رسم سيناريوهات جديدة للصراع في منطقة الشرق الأوسط تختلف عن تلك التي يريد الغرب رسمها والهادفة إلى المزيد من التقسيم، أثار ذلك قلق الدول الغربية الكبرى، خاصة بعد أن تمكنت السعودية من حشد أكبر تحالفي إسلامي لمكافحة الإرهاب، واستضافتها لأكبر مناورة عسكرية في المنطقة، المعروفة باسم "رعد الشمال"، وقد دفع ذلك الدول الغربية إلى ممارسة الضغوط على السعودية لإيقاف حربها على الانقلابيين في اليمن، بعد أن وصلت قوات الشرعية إلى مشارف العاصمة صنعاء (جبهة نهم)، كون ذلك سيمنح السعودية والتحالف العربي نصرا من شأنه أن يقلب موازين الصراع في المنطقة بشكل كبير، وبدأ الإعلام الغربي ومنظمات غربية في توجيه انتقادات حادة للسعودية بخصوص عملياتها العسكرية ضد الانقلابيين في اليمن، متهمة إياها بانتهاك حقوق الإنسان، يقابل ذلك صمت مخزي حيال الجرائم التي ترتكبها الميليشيات الشيعية في اليمن والعراق وسوريا ضد المدنيين، بالإضافة إلى الجرائم التي ارتكبتها إيران وروسيا ضد المدنيين في العراق وسوريا، وأيضا جرائم جيش بشار الأسد.
 
ويهدف المجتمع الدولي من ضغوطه على السعودية إلى تحجيم دورها السياسي والعسكري المتصاعد، خاصة فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب، فالولايات المتحدة تريد أن تبقى هي زعيمة الحرب العالمية على الإرهاب، ولا تريد أن يتشكل تحالف وتقوده دولة أخرى لمكافحة الإرهاب، خاصة إذا كان هذا التحالف إسلاميا، كون ذلك سيحرم الإعلام الغربي من إلصاق صفة الإرهاب بالمسلمين جميعا، وسيحرم أمريكا من مواصلة استثمار ملف الإرهاب.
 
كما أن مثل هكذا تطورات يعني، بشكل أو بأخر، عرقلة مخططات غربية تهدف إلى تقسيم دول المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية وطائفية مذهبية، ضمن مخطط "الفوضى الخلاقة"، وبالتالي، فإن تدليل الجماعات الشيعية الإرهابية يأتي ضمن هذا المخطط، كونها أبرز أدواته، وتلتقي أهدافها مع أهداف الدول الكبرى في تقسيم وتجزئة المنطقة العربية، ورسم خريطة (سايكس - بيكو) جديدة لها.
 


التعليقات